أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - جسر اللَّوْز 46














المزيد.....

جسر اللَّوْز 46


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7140 - 2022 / 1 / 19 - 15:04
المحور: الادب والفن
    


كان الوقت ينفد بسرعة. كان عليّ تنظيم كل شيء لوحدي وحجز كل المواعيد الضرورية: مكتب السجل المدني، صالون الحلاقة، الماكياج ومستحضرات التجميل، محل المجوهرات، خواتم الزفاف، الزهور، بذلة الزفاف، الأحذية، السيارة، المطعم، الوجبات، المصور، الإقامة في الفندق، الدعوات، الموسيقى ...
كنت أرغب في الحصول على حفل زفاف متواضع، لكن الأميرة المسرنمة رهان وولي أمرها الحاذق مصطفى لم يقبلان بذلك. كنت قد خسرت إلى ذلك الحين الكثير من المال والوقت وتعب الأعصاب، أصبحت غير مبال بالقادم وتمنيت أن ينتهي الموضوع وأستقر بهدوء في بيتي بأسرع وقت آملاً ألا تتضاعف خساراتي، لم أمانع فالرجل يريد أن يفرح بزفاف ابنته الوحيدة وهذا أبسط الإيمان، أخبرته أن عائلتي كلها في سوريا وأصدقائي الذين لا يتجاوز عددهم العشرة تراهم موزعين في كل أنحاء ألمانيا ولذلك سأكون مسروراً لو يتفضل مشكوراً بدعوة كافة أفراد قبيلته إلى حفلة العرس.
صدمني رده حين علمت منه أن إخوته وعائلاتهم قد رفضوا الحضور، وبأنهم غاضبون عليه إلى يوم الدين لأنه يشجع تزويج ابنته المدلّلة إلى شخص غير موثوق من طائفة أخرى. ومن هذه الخلفية فقد رجاني مصطفى أن أبرهن لهم العكس وأن أدعو معارفي ـ لا أصدقائي وحسب ـ الألمان والسوريين إلى هذه المناسبة التاريخية.
ضحكت يومها طويلاً وأفهمته أن الناس مشغولة بأعمالها وجامعاتها وعائلاتها ولا وقت لديها للسفر إلى مدينة أخرى وتحمل أعباء إجرة القطار والمبيت في الفندق واحتمالية شراء هدية. إلا أن كلامي وحججي لم تقنع مصطفى ورهان وبقية أفراد الأسرة. من جهة أخذ الأب مصطفى يتنحنح وهو يذكّرني بقلبه المثقوب وقرب موته وحتمية شماتة عائلته به وبنا مُنهياً حديثه بأن الإنسان القوي الصريح مع نفسه والواثق من نفسه مثلي أنا قادر أن يروّض المستحيل إذا شاء، ومن جهة أخرى جعلت رهان تبكي مثل ولد تعرّض للإيذاء الجنسي من مؤخرته.
وافقت على تحقيق رغبته وحلم ابنته مكرهاً.
كان عليّ أن أجد الضيوف المناسبين في دفتر هواتفي وأدعوهم لحفلة العرس. هاتفت معارفي وأصدقائي من مدن فرانكفورت ودرسدن وميونيخ وبلاوين ودوسلدورف ومونستر ودورتموند ودويسبورغ وآخن ... راجياً منهم قبول دعوتي والموافقة على المجيء ووعدتهم بدفع تكاليف بطاقات القطار والإقامة في الفندق ليوم أو يومين بما فيها تكاليف الطعام والشراب.
حين شجّعت رهان على دعوة أصدقائها ـ وأنا الذي صار متأكداً أن لا أصدقاء لها ـ كنت كمن أضرم النار في الهشيم، ندمت في سري على استفزازي لها، السّمكة أمسكت بالطُّعم وبدأت تُحاضر بي:
"أصبحت متأكدة يا سيدي أحمد أنك تقدّر الظرف الذي أعيشه وتستطيع أن تتفهمه بطريقة صحيحة، وأنا متأكدة بأنه أصبح لديك فكرة ولو بسيطة عن طبعي وأخلاقي وهو أنني لا أحب مجاملة الناس كثيراً وأنا بعيدة عن معظم العرب الموجودين في ألمانيا، لم أجد فيهم من هو قريب مني ومن طباعي ناهيك عن انشغالي الزائد بدراستي ومشاريعي ومستقبلي المهني، كما أن معظم الشابات هنا من النموذج الذي لا يتناسب مع أفكاري كثيراً أو يغار منه، لا يوجد أي خلاف بيننا سوى أنني لا أستطيع أن أعتبر أي واحدة منهن صديقة مقربة بالنسبة لي وأشعر أنني قادرة أن أستمر هنا معهن أو بدونهن. أحب أن أخبرك بأن الله كان معي في كل شدة وكل خطوة هنا منذ وصولي حتى هذه اللحظة وهذا يكفي. أبشع ما يمكن أن تواجهه في الغربة هو الضيق والمرض وأنا والحمد لله لم أواجه هذا النوع من الأزمات. كنت محظوظة في كل شيء هنا ووضع الله في طريقي ناس في غاية الاحترام والإنسانية، كنت حذرة جداً فلم يحدث معي شيئاً سيئاً يمكن أن أندم عليه، بل لكل هذه الأحداث ذكرى خاصة تهز مشاعري. لا يعرفني ذلك الرجل الذي اشترى لي تذكرة من برلين إلى دريسدن في أول يوم وصلت فيه وحاول أن يعطيني نقوداً علماً أنه لم يكن متأكداً بأنني سأعيدها له كما أنه لم يكن يعرف اسمي الكامل وفوجئ عندما وصلت النقود إلى رقم حسابه المصرفي ومنذ ذلك الوقت وهو ما يزال يتصل على فترات متباعدة للإطمئنان عني ويسأل فيما إذا كنت أحتاج أي شيء علماً أن غايته كانت وما زالت نزيهة. ولا يعرفني ذلك البروفيسور العظيم الذي دعاني لزيارته في بيته بمدينة كونستاتنس وعاملني كابنته ودفع لي تكاليف السفر، ولا تلك السيدة في مدينة كاسل التي كانت تسأل عني كل يوم وتدعوني للعشاء على مائدتها في دار المسنين. أرجوك يا سيدي أحمد لا تطرح عليّ في المستقبل أسئلة تعرف إجابتها سلفاً، ثقتنا بك عالية، إليك نشكو همومنا ومن قوتك نستمد طاقتنا، أنت في نظرنا شامخ كالجبال، أنت سندنا، ألا تسمع السيدة الفاضلة أمي وهي تُوصي أخوتي بك وتقول: "الصهر يشد الظهر".
أضحك في سري لطريقة زوجتي المستقبلية بالكلام وأصمت خجلاً.
في تلك الأثناء قرّر مصطفى وقمر العودة إلى برلين برفقة رهان على أن يعودوا قبل موعد الزفاف بيوم.
سأكتشف لاحقاً أن مصطفى كان يخطّط لشيء مختلف تماماً في برلين، هناك استأجر لابنته شقة وسجّلها في الجامعة لدراسة الماجستر في مجال حماية الممتلكات الثقافية، وكأنها لا تعرفني ولن تتزوج بي أبداً.
يتبع



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جسر اللَّوْز 45
- جسر اللَّوْز 44
- جسر اللَّوْز 43
- جسر اللَّوْز 42
- جسر اللَّوْز 41
- جسر اللَّوْز 40
- جسر اللَّوْز 39
- جسر اللَّوْز 38
- جسر اللَّوْز 37
- جسر اللَّوْز 36
- جسر اللَّوْز 35
- جسر اللَّوْز 34
- جسر اللَّوْز 33
- جسر اللَّوْز 32
- جسر اللَّوْز 31
- جسر اللَّوْز 30
- جسر اللَّوْز 28 و 29
- جسر اللَّوْز 27
- جسر اللَّوْز 26
- جسر اللَّوْز 25


المزيد.....




- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...
- المؤسس عثمان الموسم 5.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 باللغة ...
- تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 على النايل سات وتابع أفلام ال ...
- وفاة الكاتب والمخرج الأميركي بول أوستر صاحب -ثلاثية نيويورك- ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - جسر اللَّوْز 46