أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - ماذا لو كانت مجرد مزحة؟














المزيد.....

ماذا لو كانت مجرد مزحة؟


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7119 - 2021 / 12 / 27 - 13:10
المحور: الادب والفن
    


يتجه المسلحون إلى مدينة غافلة، تنقلهم سيارات بيك أب مسرعة، على وجوههم وعود مشؤومة وفي عيونهم كراهية. كل الطرقات مفتوحة أمامهم. لا يبدو أن أحداً أو شيئاً يكترث بما سيجري، لا أحد ولا شيء يكلف نفسه عناء إعاقة الشر القادم. وفي مكان محدد في المدينة الغافلة، هناك قلوب وأرواح على موعد مع الوحشية القصوى. الجريمة قادمة، والمجزرة على بعد صرخة.
ولكن ماذا لو أمتنع الرصاص عن القتل، وتحولت الرصاصة إلى غيمة صغيرة بدل أن تخترق الجسد؟ ماذا لو تحول النصل القاتل إلى قماش ناعم على رقبة الطفل؟ ماذا لو تحجر الغاصب لحظة اقترابه من ضحيته التي يشلها الرعب؟ ماذا لو أتيح لعيون الضحية أن تتأمل وجه القاتل المخذول؟ ما الذي يحدث لقاتل حين تخونه أدواته، تحت أنظار الضحية؟ هل ينسحب بخجل؟ هل يخاف؟ هل يغضب ويحاول مجدداً تجريب أدواته لقتل الضحية المستهدفة؟ أم يضحك بقلق ويقول إنها كانت مجرد مزحة و"إننا أخوة"؟
كانت المدينة على موعد مجهول مع مجزرة، لكن المجزرة لم تحدث لأن الرصاص تبخر والسكاكين لانت، ولأن القاتل وجد نفسه يشبه الضحية في العجز، فتزحلقت عن وجهه سحنة القتل، وانكشف وجهه "العادي"، وجه لا يختلف بشيء عن الوجوه التي نراها في الشوارع وعلى مواقف الباصات وفي صالات البيع والانتظار. ظهر وجه القاتل العاجز وبدا شبيهاً بوجه الضحية بعد استعادة ذاتها من نفق الرعب. ماذا لو كانت مجرد مزحة تنتهي بالضحك؟
عادت سيارات البيك أب خائبة من مكان المجزرة المفترضة، وفي صناديقها مجرمون فاشلون. بمشاعر مختلطة بين الانكسار والخجل والغضب وربما الخوف. أشعل أحدهم سيجارة وقال بانفعال غامض وفي ذهنه صورة مجزرة ضائعة: "إنني لا أصدق ما يجري. أصبحنا عاجزين بلا قيمة". صورة المجرم الفاشل تريح القلب. ماذا لو كان الفشل قدراً محتوماً على المجرمين؟
وهناك، حيث حدثت المعجزة، خلا المكان فجأة من حركة خاطفة ومتوترة لأجسام بشرية كثيرة وطارئة، وساد صمت، صمت ما بعد العاصفة، وبدا كما لو أن الفراغ يستعيد تجانسه ويعيد ترميم ذاته بعد هذا الاختراق. الدماء التي لم تهدر، اطمأنت من جديد إلى ممراتها وعادت بالتدريج إلى دورانها العادي. الدم يستشعر الرعب القادم قبل أن يعلن هذا عن ذاته، فيضطرب في دورانه، ويثور الذعر في الكائنات. لكن الدماء التي اضطربت هناك، عادت مجدداً إلى هدوئها وانتظمت.
أما الأم فقد طوت دهشتها واستأنفت أعمالها التي لا تنتهي، والطفل راح يتسلى باستعادة الأحداث الغريبة التي طرأت في يومه. وفي المساء تحدث الجميع بحماس عن مجزرة لم تقع، وعن مشاريع قتلة تحولوا فجأة إلى أخوة بعيون لينة ووجوه متعبة. عن طفل ظن أن الرجل الذي التقطه أراد مداعبته، فأحبه ولم يجد تعبيراً عن حبه أفضل من أن يقدم له حبة البونبون التي كان يخبئها بحرص في جيبه، بينما كان قلبه يرقص سعادة بهؤلاء الأقارب الكثر الذين وفدوا إليهم دفعة واحدة وانتشروا في البيوت كالمشتاقين.
لو يمتنع الرصاص عن القتل، كان سيعود الأب إلى البيت مع ربطة الخبز، ولن يذكر من محاولة القناص شيئاً، سوى اضطراب مفاجئ في دمه، وذعر مباغت انتابه، ثم تلاشى ببطء. وهكذا سوف يجلس على مائدة الفطور مع عائلته، يروي لهم هذا الشعور الغريب، بدل أن يتأخر عن العودة وتجوع العائلة وتضطرب دماؤها قبل أن تكتشف موت الأب برصاصة قناص.
لو يمتنع الرصاص عن القتل، سوف يستجيب المسجون لشوقه إلى الشوارع، ويركض هارباً في أول فرصة متاحة. لو يمتنع الرصاص عن القتل، سوف يعرف المخطوف ثغرة الفرار، ويركض مستجيباً لخوفه على قلب أمه. وسوف يتملص المعتقل من يد الشرطة ويعدو بكل طاقة لديه. سيلاحقهم الرصاص ولكنه سيمتنع عن قتلهم، ويتحول إلى غيوم بيضاء صغيرة وأصوات تصلح للابتهاج.
لو تمتنع وسائل القتل عن القتل، لاطمأنت تلك الأم، ولما قالت للخاطفين المطالبين بفدية لإطلاق ابنها: "إنني لا أملك شيئاً مما تطلبون، اتركوه لديكم، ولكن، بحق الله، لا تقتلوه". كانت ستبكي غيبته والقسوة المفترضة للخاطفين عليه، ولكنها كانت ستبقى مطمئنة إلى أن غيبته لن تكون أبدية.
ماذا لو تحولت القنابل والبراميل المتفجرة إلى بالونات تطير مع الريح، فلا تثير غباراً ورعباً يملأ الصدور، ولا تخلف أنقاضاً تتمسك بساكنيها بيأس الغرقى؟
ماذا لو كان ثمة سلطة عليا مطلقة للحق والعدل، تغزو ضمائر المتسلطين والفاسدين، فتغرقهم بالخجل؟



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في سورية، الصراع الأمني أولاً
- الوطن المنفي
- الشيخ إمام في عالمي المغاير
- تيار يميني يثير ذعر الفرنسيين
- إشكالية -الجيش السياسي- في السودان وغيره
- بمناسبة الحديث عن مجلس عسكري سوري
- العالقون على حدود بولونيا، أي درس؟
- أسرار الحديقة
- الدولة العميقة والمسارات المستورة للسلطة
- الانقلاب في السودان، عن المعجبين بحكم القوة
- السودان: يا سلطة مدنية، يا ثورة أبدية
- السلطة وركائزها النفسية
- بين إريك زيمور وقيس سعيد
- نقد المعارضة الجذرية
- على ضوء الحاضر السوري الكئيب
- بين سجنين، أبطال في أمة مفككة
- ضرورة التمييز ومعرفة الفروق
- درعا، قليل مما يمكن قوله
- الحديقة في المنفى
- أصوات سورية تعلو بالخيبة


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - ماذا لو كانت مجرد مزحة؟