أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد حسن - القراءة المتناقضة لموقف ماركس من الاستعمار.















المزيد.....



القراءة المتناقضة لموقف ماركس من الاستعمار.


احمد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 7129 - 2022 / 1 / 7 - 03:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين التزوير والإغفال.
تلك النقطة هي الأكثر أهمية والأكثر جدارة بالتوقف عندها. ثمة اتهام وجهه عديد من الكتاب والمدارس الفكرية إلى ماركس، سواء في منطقتنا أو من قبل بعض الكتاب الأوربيين. مفادها أنه مفكر أوربي في المقام الأول، ونظريته متأثرة بنزعة المركزية الاوربية والتفوق الأبيض، وحتى أنه دافع عن وبرر الاستعمار الأوربي لأفريقيا واسيا. وعلاقته بنضالات الدولة المستعمرة ليس فقط غائبة أو استعلائية، بل استعمارية بدرجة ما.
هذا الاتهام ليس مجرد افتراءات فحسب، بل هدفه هو تشويه ماركس وإبعاده عن "العالم الثالث" وعن دول الشرق وقضاياها، وتركهما للقوميين والوطنيين البرجوازيين من كل الأنواع. اذ أن ماركس هكذا ليس فقط غير لائق نظرياً، حيث تدور أفكاره ونظرياته حول أوربا بصفة رئيسية، بل أيضا موصوماً بكونه اوربي استعماري استعلائي. ولو الى حد ما.
وما صلة مؤلف الكتاب بتلك المسألة؟ هي صلة مركبة، فالكتاب يحمل في طياته هذا الاتهام، ويحمل نقيضه والرد عليه أيضاً. وذلك دون أن يوازن بين التصورين المتناقضين ويحبذ أحدهما، بل وضعهما متجاورين دون أن يلاحظ تعارضاً بينهما.
ولأهمية تلك القضية نتوقف عندها، ونعرض عينة من تلك الاتهامات، وتناقضات المؤلف في تلك النقطة، وننظر ما إذا كان ماركس فعلا متلبس بتلك التهمة أم هي محض افتراء وتزوير.
1 – تتعلق اغلب الاتهامات بواقعتين بصفة أساسية أشار اليها ماركس، في رسائله الى إنجلز. بجانب اختلاقات أخرى.
الأولى تتعلق بإعدام الفرنسيين لمواطن جزائري كان متهماً على الاغلب بالسرقة. وموجزها أن الفرنسيين خالفوا الأعراف الجزائرية والتعهدات التي قطعوها وقطعوا رأس المتهم الجزائري بالمقصلة أو السيف، وذلك بدلا من إعدامه بالمشنقة كما هو متفق عليه، وسبب ذلك رعباً لأهله المسلمين لأنه، في اعتقادهم، لا بد أن يكون الجسد كاملاً حتى يمكنه دخول الجنة، ورفض الفرنسيون اعطائهم الرأس ليخيطوها في الجسد حتى يكتمل.
والثانية تتعلق بوصفه لمشهد جماعة جزائرية من حيث الملابس والازياء الغريبة بالنسبة له.
"كتب اللي ابنته لورا في منتصف أبريل أنه لاحظ أن جماعة من العرب كانوا يلعبون الكوتشينة، كان بعضهم يرتدى ملابس مبهرجة، غالبا فاخرة؛ وهناك آخرون يرتدون، ما قد يعد مجازفة بتسميتها بلوزات، وتشبه أحيانا الصوف الأبيض، لكنها الآن خرق وأسمال بالية. وحول؛ سلوك المسلم الحقيقي؛ يضيف:
إن الأحداث، سواء كانت جيدة أو سيئة، لا تؤدي الى التمييز في التعامل بين أبناء محمد. هناك تكافؤ تام في تواصلهم الاجتماعي، ولا يتأثر ذلك إلا عندما ترتبك معنوياتهم فقط، حيث يبدؤون في الشعور به، أما بخصوص الكراهية ضد المسيحين، فإنهم يأملون في الانتصار النهائي على هؤلاء الكفار، وسياسيوهم يراعون نفس هذا الشعور وأهمية التصرف بمساواة تامة (ليس في الثروة أو المكانة ولكن في العلاقات الشخصية) وهذا يعد ضمانة للحفاظ على الاعتبار الشخصي، وليس في تقديم العطاء للأخرين. (لكنهم، بغض النظر عما ذكر، سيذهبون إلى دولاب التعذيب rack والدمار مالم يكن لديهم حركة ثورية."
ويضاف إليهما حشواً ذهنياً من نوع أنه كان يأنف من العرب والمسلمين، واثناء رحلته تجنب التعامل معهم احتقاراً، ويزيدنا أحد الكتاب أنه عاش مرفهاً في الجزائر على حساب الحكومة الفرنسية.
لنري ذلك:
يقول مؤلف هذا الكتاب:
"أدلى ماركس بعدد من الملاحظات المثيرة للاهتمام في خطاباته الستة عشر المرسلة من الحافة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، بعضها ما زال يشوبه رؤية استعمارية إلى حد ما. تلك التي تبرز في نظرته إلى العلاقات الاجتماعية بين المسلمين."
وينضم الى وجهة النظر هذه الكاتب العراقي "التقدمي"، حسين الموزاني، في مقال كتبه إلى جريدة ميسلون للتقدميين العرب مارس2017 وأعاد نشره على صفحة الشاعر العراقي سعدى يوسف في يونية 2018 تحت عنوان (نظرة فيلسوف البروليتاريا العالمية إلى العرب والمسلمين).
نتعرض أولا للموزاني لأنه يمثل – ويستند الى – "تشكيلة" الاتهامات الشائعة ضد ماركس.
ا- ماركس كان يحمل نظرة احتقار الى العرب والمسلمين بدلالة الواقعتين السالفتين. ويضيف الى ذلك بخصوص واقعة الإعدام ان المحكوم عليه كان هو المجاهد الجزائري "بو عمامة". ومن ثم تعامل ماركس بشكل غير لائق مع موت مناضل جزائري.
يقول الموزاني " في مطلع عام 1880 وضعت السلطة الفرنسية خطّة لإخضاع المناطق الصحراوية الجنوبية. فتصدى لها الجزائريون بقوّة، بل اندلعت ثورة جديدة بقيادة سيدي بوعمامة الذي أظهر شجاعة نادرة وموهبة فذّة في خوض حرب العصابات، حتىّ أن الثوار أطلقوا عليه لقب "عبد القادر الثاني". وكتبت إحدى الصحف الفرنسية، Debats، تقول آنذاك: "إنّ أحداً لم يجرؤ قبل بوعمامة على أسر ثلاثمئة محارب فرنسي في ضربة واحدة والاستيلاء على ألفّ عربة محملّة بالقمح، وذلك كلّه أمام أنظار السلطات الحاكمة". إلا أنّ القوّات الفرنسية تمكنت من تدبير مكيدة، فأوقعت بهذا الثائر واعتقلته في التاسع من نيسان عام 1882 بعد أن تعهدت له بالأمان، لكنها نكثت العهد، وقررت إعدامه. وحين طالب بوعمامة بأن ينفّذ قرار الحكم رمياً بالرصاص بدلاً من المقصلة، لأن قطع رأس المسلم البريء محرّم في الإسلام، رفضت السلطات الفرنسية طلبه، وأصرّت على إعدامه بالمقصلة مثلما يقضي قانون العقوبات الفرنسي آنذاك.
الموزانى – بقصد أو عن جهل – يزيف التاريخ.. لأن "بوعمامة" المناضل الجزائري الشهير لم يعدم في عام 1882، بل حتى لم يعدم أصلاً وتوفي وفاة طبيعية عام 1908 في واد بورديم بالمغرب، أي بعد وفاة ماركس نفسه بعدة عقود.
وواقعة الإعدام المذكورة أشار اليها ماركس في سياق التشهير بالفرنسيين ومخالفتهم لتعهداتهم والتعامل الفظ والبربري مع الجزائريين. بل ان ماركس يشير – كما يذكر مارسيلو - إلى.. “الانتهاكات العنيفة من قبل الأوروبيين والإهانات الدائمة، و، ليس أقلها غطرستهم السافرة والتطاول الفج على “السلالات الأدنى”،]ويمارسون [“بطريقة مخيفة، التوثين – المشابه لهوس “التكفير” مع تخوفهم من قيام أي تمرد. كما أكد أنه في التاريخ المقارن للاحتلال الاستعماري، “يتفوق البريطاني والهولندي على الفرنسي”. في الجزائر نفسها، أخبر إنجلز، أن صديقه القاضي فيرمي قد شاهد بشكل منتظم أثناء قيامه بمهام وظيفته “شكلا من أشكال التعذيب […] لانتزاع اعترافات من العرب، مارسته “الشرطة “بطريقة [...] (مثل الإنجليزي في الهند) باردة وتخلو من أي أحساس.".
الموزاني يزيف أيضاً الترجمة الخاصة بوصف ماركس لمشهد الجزائريين. فقد ترجم الفقرة الأخيرة من هذا المقطع على النحو التالي" (. ومع ذلك فليذهبوا إلى الشيطان طالما لم تكن لهم حركة ثورية).
الفقرة بالإنجليزية هي"
(Nevertheless, they will go to rack and ruin without a revolutionary movement.).
ولا يوجد بها شيطان ولا تتحمله في ترجمة اجتهادية، كما لا يوجد بها أداة تعليل من مادام او طالماً. الفقرة تحمل طابعاً تقريرياً. وتفيد أن المغاربة سوف يتعرضون الى معاناة شديدة وتدمير بدون without وجود حركة ثورية. وهي أقرب الى دعوة لتكوين حركة ثورية جزائرية، وتقرير واقع أنه بدونها سوف يهزم الجزائريون. ولا يوجد بها أدني شبهة احتقار لهم او لنضالهم.
ومن هذا الجهل، أو التزييف، يخلص الموزاني الى:
“تفصح هذه الملاحظة، وغيرها العديد المبثوث في ثنايا الكتاب المفصل الذي وضعته الباحثة الألمانية مارلينا فسبر عن رحلة كارل ماركس إلى الجزائر، عن النظرة الأخلاقية والسياسية لماركس، وهي في التحليل النهائي نظرة أوروبية مركزية، استعلائية وأرستقراطية في جوهرها، وبالذات نظرة أوروبا الوسطى والشمالية الذي تحدث عنها إدوار سعيد في كتابه عن الاستشراق."
ويبالغ أكثر بالقول” وكذلك “نظريته لم يقرأها ويطبقها إلا المثقفون البرجوازيون، بل حتى أبناء البرجوازية الكبرى، فأنا شخصياً لم أر في حياتي عاملاً بروليتارياً ماركسياً، حتى في ألمانيا بلد كارل ماركس نفسه.
ويسعي مقال الموزراني الى إزاحة ماركس نظرياً بوضوح، فيهاجم رؤيته للتاريخ ولفهم أنماط الإنتاج في الشرق:
"هذه الملكية المشتركة للأرض هي نمط اقتصادي اجتماعي كان سائداً في الجزائر منذ مئات الأعوام، ويتناقض إلى حدّ ما مع نظرية كارل ماركس عن المراحل الخمس التي مرّت، أو التي ستمّر بها البشرية بصورة حتمية، وهي المشاعية البدائية، أو الشيوعية الأوّلى، ثم العبودية فالإقطاع فالرأسمالية وأخيراً الاشتراكية."
الواقع هو أن نظرية كتلك التي ينسبها لماركس ليس لها أي أصل في كتابات ماركس أو رسائله، بل أن المخطوطات التي ظهرت وتم نشر بعضها منذ عشرات السنين، تشير إلى انه تحدث عن أنماط إنتاج أخري غير تلك المذكورة، وانه رفض بشدة – خاصة في سنواته الأخيرة – كما يشير هذا الكتاب – نسبة أفكار كهذه له، بل أن رحلته للجزائر، كما يذكر الموزاني نفسه، تضمنت غرضا بحثياً في أشكال إنتاج أخري غير الرأسمالية أو الإقطاع. يكفي مطالعة الفصل الثاني من هذا الكتاب (ماركس الأخير) لدحض تلك الاكذوبة نهائياً.
والأسواء بكثير هو هذا التلميح الذي يخلو من أدني سند أو شعور بالمسئولية حين يتهم ماركس بحمل ”نظرة أوروبية مركزية، استعلائية وأرستقراطية في جوهرها” ويلوذ هنا بإدوار سعيد واخرين لتأكيد اتهامه عن ماركس الأوربي العنصري.
(تفصح هذه الملاحظة، وغيرها العديد المبثوث في ثنايا الكتاب المفصّل الذي وضعته الباحثة الألمانية مارلينا فسبر عن رحلة كارل ماركس إلى الجزائر*، تفصح عن النظرة الأخلاقية والسياسية لماركس، وهي في التحليل النهائي نظرة أوروبية مركزية، استعلائية وارستقراطية في جوهرها، وبالذات نظرة أوروبا الوسطى والشمالية الذي تحدث عنها إدوار سعيد في كتابه عن الاستشراق. لكننا وقبل مناقشة النظرة "الماركسية" للشرق العربي الإسلامي نود أن نشير إلى بعض الآراء التي طرحها إدوارد سعيد عن تعامل ماركس مع الشرق.
يعزو إدوارد سعيد هذه النظرة إلى فهم ماركس للنظام الاقتصادي الآسيوي الذي تحدث عنه عام 1853 أثناء تحليله لطبيعة السيطرة البريطانية على الهند. فبعد أن استعرض ماركس سياسة القمع والطمع والتدخل الاستعماري الفظّ في شؤون الهند، عاد وبقناعة تامة إلى أفكاره الأصلية التي ترى في تحطيم الهند فرصةً للثورة الاجتماعية الحقيقية. ويعلّق سعيد بأن هدف الاستعمار البريطاني لم يكن قطّ اتاحة الفرصة أمام الهنود للقيام بثورة اجتماعية، بل الطمع والمصالح الاستعمارية وحدها. فماركس يرى وفقاً لتحليل سعيد بأن بريطانيا تقوم بمهمتين مزدوجتين في الهند، إحداهما هدّامة والأخرى بناءة تهدف إلى تدمير النظام الاجتماعي الآسيوي القديم ووضع الأسس المادية لنظام اجتماعي غربي في آسيا.
فماركس يصف هؤلاء بالشرقيين الذين لا يعرفون المعاناة، ولذلك يجب معاملتهم بأسلوب يختلف عما هو مألوف لدى الأوروبيين. وهو يفعل ذلك بطريقة آلية لتبرير فرضياته حول الثورة الاجتماعية الاقتصادية اعتماداً على عدد من كتابات المستشرقين (أي مستشرقين؟) التي حددت نظرته إلى الشرق.)
في الواقع نحن لا نعرف ولم نري، ولم يشير الموزاني إلى كتاب او نص أو حتى فقرة واحدة، من أفكار ماركس " الأصلية" قرر فيها، صراحة أو ضمنياً، أن " تحطيم الهند فرصةً للثورة الاجتماعية الحقيقية". هذا تلفيق فج وفظ منسوب الى ماركس سواء في رؤية أدوار – وفقاً للموزاني – أو في افتراءات اخرين منهم الموزاني نفسه. وليس هناك حاجة هنا الي استدعاء تعليق إدوار سعيد عن دور الاستعمار الإنجليزي في الهند وأهدافه. لأن ماركس خصص منذ مائتي عام، لفضح هذا الدور، العديد من التحليلات العميقة التي فضحت كلياً إنجلترا وسياستها الاستعمارية قبل ولادة إدوار.
وبخصوص النتيجة المركبة للغزو الاستعماري للهند. أو حتى الغزو الاقتصادي الغربي لروسيا الإمبراطورية. هذا تحليل جدلي أصيل في كتابات ماركس بغض النظر عن الولولة او حتى عن ادانة ماركس نفسه للاستعمار. ستضطر الدول الاستعمارية الى ذلك لتحطيم الاشكال الاقتصادية القديمة ولتسهيل سيطرتها الاقتصادية وحتى تربط اقتصاد البلد المستعمر باقتصادها المسيطر. فعل الاستعمار ذلك في معظم الدول التي تم غزوها. الاستراتيجية الاعمق لهيمنة الرأسماليات الاوربية كانت (رسمل تسد) وليس فرق تسد، خاصة في مراحلها الأولى التي احتاجت فيها ل (التوحيد القومي) وبناء الامبراطوريات الاستعمارية لإيجاد سوق كبير لمنتجاتها، تحطيم اشكال الإنتاج القديمة وفرض علاقات التبادل الرأسمالي على الأرض والعمل كانا أهدافاً أساسية للرسملة والهيمنة.. لكن ماركس أكد على أن ذلك تدمير للبلد المستعمر ووحشية من الرأسمالية الغازية. ورغم أن ماركس كان يري في كتاباته المبكرة أن الاستعمار هنا قد يكون ضريبة يفرضها "التاريخ" لتطور المستعمرات ودخولها نمط انتاج ارقي. لكنه، في كتاباته الأخيرة على الأقل، وصل الى أن هذا الثمن الفادح يمكن تفاديه، هناك على الأقل احتمال لتفاديه، وليس ضرورياً، بل حتى أن المرور بمحرقة الانتقال الى الرأسمالية وتكلفته الدامية ليس حتمياً. يمكن انطلاقاً من شروط مثل وضع المشاعة الروسية تخطى هذا الانتقال الرأسمالي. (راجع في ذلك الفصل الثاني من هذا الكتاب حول المشاعة الروسية). لم يكن ماركس محامي الاستعمار، بل محلل مادي تاريخي ثوري، وقف بثبات في كل مراحله الفكرية بجوار نضال شعوب المستعمرات، وفضح بلا تواطؤ او هوادة دور المستعمرين وجرائمهم وحيلهم الخبيثة.
وأي باحث نزيه لا ينتقي من اعمال مفكر كتابات تجاوزها المفكر نفسه في اعمال لاحقة، تلك تسمى تزوير بالحجب. خاصة لو أن تلك الاعمال متاحة للباحث، وإن افترضنا حسن النية، يكون الباحث معذورا بجهله فحسب.
اما عن نظرية أنماط الإنتاج الخمس. فتلك فرية إضافية أشرنا اليها، ويناقشها المؤلف بقدر مناسب من الوقائع والتفاصيل بما يكفي لدحضها. ومن ثم لن نسهب في عرضها هنا.
يبالغ الموزاني في تشويه ماركس إلى حد افتقاد الجدية تماماً، حيث يقرر أن نظرية ماركس “لم يقرأها ويطبقها إلا المثقفون البرجوازيون، بل حتى أبناء البرجوازية الكبرى، فأنا شخصياً لم أر في حياتي عاملاً بروليتارياً ماركسياً، حتى في ألمانيا بلد كارل ماركس نفسه.” الموزاني. نفس المقال.
ومن المفارقات المثيرة للسخرية أن الموزاني "التقدمي!!" يكاد يوجه النقد الي ماركس، فليسوف التفكير المادي، لأنه لم يؤمن بمحمد ورسالة الإسلام، يشير الى:
"يقول ماركس بأن العرب قبل الإسلام كانوا متحضرين شأنهم شأن قدماء المصريين والآشوريين، ولذا فإنّ "الثورة الدينية التي قام بها محمّد لا تختلف عن أي حركة اجتماعية، فهي حركة رجعية على نحو شكليّ، تزعم العودة إلى ما هو قديم وبسيط".
يواصل (يتعرض ماركس في بحث حول "تاريخ القضية الشرقية" إلى بساطة التفكير الإسلامي فيقول إنّ "القرآن والتشريع المستمد منه يقلصّان الجغرافية والتنوّع العرقي لمختلف الشعوب في ثنائية سهلة ومريحة وهي: المؤمنين والكفّار".
ويعتقد ماركس بأنّ القرآن يعتبر كلّ أجنبي كافراً، بحيث أن أحداً لم يجرؤ على دخول بلد إسلامي دون أن يتخذ إجراءات الحيطة والحذر).
من أين أتي الموزاني بأن ماركس قال إن المسلمون الجزائريون يعتبرون أي "أجنبي" شخص كافر، وهل يقتصر الإسلام على من هو جزائري؟ الم يوجد في تلك الحقبة مسلمون غير جزائريون "أجانب" في بقاع كثيرة من العالم؟، هل كان الجزائريون يجهلون ذلك مثلاً.
يواصل الموزاني “كارل ماركس نفسه طبّق هذه التصوّرات حرفياً أثناء زيارته إلى الجزائر، فهو لم يلتق بعربيّ أو بربريّ واحد، لأنهم أفظاظ ولا يؤتمن لهم جانب على حد تعبير ماركس؛ ثم ّإنهم اتباع دين رجعيّ صحراوي لا علاقة له بالعلم والمعرفة اللذين يشكلان "جوهر" الفلسفة الماركسية.".
وبغض النظر عن تلك المسخرة التي تطالب فليسوف المادية بعدم نقد الأديان، وبأن لا تكون له رؤية تاريخية غير رؤية الأديان لنفسها. فالصورة الوحيدة المنشورة لماركس في الجزائر هي صورة في حي جزائري شعبي بسيط بين مواطنين جزائريين.

كما أن رسائله تحمل قدراً كبيراً من الاعجاب بالجزائريين، الشامخين رغم الفقر ورغم الاستعمار، بل والذين يتعاملون (كمسلمين) بتكافؤ واحترام فيما بينهم، بغض النظر عن تفاوت الثروة والمكانة، بل ويحفز ابنته على الاهتمام بالثقافة العربية التي لا تخلو من الحكمة العملية في مقابل الأفكار المجردة.
" في رسالته إلى ابنته لورا قص عليها تلك القصة من الفلكلور العربي في الجزائر:
المراكبي جاهز وينتظر، بقاربه الصغير، على شاطئ مياه النهر الهائج. الفيلسوف، الذي يرغب في الوصول إلى الجانب الآخر، يصعد على متنه، تبدأ الرحلة. ويبدأ بينهما الحوار التالي:
الفيلسوف: أيها المراكبي، هل تعرف أي شيء من التاريخ؟
المراكبي: لا!
الفيلسوف: أنت إذن اضعت نصف عمرك!
واصل أيضا: الفيلسوف: هل درست الرياضيات؟
المراكبي: لا!
الفيلسوف: أنت إذن اضعت أكثر من نصف عمرك!
وما أن خرجت هذه الكلمات من فم الفيلسوف حتى زاد هياج البحر وقلبت الريح المركب، سقط كل من المراكبي والفيلسوف في الماء. عندئذ صاح المراكبي علي الفيلسوف: هل تعرف العوم؟
الفيلسوف: لا!
المراكبي: أنت إذن اضعت عمرك كله.
وأضاف ماركس إلى لورا" هذا سوف يحرك شهيتك للموضوعات العربية".
هل يتطابق "اشتهاء الموضوعات العربية" والدعوة الى التعرف عليها، مع احتقار العرب والمسلمين؟
بل يمكن أيضاً الحديث عن الانبهار الذي حدث لماركس بسحر الشرق الجزائري، إن كان ثمة شيء يمكن نسبته الى ماركس فهو التوق الى الشرق. وليس احتقاره.
"كتب في 16 مارس إلى ابنته جيني “لا يوجد شيء في مثل سحر مدينة الجزائر، إلا الريف الجزائري بعيد عن تلك المدينة […] سيكون ذلك أشبه بألف ليلة العربية – تمنحني صحة جيدة – مع كل أعزاءي القريبين (وخصوصا الأحفاد الذين لا يمكن نسيانهم) وفي 27 مارس أضاف أنه يود لو يقدر” استعمال السحر لإحضار حفيده الأكبر جوني لديه – أنه أمر مدهش […] في المغرب، البربر، وأتراك، وزنوج، باختصار تلك هي بابل والأزياء (اغلبها شاعري) في هذا العالم الشرقي، مختلطة مع الفرنسية المتحضرة” وما شابه ذلك. والبريطانيون البلهاء. " هل يمكن اتهامه هنا مثلا باحتقار الغرب، أو بانحياز شرقي؟
ورغم أن الموزاني يعترف – في مقاله - أنّ ماركس أظهر قدراً من التعاطف مع العمّال الجزائريين، مثلما شدد في رسالة إلى لافروج، زوج ابنته.
لكنه ينسي هذا الاعتراف في فقرة تالية فيقرر. "أنّه لم يحاول يوماً الاقتراب من سكّان البلد الأصليين، ولم يظهر أدنى تعاطف معهم أو مع قضيتهم، لأنهم عرب ومسلمون، ولم يتعرّض إلى ثقافتهم وتاريخهم مثلما تؤكد لنا كتاباته ومراسلاته".
يشير مارسيلو إلى ما يلي:
بسبب تدهور حالته الصحية، لم يتمكن ماركس من العودة إلى هذه الموضوعات. ولم يلفت انتباهه مقال “الأخبار”. لكن رغبته الدائمة في المعرفة لم تختفي حتى في أكثر الظروف سلبية. وبعد استكشاف المنطقة المحيطة بفندقه، حيث كانت إعادة بناء المساكن جارية على نطاق واسع، أشار إلى أنه “على الرغم من أن العاملين في هذا النشاط هم أشخاص أصحاء وسكان محليون، فإنهم يعانون من الحمى بعد الأيام الثلاثة الأولى. جزء من أجورهم، يتكون من جرعة يومية من مشروب الكينا المقوي التي يقدمها أصحاب العمل.” . لسنا في حاجة هنا الى توضيح تشهير ماركس (المتسق مع نظريته) باستغلال العمال الجزائريين.
المثير للدهشة ان اهتمام ماركس بشعوب الشرق كان أوسع بكثير من مجرد صدفة اثناء رحلة علاجية. فالشرق الواقع تحت سيف الغزو الاستعماري الأوربي شغل ماركس الذي كان ينظر الى العالم كشبكة علاقات متفاعلة. من إنجلترا وفرنسا حتى مصر والهند.
يشير مارسيلو في هذا الكتاب إلى:
عندما قام النائب البرلماني ورئيس المؤتمر التعاوني جوزيف كوين Joseph Cowen – الذي كان ماركس يعتبره أفضل البرلمانين الإنجليز – بتبرير غزو إنجلترا لمصر، أرسل ماركس إلى إليانور معبرا عن رفضه التام.
بادئ ذي بدء أدان الحكومة البريطانية: “رائع، لا يمكن رؤية مثال صارخ على النفاق المسيحي أكبر من “غزو” مصر – غزو في قلب رسالة السلام!” لكن كوين أعرب في خطاب القاه في 8 يناير 1883 في نيوكاسل Newcastle عن إعجابه ب “الاستغلال البطولي” الذي قامت به بريطانيا “والاستعراض العسكري المبهر”، وليس في إمكانه أن يساعد تلك الابتسامات المفتعلة حول الإمكانية الخلابة التافهة لكل تلك المواقف العدوانية ذات الحصانة، من الساحل الأطلسي حتى المحيط الهندي وأيضا، في صفقة قيام “إمبراطورية بريطانية – أفريقية” من الدلتا إلى الخليج.” أنه “الأسلوب الإنجليزي” الذي يتستر ب “المسئولية” عن “المصلحة الوطنية.” على صعيد السياسة الخارجية.
استنتج ماركس أن كوين نسخة طبقة الأصل من “البرجوازيين الإنجليزيين التعساء، الذين يتأوهون ويتألمون وهم يدعون أكثر فأكثر تحملهم “المسئولية” عن خدمة رسالتهم التاريخية، بينما يهمهمون بأصوات احتجاج خافتة ضدها.”
يا له من أوربي خائن لأوربيته هذا الماركس.
اليهودية أيضاً: - تزوير إضافي.
لم يكتفي الموزاني، المستند الى إدوار سعيد وأخرين، بتشويه رسائل وموقف ماركس تجاه الجزائريين المسلمين، بل تعداه الى تزوير رؤيته أيضاً لليهود.
يقول الموزاني. أن ماركس " يعتقد بأن اليهودية ما هي إلا قبيلة بدوية صغيرة تقيم منظومة علاقات محلية الطابع وتعتاش على النظام الزراعي البدائي، على العكس من القبائل الأخرى، والعربية منها بصورة خاصة التي تقوم بالغزوات والفتوحات."
والواقع أن ماركس، منظر الديالكتيك المادي، لم ينظر الى اليهود كجماعة قومية متجانسة (ولو في وضع قبلي) فاليهودية بالنسبة له هي رؤية دينية تهيمن على اليهود، واليهود عقائديون موجودون في مختلف البلدان ومن مختلف الجنسيات. ولم يتعرض ماركس لأوضاع اليهود سوي في كراس "وحيد" تحت اسم "المسألة اليهودية". نكتفي بإيراد فقرة منه هنا لبيان تزويره مجدداً لأفكار ماركس.
(إن المسألة اليهودية تُطرح بصورة تختلف تبعاً للدولة التي يعيش اليهودي في ظلها. ففي ألمانيا، حيث ليس ثمة دولة سياسية، دولة من حيث هي دولة، نرى أن المسألة اليهودية هي مسألة لاهوتية بحتة. ويجد اليهودي نفسه في تعارض ديني مع الدولة، التي تعلن المسيحية أساساً لها. ......
أما في فرنسا، هذه الدولة الدستورية، فالمسألة اليهودية هي مسألة النظام الدستوري، مسألة نقص التحرّر السياسي، ونظراً لأنه يحتفظ هنا بمظهر دين للدولة، في شكل تافه متناقض، فإنَّ وضع اليهود يحتفظ، إزاء الدولة، بمظهر تعارض ديني لاهوتي.
ولا تفقد المسألة اليهودية مدلولها اللاهوتي وتصبح مسألة علمانية، إلاَّ في دول أميركية الشمالية الحرة، أو على الأقل في بعض هذه الدول، ولا تستطيع أن تنجلي علاقات اليهودي، وبصورة عامة علاقات الرجل الديني بالدولة السياسية وبالتالي علاقات الدين بالدولة، في طابعها الخاص وفي كل صفاتها، إلا في البلاد التي توجد فيها الدولة السياسية في تطورها الكامل).
وتشير الكتابات الماركسية اللاحقة الى ممارسة اليهود "في أورباً" لنشاط مالي طفيلي، "التسليف الربوي" وليس نشاطاً زراعياً أو صناعياً. (انظر برهام ليون – المفهوم المادي للمسألة اليهودية). وهو ما فجر التناقض بينها وبين رأس المال الصناعي والتجاري البرجوازي الجديد.
وللتعرف على الأهداف الحقيقة لمقال موازني "التقدمي" يكفي أن نقدم تلك الفقرة من خاتمة مقاله.
"ولعلّي كنت من العمّال العراقيين القلائل الذين آمنوا بنظرية ماركس عن الثورة البروليتارية في العراق! حيث لم نكن نعرف بعد أيّ جرائم إبادة قام بها ويقوم بها حتّى هذه اللحظة حملة لواء ماركس ضد شعوبهم والشعوب الأخرى، والتي ذهب ضحيتها عشرات الملايين من البشر باسم "الديانة" الماركسية الإطلاقية التي تختزل الإنسان إلى عامل اقتصادي بحت، فتمسخ فوراً شخصيته وأخلاقه وتطلعاته الفردية وعلاقاته الاجتماعية الطبيعية. ويحضرني هنا أننا كنّا ونتيجة فهمنا الماركسي لصراع الطبقات نعادي جميع الطبقات غير العمّالية،"
وبغض النظر عن أنه كان "عامل عراقي" يتبني أفكار ماركس! ولكن من الواضح الآن أنه كتب دفاعاً عن تلك الطبقات الأخرى، ضد الماركسيين المجرمين الدمويين.
رابط المقال: http://www.saadiyousif.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=1868:----&catid=27:-&Itemid=27
كاتب أخر جزائري هو، بو داود عمير، في فبراير 2016، في موقع الجزائر س، وكذلك يكرر في جريدة “نفحة الجزائرية” يكتب:
"في تلك الأثناء، كانت مقاومة الشيخ بوعمامة في الجنوب الغربي الجزائري، في أوج عنفوانها، تتصدّر الأحداث، وتصنع مانشيتات الصحف الفرنسية الصادرة آنذاك، على سبيل المثال كتبت جريدة (Débats) الفرنسية تقول: «إنّ أحدا لم يجرؤ قبل بوعمامة، على أسر ثلاثمائة محارب فرنسي، في ضربة واحدة، والاستيلاء على ألف عربة محمّلة بالقمح، وذلك كله أمام أنظار السلطات الحاكمة.
كان من الطبيعي أن تصل تلك الأحداث صداها، إلى مسامع كارل ماركس وهو يزور الجزائر. رد فعل ماركس السلبي، ضد مقاومة الشيخ بوعمامة، كان مفاجئا، بتبنّيه وجهة نظر الاستعمار الفرنسي، في تحليله للأحداث، واقتصاره على «معاتبة» الفرنسيين، لأنهم لم يسلموا جثة بوعمامة إلى أهله وعشيرته."
ثم يتساءل بانفعال بالغ:
“كيف سمح ماركس لنفسه، أن يصف مقاومًا، خرج من صلب «الجماهير»، وواجه بإرادته همجية الاستعمار، بـ «لصّ مسكين، وقاتل محترف من العرب»؟ “.
ويجازف بإجابة تحمل اتهاماً اشد انحطاطاً إلى ماركس” هل الاستقبال «المشبوه» للسلطات الفرنسية له في الجزائر وترحيبهم به، ووضع جميع وسائل الراحة والترفيه تحت تصرفه، كان الدافع من وراء إخفائه المتعمّد لحقيقة الوضع؟ “.
تلك الاتهامات "الرخيصة" لم يقدم الكتاب أي دليل – ولو تافهاً – يبررها. فضلاً عن واقع أن الرحلة لم تكن معلومة لا للحكومة الفرنسية، ولا لأغلب أصدقاء ماركس، أو الصحف التي تتقفي تحركاته وتصريحاته. فالحكومة الفرنسية لم تكن لتسمح لكاتب ثلاثية الثورة الفرنسية الشهيرة. والمحرض الشيوعي الأشهر، أن يطأ ارض أحد مستعمراتها الجزائر ولو للاستشفاء. والكتاب يشرح تفاصيل الرحلة فلن نكررها.
ولا نعلم ما هي وسائل الترفيه التي توفت لماركس في تلك الرحلة المرهقة ربما سوي تأمل السماء أحيانا ومشاهدة ضوء القمر والتجول ليلا، وهي كلها أشياء مجانية تماماً لا تحتاج الي رعاية الحكومة الفرنسية. وقد وصل به الأمر إلى العلاج بالحجامة العربية في الجزائر، وليس مثلا في مستشفى باريسي على اقل تقدير، إن سعاراً قومياً من تقدميين وغيرهم - اندفع يهاجم – دون تفكير أو تدقيق – في مواجهة ماركس المريض، بعد وفاته. وبغض النظر عن تزوير قصة “بو عمامة” إلا أن كتابات ماركس، سواء في رسائله من الجزائر، أو بعد عودته منها، تحمل إدانة عنيفة لممارسات فرنسا في المستعمرة، وتعاطفاً غير محدود مع نضال الجزائريين من اجل الاستقلال، بل وإعجابا بثقافتهم وسلوكهم من بعض الوجوه، دون طبعا أن يتقيد بقبول اى أفكار رجعية. ومن الممكن أن يكون لا يعرف، وهو الموجود سرا هناك، والمريض المشغول بمتاعبه وعلاجه، وقليل الاحتكاك حتى لا تعلم السلطات الفرنسية بوجوده، أن المحكوم عليه كان من “المقاومة”. هذا إن كان فعلاً من المقاومة!! إلا أن الحد الأدنى من الأمانة في البحث وإصدار الأحكام، على أساس يحترمه العقل، كان يقتضي أن ينظر مثلا إلى تقديراته ومواقفه من “المقاومة الجزائرية"، بل أن حتى هذه الواقعة قصدت تحديداً التنديد بخسة الاستعمار الفرنسي في المقام الأول، وأياً كانت طبيعة المحكوم عليه.
الطريف في مقال بو عميرة أنه صدر المقال بصورة ماركس في الحي الشعبي الجزائري. وأنه ختم مقاله بتلك الفقرة " ثم من أين استقى ماركس معلوماته الخاطئة عن إعدام الشيخ بوعمامة، و«قطع رأسه» علما أن السلطات الاستعمارية كما هو موثق تاريخيًا، منحت الشّيخ بوعمامة الآمان، بعد مفاوضات، لينتقل بعدها إلى المغرب، إلى أن وافته المنية، في حدود سنة 1908".
في الحقيقة لا نعرف هل نضحك أم نسخر. من أين أتي أولاً هذا الكاتب بأن ماركس كان يتكلم عن "بو عمامة"؟ هل نصنع الكذبة ونحن نؤكد أنها كذبة ثم نبني عليها أحكاماً كما لو كانت حقيقة؟ وكيف يمكن التحدث عن موت بو عمامة قبل موته بما يزيد عن 4 عقود؟ وكما يعرف الكاتب نفسه. أي مفارقة تلك! أم أن الهدف هو تشويه ماركس فحسب ولو باتهامات فجة ورصاصات طائشة كتلك.
رابط مقال بو عميرة. https://www.nafhamag.com/2016/02/09/%d9%8a%d9%88%d9%85-%d8%ad%d9%84%d9%91-%d9%85%d8%a7%d8%b1%d9%83%d8%b3-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%a6%d8%b1-%d9%88%d8%a3%d8%af%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%91%d9%8a%d8%ae-%d8%a8%d9%88/
هي جوقة بدأت مبكراً قبل إدوار سعيد، وتنتهي، دون أن تتوقف، عند المؤلف، تتشارك في اتهام ماركس بتلك الاتهامات.
نأتي إلى المؤلف وما أطلقه من اتهام لماركس.
ما ذكرناه أعلاه بخصوص الموزاني وبو عميرة يمكن اعتباره – في حدود تهمة العنصرية والاستعلاء الأوربي - جزء من ملاحظتنا على المؤلف. إن مارسيلو يناقض مارسيلو.
أي أوربا تلك "البرجوازية المتوحشة عديمة القلب" التي خضع ماركس لتأثيرها؟ لم يصور أحد تلك الأوربا الاستعمارية بوصف مشابه لوصف ماركس لها.
لم تكن أورباً الرأسمالية مبهرة لماركس بأي درجة، على العكس كان يحتقر فعلاً مفكريها وشخصياتها البارزة، ويصورها باعتبارها جحيم العمال، سارقة الأجساد والأرواح وأعمار الفقراء، والغول الذي يلتهم المستعمرات دون رحمة.
منذ مراحله الفكرية الأولي، وبوجه خاص كتابة "البيان الشيوعي" يربط ماركس بين نمط الإنتاج الرأسمالي، والاستعمار. حيث يدفع الإنتاج الزائد الى البحث عن أسواق ومواد خام الخ. ومن ثم تم مهاجمة أمم واستنزاف مواردها وكبح نموها لحساب آلة الإنتاج الاوربية الرأسمالية. فالاستعمار، بحق، مظهر للرأسمالية في مرحلة معينة من تطورها. ودعوته الى القضاء على الرأسمالية هي دعوة لخلع "أسباب" الاستعمار من الجذور. بل صرح بوضوح "أزيلوا استثمار الانسان للإنسان، تزيلوا استثمار أمة لأخري – "البيان". لنري هذا الوصف في الفصل الأول من البيان الشيوعي.
"والبرجوازية حيث ظفرت بالسلطة دمرت كل العلاقات الإقطاعية من كل لون، التي كانت تربط الإنسان بسادته الطبيعيين، ولم تُـبق على أية رابطة بين الإنسان والإنسان سوى رابطة المصلحة البحتة، والإلزام القاسي بـ "الدفع نقدا". وأغرقت الرعشة القدسية للورع الديني، والحماسة الفروسية، وعاطفة البرجوازية الصغيرة، في أغراضها الأنانية المجرَّدة من العاطفة، وحولت الكرامة الشخصية إلى قيمة تبادلية، وأحلّت حرية التجارة الغاشمة وحدها، محل الحريات المُـثـبَتة والمكتسبَة التي لا تحصى. وبكلمة أحلّت استغلالاً مباحاً وقحاً مباشراً وشرساً، محل الاستغلال المُغلَّف بأوهام دينية."
تلك هي أوربا كما يراها ماركس – قبيحة ومدمرة وانانية ومخربة. منذ باكورة أعماله.
بل أنه خصص فصلاً كاملاً من رأس المال، تحت عنوان "أصل رأس المال" بين فيه جرائم الرأسمالية في افريقيا لخطف وجلب أفارقه وتحويلهم الى عبيد لتوفير قوة عمل شبه مجانية، ساهمت في التراكم الأولى لرأس المال الأوربي، والأمريكي بالطبع. وهو فصل أقرب الى الرواية الملحمية في وصف تلك الجريمة الاوربية.
كما خصص هو وإنجلز مجموعة من الكتابات حول الاستعمار واثاره المدمرة، مهاجماً وناقداً ورافضاً وشارحاً بمنهجية رفيعة. تم جمع عدد من تلك الكتابات في مجلد تحت عنوان "ماركس، إنجلز – حول الاستعمار" يمكن الرجوع اليه لرؤية وجهات نظرهما الحقيقية في قضية الاستعمار “الأوربي" بعيد عن تلك الافتراءات المنحطة والكاذبة.
المؤلف نفسه يناقض مشاركته في تلك التهمة في أكثر من موضع. إذ يشير الى أن ماركس:
"هاجم بازدراء الانتهاكات العنيفة من قبل الأوروبيين والإهانات الدائمة، و، ليس أقلها غطرستهم السافرة والتطاول الفج على “السلالات الأدنى”، [و [“بطريقة مخيفة، التوثين المشابه لهوس “التكفير” مع الحذر من قيام أي تمرد. كما أ كد أنه في التاريخ –المقارن للاحتلال الاستعماري، “يتفوق البريطاني والهولندي على الفرنسي”.
بل أنه في مقدمة الكتاب يقرر صراحة ما يلي:
في الأعوام 1881-1882 قام ماركس بإنتاج دراسة عميقة تستند إلى الاكتشافات الجديدة في حقل الأنثروبولوجيا، تدور حول أشكال الملكية المشاعية في المجتمعات الما قبل رأسمالية، التطورات التي أعقبت الغاء القنانة في روسيا، وأسباب ظهور الدولة الحديثة. كما أنه تابع باهتمام الأحداث الرئيسية في السياسية العالمية، يمكن أيضا أن نري، من خلال خطاباته، تأييده ودعمه الواسع لنضال الايرلانديين التحرري، معارضته الشديدة للقمع الاستعماري في الهند، وفي مصر والجزائر. يمكن أن تقول عن ماركس ما شئت، عدا أنه أوربي النزعة، أو اقتصادوي. أو أن كل تركيزه كان منصبا على الصراع الطبقي فقط.
لم يكن حري بكاتب أكاديمي مدقق ومتخصص أن ينساق إلى شرك كهذا، بل أن يناقض نفسه بنفسه على صفحات كتابه. فيقرر أن تهمة كتلك أبعد ما تكون عن ماركس. مستنداً في ذلك إلى عشرات الوقائع والوثائق الواردة بكتابه، ثم ينقلب، وبدون أي سند أو دليل، إلى إقرار نفس الاتهام الذي نفاه.
ما قدمناه هنا هو محض عينة من تلك الافتراءات الشائعة عن ماركس، والتي تتزايد كلما تزايدت شعبية كتاباته، وزاد عدد المهتمين بأفكاره، وكأنها نوعاً من الهجوم المضاد.
رغم ذلك يبقي هذا الكتاب شديد الأهمية فعلاً، ويغطى مرحلة لم يتناولها الكثيرون وخاصة من بين الكتاب العرب. وبشكل شخصي أعترف أنى استفدت كثيراً مما ورد به، وانه قد غطي مساحات مجهولة في أفكاري عن ماركس.
أحمد حسن



#احمد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار مش اللي بتشاوروا عليهم. ولا اليسار ادعياء اليسارية.
- ترجمتي لمقدمة كتاب للكاتب بول سيجال بعنوان - The Meek and th ...
- بين سيف والهلالي - قراءة مقارنة
- كلمتين عن طالبان واشكالية التحرر الوطني
- الاحياء الفقيرة
- كل شيء كان فجائي
- سوناتا
- دفاعا عن الماركسية - الجزء الخامس والاخير - ليون تروتسكي
- دفاعا عن الماركسية - الجزء الرابع - ليون تروتسكي
- دفاعا عن الماركسية - ليون تروتسكي - الجزء الثالث.
- دفاعا عن الماركسية - ليون تروتسكي - الجزء الثاني
- دفاعا عن الماركسية - ليون تروتسكي - مقدمة جوروج نوفاك
- المشهد النيلي
- تداعيات واثار الكورونا
- الحسد والرغبة
- أوجه شبه واختلاف - الماركسية والدين والفلسفة.
- الثورة الايرانية - لمحة للذكرى
- جدل ماو
- مفارقة المقدس والعلم.
- بين لينين أبن الطاهرة، ومارس المصري. حبة عقل يارب.


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد حسن - القراءة المتناقضة لموقف ماركس من الاستعمار.