أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - احمد حسن - دفاعا عن الماركسية - الجزء الرابع - ليون تروتسكي















المزيد.....



دفاعا عن الماركسية - الجزء الرابع - ليون تروتسكي


احمد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 6597 - 2020 / 6 / 19 - 10:47
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


رسالة إلى جون ج رايت John G. Wright
19 ديسمبر 1939
صديقي العزيز
قرأت رسالتك إلى جو. أؤيد تماماً وجهة نظرك حول ضرورة خوض معركة نظرية وسياسية صارمة ضد الميول البرجوازية الصغيرة للمعارضة. سترى من مقالتي الأخيرة، والتي سوف يتم إرسالها إليك بالبريد الجوي غداً، أنني أصف تباينات المعارضة باعتبارها أكثر حدة من روابطها كأغلبية. ولكن في الوقت نفسه، أعتقد أن المعركة الأيديولوجية الصارمة يجب أن تسير بالتوازي مع تكتيكات تنظيمية حذرة وحكيمة للغاية. لا تضع في اعتبارك الآن حدوث انقسام، حتى لو أصبحت المعارضة، أغلبية في المؤتمر القادم. ليس لدينا أدنى مصلحة لإعطاء جيش المعارضة غير المتجانس وغير المتوازن أي ذريعة للانشقاق. حتى ولو انشقوا كأقلية في نهاية المطاف، يجب أن تظل في رأيي منضبطا ومخلصا تجاه الحزب ككل. ذلك هام جداً للتربية السياسية في حزب وطني حقيقي، ومن الضروري أن يكتب لي كانون مرة واحدة بشكل صحيح تماماً.
الأغلبية التي تستحوذ عليها الأن هذه المعارضة لن تستمر لأكثر من بضعة أشهر، وسرعان ما سيصبح الاتجاه البروليتاري للحزب مرة أخرى هو الأغلبية مع زيادة نفوذه بشكل هائل. كن حازماً للغاية ولكن لا تفقد أعصابك - وهذا ينطبق الآن أكثر من أي وقت مضى على استراتيجية الجناح البروليتاري للحزب.
مع أفضل تحياتي وأمنياتي
LEON TROTSKY
Coycacan, D. F.
ملاحظة: تأتى المصاعب من: (1) التركيبة التنظيمية السيئة خاصة في أهم فرع في نيويورك. (2) الافتقار إلى الخبرة خاصة من قبل الأعضاء (الشباب) الذين جاءوا من الحزب الاشتراكي. ولا يمكن التغلب على هذه الصعوبات الموروثة من الماضي إلا بواسطة اتخاذ تدابير استثنائية.
الثبات والصبر ضروريان. L.T.

12 - رسالة إلى ماكس شاختمان
20 ديسمبر 1939
عزيزي الرفيق شاختمان
أرسل إليك نسخة من مقالتي الأخيرة. سترى من مجادلتي أنني أعتبر الخلافات ذات طابع جوهري. أعتقد أنك على الجانب الخطأ من المتاريس يا صديقي العزيز. فمن خلال موقفك أنت تعطي الحافز لجميع العناصر البرجوازية الصغيرة والمناهضة للماركسية للهجوم على معتقداتنا، برنامجنا، وتقاليدنا. لا أمل أن أقنعك بهذه الخطوط، لكني الفت نظرك إلى أنك إذا رفضت الآن إيجاد طريقة للتعاون مع الجناح الماركسي ضد التحريفين البرجوازيين الصغار، فسوف تشعر بالندم حتمًا لسنوات وسنوات على هذا الخطأ الأعظم في حياتك.
إذا أتيحت لي الفرصة، فإنني سأقوم على الفور بركوب طائرة إلى مدينة نيويورك لمناقشة الأمر معك لمدة 48 أو 72 ساعة دون توقف. ويؤسفني جداً أنك لا تشعر في هذه الحالة بضرورة المجيء إلى هنا لمناقشة تلك القضايا معي. أو.. هل يمكنك؟ سوف أكون مسرورا.
تشير هذه الرسالة إلى المعارضة البرجوازية الصغيرة في حزب العمال الاشتراكي. انظر ص 44.
13 - أربعة رسائل إلى الأغلبية في اللجنة الوطنية.
26 ديسمبر 1939.
صديقي العزيز / Coyoacan, D. F
كنت قبل ذلك أميل إلى نقل المناقشة في "النداء الاشتراكي" و"الأممية الجديدة"، لكن يجب أن اقر أن هامة للغاية لا سيما فيما يتعلق بحجج الرفيق بورنهام.
إن النداء الاشتراكي والأممية الجديدة ليسوا ضمن منابر الحوار الموضوعة تحت سيطرة لجنة خاصة لإدارة النقاش، بل أدوات الحزب ولجنته الوطنية. يمكن للمعارضة، في نشرة الحوار، المطالبة بحقوق متساوية مع الأغلبية، ولكن يجب على مطبوعات الحزب الرسمية الالتزام بالدفاع عن وجهة نظر الحزب والأممية الرابعة إلى أن يتم تغييرهما. لا يمكن إجراء مناقشة على صفحات منشورات الحزب الرسمية إلا ضمن الحدود التي تحددها أغلبية اللجنة الوطنية. من البديهي أننا لسنا مضطرين لتأكيد ذلك.
من المؤكد أن الضمانات اللائحية الدائمة لحقوق الأقلية لا تستعار من التجربة البلشفية. لكنها أيضاً ليست اختراع الرفيق بورنهام؛ لقد كان للحزب الاشتراكي الفرنسي منذ وقت طويل مثل هذه الضمانات الدستورية التي تتوافق تماماً مع روح التمسك بمضابط ومناقشات الكتل البرلمانية، ولكن لا تمنع ابدآ من إخضاع العمال إلى تحالف هذه الكتل.
يجب أن يخضع الهيكل التنظيمي لطليعة البروليتاريا إلى المطالب الإيجابية التي تحتاجها النضالات الثورية وليس إلى الضمانات السلبية التي تتخوف من انحطاطها. إذا لم يكن الحزب ملائما للعمل على تحقيق متطلبات الثورة الاشتراكية، فسوف يتدهور على الرغم من أكثر القواعد القانونية إحكاماً.، أن بورنهام يظهر، في المجال التنظيمي، افتقار تام لفهم مسألة الحزب الثوري، كما أظهر مثيله في المجال السياسي في مسألة صغيرة لكن مهمة جداً في هذه اللجنة. في كلتا الحالتين يقترح موقفاً سلبياً بحتاً، حيث أنه، في مسألة الدولة السوفييتية، قدم تعريفاً سلبياً تماماً. لا يكفي أن نكره المجتمع الرأسمالي (موقفاً سلبياً)، من الضروري القبول بكل الاستنتاجات العملية للمفهوم الاجتماعي الثوري. للأسف، هذه ليست حالة الرفيق بورنهام. استنتاجاتي العملية؟
أولاً، من الضروري أن ندين رسميًا أمام الحزب كله محاولة مسخ خط الحزب من خلال وضع برنامج الحزب على نفس المستوى مع أي اقتراح لا يقبله الحزب.
وثانياً، إذا وجدت اللجنة الوطنية أنه من الضروري تحديد موضوع معين من مقالات "الأممية الجديدة" لطرحه للنقاش (لا أقترح أي موضوع الآن)، فيجب أن يتم ذلك بطريقة يرى فيها القارئ ما هو موقف الحزب. وما هي اقتراحات المراجعة، وأن تبقى الكلمة الأخيرة للأغلبية وليس للمعارضة.
ثالثاً، إذا لم تكن النشرات الداخلية كافية، فمن الممكن إصدار نشرة خاصة لعرض المواد المقدمة لجدول أعمال المؤتمر.
يجب ان يتحلى النقاش بأكمل صور الود الرفاقي، ولكن دون تقديم أدني تنازل للرؤي البرجوازية الصغيرة والميول الفوضوية.
W. RORK [Leon Trotsky]
Coyoacan, D.F.
--------------------
27 ديسمبر 1939.
صديقي العزيز.
يجب أن أعترف أن اتصالاتك المتعلقة بإصرار الرفاق بورنهام وشاختمان بغرض نشر المقالات الخلافية في النداء الاشتراكي والأممية الجديدة فاجأوني لأول وهلة. تري ما السبب، سألت نفسي. أنهم يعرفون في قرارة أنفسهم مدى اهتزاز رؤيتهم. أسانيدهم لها طبيعة شديدة السذاجة، والتناقضات بينهم ضخمة ولا تساعد سوى في رؤية أن الأغلبية هي من يمثل تقاليد وعقيدة الماركسية. لا يمكنهم أن يأملوا في إصدار نشرة انتصار من المعركة النظرية. ليس فقط شاختمان وأبيرن ولكن أيضاً بورنهام يجب أن يفهموا ذلك. ما هو سبب تلهفهم على الدعاية؟ السبب بسيط للغاية: هم متلهفين لتبرير أنفسهم أمام الرأي العام الديموقراطي، ليصرخوا أمام كل من ايستمان، وهوكز Hooks، والآخرين أنهم، المعارضة، ليسوا سيئين جداً مثلنا. يجب أن تكون هذه الضرورة الداخلية ملحة بشكل خاص مع بورنهام. إنه نفس نوع الاستسلام الداخلي الذي لاحظناه في زينوفيف وكامينيف عشية ثورة أكتوبر والعديد من "الأمميين" تحت ضغط موجة الحرب الوطنية.
إذا قمنا بعمل تجريد من كل الخصوصيات الفردية أو العارضة أو صور سوء الفهم والأخطاء، فإن أمامنا سقوط أول خطيئة اجتماعية في حزبنا. لقد ثبتت هذه الحقيقة بشكل صحيح منذ البداية، لكن يبدو لي بوضوح تام الآن فقط بعد أن أعلنوا عن رغبتهم في تقديم إيضاح بأنهم – مثل البوميستيين Poumists أو البيفيرستيين Pivertists، وغيرهم - ليسوا على هذه الدرجة من السوء مثل "التروتسكيون".
هذا الاعتبار هو دافع إضافي لعدم تقديم أي تنازل لهم في هذا المجال. في ظل الظروف المعطاة، لدينا كامل الحق أن نقول لهم: يجب أن تنتظروا صدور حكم الحزب أولاً وليس القيام بالطعن في الحكم (قبل أن يصدر -م) أمام القضاة الوطنيين الديمقراطيين.
لقد نظرت في المسألة من قبل بصورة مجردة للغاية، تأملتها فقط من وجهة نظر كونها معركة نظرية، ومن وجهة النظر هذه أتفق تماماً مع الرفيق غولدمان انه لا يمكننا سوي الفوز فقط. لكن المعيار السياسي الأوسع يشير إلى أننا يجب أن نقضي على التدخل السابق لأوانه للعامل الوطني الديمقراطي في صراعنا الداخلي، وأن على المعارضة أن تعتمد في المناقشة على قوتها الخاصة فقط كما تفعل الأغلبية. في ظل هذه الظروف، سيكون للاختبار واختيار العناصر المختلفة للمعارضة طابع أكثر كفاءة وستكون النتائج ملاءمة أكثر للحزب.
تحدث إنجلز ذات مرة عن مزاج البرجوازي الصغير الغاضب. يبدو لي أنه يمكن العثور على أثر لهذا المزاج في صفوف المعارضة. أمس تعرض الكثير منهم لعملية تنويم مغناطيسي تحت اسم التقاليد البلشفية. لم يستغرقوا فيه ابدآ، لكنهم لم يجرؤوا على تحديه علانية. لكن شاختمان وأبرن أعطوهم هذا النوع من الشجاعة، وهما الآن يتسمون بوضوح بمزاج البرجوازية الصغيرة الغاضبة. هذا هو الانطباع الذي لدي، على سبيل المثال، ما تلقيته من مقالات ورسائل ستانلي الأخيرة. لقد فقد تماماً حس النقد الذاتي، ويعتقد بصدق أن كل الإلهام الذي يأتي إلى عقله يستحق أن يتم الإعلان عنه وطبعه فقط إذا كان موجها ضد برنامج وتقاليد الحزب. وتتكون جريمة شاختمان وأبيرن بشكل خاص من تحفيز مثل هذا السيل من مشاعر الرضاء الذاتي للبرجوازية الصغيرة.
W. RORK [Leon Trotsky]
ملاحظة: من المؤكد تماماً أن عملاء ستالين يعملون في وسطنا بهدف زيادة حدة النقاش وإثارة الانقسام. سيكون من الضروري فحص حالة العديد من "المقاتلين" المتشددين بتعصب من هذه الزاوية. W.R.
3 يناير 1940
أصدقائي الأعزاء،
تلقيت وثيقتين للمعارضة، الأولى حول "البيروقراطية المحافظة" والآن أدرس الثانية وهي "حول المسألة الروسية". يا لها من كتابات مزرية! من الصعب العثور على جملة تعبر عن فكرة صحيحة أو فكرة صحيحة وضعت في المكان الصحيح. أشخاص أذكياء بل وموهوبين شغلوا أنفسهم بصياغة موقف زائف بوضوح وزجوا بأنفسهم أكثر فأكثر في نفق معتم.
إن حديث أبيرن عن "الانقسام" يمكن أن يكون له معنيان: إما أنه يريد أن يخيفك بفكرة حدوث انقسام كما فعل في بداية النقاش أو أنه يرغب بالفعل في الانتحار السياسي. في الحالة الأولى، لن يمنعنا بالطبع من تقديم رؤية ماركسية لسياسة المعارضة. وفي الحالة الثانية، ليس هناك ما يمكن صنعه؛ إذا رغب شخص راشد في الانتحار فمن الصعب منعه.
رد فعل بورنهام هو تحدٍ فظ لكل الماركسيين. إذا كانت الديالكتيك دينًا وإذا كان صحيحًا أن الدين هو أفيون الشعب، فكيف يرفض القتال من أجل تحرير حزبه من هذا السم؟ أكتب الآن رسالة مفتوحة إلى بورنهام بشأن تلك المسألة. لا أعتقد أن الرأي العام للأممية الرابعة سيسمح لمحرر المجلة الماركسية النظرية بأن يقتصر على الأمثال الساخرة حول أساس الاشتراكية العلمية. على أي حال، لن أرتاح حتى يتم الكشف عن التصورات المناهضة للماركسية لبرنهام حتى النهاية أمام الحزب والأممية. آمل أن أرسل الرسالة المفتوحة، على الأقل النص الروسي، بعد غد.
في نفس الوقت، أكتب تحليلًا للوثيقتين. كم هو ممتاز القيام بتفسير لماذا يتمسكون بعدم الاتفاق بشأن المسألة الروسية.
أنني أكز على أسناني غضباً من إهدار الوقت في قراءة هذه الوثائق التي لا معنى لها على الإطلاق. الأخطاء في أمور أولية بحيث أنه من الضروري بذل جهد لتذكر اعتبارها دافع ضروري لتعلم ألف باء الماركسية.
W. RORK [Leon Trotsky]
Coyoacan, D.F.


4 يناير 1940.
أصدقائي الأعزاء،
أرفق نسخة من رسالتي إلى شاختمان (انظر صفحة 64) التي أرسلتها له منذ أكثر من أسبوعين. شاختمان لم يقدم أي إجابة.
إنه يظهر الحالة المزاجية التي دفع نفسه فيها من خلال هجومه الغير مبدئي. إنه يشكل كتلة مع بورنهام المعادي للماركسية وهو يرفض الرد على رسائلي المتعلقة بهذه الكتلة. الواقع في ذاته بالطبع من الأهمية بما لا شك فيه، لكن مظاهره وأعراضه تحتمل الجداًل. هذا هو سبب إرسالي نسخة من الرسالة إلى شاختمان.
مع أفضل تمنياتي
ل. تروتسكى
Coyoacan, D.F

14 - جوزيف هانسين
رسالة إلى جوزيف هانسين
5 يناير 1940.
شكرا لك على معلوماتك الشيقة. سواء الضرورية أو التصويبية، كان بإمكان جيم أن ينشر مراسلاتنا ومع رايت بشأن مسألة الانشقاق. توضح هذه المراسلات رغبتنا الراسخة في الحفاظ على وحدة الحزب رغم وجود هذا الصراع الفصائلي الحاد. لقد ذكرت في رسالتي إلى رايت (انظر الصفحة 63) أنه حتى في وضع الأقلية، يجب أن يظل الجناح البلشفي للحزب في رأيي منضبطًا، وأجاب جيم بأنه يتفق تماماً مع وجهة النظر هذه. هذان الاقتباسان حاسمان لهذه المسألة.
فيما يتعلق بملاحظاتي حول فنلندا في مقالي عن المعارضة البرجوازية الصغيرة، سأقول هنا بضع كلمات. هل هناك فرق مبدئي بين فنلندا وبولندا - نعم أم لا؟ هل تدخل الجيش الأحمر في بولندا ترافق مع حرب أهلية - نعم أم لا؟ إن صحافة المناشفة الذين لديهم معرفة جيدة بفضل صداقتهم مع البوند والمهاجرين وPPS emigr,´es تقول صراحة أن موجة ثورية ترافقت مع تقدم الجيش الأحمر. وليس فقط في بولندا ولكن في رومانيا أيضاً.
أنشأ الكرملين حكومة كوسنين بهدف واضح وهو إكمال الحرب العسكرية بالحرب الأهلية. كانت هناك معلومات حول بداية إنشاء الجيش الأحمر الفنلندي، حول "حماس" المزارعين الفنلنديين الفقراء في المناطق المحتلة حيث تم مصادرة الممتلكات العقارية الكبيرة، وهلم جرا. ما هذا إن لم يكن بداية الحرب الأهلية؟
كانت تطورات الحرب الأهلية معتمدة بشكل كامل على تقدم الجيش الأحمر. ومن الواضح أن "حماس" الجماهير هناك لم يكن قوياً بما يكفي لدفع تمرد مستقل للفلاحين والعمال تحت سيف الجلاد مانرهايم. ومن ثم أدى انسحاب الجيش الأحمر إلى كبح فرص اندلاع الحرب الأهلية في مستهلها.
إذا قام الإمبرياليين بمساعدة البورجوازية الفنلندية بكفاءة في الدفاع عن النظام الرأسمالي، فإن الحرب الأهلية في فنلندا ستصبح مستحيلة للفترة القادمة. لكن، إذا كان هذا هو الأمر الأكثر احتمالاً، ومع التحرك المنفصل للجيش الأحمر في حال نجاحه في دخول البلاد، فإننا سنراقب حتما عملية الحرب الأهلية بالتوازي مع الغزو.
لا يمكن أن نتوقع جميع الأحداث العسكرية، التي تعلو وتهبط وفقاً لاعتبارات تكتيكية بحتة، لكنهم لا يغيرون الخط "الاستراتيجي" العام لسير الأحداث. في هذه الحالة كما في جميع الحالات الأخرى، تقوم المعارضة باتباع سياسة انطباعية ومتعلقة بالظروف بدلاً من سياسة مبنية على المبادئ. (ليس من الضروري أن نكرر أن الحرب الأهلية في فنلندا كما كانت الحال في بولندا سيكون لها طابع محدود وشبه معاق ويمكنها، في المرحلة التالية، أن تتحول إلى حرب أهلية بين الجماهير الفنلندية وبيروقراطية موسكو، نعرف ذلك على الأقل بوضوح مثل المعارضة ونحذر الجماهير علانية، لكننا نحلل العملية كما هي ولا نطابق بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية.)
مع أحر الأمنيات والتحيات لكل الأصدقاء،
ل. تروتسكى
Coyoacan, D.F.
15 - رسالة مفتوحة إلى بورنهام
رفيقي العزيز
لقد عبرت عن ردة فعلك على مقالي عن المعارضة البرجوازية الصغيرة، وقد قلت إنك لا تنوي الجداًل معي حول المنهج الجدلي وأنك لن تناقش سوى "القضايا الملموسة". وأضفت ساخراً "لقد توقفت عن النقاش حول الدين منذ زمن بعيد"، سمعت من قبل ماكس إيستمان ينطق بمثل تلك الطريقة.
هل ثمة منطق في المطابقة بين الدين والمنطق؟
كما فهمت، فإن كلماتك تعني أن جدلية ماركس وإنجلز ولينين تنتمي إلى حقل الأديان. ماذا يعني هذا التأكيد؟ المنطق الجدلي، اسمح لي أن أذكر مرة أخرى، هو منطق التطور. مثله مثل ورشة المعدات داخل مصنع والتي دورها أن تزود جميع الإدارات والأقسام بالآلات والأدوات المطلوبة، لذلك لا غنى عن المنطق في جميع مجالات المعرفة البشرية. إذا كنت لا تعتبر المنطق عمومًا تعصباً دينيًا (من المؤسف أن تقول ذلك، فإن الكتابات المشوشة لمناهضي المنطق (الجدلي) تميل أكثر فأكثر نحو هذه الفكرة المؤسفة)، فما هو المنطق الذي تقبله بالتحديد؟ أعرف نظامين للمنطق يستحقان الاهتمام: منطق أرسطو (المنطق الشكلي) ومنطق هيجل (الديالكتيك). المنطق الأرسطي يأخذ كنقطة انطلاق لعمله الأشياء والظواهر في حالتها الثابتة. بينما يدرس الفكر العلمي لعصرنا جميع الظواهر في أصلها وتغيرها وتفككها. هل تعتقد أن تقدم العلوم، بما في ذلك الداروينية والماركسية والفيزياء الحديثة والكيمياء، وما إلى ذلك، لم يؤثر بأي شكل من الأشكال على مفاهيمنا؟ وبعبارة أخرى، هل تعتقد أنه في عالم يتغير فيه كل شيء، لا يزال القياس المنطقي وحده غير قابل للتغيير وأبدياً؟ يبدأ الإنجيل وفقاً للقديس يوحنا بالكلمات التالية: "في البدء كانت الكلمة"، أي في البداية كان العقل أو الكلمة (العقل المعبر عنه في الكلمة، أي، القياس المنطقي). بالنسبة إلى القديس يوحنا القياس هو واحد من الأسماء الأدبية المستعارة للرب. إذا اعتبرت أن القياس المنطقي غير قابل للتغيير، أي ليس له أصل ولا يتطور، ذلك يدل على أنه بالنسبة لك نتاج الوحي الإلهي. لكن إذا اعترفت بأن النماذج المنطقية لفكرنا تتطور خلال عملية تكيفنا مع الطبيعة، فيرجى أن تأخذ المشكلة في تكويننا فقط بعقد مقارنة بين منهج أرسطو ومنهجية التقدم اللاحق للمنطق. ما دمت لا توضح هذه النقطة، فسوف أسمح لنفسي بالتأكيد على أن وضع المنطق (الجدلي) مع الأديان في حقل واحد إنما يكشف عن جهل كامل وسطحية في المسائل الأساسية للفكر الإنساني.
هل الثوري غير ملزم بمحاربة الدين؟
دعنا نسلم معك أن الكثير من فروضك تلك صحيح. ان ذلك لن يجعلك في وضع أفضل. فالدين، كما آمل أن توافق، يحول الانتباه بعيداً عن المعرفة الحقيقية إلى الخيال، بعيداً عن النضال من أجل حياة أفضل إلى آمال زائفة بمكافأة في الآخرة. الدين هو أفيون الشعب. ومن يتفادى النضال ضد الدين لا يستحق أن يحمل اسم الثوري. على أي أساس إذاً تبرر رفضك للقتال ضد الديالكتيك إذا اعتبرته أحد أنواع الدين؟
لقد توقفت عن إزعاج نفسك منذ فترة طويلة، كما تقول، بالجداًل في مسألة الدين. لكنك توقفت عن إزعاج نفسك فقط. ولكن أيضاً، هناك كل الآخرين. أو عدد غير قليل منهم. نحن الثوار لا نتوقف ابدآ عن إزعاج أنفسنا بشأن المسائل الدينية، حيث أن مهمتنا تتمثل في التحرر من تأثير الدين، ليس فقط بخصوص أنفسنا ولكن أيضاً مع الجماهير. إذا كان الديالكتيك دينًا، فكيف يمكنك التخلي عن النضال ضد هذا الأفيون داخل الحزب؟
أو ربما كنت تنوي الإيحاء بأن الدين ليس له أهمية سياسية؟ أنه من الممكن أن تكون متدين وفي نفس الوقت تظل مناضلًا ثوريًا وشيوعيًا؟ أنت بصعوبة تغامر بتهور ان تؤكد ان ذلك طبيعياً. بطبيعة الحال، نحن نراعي موقف الميول الدينية لعامل متخلف. إذا رغب في القتال من أجل برنامجنا، فسنقبله كعضو في الحزب. ولكن في الوقت نفسه، سوف يثقفه حزبنا باستمرار بروح المادية والإلحاد. إذا كنت تتفق مع هذا، كيف يمكنك أن ترفض الكفاح ضد "ديانة"، يحتفظ بها، على حد علمي، الغالبية الساحقة من أعضاء حزبكم الذين يهتمون بالأسئلة النظرية؟ لقد تجاهلت بوضوح هذا الجانب الأكثر أهمية في السؤال.
بين البرجوازيين المتعلمين ثمة عدد غير قليل من الذين قطعوا مع الدين بشكل شخصي، ولكن إلحادهم هو فقط للاستهلاك الخاص بهم؛ يبقون أفكارًا كهذه لأنفسهم لكن في الأماكن العامة غالباً ما يؤكدون أنه من الجيد أن يكون للناس دين. هل من الممكن أن تكون لديك وجهة نظر كهذه تجاه حزبك؟ هل من الممكن أن يفسر هذا رفضك مناقشتنا الأسس الفلسفية للماركسية؟ إذا كان هذا هو الحال، في ظل احتقارك للديالكتيك هو يشير أيضاً إلى استخفافك بالحزب.
من فضلك لا تحصر اعتراضك في عبارة استندت أنا اليها في محادثة خاصة، ثم لا تهتم بدحض المادية الديالكتيك علناً. هذا ليس صحيحاً. العبارة المحلقة تخدم فقط كإيضاح. أنك لأسباب مختلفة، كلما كانت هناك مناسبة، كنت تعلن موقفك السلبي تجاه المذهب الذي يشكل الأساس النظري لبرنامجنا.
هذا معروف للجميع في الحزب. في مقال "مثقفون منسحبون"، الذي كتبته بالتعاون مع شاختمان ونُشر في النشرة النظرية للحزب، أكدت بشكل قاطع على رفضك للمادية الجدلية. ألا يحق للحزب أن يعرف لماذا؟ هل تفترض حقاً أنه في الأممية الرابعة يمكن لمحرر في الجهاز النظري أن يتوقف عند حدود الإعلان المجرد: "أنا أرفض بشكل حاسم المادية الجدلية" - كما لو أنها كانت مسألة سيجارة قدمت لك: "شكرا، أنا لا أدخن" إن قضية عقيدة فلسفية صحيحة، أي، طريقة صحيحة للتفكير، هي ذات أهمية حاسمة للحزب الثوري فقط مثل ورشة الآلات الجيدة هي ذات أهمية حاسمة للإنتاج. هل لا يزال من الممكن الدفاع عن المجتمع القديم بالطرق المادية والفكرية الموروثة من الماضي؟ لا يمكن تصور أن هذا المجتمع القديم يمكن الإطاحة به، وأن مجتمعًا جديدًا يتم بناؤه بدون تحليل نقدي للطرق الحالية. إذا كان الحزب يخطئ في أسس تفكيره، فمن واجبك الأساسي أن تشير له على الطريق الصحيح. وإلا فسوف يفسر سلوكك بشكل حتمي على أنه رؤية الفارس الأكاديمي المتعجرف في منظمة بروليتارية والتي، بعد كل شيء، غير قادرة على استيعاب عقيدة "علمية" صحيحة. ماذا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك؟

أمثلة إرشادية
أي شخص على دراية بتاريخ صراع الاتجاهات داخل الأحزاب العمالية يعرف أن اللجوء إلى معسكر الانتهازية وحتى معسكر الرجعية البرجوازي يبدأ غالباً برفض الديالكتيك. يعتبر المثقفون البرجوازيون الصغار أن الديالكتيك هو أكثر النقاط ضعفاً في الماركسية، وفي نفس الوقت يستغلون حقيقة أنه من الصعب إلى حد كبير على العمال أن يتحققوا من الاختلافات على المستوى الفلسفي بالمقارنة مع المستوى السياسي. هذه الحقيقة المعروفة منذ زمن طويل مدعومة بكل أدلة التجربة. مرة أخرى، من غير المسموح أن نستبعد حقيقة أكثر أهمية، وهي أن جميع الثوريين العظماء والمتميزين – وفي مقدمتهم، ماركس، إنجلز، لينين، لوكسمبورغ، فرانز مهرنغ - وقفوا على أرض المادية الجدلية. هل يمكن الافتراض أن جميعهم كانوا غير قادرين على التمييز بين العلم والدين؟ أليس هناك الكثير من المبالغة من جانبك، الرفيق بورنهام؟ أمثلة برنشتاين وكاوتسكي وفرانز ميهرينغ هي مفيدة للغاية. لقد رفض برنشتاين بشكل قاطع المنطق الجدلي واصفا إياه ب "المدرسية" و "الصوفية". حافظ كاوتسكى على عدم الاكتراث تجاه مسألة الديالكتيك، بدرجة ما مثل الرفيق شاختمان. كان ميهرنج دعائي دؤوب ومدافع عن المادية الجدلية. وعلى مدى عقود، تابع جميع إبداعات الفلسفة والأدب، حيث كشف النقاب عن جوهر المثالية الرجعية، والكانطيه الجديدة، والمذهب البراجماتي، وجميع أشكال التصوف، وما إلى ذلك. والمصير السياسي لهؤلاء الأفراد الثلاثة معروف للغاية. أنهى برنشتاين حياته كبرجوازي صغير متعجرف. الديمقراطي كاوتسكى، انتقل من الموقف الوسطي وأصبح انتهازيا مبتذلا. أما ميهرنج، فقد مات كشيوعي ثوري.
في روسيا، بدأ ثلاثة من الأكاديميين الماركسيين البارزين، ستروف، بولجاكوف وبيرديايف برفض العقيدة الفلسفية للماركسية وانتهوا في معسكر الرجعية والكنيسة الأرثوذكسية. في الولايات المتحدة، استخدم ايستمان وسيدني هوك وأصدقائهم مناهضة المنطق الجدلي كغطاء لتحولهم من رفاق مندوبين للبروليتاريا إلى مندوبي البرجوازية. يمكن الاستشهاد بأمثلة لها نفس النتيجة من دول أخرى. إن مثال بليخانوف، الذي يبدو أنه استثناء، في الواقع يثبت فعلاً صحة القاعدة. كان بليخانوف داعية بارزًا للمنطق الديالكتيكي، ولكن خلال حياته كلها لم تتح له الفرصة للمشاركة في الصراع الطبقي الفعلي. كان تفكيره مجرداً من الممارسة. ثورة 1905 وبعدها الحرب العالمية أسقطته في معسكر الديمقراطية البرجوازية الصغيرة ودفعته في الواقع إلى التخلي عن المادية الجدلية. خلال الحرب العالمية، تقدم بليخانوف بشكل علني باعتباره مناصراً للحتمية الميكانيكية الكانطية في مجال العلاقات الدولية: "لا تفعل بالآخرين ما لا ترغب أن يفعلون بك". مثال بليخانوف يثبت فقط أن المادية الجدلية في حد ذاتها لا تجعل من الإنسان ثورياً.
من ناحية أخرى، يرى شاختمان أن ليبكنخت ترك عملًا ضد المادية الجدلية كتبه في السجن، فالكثير من الأفكار تدخل عقل الشخص أثناء وجوده في السجن لا يستطيع مراجعتها والتحقق من صحتها من خلال النقاش مع أشخاص آخرين. ليبكنخت، الذي لا أحد، يقلل منه، يعتبر منظراً، وأصبح رمزا للبطولة في الحركة العمالية العالمية. إذا ما أبدى أي من المعارضين الأمريكيين للجدل الديني نفس التضحية والاستقلال عن النزعة الوطنية خلال الحرب، فسنعرض ما يستحقه على أنه ثوري. لكن ذلك لن يحل مشكلة المنهج الجدلي.
من المستحيل التنبؤ بالنتائج النهائية التي كان سيتوصل إليها ليبكنخت لو أنه كان في الحرية. على أي حال قبل نشر أعماله، كان بلا شك سيعرضها على أصدقائه الأكثر كفاءة، وهم: فرانز مهرينغ وروزا لوكسمبورغ. من المحتمل جداً أنه على بناء على نصيحتهم، كان بإمكانه ببساطة إلقاء المخطوطة في النار. دعونا نفترض ما يلي، أنه على الرغم من نصيحة الأشخاص البارزين في مجال النظرية، أنه على الأقل قرر نشر أعماله. بالطبع، لم يقترح ميهرنج ولوكسمبورغ ولينين وغيرهم إمكانية التخلص من الأخطاء النظرية بتلك الطريقة من الحزب.. على العكس من ذلك، كانوا سيتدخلون بحزم لصالحه لو قدم أي شخص مثل هذا الاقتراح الأحمق. لكنهم في نفس الوقت، لن يشكّلوا كتلة فلسفية معه، بل كانوا سيميزون أنفسهم بشكل حاسم عن أخطائه النظرية.
ونلاحظ أن سلوك الرفيق شاختمان مختلف عن ذلك. "سوف تلاحظ"، كما يقول - هذا لتعليم الشباب (!) - "أن بليخانوف كان منظراً بارزاً في المادية الجدلية ولكنه انتهى انتهازيًا. كان ليبكنخت ثوريًا رائعًا، لكن كان لديه شكوكه حول المادية الجدلية ". هذه الحجة إذا كانت تعني أي شيء على الإطلاق فهي أن تشير إلى أن المادية الجدلية ليست مفيدة عموماً للثوري. مع هذه الأمثلة من ليبكنخت وبليخانوف المخلوعة بشكل مصطنع من سياقها التاريخي، يعزز شاختمان و "يعمق" فكرة مقالته في العام الماضي، وهي أن السياسة لا تعتمد على المنهج، حيث أن المنهج منفصل عن السياسة عن طريق الهبة الإلهية لعدم الاتساق. من خلال التفسير الكاذب للاستثناءين، يسعى شاختمان إلى الإطاحة بالقانون. إذا كانت تلك هي حجة "المؤيد" للماركسية، فماذا نتوقع من الخصم إذن؟ إن مراجعة الماركسية تتحول هنا إلى محاولة تصفية صريحة. بل أكثر من ذلك، محاولة تصفية كل عقيدة وكل منهج.
ماذا تقترحه كبديل إذاً؟
المادية الجدلية ليست بالطبع فلسفة أبدية غير قابلة للتغيير. القول بعكس ذلك يتناقض مع روح المنهج الجدلي. ومما لا شك فيه أن المزيد من تطور الفكر العلمي سيخلق عقيدة أكثر عمقاً لن يدخل فيها المادية الجدلية إلا كعناصر بنائية. ومع ذلك، لا يوجد أساس لتوقع أن هذه الثورة الفلسفية ستتحقق في ظل النظام البرجوازي المتفسخ، دون الإشارة إلى حقيقة أن أمثال ماركس لا يولد كل عام أو كل عقد. إن المهمة التي تعتبر قضية حياة أو موت بالنسبة للبروليتاريا الآن لا تتمثل في إعادة تفسير العالم مرة أخرى بل في بناءه من جديد من الأعلى إلى الأسفل. في الحقبة القادمة، يمكننا أن نتوقع ثوريين عظماء في عملهم، لكننا لا نستطيع أن نتوقع ماركس جديدًا. ستشعر البشرية، فقط على أساس الثقافة الاشتراكية، بالحاجة إلى إعادة النظر في التراث الأيديولوجي للماضي، وستتجاوزنا بلا شك إلى حد بعيد ليس فقط في مجال الاقتصاد، بل أيضاً في مجال الإبداع الفكري. إن نظام البيروقراطية البونابرتية في الاتحاد السوفييتي إجرامي، ليس فقط لأنه يخلق عدم مساواة متزايدة في جميع مجالات الحياة، بل لأنه يعيق أيضاً من النشاط الفكري للبلد وينزل به إلى أدني درجة بواسطة الوسائل البوليسية المطلوقة بلا قيد.
لكن دعونا نفترض، على عكس اعتقادنا، أن البروليتاريا محظوظة للغاية خلال حقبة الحروب والثورات الحالية، حيث ستنتج منظراً جديداً أو كوكبة جديدة من المنظرين الذين سيتفوقون على الماركسية، وعلى وجه الخصوص المنطق المتقدم الذي سيتخطى الديالكتيك المادي. وغني عن القول إن جميع العمال المتقدمين سيتعلمون من المعلمين الجدد وسيتعين على كبار السن إعادة تثقيف أنفسهم مرة أخرى. لكن خلال هذا تبقى محض تصور عن موسيقى المستقبل. أو هل أنا مخطئ؟ ربما ستلفت انتباهي إلى تلك الأعمال التي يجب أن تحل محل نظام المادية الجدلية للبروليتاريا؟ لو كانت تلك الأعمال في متناولك بالتأكيد ما كنت ترفض القيام بالنضال ضد أفيون المنطق الجدلي. لكن لا شيء موجود. فبينما تحاول أن تشكك في فلسفة الماركسية فإنك لا تقترح أي شيء بالمقابل نستبدلها به.
الآن تخيل طبيبًا شابًا مبتدئا يحاول أن يبرهن لطبيب جراح أن استخدام المشرط وعلم التشريح الحديث، وعلم الجهاز العصبي، وما إلى ذلك، لا قيمة لهم، ولا يزال الكثير منها غير واضح وغير مكتمل، وبأن "البيروقراطيين المحافظين" فقط هم الذين يقومون بالعمل بالمشرط على أساس هذه العلوم الزائفة، إلخ. أعتقد أن الجراح سيطلب من زميله غير المسؤول أن يغادر غرفة العمليات. نحن أيضاً، الرفيق بورنهام، لا يمكن أن نذعن للتلميحات الرخيصة حول فلسفة الاشتراكية العلمية. على العكس من ذلك، فمنذ بداية الصراع بين الفصائل، تم طرح القضية بشكل غامض، يجب أن نقول، ونحن ننظر إلى جميع أعضاء الحزب، وخاصة الشباب: احذروا من تسلل الشكوك البورجوازية إلى صفوفكم. تذكروا أن الاشتراكية حتى يومنا هذا لم تجد تعبيرًا علميًا أعلى من الماركسية. ضعوا في اعتباركم أن منهج الاشتراكية العلمية هو المادية الجدلية. اشغلوا أنفسكم بدراسة أمور جادة! دراسة ماركس وإنجلز وفلكانوف Flekhanov (المقصود هو بليخانوف مع وجود خطأ مطبعي -م) ولينين وفرانز مهرنغ. هذا أكثر أهمية بمائة مرة أكثر بالنسبة لكم من دراسة مقالة عقيمة مليئة بالمغالطات ومضحكة، في حديثها عن النزعة المحافظة عند كانون. دع المناقشة الحالية تنتج على الأقل هذه النتيجة الإيجابية، أن يحاول الشباب أن يبنوا في عقولهم أساسًا نظريًا جديًا للنضال الثوري!
لكن في حالتك، لا يقتصر السؤال على المنهج الجدلي. إن الملاحظات الواردة في قرارك، والتي تفيد بأنك لا تفرضها الآن على قرار الحزب بشأن مسألة طبيعة الدولة السوفيتية، تعني في الواقع أنك تطرح هذا السؤال، إن لم يكن من الناحية القانونية ثم من الناحية النظرية والسياسية. الأطفال فقط من قد لا يفهمون ذلك. هذا البيان بالذات له معنى آخر، أكثر فظاعةً وخبثاً. هذا يعني أنك تخرج السياسة من علم الاجتماع الماركسي. ومع ذلك، فإن جوهر المسألة يكمن بالضبط في هذا الأمر. إذا كان من الممكن إعطاء تعريف صحيح للدولة دون استخدام منهج المادية الجدلية؛ إذا كان من الممكن تحديد السياسة بشكل صحيح دون تقديم تحليل طبقي للدولة، عندها يبرز السؤال بوضوح: هل هناك أي حاجة على الإطلاق للماركسية؟
قادة المعارضة يختلفون فيما بينهم حول الطبيعة الطبقية للدولة السوفياتية، ويتفقون على أن السياسة الخارجية للكرملين يجب وصفها بأنها "إمبريالية" وأن الاتحاد السوفييتي لا يمكن دعمه "بدون شروط". (منصة عريضة جداً!) عندما تثير "العصبة" المعارضة صراحة مسألة طبيعة الدولة السوفييتية في المؤتمر (أي جريمة تلك!) رغم أنها وافقت عليها مسبقا ... لتعارضها، أي لتصوت حولها بشكل مختلف.
في الحكومة البريطانية "الوطنية"، تحدث هذه السابقة من الوزراء الذين "يوافقون على أن لا يوافقوا"، أي يقومون بالتصويت عكس الاتفاق السابق. لكن وزراء جلالة الملك يتمتعون بهذه الميزة، فهم يدركون جيداً طبيعة دولتهم ويمكنهم تحمل ترف الاختلاف حول القضايا الثانوية. قادة المعارضة هم أقل حظاً بكثير. أنهم يسمحون لأنفسهم برفاهية الاختلاف في القضايا الأساسية من أجل تضامنهم حول القضايا الثانوية. إذا كانت هذه هي الماركسية والسياسة المبدئية، فأنا لا أعرف ما الذي يعنيه الاتفاق الغير مبدئي.
يبدو أنك تعتقد أنه من خلال رفضك مناقشة المادية الجدلية والطبيعة الطبقية للدولة السوفياتية والاقتصار على القضايا "الملموسة"، فإنك تتصرف ضمن وجهة نظر سياسية واقعية. هذا الخداع للذات هو نتيجة لمعرفتك غير الكافية بتاريخ الخمسين سنة الماضية للصراع بين الفصائل في الحركة العمالية.
في كل نزاع مبدئي، دون استثناء واحد، حاول الماركسيون بحزم مواجهة الحزب مباشرة بالمشاكل الأساسية في العقيدة والبرنامج، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن إلا للسؤال "الملموس" العثور على مكانه المناسب ودرجته. من ناحية أخرى، فإن الانتهازيين في جميع المستويات، وخاصة أولئك الذين عانوا بالفعل من بعض الهزائم في مجال النقاش المبدئي، يقاومون بثبات التحليل الطبقي الماركسي "الملموس"، وكما هي العادة، تحت ضغط التقييم الظرفي الديمقراطي البرجوازي. استمر هذا التوزيع في الأدوار عبر عقود من الصراع بين الفصائل. المعارضة، أتاحت لي أن أؤكد لكم، أنها لم تقم باختراع شيء جديد. إنها تواصل تقاليد التحريفية من الناحية النظرية، والانتهازية من الناحية السياسة.
في نهاية القرن الماضي، كانت هناك محاولات برنشتاين في المراجعة، والتي دخلت إلى إنجلترا تحت تأثير التجريبية الأنجلو سكسونية والبرجماتية، الفلسفات الأكثر رداءة والتي صدت بلا رحمة. عندئذ انقلب الانتهازيون الألمان فجأة إلى الفلسفة وعلم الاجتماع. في المؤتمرات والصحافة لم يكفوا عن توبيخ الماركسي "المتحذلق"، الذي يستبدل "المسائل السياسية الملموسة" بتقديرات عامة مبدئية. اقرأ سجلات الديموقراطية الاجتماعية الألمانية قرب نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي - وستندهش أنت نفسك من الدرجة التي يقول الفرنسيون عندها، الموتى يمسكون بتلابيب الأحياء "le mort saisit le vif").
أنت لست ملماً بالدور الضخم الذي لعبته الأيسكرا في تطوير الماركسية الروسية. بدأت أيسكرا بالنضال ضد ما يسمى بـ "الاقتصادوية" في الحركة العمالية وضد الناردونيك (حزب الثورة الاجتماعية). كانت الحجة الرئيسية لـ "الاقتصادويين" هي أن أيسكرا تحلق في سماء النظرية بينما هم، "الاقتصاديون" يقترحون قيادة الحركة العمالية الملموسة. كانت الحجة الرئيسية للثوريين الاجتماعيين كما يلي: تريد أيسكرا تأسيس مدرسة على أساس المذهب الجدلي بينما نريد نحن أن نطيح بالسلطة الأوتوقراطية القيصرية. يجب أن يقال إن إرهابيي الناردونيك أخذوا كلماتهم على محمل الجد: حملوا القنبلة في يدهم وضحوا بحياتهم. لقد جادلنا معهم: "في ظل ظروف معينة، تعتبر القنبلة أمراً ممتازًا، لكن يجب علينا أولاً ان ننير عقولنا". إنها خبرة تاريخية (ذات دلالة -م) أن أعظم ثورة في التاريخ لم تكن بقيادة الحزب الذي بدأ بالقنابل بل من قبل الحزب الذي بدأ بالمادية الجدلية.
وقت أن كان البلاشفة والمناشفة لا يزالون أعضاء في نفس الحزب، شهدت فترات ما قبل المؤتمر والمؤتمر نفسه صراعاً عنيفاً حول جدول أعمال المؤتمر. اعتاد لينين أن يقترح أولاً في جدول الأعمال موضوعات مثل توضيح طبيعة الملكية القيصرية، وتحليل الطابع الطبقي للثورة، وتقييم المراحل الثورية التي مررنا بها، وما إلى ذلك، وكان مارتوف ومعه دان، قادة المناشفة، يعترضون دائماً: لسنا ناديًا اجتماعيًا بل حزبًا سياسيًا. يجب أن نتوصل إلى اتفاق ليس حول الطبيعة الطبقية للاقتصاد القيصري ولكن على "المهام السياسية الملموسة". لدي أذكر من ذلك محفوظ في الذاكرة ولا أتعرض لخطر النسيان بسبب تكرار هذه الخلافات من عام لآخر وأنها أصبحت نمطية في طبيعتها. قد أضيف أنني شخصيا لم اقترف بعض تلك الأخطاء في هذا الشأن بنفسي. لكنني تعلمت شيئاً منذ ذلك الحين.
ورداً على الذين يعتنقون الاقتصار على "المسائل السياسية الملموسة"، أوضح لينين بشكل حازم أن سياستنا ليست ذات طبيعة ظرفية وإنما تقوم على أسس مبدئية. حيث التكتيكات مرتبطة بالاستراتيجية؛ أن الشاغل الرئيسي لكل حملة سياسية بالنسبة لنا هو توجيه العمال من حدود القضايا الظرفية إلى ربطها بالقضايا العامة، وأن نعلمهم طبيعة المجتمع الحديث وطبيعة قواه الأساسية. لقد اعتاد المناشفة دائمًا على اللجوء إلى تشويه وتشويش الخلافات المبدئية، في تكتلاتهم غير المستقرة، من خلال التملص والمناورة، في حين طرح لينين على العكس الأسئلة الجوهرية. إن الحجج الحالية للمعارضة ضد الفلسفة وعلم الاجتماع لصالح "مسائل سياسية ملموسة" هي تكرار متأخر لحجج دان. لا كلمة واحدة جديدة! كم هو محزن أن شاختمان يحترم سياسة الماركسية المبدئية فقط عندما يكون قد مضى من عمره فترة كافية للأرشفة.
من المحرج والغير ملائم على وجه الخصوص أن نداء التحول من النظرية الماركسية إلى "أسئلة سياسية ملموسة" يخرج من فاهك، الرفيق بورنهام، لأنه لم يكن أنا ولكن أنت من أثار مسألة طبيعة الاتحاد السوفيتي، مما أجبرني على فرض سؤال عن المنهج الذي يتم من خلاله تحديد الطبيعة الطبقية للدولة. إنه أمر جيد بما يكفي، أنك قمت بسحب القرار الخاص بك. لكن هذه المناورة الحزبية لا معنى لها على الإطلاق. يمكنك استخلاص استنتاجاتك السياسية من فرضياتك الاجتماعية، حتى لو كنت أخفيتها مؤقتاً داخل حقيبتك. أن شاختمان يستمد نفس الاستنتاجات السياسية ولكن دون الاعتماد على مقدمات وفروض اجتماعية: فهو يكيف نفسه على ما تقوم به أنت. يسعى أبيرن للربح على حد سواء من إخفاء الفرضية أو عدم وجود فرضيات منطقية لمجموعاته "التنظيمية". هذه هي الحالة الحقيقية وليست الدبلوماسية في معسكر المعارضة. أنت تواصل كمناهض للماركسية. شاختمان وأبرن - باعتبارهما ماركسيين أفلاطونيين. ماذا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك، ليس من السهل التحديد.
جدل النقاش الراهن
عند المواجهة بيننا وبين الجبهة الدبلوماسية التي تخفي فرضياتها ويغيب عن معارضتها المنطق. نحن، "المحافظين"، أجبنا بطريقة طبيعية: أن النقاش المثمر حول "موضوعات ملموسة “ممكن فقط إذا حددتم بوضوح وجهة النظر الطبقية التي تنطلقون منها. لسنا مجبرين على قصر أنفسنا على مناقشة تلك المواضيع التي اخترتموها بشكل مفتعل. إذا اقترح أحدهم أن نناقش أسئلة "ملموسة" عن غزو سويسرا من قبل الأسطول السوفييتي أو طول ذيل ساحرة برونكس، فأنه من المبرر لي أن أطرح أسئلة مسبقة مثل، هل لسويسرا ساحل بحري؟ هل هناك سحرة على الإطلاق؟
كل مناقشة جادة تتطور (عبر عدة مراحل -م) من المسألة الخاصة بها عروجا على نقاط عرضية مما يدفع النقاش إلى ما هو عام حتى مناقشة النقاط الجوهرية.
إن الدوافع والأسباب الضمنية لهما أهميتهما، ولكن في معظم الحالات، تكون أهميتهما عرضية فحسب. الأهمية السياسية الحقيقية تتعلق فقط بتلك المشاكل التي يثيرها النقاش في تطوره. بالنسبة إلى بعض المثقفين، الذين يتوقون إلى إدانة النزعة البيروقراطية المحافظة "وعرض روحهم الديناميكية"، قد يبدو أن الأسئلة المتعلقة بالديالكتيك والماركسية وطبيعة الدولة والمركزية تثار "بشكل مصطنع" وأن المناقشة قد اتخذت ". اتجاه مفتعل. ومع ذلك، فإن جوهر المسألة يكمن هنا، فالمناقشة لها منطقها الموضوعي الخاص الذي لا يتطابق على الإطلاق مع المنطق الذاتي للأفراد والجماعات. إن الطابع الديالكتيكي للمناقشة ينطلق من حقيقة أن مسارها الموضوعي يحدده الصراع الحياتي لميول متعارضة وليس من خلال خطة منطقية مسبقة. ويتشكل الأساس المادي للمناقشة من الضغط المتبادل للطبقات المختلفة. هكذا، المناقشة الحالية في العامل الاشتراكي -SW ؟، مثل العملية التاريخية ككل، تتطور - مع أو بدون إذنك، الرفيق بورنهام – وإنما وفقاً لقوانين المادية الجدلية. لا يوجد فكاك من تطبيق هذه القوانين.
"العلم" ضد الماركسية و "التجريب" ضد البرنامج
اتهام خصومك بـ "البيروقراطية المحافظة" (تصور سيكولوجي مجرد تماماً وكأنه لا توجد مصالح اجتماعية محددة تختبئ وراء هذه "المحافظة")، أنت تطالب في وثيقتك باستبدال السياسة المحافظة بـ "السياسة النقدية والتجريبية - في كلمة واحدة، سياسة علمية ". (ص 32). هذا الكلام، للوهلة الأولى، ساذجاً وبلا معنى في كل مزاعمه، إنه في حد ذاته فضيحة كاملة. أنت لا تتحدث عن السياسة الماركسية. أنت لا تخفي السياسة البروليتارية. أنت تتحدث عن السياسة "التجريبية"، "النقدية"، "العلمية". لماذا هذه المصطلحات الرنانة والمبهمة عمداً والغير معتادة في صفوفنا؟ سأقول لك. إنه نتاج توائمك، أيها الرفيق بورنهام، مع الرأي العام البرجوازي، وتكيف شاختمان وأبرن مع توائمك. لم تعد الماركسية موضة في أوساط الدوائر العريضة من المثقفين البرجوازيين. علاوة على ذلك، إذا كان ينبغي على المرء أن يذكر الماركسية، لا سمح الله، فقد يتم جره إلى المادية الجدلية. من الأفضل تجنب هذه الكلمة التي فقدت مصداقيتها. بماذا نستبدلها؟ لماذا، بالطبع، "العلم"، وحتى بالرسملة العلمية. والعلم، كما يعرف الجميع، يقوم على "النقد" و "التجارب". لديه دائرته الخاصة؛ متينة جداً، مرنة جداً، ولذلك غير متعصبة، بل أستاذية! بتلك الصيغة يمكن للمرء أن يدخل أي صالون ديمقراطي.
رجاءً، قم بإعادة قراءة تصريحك الخاص مرة أخرى:
"بدلاً من السياسة المحافظة، يجب أن نضع سياسات جريئة ومرنة ونقدية وتجريبية - بكلمة واحدة، السياسة العلمية".
لم يكن بإمكانك تحسينها! ولكن هذه بالضبط هي الصيغة التي استخدمها جميع التجريبيين البرجوازيين الصغار، وجميع المراجعين، وأخيرا وليس آخرا، في خطاب جميع المغامرين السياسيين المناهضين للماركسية لأنها "ضيقة"، "محدودة"، "دوجمائية" و "محافظة".
قال بوفون Buffon ذات مرة: إن الأسلوب هو الإنسان. المصطلحات السياسية ليست فقط الشخص ولكن الحزب. المصطلحات هي واحدة من عناصر الصراع الطبقي. وحده المتحذلق عديم الفهم من لا يستطيع معرفة هذا. في وثيقتك، تفاديت بمهارة – نعم أنت، لا أحد غيرك رفيق بورنهام - ليس فقط مصطلحات مثل الجدلية والمادية، ولكن أيضاً الماركسية. أنت فوق كل هذا. أنت رجل علم "نقدي"، "تجريبي". لنفس السبب بالضبط، اخترت تسمية "الإمبريالية" لوصف السياسة الخارجية للكرملين. يميزك هذا الابتكار عن المصطلحات المحرجة للغاية للأممية الرابعة من خلال خلق صيغ أقل "عصبوية"، وأقل "دينية"، وأقل صرامة، مشتركة بينك وبين – ويالها من صدفة سعيدة - الديمقراطية البورجوازية.
تريد أن تجرب؟ ولكن اسمح لي أن أذكرك أن الحركة العمالية تمتلك تاريخًا طويلًا لا يفتقر إلى التجارب، وإذا كنت تفضل ذلك، فستكون هناك تجارب. لقد تبلورت هذه التجربة التي دفعنا فيها غالياً في شكل عقيدة محددة، وهي الماركسية ذاتها التي تتجنّبها بحذر شديد. قبل منحك الحق في التجربة، يحق للحزب أن يسأل: ما هو المنهج الذي ستستخدمه؟ نادراً ما كان هنري فورد يسمح لرجل أن يجرب في مصنعه إذا كان لم يستوعب النتائج المطلوبة للتطور السابق في الصناعة والتجارب التي لا حصر لها التي أجريت بالفعل. وعلاوة على ذلك، يتم فصل المختبرات التجريبية في المصانع بعناية عن خطوط الإنتاج الضخم. علاوة على أنه غير مسموح لطبيب دجال أن يجري تجاربه "العلمية" داخل الحركة العمالية – حتى لو أجريت تحت يافطة علم "مجهول". بالنسبة لنا، فإن علم الحركة العمالية هو الماركسية. أما العلوم الاجتماعية التي لا اسم لها، والعلوم ذات اليافطات الرنانة، نحن نتركها جميعاً تحت تصرف ايستمان وأمثاله.
أعلم أنك اشتبكت في مجادلات مع إيستمان وفي بعض النقاط جادلت جيداً. لكنك تتناقش معه كممثل لدائرتك الخاصة وليس كعميل للعدو الطبقي. لقد كشفت هذا بشكل واضح في مقالتك المشتركة مع شاختمان عندما انتهى بك الحال إلى تقديم دعوة غير متوقعة لإيسمان، هوك، ليون والباقون. أن يستغلوا صفحات الأممية الجديدة لنشر آرائهم. لم يقلقك حتى أنهم قد يطرحون مشاكل حول مسألة المنهج الجدلي وبالتالي يخرجوك من صمتك الدبلوماسي.
في 20 يناير من العام الماضي، وقبل وقت طويل من هذه المناقشة، أكدت أنا في رسالة إلى الرفيق شاختمان، على الضرورة القصوى لمتابعة التطورات الداخلية للحزب الستالينى باهتمام. كتبت:
"سيكون الأمر أكثر أهمية بألف مرة من دعوة ايستمان وليون والآخرين لعرض تصبب عرقهم الشخصي الغزير. كنت أتساءل قليلاً عن سبب إفساحك مكاناً لمقالة ايستمان الأخيرة التافهة والمتعجرفة. ... لكني أشعر بالحيرة الشديدة أن تقوم أنت، شخصياً، بدعوة هؤلاء الأشخاص إلى تلويث صفحات عديدة في نشرة الأممية الجديدة. إن استمرار هذا الجدل يمكن أن يثير اهتمام بعض المثقفين البرجوازيين الصغار، لكن ليس اهتمام العناصر الثورية. إنني على قناعة ثابتة انه من الضروري القيام بإعادة تنظيم معينة لكل من النداء الاشتراكي والأممية الجديدة: يجب ان نقف على مسافة ابعد من ايستمان وليون وأشباههم؛ وتقترب أكثر من العمال، وبهذا المعنى، من الحزب الستالينى. "
كما هو الحال دائما في مثل هذه الحالات، أجاب شاختمان بشكل يخلو من اللياقة وبعدم اكتراث. الحقيقة هي، أن المشكلة تم حلها بسبب أن أعداء الماركسية الذين دعوتهم رفضوا قبول دعوتك. هذا الحدث، رغم ذلك، يستحق اهتماماً أكبر. فمن جهة، أنت، الرفيق بورنهام، الذي يدعمه شاختمان، يدعو الديمقراطيين البرجوازيين إلى إرسال تفسيرات ودية ليتم طبعها في صفحات جهازنا الحزبي. من ناحية أخرى، أنت، مدعوماً بهذا الشاختمان نفسه، ترفض الدخول في مناظرة معي حول الجدلية والطبيعة الطبقية للدولة السوفيتية. ألا يعني هذا أنك، مع حليفك شاختمان، قد حولتم وجوهكم نوعاً ما إلى البرجوازيين شبه المعارضين وأدرتم ظهوركم لحزبكم؟ لقد توصل أبرن منذ زمن بعيد إلى استنتاج مفاده أن الماركسية هي عقيدة يجب احترامها، لكن التشكيلة المعارضة الجيدة هي شيء أكثر أهمية بكثير. في هذا الأثناء، ينزلق شاختمان أكثر إلى أسفل، مواسياً نفسه بالتصدعات الحكيمة. أشعر، مع ذلك، أن قلبه غليظ وتافه. عند الوصول إلى نقطة معينة، فإن شاختمان، أمل ذلك، سيسحب نفسه ويبدأ الصعود لأعلى مرة أخرى. هنا يكمن الأمل في أن سياساته الفصائلية "التجريبية" سوف تتحول على الأقل إلى مكسب ل “العلم".

"الديالكتيكي اللا واعى"
استخدم شاختمان ملاحظتي حول داروين، قائلاً: قلت لك أنك "ديالكتيكي يفتقر إلى الوعي بذلك".
تحتوي هذه المجاملة المبهمة على ذرة من الحقيقة، كل فرد هو ديالكتيكي بدرجة أو أخرى، في معظم الحالات، دون وعي. تعرف ربة منزل أن كمية معينة من الحساء مع مقدار معين من الملح تكون مستساغة، لكن المزيد من الملح يجعل الحساء غير مستساغ. وبالتالي، توجه امرأة فلاحة أميّة شئونها في طهي الحساء من خلال القانون الهيجيليّ الخاص بتحويل الكمّ إلى كيف. يمكن الاستشهاد بأمثلة مماثلة من الحياة اليومية إلى مالا نهاية. حتى الحيوانات تصل إلى استنتاجاتها العملية، ليس فقط على أساس القياس الديني الأرسطي، ولكن أيضاً على أساس الجدلية الهيجلية. وهكذا يدرك الثعلب أن الحيوانات ذوات الأربع وكذلك الطيور مغذية ولذيذة. عند رؤية الأرنب، أو الدجاجة، يستعد الثعلب: إنه يدرك أن هذا المخلوق الخاص ينتمي إلى النوع اللذيذ المغذي، ولكن الافتراس يأتي بعد المطاردة. لدينا هنا تحليل منطقي كامل، على الرغم من أن الثعالب، ربما نفترض، لا تقرأ أرسطو ابدآ. عندما يواجه نفس الثعلب أول حيوان أضخم منه، لنقل، على سبيل المثال، الذئب، فإنه يخلص بسرعة إلى أن الكمية هكذا انقلبت إلى شيء مختلف نوعياً، وبدلاً من الاستعداد للقنص يسرع بالفرار. من الواضح أن أقدام الثعلب مشبعة بميول هيجلية، حتى وإن لم تكن واعيةً بالكامل. كل ذلك يوضح، في حركته، أن مناهج تفكيرنا، سواء المنطق الشكلي أو الجدلي، ليست منتجات تعسفية لعقولنا، بل هي تعبيرات عن العلاقات المتبادلة الفعلية في الطبيعة نفسها. وبهذا المعنى، يتخلل الكون كله وفي جميع أنحاءه ديالكتيك "غير واعي". لكن الطبيعة لم تتوقف عند هذا الحد. لم يحدث أي تطور يذكر (في الوعي) قبل تحويل طبيعة العلاقات الداخلية إلى لغة وعي الثعالب والبشر، ثم استطاع الإنسان تعميم هذه الأشكال من الوعي وتحويلها إلى مفاهيم منطقية (جدلية)، وبالتالي خلق إمكانية البحث والتحقق بخصوصنا، وفي محيط العالم. بشكل أكثر عمقًا.
إن التعبير الأكثر إكتمالآ حتى الآن لقوانين الديالكتيك السائدة في الطبيعة وفي المجتمع قد أعطاه كل من منطق هيجل وماركس. على الرغم من واقع أن داروين لم يكن مهتمًا بالتحقق من منهجية أساليبه المنطقية، إلا أن تجريبيته - كعبقري - في مجال العلوم الطبيعية - بلغت قمة التعميمات الجدلية. بهذا المعنى، كان داروين، كما ذكرت في مقالتي السابقة، "ديالكتيكيًا لا واعياً". ومع ذلك، فإننا لا نقدر داروين على أساس عدم قدرته على الارتقاء إلى فهم الجدلية، ولكن لأنه، على الرغم من تخلفه الفلسفي، شرح لنا أصل الأنواع. إنجلز، يمكننا الإشارة إلى هذا، كان مستاءً من التجريبية الضيقة لأسلوب الداروينية، على الرغم من أنه، مثل ماركس، قدر على الفور عظمة نظرية الانتقاء الطبيعي. على العكس من ذلك، ظل داروين، للأسف، يجهل معنى علم الاجتماع عند ماركس حتى نهاية حياته. لو كان داروين يخرج إلى الصحافة مهاجماً الجدلية أو المادية، لكان ماركس وإنجلز قد هاجموه بقوة مضاعفة حتى لا يسمحوا لنفوذه العلمي ان يتحول إلى عباءة لهجوم ايدلوجيى رجعي.
في حجة المحامي شاختمان أني كنت "ديالكتيكي "لا واعي"، يجب أن نضع تشديداً على كلمة لا واعي. يتمثل هدف شاختمان (وهو أيضاً هكذا لا واعي جزئياً) في الدفاع عن تكتله معك من خلال الحط من المادية الجدلية. في الواقع، يقول شاختمان: إن الفرق بين الطبيب الديالكتيكي "الواعي" والطبيب "غير الواعي" ليس كبيرًا لدرجة أنه يجب على المرء أن يتشاجر حوله. هكذا يحاول شاختمان التشكيك في جدوى المنهج الماركسي.
لكن الشر يذهب حتى إلى أبعد من ذلك. يوجد عدد كبير جداً من الجدليين الغير واعين أو شبه الواعين في هذا العالم. يطبق بعضهم الديالكتيك المادي بشكل ممتاز على السياسة، على الرغم من أنهم لم يهتموا أبدًا بمسائل المنهج. من الواضح أنه سيكون نوعا من ضيق الأفق المتحذلق مهاجمة هؤلاء الرفاق. لكن الأمر خلاف ذلك معك، الرفيق بورنهام. أنت محرر في الجهاز النظري الذي تتركز مهمته في تثقيف الحزب بروح المنهج الماركسي. ومع ذلك فأنت معارض واعي للجدلية وليس على الإطلاق ديالكتيكي لا واعي. حتى لو كان لديك، كما أصر شاختمان، نجاح ملحوظ في تطبيق الجدلية في المسائل السياسية، أي. حتى لو كنت قد وهبت "غريزة" جدلية، فسنظل مضطرين لخوض صراع ضدك، لأن الغريزة الجدلية الخاصة بك، مثل الصفات الفردية الأخرى، لا يمكن أن تنقل إلى الآخرين، بينما المنهج الجدلي الواعي يمكن، بدرجة أو أخرى، أن ينقل إلى الحزب بأكمله.


الديالكتيك والسيد دايز
حتى لو كان لديك غريزة جدلية - وأنا لا أتعهد بالحكم على هذا - فهي معاقة إلى حد كبير بالروتين الأكاديمي والغطرسة الفكرية. ما نسميه الغريزة الطبقية للعامل، يقبل بسهولة نسبية النهج الجدلي في التعامل مع القضايا. لا يمكن أن يكون هناك حديث عن مثل هذه الغريزة الطبقية في المثقف البرجوازي. وفقط عن طريق التخطي الواعي لروحه البرجوازية الصغيرة، يمكن للمثقف المنفصل عن البروليتاريا أن يرتقي إلى السياسة الماركسية. للأسف، يقوم شاختمان وأبرن بكل ما في وسعهما لإغلاق هذا الطريق أمامك. يقيدوك من خلال دعمهم لك، إنها خدمة رديئة للغاية، الرفيق بورنهام.
ساندتك كتلتك، والتي يمكن تسميتها باسم "عصبة التنازل الفصائلي"، ارتكبت الخطأ تلو الآخر: في الفلسفة، في علم الاجتماع، في السياسة، في المجال التنظيمي. أخطائك ليست من قبيل الصدفة. أنت تحاول معالجة كل قضية عن طريق عزلها، فصلها بعيداً عن ارتباطها بالمسائل الأخرى، بعيداً عن علاقتها بالعوامل الاجتماعية، و- بشكل مستقل عن الخبرة الأممية. أنت تفتقر إلى المنهج الجدلي. على الرغم من كل تعليمك أنت تعمل، في السياسة كما يعمل طبيب مشعوذ.
في مسألة لجنة دايز "Dies”، تجلى الخلط والتشويش "mumbo-jumbo" في موقفك بطريقة لا تقل عما كنت عليه في مسألة فنلندا. لقد علقت أنت حول أسبابي لصالح استخدام هذه الهيئة البرلمانية، أنّ المسألة لديك لا تتقرر من خلال الاعتبارات المبدئية لكن لبعض الظروف الخاصة المعروفة لك وحدك ولكنك تمتنع عن ذكرها. اسمح لي أن أخبرك ما هي هذه الظروف: اعتمادك الإيديولوجي على الرأي العام البرجوازي. على الرغم من أن الديمقراطية البرجوازية، في جميع أجزائها، تتحمل المسؤولية الكاملة عن النظام الرأسمالي، بما في ذلك لجنة Dies، إلا أنها مضطرة، لصالح الرأسمالية بالذات، أن تصرف النظر بشكل مخجل عن أجهزة النظام العارية. تقسيم بسيط للعمل! ومع ذلك، ما زال هناك احتيال قديم يستمر في العمل بفعالية! أما بالنسبة للعمال، الذين تشير إليهم بشكل غامض، فقسم منهم، وهو قسم كبير جداً، يقعون مثلك تحت تأثير الديمقراطية البرجوازية. لكن العامل العادي، غير المصاب بتحيزات الشريحة الأرستقراطية العمالية، سيرحب بكل سرور بكل كلمة ثورية جريئة تُلقى في وجه العدو الطبقي. والأكثر رجعية هي المؤسسة التي تخدم كساحة للقتال، رضا العامل هو الأكثر اكتمالا. وقد ثبت ذلك من خلال الخبرة التاريخية. والسيد دايز نفسه، يصبح مذعوراً ويقفز إلى الوراء في الزمن، مبينا كيف كان موقفك خاطئًا. أنه من الأفضل دائمًا إجبار العدو على التراجع بدلاً من السماح له بالخروج متسللاً دون معركة.
ولكن عند هذه النقطة أرى صورة شاختمان غاضبة تقف وتعترضني بإشارة احتجاج: "لا تتحمل المعارضة أي مسؤولية عن آراء بورنهام في لجنة دايز. هذا الموقف لا يتطلب بالضرورة طابعاً فصائلياً "، وهكذا دواليك. أنا أعرف كل هذا. كما لو أن الشيء الوحيد الذي احتاج اليه هو أن تعبر المعارضة بأكملها عن موقفها لصالح تكتيك المقاطعة، هذا لا معنى له تماماً في هذه الحالة! يكفي أن زعيم المعارضة، الذي يقدم وجهات نظر تعبّر عنهم علناً، أعلن انه مع المقاطعة. إذا صادف أنك كبرت سناً عندما يجادل أحد حول "الدين"، فعندئذ اسمحوا لي أن أعترف بأنني قد اعتبرت أن الأممية الرابعة بأكملها قد تجاوزت عصرها عندما كانت المقاطعة تعتبر أكثر السياسات ثورية. وبصرف النظر عن افتقارك للمنهج، فقد كشفت في هذه الحالة عن نقص واضح في الذكاء السياسي. في الوضع المعطى، لا يحتاج المناضل الثوري إلى مناقشة طويلة قبل أن يسارع بالنفاذ من الثغرة التي ظهرت في معسكر العدو مستغلا أنسب الفرص. بالنسبة لأعضاء المعارضة الذين شاركوك الموقف ضد المشاركة في لجنة دايز - وعددهم ليس قليلاً - من الضروري في رأيي ترتيب دورات أولية خاصة لكي أشرح لهم الحقائق الأولية للتكتيكات الثورية التي ليس لديها أي شيء مشترك مع موقف المقاطعة الراديكالية الزائفة لحلقات المثقفين.
"مسائل سياسية ملموسة"
إن المعارضة هي الأضعف بالفعل، وتحديداً في المجال الذي تتخيل نفسها قوية فيه - مجال السياسات الثورية اليومية. هذا ينطبق عليك في المقام الأول، الرفيق بورنهام. يتجلى فيك العقم في التعامل مع الأحداث الهامة وكذلك في المعارضة برمتها بشكل صارخ في مسائل بولندا ودول البلطيق وفنلندا. بدأ شاختمان باكتشاف حجر الفلاسفة: تحقيق تمرد متزامن ضد هتلر وستالين في بولندا المحتلة. الفكرة كانت رائعة. من السيء للغاية أن شاختمان حرم من فرصة وضعها موضع التنفيذ. العمال المتقدمين في شرق بولندا يمكن أن يبرروا ذلك قائلين:
"ربما يتم تنظيم انتفاض متزامن ضد هتلر وستالين في دولة تحتلها القوات العسكرية بشكل ملائم جداً من برونكس. لكن هنا، محلياً، الأمر أصعب بكثير. نود أن نسمع إجابة بورنهام وشاختمان عن "سؤال سياسي ملموس": ماذا سنفعل في الفترة من الظرف الراهن وحتى الانتفاضة القادمة؟ "
في هذا الأثناء، دعا قادة الجيش السوفييتي الفلاحين والعمال إلى الاستيلاء على الأرض والمصانع. لعبت هذه الدعوة، بدعم من القوة المسلحة، دورا هائلا في حياة البلد المحتل. لقد امتلأت الأوراق القادمة من موسكو بفيض من منشورات “التشجيع" غير المحدود للعمال والفلاحين الفقراء. يجب علينا ومن الضروري التفاعل مع هذه المنشورات مع احتفاظنا بعدم الثقة المبرر: لا تنقصهم الأكاذيب. لكن غير مقبول أن نغض الطرف عن الحقائق. لم يكن باستطاعة الدعوة إلى تسوية الحسابات مع الملاك العقاريين وتجريد الرأسماليين أن تفشل في إثارة روح الفلاحين والعمال الأوكرانيين والروسيين البيض Byelo-Russian المسحوقين والمطاردين، والذين رأوا في المالك البولندي عدوًا مزدوجًا.
في النشرة المعبرة عن المناشفة في باريس، الذين يتضامنون مع الديمقراطية البرجوازية الفرنسية وليس مع الأممية الرابعة، قيل بشكل قاطع إن تقدم الجيش الأحمر كان مصحوبا بموجة انتفاضات ثورية، تغلغل أصداءها حتى في جماهير الفلاحين في رومانيا. إن ما يعطي أهمية خاصة إلى مقالات هذه النشرة هو الارتباط الوثيق بين المناشفة وزعماء البوند اليهود، والحزب الاشتراكي البولندي ومنظمات أخرى معادية للكرملين والذين فروا من بولندا. لذلك كنا على صواب عندما قلنا للبلاشفة في شرق بولندا:
" يجب عليكم خوض صراع ضد الملاك والرأسماليين؛ على الجبهات وجنباً إلى جنب مع العمال والفلاحين، لا تفصلوا أنفسكم عن الجماهير، رغم كل أوهامهم، تماماً كما لم يفصل الثوريون الروس أنفسهم عن الجماهير التي لم تحرر نفسها بعد من آمالها في القيصر (الأحد الدامي، 22 يناير، 1905)؛ قوموا بتثقيف الجماهير في سياق النضال، وحذروهم من عقد الآمال الساذجة على موسكو، ولكن لا تنفصلوا عنهم، وعن القتال في معسكرهم، وعن محاولة توسيع وتعميق كفاحهم، وإعطائه أكبر استقلال ممكن. بهذه الطريقة فقط سنقوم بتحضير الانتفاضة القادمة ضد ستالين ".
لقد أكدت مجريات الأحداث في بولندا صحة هذا التوجيه بالكامل والذي كان استمرارًا وتطويراً لسياساتنا السابقة، خاصة في إسبانيا.
ونظرًا لعدم وجود اختلاف جوهري بين الأوضاع البولندية والفنلندية، فلا يمكن أن يكون لدينا أي أسباب لتغيير توجيهنا. لكن المعارضة، التي عجزت عن فهم معنى الأحداث البولندية، تحاول الآن أن تتشبث بفنلندا كمؤشر جديد للخلاص. أين الحرب الأهلية في فنلندا؟ تروتسكى يتحدث عن حرب أهلية. لم نشهد أي خبر عنها في الصحافة "، وهكذا. أن مسألة فنلندا تبدو للمعارضة مختلفة في المبدأ عن مسألة غرب أوكرانيا وروسيا البيضاء. هكذا يرون كل مسألة بمعزل عما حولها وينظر اليها على حدا بعيداً عن المجري العام لتطور الأحداث. وبسبب سيرها فقط من خلال مجريات الأحداث، تسعى المعارضة في كل مرة إلى دعم رؤيتها استناداً إلى بعض الظروف العرضية والثانوية والمؤقتة.
هل هذا الصراخ حول غياب الحرب الأهلية في فنلندا يدل على أن المعارضة ستتبنى سياستنا إذا ما اندلعت الحرب الأهلية بالفعل في فنلندا؟ نعم أو لا؟ إذا كانت الإجابة نعم، فهذا يعني أن المعارضة هكذا تدين موقفها السياسي المتعلق ببولندا، حيث أنهم هناك، على الرغم من اندلاع الحرب الأهلية، حصروا موقفهم في رفض المشاركة في الأحداث، بينما انتظروا انتفاضة متزامنة ضد ستالين وهتلر. من الواضح، الرفيق بورنهام، أنك أنت وحلفائك لم تفكروا جيداً في جوانب هذا السؤال إلى النهاية.
ماذا عن تأكيدي بخصوص قيام حرب أهلية في فنلندا؟ ربما تصور المرء، في بداية العدوان العسكري، أن موسكو كانت تسعى من خلال القيام بحملة عقابية "صغيرة" إلى إحداث تغيير في الحكومة في هيلسينجفورس Helsingfors وإقامة نفس العلاقات مع فنلندا كما هو الحال مع دول البلطيق الأخرى. لكن تعيين حكومة كونسينين في تيريوكي أظهر أن لدى موسكو خطط وأهداف أخرى. وأبلغت بعد ذلك عن إنشاء "الجيش الأحمر" الفنلندي. بطبيعة الحال، كان مجرد مسألة تشكيلات عسكرية صغيرة أنشئت من أعلى. تم إصدار برنامج كوسينيين Kuusinen. بعد ذلك ظهرت البرقيات الداعية للقيام بتقسيم الأراضي الكبيرة بين الفلاحين الفقراء. تشير هذه البرقيات في مجملها إلى محاولة من جانب موسكو لتنظيم حرب أهلية. الواقع هو، أن هذه ستكون حرب أهلية من نوع خاص. لم تنشأ عفوياً من أعماق الجماهير الشعبية. لا تتم تحت قيادة الحزب الثوري الفنلندي المستند إلى دعم الجماهير. يتم تقديمها على أسنة الرماح المجردة. تسيطر عليها البيروقراطية في موسكو. كل هذا نعرفه، وقد تعاملنا مع كل هذا في مناقشة مسألة بولندا. ومع ذلك، فهي تحديداً مسألة حرب أهلية، نداء إلى البسطاء، والفقراء، نداء يدعوهم إلى مصادرة الأغنياء، طردهم، القبض عليهم، إلخ. لا أعرف أي اسم آخر لهذه الأفعال إلا حرب أهلية.
"ولكن، في نهاية الأمر، لم تظهر حرب أهلية في فنلندا"، قادة المعارضة يحتجون. "هذا يعني أن توقعاتك لم تتحقق". مع هزيمة الجيش الأحمر وتراجعه، أجيب، الحرب الأهلية في فنلندا لا يمكن، بالطبع، أن تظهر تحت حراب مانيرهايم Mannerheim. في الواقع، هذه الحجة ليست ضدي ولكن ضد شاختمان. منذ أن تبين أنه في المراحل الأولى من الحرب، في وقت لا يزال فيه الانضباط في الجيوش قوياً، كان من الأسهل تنظيم التمرد، وعلى جبهتين، ومن برونكس أكثر من تيريوكي.
لم نتوقع هزيمة الكتائب الأولى للجيش الأحمر. ولم يكن بإمكاننا توقع المدى الذي يسود فيه الغباء والإحباط في الكرملين وفي قمم الجيش التي قطع الكرملين رأسها. ومع ذلك، فإن ما ينطوي عليه الأمر هو مجرد حدث عسكري عرضي، لا يمكن تحديد خطنا السياسي بالاستناد إليه. إذا كانت موسكو، بعد أول محاولة فاشلة لها، توقفت عن شن أي هجوم آخر ضد فنلندا، فإن السؤال ذاته الذي يشوش على فهم الوضع العالمي برمته أمام أعين المعارضة، سيمحى من قائمة طلبات اليوم. لكن هناك فرصة ضئيلة لهذا. من ناحية أخرى، إذا كانت إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة، بالاستناد إلى الدول الإسكندنافية، سيدعمون فنلندا بقوة عسكرية، عندها ستغرق المسألة الفنلندية في حرب بين الاتحاد السوفيتي والدول الإمبريالية. في هذه الحالة، يجب أن نفترض أنه حتى أكثرية المعارضين سوف يذكرون أنفسهم ببرنامج الأممية الرابعة.
المعارضة في الوقت الحالي ليست مهتمة بهاذين الخيارين المختلفين: إما تعليق الهجوم من جانب الاتحاد السوفيتي، أو اندلاع المواجهات العسكرية بين الاتحاد السوفيتي والديمقراطيات الإمبريالية. المعارضة مهتمة فقط بمسألة معزولة هي غزو الاتحاد السوفيتي لفنلندا. جيد جداً، دعونا نأخذ هذا كنقطة انطلاق. إذا كان الهجوم الثاني، كما قد يفترض، أفضل استعدادًا وتجهيزاً، فإن تقدم الجيش الأحمر إلى البلاد سيضع مرة أخرى مسألة الحرب الأهلية على جدول أعمال اليوم، وعلاوة على ذلك سيكون الهجوم على نطاق أوسع بكثير مما كان عليه خلال أول محاولة فاشلة ومؤسفة. وبالتالي، يبقى توجيهنا صحيحًا تماماً طالما بقي الأمر نفسه على جدول الأعمال. ولكن ماذا تقترح المعارضة في حال نجاح الجيش الأحمر في التقدم في فنلندا وظهور حرب أهلية هناك؟ يبدو أن المعارضة لا تفكر في هذا على الإطلاق، لأنها تعيش اليوم بيومه، من حادثة إلى أخرى، ممسكة في أحداث عارضة، وتتشبث بعبارات معزولة في افتتاحية جريدة، تتغذى على التعاطف والمتعاطفين، وبالتالي تخلق لهم ما يشبه المنبر. نحن نرى أن ضعف التجريبيين والانطباعيين يظهر بشكل أكثر وضوحًا عند تعاملهم مع "قضايا سياسية ملموسة".
الارتباك النظري والمقاطعة السياسية
في جميع حالات التأرجح والتشنجات من المعارضة، وعلى الرغم من تناقضها مع ما يجب ان يكونوا عليه، فإن هناك سمتين عامتين تجريان مثل خيط إرشادي من قمة النظرية إلى أكثر الأحداث السياسية تفاهة. السمة العامة الأولى هي عدم وجود مفهوم موحد. قام قادة المعارضة بفصل علم الاجتماع عن المادية الجدلية. وأيضاً فصلوا السياسة عن علم الاجتماع. في مجال السياسة فصلوا مهامنا في بولندا عن خبرة تجربتنا في أسبانيا - مهامنا في فنلندا عن موقفنا في بولندا. يتحول التاريخ هكذا إلى سلسلة من الحوادث الاستثنائية. وتتحول السياسة إلى سلسلة من المواقف الارتجالية. لدينا هنا، بالمعنى الكامل للمصطلح، تفكك الماركسية، وتفسخ الفكر النظري، وتحلل السياسة إلى عناصرها الأولية. إن التجريبية وأختها الحاضنة، الانطباعية، يهيمنان من القمة إلى القاعدة. هذا هو السبب في أن القيادة الأيديولوجية، الرفيق بورنهام، موكوله إليك كمناهض للجدلية، كتجريبي، لا يخجل من تجريبيته.
خلال فترة التأرجح وتشنجات المعارضة، هناك سمة عامة ثانية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأولى، وهي الميل إلى الامتناع عن المشاركة النشطة، والميل إلى التدمير الذاتي، والمقاطعة، بطبيعة الحال تحت غطاء العبارات شديدة الراديكالية. أنت مؤيد للإطاحة بهتلر وستالين في بولندا. وستالين ومانرهايم في فنلندا. وحتى حدوث ذلك، أنت ترفض كلا الجانبين بنفس القدر، وبمعنى أخر، يمكنك الانسحاب من الصراع، بما في ذلك الحرب الأهلية. إن استشهادك بعدم وجود حرب أهلية في فنلندا ما هو إلا حجة مغلوطة عارضة. إذا ما اندلعت الحرب الأهلية، فإن المعارضة ستحاول ألا تلاحظ ذلك، حيث أنهم حاولوا ألا يلاحظوا ذلك في بولندا، أو سيعلنون أنه بما أن سياسة البيروقراطية في موسكو هي "إمبريالية" في طبيعتها "نحن" لن نشارك في هذا العمل القذر. هناك حماس لفظي عند المعارضة في خوض تجربة المهام السياسية "الملموسة"، لكنها تضع نفسها عملياً خارج العملية التاريخية. إن موقفك، الرفيق بورنهام، بخصوص لجنة دايز يستحق الاهتمام على وجه التحديد لأنه تعبير مجسم عن نفس الميل للمقاطعة ثم الارتباك. لا يزال المبدأ التوجيهي كما هو: "شكرًا لك، أنا لا أدخن".
من طبيعة الأمور، أنه يمكن لأي شخص، أي حزب، وحتى أي طبقة ان يرتبك. ولكن الارتباك، عند البرجوازية الصغيرة، لا سيما في مواجهة الأحداث العظيمة، هو شرط لا مفر منه و، إذا جاز التعبير، شرط عضوي. يحاول المثقفون التعبير عن حيرتهم بلغة "العلم". يعكس البرنامج المتناقض للمعارضة ارتباك البرجوازية الصغيرة معبراً عنها في لغة المثقفين المزخرفة. لا يوجد شيء له طابع بروليتاري في ذلك كله.
المركزية والبرجوازية الصغيرة
نجد في المجال التنظيمي، أن وجهات نظرك على نفس القدر من التخطيط، التجريبية، اللا ثورية كما في مجال النظرية والسياسة. ستولبرغ، والفانوس في يده، يجري خلف ثورة مثالية، غير مصحوبة بأي تجاوزات، وبضمانات ضد تيرميدور Thermidor (إشارة إلى الانقلاب البونابرتي في فرنسا، وإحالة رمزية إلى بونابرتية الكرملين -م) والثورة المضادة؛ وبالمثل، البحث عن ديمقراطية حزبية مثالية تضمن إلى الأبد وللجميع إمكانية قول وفعل ما قد يبرز في رأسهم، والتي من شأنها أن تؤمن الحزب ضد الانحطاط البيروقراطي. أنت تتغاضى عن أمر بسيط، هو أن الحزب ليس ساحة لتأكيد الفردية الحرة، بل هو أداة للثورة البروليتارية. أن الثورة المنتصرة هي الوحيدة القادرة على منع الانحطاط ليس فقط من جانب الحزب وإنما من البروليتاريا نفسها والحضارة الحديثة ككل. أنت لا ترى أن فرعنا الأمريكي ليس مريضاً بالمركزية المتشددة- إنه لمثير للضحك مجرد أن نتحدث عن ذلك - ولكن من سوء معاملة وحشية وتشويه للديمقراطية من جانب العناصر البرجوازية الصغيرة. هذا هو أصل الأزمة الحالية.
العامل الذي يمضي أغلب يومه في المصنع ليس لديه سوي عدد قليل نسبيا من الساعات للحزب. لذلك سوف يهتم في الاجتماعات بتعلم أهم الأشياء: التقييم الصحيح للوضع والاستنتاجات السياسية. وهو يقدر القادة الذين يفعلون ذلك بأوضح وأشمل صورة ويواكبون الأحداث الجارية. بينما البرجوازية الصغيرة، وخاصة العناصر المنفصلين عن طبقتهم، ومعزولين عن البروليتاريا، ينمون في بيئة اصطناعية ومغلقة. لديهم متسع من الوقت للاشتغال بالسياسة أو بديلها. يتصيدون الأخطاء، ويتبادلون جميع أنواع الحكايات والقيل والقال بخصوص ما يحدث في "قمة" الحزب. أنهم دائما يبحثون عن قيادي يمدهم بكل "الأسرار". المناقشة هي عنصرهم الأصلي. لا يوجد قدر من الديمقراطية يكفيهم. في حربهم الكلامية، يبحثون عن البعد الرابع. يصبحون متوترين، يدورون في حلقة مفرغة، ويروون عطشهم بالماء المالح. هل تريد معرفة البرنامج التنظيمي للمعارضة؟ يتكون من مطاردة جنونية للبعد الرابع للديمقراطية الحزبية. في الواقع، هذا يعني دفن السياسة تحت النقاش. ودفن المركزية تحت فوضى الدوائر الفكرية. عندما ينضم بضعة آلاف من العمال إلى الحزب، سوف يفرضون على الأناركيين البرجوازيين الصغار انضباطاً صارمًا. كلما كان ذلك أسرع، كان أفضل.
استنتاجات
لماذا أتحدث إليك وليس إلى قادة المعارضة الأخرين؟ ذلك لأنك القائد الايدلوجى للتكتل. فصيل الرفيق أبيرن، بغض النظر عن أن لديه برنامج وراية خاصة، في حاجة إلى غطاء. وفي ذات الوقت يعمل هو كغطاء لشاختمان، ثم جاء موست Muste وسبيكتورSpector، والان أنت، حيث كيف شاختمان نفسه مع موقفك. إن أيدولوجيتك في تقديري هي التعبير عن نفوذ البرجوازية وسط البروليتاريا.
بالنسبة لبعض الرفاق، قد تبدو نبرة هذه الرسالة حادة للغاية. ومع ذلك، دعني أعترف، لقد فعلت كل ما بوسعي لضبط نفسي. لأنه، بعد كل شيء، القضية تتعلق حرفياً، دون زيادة أو نقصان، بمحاولة نبذ، وتجريد، وتدمير الأسس النظرية، والمبادئ السياسية، والأساليب التنظيمية لحركتنا، وإبطالها والإطاحة بها.
في رد فعل على مقالتي السابقة، أبدى الرفيق أبيرن، كما أبلغت، الملاحظة التالية: "هذا يعني الانقسام". مثل هذا الرد يثبت فقط أن أبيرن يفتقر إلى الولاء للحزب والأممية الرابعة. أنه رجل حلقي. على أية حال، فإن تهديدات الانقسام لن تمنعنا من تقديم تحليل ماركسي للاختلافات. المسألة، بالنسبة لنا نحن الماركسيين، لا تتعلق بموضوع الانقسام بل بتعليم الحزب. إنني آمل بشدة في أن المؤتمر القادم سيرد بشدة على المراجعين.
وجهة نظري هي، أنه يجب على المؤتمر أن يعلن بشكل حاسم أن قادة المعارضة من خلال محاولتهم فصل الرؤية الاجتماعية عن المادية الجدلية والسياسية عن الرؤية الاجتماعية، قطعوا علاقتهم بالماركسية، انشقوا عن الماركسية وأصبحوا أدوات لبث المنهج التجريبي وتطبيقه البرجوازي الصغير. وفي نفس الوقت يعيد الحزب التأكيد، بشكل حاسم وكامل، على التمسك بالمذهب الماركسي والأساليب السياسية والتنظيمية البلشفية، ويلزم هيئات تحرير مطبوعاته الرسمية بنشر تلك العقيدة وهذه الأساليب والدفاع عنها، وان مطبوعات الحزب ستفرد لاحقاً، بالطبع، صفحات أكثر في منشوراتها لأعضائه الذين يرون في أنفسهم القدرة على إضافة شيء جديد إلى العقيدة الماركسية. لكنها لن تسمح بالألعاب الصبيانية مع الماركسية أو سخرية الأذهان التافهة منها.
إن سياسة الحزب لها طابع طبقي. وبدون تحليل طبقي للدولة، والأحزاب والاتجاهات الأيديولوجية، من المستحيل التوصل إلى توجه سياسي صحيح. يجب على الحزب إدانة الانتهازية المبتذلة في محاولتها تحديد السياسات المتعلقة بالاتحاد السوفيتي استناداً إلى أحداث ظرفية عارضة وبشكل مستقل عن طبيعة الدولة السوفييتية.
إن تحلل الرأسمالية، ينتج عنه استياء وتذمر شديد بين صفوف البرجوازية الصغيرة ويدفع بشرائحها الدنيا إلى معسكر اليسار، ذلك بالطبع يفتح أمام اليسار إمكانيات واسعة، لكنه يحتوي أيضاً على مخاطر جسيمة. إن الأممية الرابعة لا تحتاج إلا للقادمين من البرجوازية الصغيرة الذين قطعوا تماماً مع ماضيهم الاجتماعي والذين جاءوا بحسم إلى البروليتاريا.
يجب أن يقترن هذا العبور النظري والسياسي للبرجوازي الصغير بعمل قطيعة فعلية مع تقاليد وأساليب بيئتهم القديمة وإقامة علاقات وثيقة مع العمال، لا سيما من خلال المشاركة في تجنيد وتعليم البروليتاريين لصالح حزبهم. القادمون من البرجوازية الصغيرة الذين يثبتون عدم قدرتهم على الاستقرار في البيئة البروليتارية يجب، بعد انقضاء فترة معينة أن ينقلوا من عضوية الحزب إلى وضع المتعاطفين معه.
وكذلك بخصوص أعضاء الحزب الذين لم يختبروا في صراع طبقي بعد، يجب ألا يوضعوا في مناصب مسؤولة. وذلك بغض النظر عن مدى موهبتهم وإخلاصهم للاشتراكية، قد يكون من المناسب أنه على الشخص القادم من بيئة برجوازية، قبل أن يصبح معلماً، الذهاب أولاً إلى مدرسة الطبقة العاملة. يجب ألا يوضع المثقفون الشباب على رأس (حلقات تثقيف -م) شباب متعلمين، ولكن يتم إرسالهم أولا إلى المقاطعات لبضع سنوات، إلى المراكز البروليتارية المحضة، للقيام بالمهام النضالية العملية الصعبة.
يجب أن يتوافق التكوين الطبقي للحزب مع برنامجه الطبقي. الفرع الأمريكي من الأممية الرابعة إما أن يصبح بروليتاريًا أو سيختفي من الوجود.
الرفيق بورنهام! إذا أمكننا التوصل إلى اتفاق معك على أساس هذه المبادئ، فعندئذ وبدون صعوبة سنجد سياسة صحيحة بخصوص بولندا وفنلندا وحتى الهند. في الوقت نفسه، أتعهد بأن أساعدك في القيام بالنضال ضد أي مظهر من مظاهر البيروقراطية والمحافظة. هذه في رأيي هي الشروط اللازمة لإنهاء الأزمة الحالية.
مع تحياتي البلشفية
ل. ت
Coyoacan, D.F. 7 يناير 1940
16 - رسالة إلى كانون
9 يناير 1940
صديقي العزيز
بالأمس أرسلت النص الروسي لمقالتي الجديدة المكتوبة على شكل خطاب إلى بورنهام. قد لا يرضي جميع الرفاق مسألة أني أعطي المساحة الأكبر في المناقشة لقضية الديالكتيك. لكنني متأكد من أنها الآن الطريقة الوحيدة لبدء التثقيف النظري للحزب، وخاصة لتحصين الشباب من التجريبية والانتقائية.
W. RORK [Leon Trotsky]
17 - - رسالة إلى فاريل دوبس - Farrell Dobbs
10 يناير 1940
صديقي العزيز
في رسالتي التي أرسلتها إلى رايت لترجمتها لم أتعرض مطلقاً لمسألتين:
أولا، تلك المحافظة البيروقراطية. أعتقد أننا ناقشنا الأمر قليلاً معك هنا. النزعة البيروقراطية المحافظة، باعتبارها نزعة سياسية، تمثل المصالح المادية لشريحة اجتماعية معينة، خاصة البيروقراطية العمالية المتميزة في الرأسمالية، وبوجه خاص في الدول الإمبريالية، وبدرجة أعلى بما لا يقارن، الاتحاد السوفييتي. سيكون من الرائع، ألا نعتبره غباء أن نبحث عن جذور هذه "البيروقراطية المحافظة" للأغلبية. إذا لم يتم تحديد البيروقراطية والمحافظة من زاوية الظروف الاجتماعية، فإنها قد تمثل سمات في الطبيعة الشخصية لبعض القادة. تحدث مثل هذه الأشياء. ولكن كيف أشرح في هذه الحالة تشكيل فصيل؟ هل هي مجموعة مختارة من الأفراد المحافظين؟ لدينا هنا تفسير نفسي وليس سياسي. إذا اعترفنا (أنا شخصياً لا أفعل ذلك) أن كانون على سبيل المثال، له ميول بيروقراطية، فعلينا أن نصل حتمًا إلى الاستنتاج بأن الأغلبية تدعم كانون على الرغم من هذه السمة وليس بسببها. إنه يدل على أن مسألة الأسس الاجتماعية للصراع بين الفصائل لا يقترب منها حتى قادة الأقلية.
ثانياً، من أجل مساومة "دفاعي" عن كانون، يصرون على أنني دافعت عن مولنييه Molinier بشكل خاطئ. أنا آخر من ينكر أنني يمكن أن ارتكب أخطاء ذات طبيعة سياسية وأيضاً المتعلقة بالتقييم الشخصي. لكن على الرغم من أن الحجة كلها ليست عميقة جداً. لم أؤيد أبدا نظريات مولينير الخاطئة. لقد كانت مسألة طبيعته الشخصية: الفظاظة، وعدم الانضباط وشؤونه المالية الخاصة. بعض الرفاق، من بينهم Vereecken، أصروا على الانفصال الفوري عن مولنييه. وأصررت على ضرورة أن تحاول المنظمة تأديب مولينيه. لكن في عام 1934، عندما حاول مولينيه استبدال برنامج الحزب بـ "أربع شعارات" وصاغ ورقة على هذا الأساس، كنت من بين الذين اقترحوا طرده. هذه هي القصة كلها.
يمكن للمرء أن يكون له رأي مختلف حول حكمة تصرفي الصبور فيما يتعلق بمولينيه، ومع ذلك لم أكن استرشد بالطبع بالمصالح الشخصية لمولينيه، ولكن بالمصالح الخاصة بتعليم الحزب: ورثت فروعنا الخاصة بعض سموم الكومنترن، بمعنى أن العديد من الرفاق يميلون إلى إساءة استخدام تدابير مثل الطرد أو الانشقاق أو التهديد بالطرد والانقسامات. في حالة مولينيه كما في حالة بعض الرفاق الأمريكيين (Field، Weisbord والبعض الآخر)، كنت مع نهج سلوك أكثر صبرا. في عدة حالات نجحت، وأخفقت في عدة حالات أخرى. لكنني لا أندم على جميع مواقفي الأكثر صبراً تجاه بعض الشخصيات المشكوك في ولائها داخل حركتنا. على أي حال، لم يكن "دفاعي" عنهم بمثابة تكتل على حساب المبادئ. إذا ما اقترح شخص ما، على سبيل المثال، طرد الرفيق بورنهام، فإنني سأعارضه بقوة. لكن في نفس الوقت، أجد أنه من الضروري خوض أكثر المعارك الأيديولوجية صرامة ضد تصوراته المناهضة للماركسية.
مودة وأخوية
ل. تروتسكى
Coyoacan, D.F

18 - رسالة إلى جون ج. رايت
13 يناير 1940
عزيزي الرفيق رايت
أتفق تماماً مع تقييمك لكراس الرفيق شاختمان. إن شاختمان ضعيف بصورة بالغة في انحيازه العاطفي لفصيله. أنه يفتقر إلى شيء صغير يسمى وجهة النظر البروليتارية. شاختمان يعيش في عالم الظلال الأدبية: وعندما يقف بوجهه في اتجاه البروليتاريا والماركسية، تكون ظلاله مفيدة لأنها تتوافق بدرجة أكثر أو أقل مع الواقع. وهو الآن يدير ظهره للأغلبية البروليتارية للحزب وأيضاً للماركسية، ونتيجة لذلك فإن كل كلمة يكتبها هي تفسير خاطئ إلى أبعد حد للحقائق والأفكار. وأنا مضطر الآن لأن أهدر مرة أخرى يومين للقيام بتحليل أكثر دقة لوثيقته الشاذة. آمل أن أعرض على أعضاء الحزب بما في ذلك غالبية الأقلية أن وثيقة شاختمان هي في كل سطر انسلاخ مثير للشفقة عن الماركسية والبلشفية.
مع مودتي الأخوية
ل. تروتسكى
19
رسالة إلى جيمس ب. كانون
16 يناير 1940
صديقي العزيز،
كم هو محزن تلك الكتابة البائسة في خطاب شاختمان المفتوح. الميزة الوحيدة هي أنها اضطرتني إلى إخباره بالحقيقة الكاملة بخصوص سياساته. لقد أمليت إجابتي فعلاً، لا بد من تنقيحها فحسب. لسوء الحظ، لن تكون أقصر من رسالتي إلى بورنهام.
ل. تروتسكى
20 - رسالة إلى وليام وارد
16 يناير 1940
عزيزي الرفيق وارد
أنت أحد الرفاق القلائل نسبيًا الذين يهتمون بجدية بالمسائل المنهجية لحركتنا. ألا تعتقد أن تدخلك في النقاشات من وجهة النظر هذه سيكون مفيدًا جداً؟ يكتب إليّ الأصدقاء أن الاهتمام بالمادية الجدلية في حزبنا، وخاصة بين الشباب، أصبح قوياً للغاية. ألا تعتقد أن الرفاق الذين يمكن أن يوجهوا هذا الاهتمام يجب أن يشكلوا الآن مجموعة نظرية فقط بهدف الترويج في الحزب لمبادئ المادية الجدلية؟ يمكن أن تشكل أنت، والرفيق رايت، الرفيق جيرلاند Gerland (ملائمين جداً لتلك المهمة) أول نواة لمثل هذه المجموعة، بالطبع، تحت سيطرة إدارة الدعاية التابعة للجنة الوطنية. إنه، بالتأكيد، مجرد اقتراح غير مبلور ومن بعيد ويجب مناقشته مع مؤسسات الحزب المسؤولة.
تحية رفاقية
ليون تروتسكى



21
رسالة إلى جوزيف هانسين
18 يناير 1940
عزيزي جو
مقالتي ضد شاختمان مكتوبة بالفعل. أحتاج يومين لتنقيحها، وسأحاول استخدام بعض الاقتباسات الخاصة بك.
لكني أود التحدث هنا عن موضوع آخر أكثر أهمية. بعض قادة المعارضة يستعدون للانشقاق. سوف يقدمون المعارضة في المستقبل كأقلية تتعرض للاضطهاد. إنها سمة واضحة جداً لحالتهم الذهنية. أعتقد أنه يجب علينا الرد على ذلك على النحو التالي:
هل أنتم تخشون بالفعل من اضطهادنا لكم في المستقبل؟ نحن نقترح عليكم ضمانات متبادلة نقرها لصالح الأقلية المستقبلية، بغض النظر عمن قد تكون هذه الأقلية، أنتم أو نحن. يمكن صياغة هذه الضمانات في أربع نقاط:
1 - لا حظر للفصائل؛
2 – لا مزيد من القيود على النشاط الفصائلي غير تلك التي تمليها ضرورة العمل المشترك؛
3 - يجب أن تمثل المطبوعات الرسمية، بطبيعة الحال، الخط الذي أرساه أخر مؤتمر؛
4 - يمكن للأقلية المستقبلية أن تمتلك، إذا رغبت، نشرة داخلية موجهة لأعضاء الحزب، أو نشرة للسجال الداخلي المشترك مع الأغلبية.
إن استمرار نشرات الحوار مباشرة بعد نقاش طويل ومؤتمر وقرارته، بالطبع، ليس قاعدة، بل استثناء، بالأحرى أمر مؤسف. لكننا لسنا بيروقراطيين على الإطلاق. ليس لدينا قواعد دائمة. نحن جدليون أيضاً في المجال التنظيمي. إذا كان لدينا في الحزب أقلية مهمة غير راضية عن قرارات المؤتمر، فمن الأفضل بدرجة لا تضاهى تقنين المناقشة بعد المؤتمر بدلاً من دفعهم إلى الانشقاق.
ومن جهتي، أعتقد أن استمرار المناقشة، إذا كان يحركه حسن نية من الجانبين، لا يمكن أن يخدم في الظروف الحالية إلا في تعليم وتثقيف الحزب.
أعتقد أن الأغلبية يجب أن تقدم هذه المقترحات رسميا في اللجنة الوطنية في شكل مكتوب. أياً كان الجواب، يمكن للحزب الفوز فقط.
مع أفضل تحياتي
CORNELL [Leon Trotsky]
Coyoacan, D.F.
------------------
22 - من الخدش إلى خطر التعفن الصديدي
يتطور هذا السجال وفقاً لمنطقه الداخلي. حيث يسعى كل معسكر، بما يتوافق مع طبيعته الاجتماعية ومضمونه السياسي، إلى ضرب النقاط الضعيفة والمتهافتة عند خصمه. وهذا بالضبط هو الذي يحدد مسار المناقشة وليس الخطط المسبقة لقادة المعارضة. إنه لمتأخر وغير مجدي أن نندب الآن على إشعال النقاش. من الضروري فقط أن نراقب عن كثب الدور الذي يلعبه المحرضون الستالينيون الذين بلا شك لهم وجود في الحزب وينفذون توجيهات بتسميم جو المناقشة ودفع الصراع الإيديولوجي نحو الانشقاق. ليس أمراً صعباً أو معقداً التعرف على هؤلاء السادة. تجدون حماستهم مفرطة وبالقطع مفتعلة. وبدلا من الأفكار والحجج سيطلقون شائعات وافتراءات. يجب كشفهم وطردهم من خلال الجهود المشتركة لكلا الفريقين. لكن الصراع المبدئي يجب أن يخاض إلى النهاية، يجب إيضاح وجهة نظرنا في القضايا الأشد أهمية التي طرحت. من الضروري استخدام النقاش لرفع المستوى النظري للحزب.
إن نسبة كبير من أعضاء الفرع الأمريكي وكذلك أغلب شبابنا الأمميين، أتوا إما من الكومنترن في مرحلة انحداره أو من الأممية الثانية. هذه مدارس سياسية سيئة. وقد كشفت المداخلات أن دوائر كبيرة من الحزب تفتقر إلى التعليم النظري السليم. يكفي على سبيل المثال أن نشير إلى الظرف الذي جرت فيه محاولات التراجع العميق عن المنهج الماركسي والاتجاه المؤيد له، إذ بدلا من إقامة دفاع نظري قوى عن الماركسية ومنهجها حدث العكس، دعموا التحريفين. هذا أمر مؤسف ولكنه قابل للعلاج وذلك لأن فرعنا الأمريكي وجميع الفروع الدولية تتكون من أشخاص مخلصين يبحثون بصدق عن طريقهم إلى المسار الثوري. لديهم الرغبة والإرادة للتعلم. لكن ليس هناك وقت نضيعه. وهذا يتعلق تحديداً بنفاذ الحزب إلى النقابات العمالية، والى الأوساط العمالية بشكل عام التي تتطلب زيادة الكفاءة النظرية للكوادر لدينا. لا أعني بذلك كوادر "الجهاز التنظيمي" فقط بل الحزب ككل. يجب على كل عضو في الحزب ويتعين عليه أن يعتبر نفسه مجنداً في الجيش البروليتاري.
يسأل المعارضون الآن ممثلو الأغلبية بسخرية “منذ متى أصبحتم أخصائيين في قضايا الفلسفة؟". هذه السخرية لا محل لها هنا على الإطلاق. الاشتراكية العلمية هي التعبير الواعي عن السير التلقائي لحركة التاريخ. بالتحديد الدوافع الغريزية والأولية للبروليتاريا التي تحركها سعيا لاستعادة بناء المجتمع على أسس شيوعية. هذه الميول العضوية في سيكولوجية العمال تنبض بالحياة بسرعة قصوى اليوم في عصر الأزمات والحروب. لقد كشفت السجالات عما هو ابعد من القضايا المثارة، ان هناك صراع في الحزب بين اتجاه بورجوازي صغير واتجاه بروليتاري. واظهر الاتجاه البرجوازي الصغير تشوشه وهو يحاول خفض برنامج الحزب إلى مجموعة مبعثرة من القضايا الجزئية "الملموسة". يسعى الاتجاه البروليتاري على العكس إلى الربط النظري ما بين كل القضايا الجزئية. ما هو على المحك في الوقت الراهن ليس إلى أي مدى يسعى الأعضاء من الأغلبية إلى تطبيق المنهج الجدلي. المهم هو حقيقة أن الغالبية ككل تدفع باتجاه طرح البروليتاريا للقضايا، ولهذا السبب بالذات تميل إلى استيعاب المنهجية الجدلية التي هي علم "جبر الثورة". اعرف أن المعارضين يستقبلون بضحكات ساخرة ذكر مصطلح "الديالكتيك". ترهات. هذه الطريقة الغير جديرة بالنظر لن تمنع أو تدفع السير الجدلي للتطورات التاريخية التي عاقبت بقسوة أكثر من مرة أولئك الذين حاولوا السخرية منها.
المقال الأخير للرفيق شاختمان، "رسالة مفتوحة إلى ليون تروتسكى"، عبارة عن مؤشر مزعج. إذ يوضح أن شاختمان يرفض أن يتعلم من المناقشة ويستمر بدلاً من ذلك في تعميق أخطائه، مستغلاً في ذلك ليس فقط المستوى النظري المحدود لكتل كبيره في الحزب، ولكن أيضاً موالاة كتلته البرجوازية الصغيرة. الجميع يعرف أسلوب شاختمان في نسج وتصوير الأحداث التاريخية المتباينة حول محور أو آخر. هذه القدرة تجعل شاختمان صحفياً موهوباً. ولسوء الحظ، هذا وحده ليس كافيًا. السؤال الرئيسي هو، ما هو المحور الذي يختاره؟. إن شاختمان مأخوذ دائما بانعكاسات السياسة في الأدب والصحافة. ولكن ينقصه الاهتمام بالظواهر الفعلية التي تقع في مجري الصراع الطبقي، وفي حياة الجماهير، والعلاقات المتداخلة بين الشرائح المختلفة للطبقة العاملة نفسها، وما إلى ذلك. لقد قرأت عددًا قليلاً من المقالات الممتازة والرائعة التي كتبها شاختمان، ولكن لم يسبق لي أن رأيت تعليقًا واحدًا في كتاباته يستطلع أو يبحث في واقع حياة الطبقة العاملة الأمريكية أو طليعتها.
لابد من الوصول إلى هذا المستوى من التأهيل - إن قصور شاختمان الشخصي لا يتمثل في هذا فقط، بل يتقاطع مع مصير جيل ثوري كامل، تربي نتيجة لظروف تاريخية خاصة بمعزل عن الحركة العمالية. أتيح لي أكثر من مرة في الماضي الفرصة للتحدث والكتابة عن خطر تدهور هذه العناصر القيّمة على الرغم من إخلاصهم للثورة. الأمر الذي كان سمة لا يمكن تفاديها والمتعلق بظروف فترة المراهقة، في هذا الحين أصبح ضعفاً. ضعف يستجلب، إذا أهمل، المرض. ويمكن أن يصبح المرض قاتلاً. للهروب من هذا الخطر، من الضروري فتح باب جديد بطريقة واعية بهدف تطوير الحزب. يجب أن يبدأ الدعائيون والصحفيون في الأممية الرابعة فتح هذا الباب الجديد لتطوير وعيهم الخاص. من الضروري إعادة تسليح الحزب نظرياً. من الضروري أن ندور على محورنا الخاص، وان نبعد هذا المحور عن تأثيرات مثقفو البرجوازية الصغيرة، وان نضعه في اتجاه العمال.
أن ترى أن سبب أزمة الحزب الحالية هي – وجود ميول محافظة لدى الأعضاء العمال. وأن تنشد الوصول إلى حل من خلال انتصار الكتلة البرجوازية الصغيرة - فإنه من الصعب تصور خطأ أشد خطورة من هذا على الحزب. الواقع هو، إن جوهر الأزمة الحالية يتمثل في العناصر البرجوازية الصغيرة المحافظة التي تربت في مدرسة دعائية مجردة ولم تجد بعد طريقا إلى دروب الصراع الطبقي. الأزمة الحالية هي المعركة النهائية لهذه العناصر من أجل الحفاظ على الذات. يستطيع كل معارض، كفرد، أن يجد لنفسه مكانًا جديرًا به في الحركة الثورية إذا رغب بشدة. ولكن كجناح فإنه حتما سيخفق.. إن شاختمان، في الصراع الدائر، لا يقف في المعسكر الذي يفترض ان يكون فيه. وكما هو الحال دائمًا في مثل تلك الحالات، تراجعت صفاته القوية إلى الوراء، في حين أن صفاته الضعيفة بالمقابل قد فرضت تعبيرًا نهائيا بطريقة خاصة. إن “خطابه المفتوح" يمثل، إن جاز التعبير، خلاصة صفاته الضعيفة.
قدم لنا شاختمان تحليلات تافهة: موقفه الطبقي. وهنا تجد تقلبات وتأرجحات غير عادية، قفزات وارتجالات. وبدلا من أن يناقش انطلاقاً من منهجية التحليل الطبقي يقدم قصص تاريخية منبتة الصلة وذلك لغرض وحيد هو ان يغطى تغير موقفه، أن يموه التناقض بين ما كان عليه سابقاً وما هو عليه الآن. هذا هو ما يقوم به شاختمان تجاه تاريخ الماركسية، تاريخ حزبه، وتاريخ المعارضة الروسية. وفي محاولته القيام بذلك، يكدس الأخطاء فوق بعضها البعض. كل الأمثلة التاريخية التي يلجأ إليها، كما نري، تنقلب ضده.
"سوابق"
"كيف أننا، نحن الثوريون الذين لا يساومون، نتحول فجأة هكذا، إلي تبنى أفكار وميول البرجوازية الصغيرة؟" هكذا يسأل شاختمان بغضب شديد. أين هي البراهين؟ "و أين اتضح هذا الميل نفسه في العام الماضي (!) أو هل عبر عنه اثنين من المتحدثين الرسميين باسم الأقلية؟" لماذا لم نستسلم في الماضي لتأثير الديمقراطية البرجوازية الصغيرة؟ لماذا أثناء الحرب الأهلية الإسبانية لم نقم نحن ... وهكذا دواليك. تلك هي حجة شاختمان المفضلة في بداية سجاله ضدي والتي يستخدمها بطرق متنوعة ليعزف بها على جميع الأوتار، والواضح انه يوليها أهمية خاصة في استخدامه لها، وفيما يبدو ان شاختمان يستبعد من ذهنه إمكانية أن اقلب سند دفاعه هذا ضده.
تشير وثيقة المعارضة المعنونة "الحرب والبيروقراطية المحافظة"، أن تروتسكى صحيح بنسبة تسعة من عشرة، وربما بنسبة تسعة وتسعون من مائة. أفهم جيداً ما انطوى عليه هذا الإقرار من كرم شديد. لكن نسبة أخطائي في الواقع أكبر من ذلك بكثير. كيف أشرح ذلك بعد أسبوعين أو ثلاثة من كتابتهم هذه الوثيقة، لكن شاختمان قرر فجأة أن تروتسكى:
(أ‌) لا يستطيع نقد المعلومات المقدمة له على الرغم من أن أحد مبلغيه هذه المعلومات، ولمدة عشر سنوات، كان شاختمان نفسه.
(ب) لا يستطيع تمييز الاتجاه البروليتاري من الاتجاه البرجوازي الصغير - ولا البلشفي من المنشفي.
(ج) تروتسكى هو بطل المفهوم العبثي عن "الثورة البيروقراطية" بدلاً من تبني الثورة التي تنجزها الجماهير.
(د) غير قادر على تقديم إجابة صحيحة على مسائل ملموسة في بولندا وفنلندا، إلخ.
(ه) هل تروتسكى يعبر عن اتجاه خانع أمام الستالينية؟
(و) لا يفهم مدلول المركزية الديمقراطية - وهكذا إلى ما لا نهاية.
الخلاصة، ان شاختمان اكتشف خلال أسبوعين أو ثلاثة فقط أني مخطئ بنسبة تسعة وتسعين من مائة، خاصة عندما يتورط شاختمان نفسه في دخول السجال. الواقع أن النسبة الأخيرة تعاني أيضاً من مبالغة بسيطة - لكن هذه المرة في الاتجاه المعاكس. في أي حال، اكتشف شاختمان ميولي لاستبدال ثورة الجماهير بـ "الثورة البيروقراطية" بشكل مفاجئ أكثر بكثير من اكتشافه انحرافه البرجوازي الصغير. تري ما هو الحدث الذي اكتشف شاختمان من خلاله ان لدى ميل لإحلال "الثورة البيروقراطية" محل الثورة الجماهيرية، وعلى نحو أكثر مفاجأة من اكتشافي لانحرافه البرجوازي الصغير.
الرفيق شاختمان يتحداني أن أقدم دليل على وجود "اتجاه برجوازي صغير" في الحزب خلال العام الماضي. أو حتى خلال ثلاث سنوات سابقة. إن شاختمان له مبرراته الكاملة في عدم الرغبة في الإشارة إلى مدى زمني أبعد. ولكن استجابة لدعوة شاختمان، سوف أقتصر على السنوات الثلاث الأخيرة. من فضلك إنتبه. بالنسبة للأسئلة الخطابية التي أثارها ناقدي بإسهاب، سأجيب ببعض الوثائق الدقيقة.
في 25 مايو 1937، كتبت إلى نيويورك بخصوص سياسة الجناح البلشفي اللينيني في الحزب الاشتراكي، ما يلي:
يجب أن أشير إلى وثيقتين حديثتين: (أ) الرسالة الخاصة لـ "ماكس" حول المؤتمر، و (ب) مقال شاختمان، "نحو حزب اشتراكي ثوري". عنوان هذا المقال وحده يبرز المنظور الزائف. يبدو لي من خلال التطورات، بما في ذلك المؤتمر الأخير، أن الحزب يتطور فعلاً، ولكن ليس نحو حزب "ثوري"، ولكن نحو نوعا من ILP، أي الإجهاض السياسي المركزي المؤسف وبلا أي منظور.
إن "التأكيد على أن الحزب الاشتراكي الأمريكي أصبح الآن أقرب إلى موقف الماركسية الثورية من أي حزب في الأممية الثانية أو الثالثة" هو مجاملة غير مستحقّة بالمرة: الحزب الاشتراكي الأمريكي أكثر تخلفًا من التشكيلات المماثلة في أوروبا، مثل - POUM، ILP، SAP، الخ.... واجبنا هو رفع القناع عن هذا التقدم المقلوب لنورمان توماس Norman Thomas وشركاءه، وليس الحديث عن "أفضلية (الحل الحربي) على أي قرار تم تبنيه من قبل الحزب... "هذا تقدير أدبي محض، لأنه يجب اتخاذ أي قرار وفقاً لظروفه التاريخية، وبالنظر إلى الوضع السياسي ومتطلباته الضرورية.
في كلتا الوثيقتين المذكورتين في الرسالة أعلاه، كشف شاختمان عن قدرة فائقة على التكيف مع الجناح اليساري للديمقراطيين البرجوازيين الصغار - المحاكاة السياسية - وهي سمة خطيرة جداً في سياسي ثوري! من المهم للغاية أن نلاحظ تقديره العالي للموقف "الراديكالي" لنورمان توماس فيما يتعلق بالحرب ... في أوروبا. إن الانتهازيين، كما هو معروف، يميلون إلى كل تطرف ضخم يبعدهم عن الأحداث. مع وضع هذا القانون في الاعتبار، ليس من الصعب فهم الدلالة الحقيقية لكون شاختمان وحلفائه يتهموننا بالميل إلى "الخنوع للستالينة". وياللأسف، وهم جالسون في Bronx (مقاطعة برونكس بجنوب نيورك- المترجم)، فمن الأسهل جداً هناك إظهار النفور تجاه الكرملين من إظهاره تجاه البورجوازية الصغيرة الأمريكية.
للنظر في اعتقاد الرفيق شاختمان، سحبت مسألة التكوين الطبقي للأجنحة إلى الخلاف في قمته. هنا أيضاً، دعونا نشير إلى الماضي القريب.
في 3 أكتوبر 1937، كتبت إلى نيويورك:
"لقد لاحظت مئات المرات أن العامل الذي لا يلفت انتباه أحد في الظروف "العادية" للحياة الحزبية، يكشف عن قدرات لافتة للنظر عند تغير الوضع، عندما لا تكون الصيغ العامة والإسهاب البلاغي كافيًا، وحيث معرفة حياة العمال وقدراتهم العملية ضروريان. في ظل هذه الظروف، يكشف العامل الموهوب عن ثقته بنفسه وعن قدراته السياسية العامة أيضاً.
"إن غلبة عدد المثقفين في التنظيم، وبوجه خاص في المرحلة الأولى من تطوره، هو أمر يصعب تجنبه. وهو في ذات الوقت عائق كبير أمام التربية السياسية للعمال الأكثر موهبة ... من الضروري للغاية في المؤتمر القادم ان ندفع في اللجان الفرعية والقيادية بأكبر عدد ممكن من العمال. أن النشاط في الهيئات القيادية للحزب بالنسبة للعمال، يعتبر في نفس الوقت مدرسة سياسية عالية المستوى.
"تكمن الصعوبة في أن هناك في كل منظمة أعضاء تقليديين في اللجان، وتلعب مختلف الاعتبارات الثانوية والفئوية والشخصية دورا كبيرا جداً في تكوين قائمة المرشحين".
لم أقابل ابدآ أي التفات أو اهتمام من الرفيق شاختمان بقضايا من هذا النوع.
III
لرؤية اعتقاد الرفيق شاختمان، أقحمت مسألة مجموعة الرفيق أبيرن كتجمع مكثف لأفراد برجوازيين صغار وبشكل مصطنع فعلاً لا أساس له حقيقة. ومع ذلك، في 10 أكتوبر 1937، في الوقت الذي سار فيه شاختمان جنباً إلى جنب مع كانون وكان ينظر رسميا إلى أبيرن كشخص لا أنصار له، كتبت إلى كانون ما يلي:
"لا يملك الحزب سوى عدد قليل من عمال المصانع الحقيقيين ... ان العناصر الغير بروليتارية تقدم لنا خميرة ضرورية للغاية، وأعتقد أننا يمكن أن نفخر بالنوعية الجيدة لهذه العناصر. ... لكن ... حزبنا يمكن أن تغمره عناصر غير بروليتارية ويمكنه حتى أن يفقد طابعه الثوري. المهمة التي نحن بصددها هي بطبيعة الحال ليست منع تدفق المثقفين إلى حزبنا بطرق متعسفة ... بل توجيه جميع المنظمات الحزبية نحو المصانع، الإضرابات، النقابات ...
ويمكن القيام بذلك بنفس الأمر بين النقابات العمالية. لا يمكننا ان ندفع بأعضاء غير عمال في نقابات العمال. لكن يمكننا النجاح في بناء لجان دعم أدبي وخطابي بالتواصل مع رفاقنا في النقابات. يجب أن تكون هناك قواعد صارمة ملزمة مثل: ان لا نسعى لقيادة العمال ولكننا نلتزم بمساعدتهم، وتقديم اقتراحات لهم، وتزويدهم بالحقائق، والأفكار، والنشرات المصنعية، وبنشرات خاصة، وما إلى ذلك.
"سيكون لهذا التعاون أهمية تربوية هائلة من أكثر من جهة، للرفاق العمال، وأيضاً لغير العمال الذين يحتاجون إلى إعادة تربية صلبة.
"لديك على سبيل المثال عددًا مهمًا من الشبان اليهود من غير العمال في صفوفك. يمكن أن يكون هؤلاء خميرة ثمينة جداً إذا نجح الحزب في إخراجهم من بيئتهم المغلقة وربطهم بعمال المصانع من خلال نشاط اليومي. أعتقد أيضاً أن مثل هذا التوجه سيضمن مناخًا أكثر صحة داخل الحزب.
ثمة قاعدة أساسية يجب وضعها فوراً: أن عضو الحزب الذي لا يكسب خلال ثلاثة أو ستة أشهر عامل جديد للحزب ليس عضو حزبي جيد.
"إذا طبقنا هذا التوجه العام تطبيقا جديا، وتحققنا من النتائج العملية كل أسبوع، فسوف نتجنب خطرًا كبيرًا؛ إذ أن المثقفين والعمال ذوي الياقات البيضاء قد يعمدون إلى قمع الأقلية العاملة، يضايقونهم في صمت، ويحولون الحزب إلى ناد للمناقشات الثقافية العميقة، ولكن الغير ملائم على الإطلاق للعمال.
"يجب أن تطبق نفس القواعد بشكل متسق عند تجنيد شباب للمنظمة، وإلا فإننا سنواجه خطر تدريب عناصر شابة جيدة لتحويلهم إلى ثوريين هواة وليس إلى مناضلين ثوريين ".
يتضح، من هذه الرسالة، لماذا أنا على ثقة من أنني لم أشير إلى خطر الانحراف البرجوازي الصغير فقط في اليوم التالي من اتفاق ستالين – هتلر، أو اليوم التالي لتقطيع أوصال بولندا، ولكن طرحتها سلفاً قبل سنتين وأكثر.، ومع الأخذ بعين الاعتبار بصفة أولية "عدم وجود" فصيلة أبيرن، فقد كان من الضروري تماماً لتطهير أجواء الحزب، ان يتم نقل العناصر البرجوازية الصغيرة في منطقة نيويورك. من بيئتهم المحافظة المعتادة للانصهار في الحركة العمالية الحقيقية. إن السبب في ذلك بالضبط هو أن الخطاب المذكور أعلاه (وليس الأول من نوعه)، والذي كتب قبل أكثر من عامين من بدء المناقشة الحالية، هو دليل دامغ بالمقارنة مع أقاويل وكتابات قادة المعارضة حول الدوافع التي دفعتني إلى الخروج دفاعاً عن "عصبة كانون".
IV
إن ميل شاختمان إلى الخضوع لتأثير الأفكار البرجوازية الصغيرة، وخاصة الأكاديمية والأدبية، لم يكن خافيا بالنسبة لي. خلال فترة عمل لجنة دايز، كتبت في 14 أكتوبر 1937، إلى كانون، شاختمان ووارد Warde ما يلي:
"... لقد أكدت على ضرورة إحاطة اللجنة بمندوبي المجموعات العمالية بهدف إنشاء قنوات بين اللجنة والجماهير. ... أعلن الرفاق وارد وشاختمان وآخرون الاتفاق معي في هذه النقطة. وقمنا معا بتحليل الاحتمالات العملية لتحقيق هذه الخطة. ... لكن بعد ذلك، على الرغم من الأسئلة المتكررة التي وجهتها، لم أتمكن ابدآ من الحصول على معلومات حول المسألة ولم أسمع إلا بالصدفة أن شاختمان كان يعارضها. لماذا ا؟ لا اعرف."
لم يكلمني شاختمان ابدآ عن أسباب اعتراضه. في رسالتي، قدمت رؤيتي بأقصى قدر ممكن من الدبلوماسية، لكن لم يكن لدي أدنى شك في أنه بينما كان يوافقنى شفهياً، كان شاختمان في الواقع خائفاً من جرح الحساسيات السياسية المفرطة لحلفائنا الليبراليين المؤقتين: في هذا الاتجاه، أظهر شاختمان رقة استثنائية. ".
في 15 أبريل 1938، كتبت إلى نيويورك:
"أنا مندهش بعض الشيء حول هذا النوع من الدعاية الممنوحة لرسالة الرجل الشرقي في نشرة New International. إن نشر الرسالة أمراً جيداً، ولكن أن توضع في صدارة الغلاف، وفي نفس الوقت التزام الصمت حول مقالة ايستمان في هاربر، يبدو لي هذا نوعًا من المساومة وقعت فيه New International. كثير من الناس سوف يفسرون هذه الواقعة على أننا نميل لغض الطرف عن المبادئ عندما تكون الصداقة على المحك.
VI
في 1 يونيو 1938، كتبت إلى الرفيق شاختمان:
"من الصعب بالنسبة لي أن أفهم هنا لماذا أنت ودود ومتسامح هكذا مع السيد يوجين ليونز -. Eugene Lyons، إنه يتحدث كما يبدو ، في المحافل التي تعقدها. وفي الوقت نفسه، يتحدث في محافل الحرس الأبيض ".
كنت أحارب في هذه الرسالة من أجل أن يكون لنا سياسة أكثر استقلاليةً وحزمًا تجاه ما يسمى "الليبراليين"، الذين، في نفس الوقت الذي يشنون فيه صراعاً ضاريا ضد الثورة، يسعون إلى الحفاظ على "علاقات ودية مع البروليتاريا"، لأن هذا يضاعف قيمتهم السوقية أمام الرأي العام البرجوازي.
في 6 أكتوبر 1938، أي قبل عام من بدء المناقشة، كتبت حول ضرورة أن تتوجه صحافتنا الحزبية بشكل حاسم إلى العمال:
من المهم جداً في هذا الصدد موقف النداء الاشتراكي. إنها بلا شك نشرة ماركسية رائعة، لكنها ليست أداة حقيقية للعمل السياسي. ... حاولت حفز اهتمام هيئة تحرير النداء الاشتراكي بتلك القضية، ولكن دون جدوى.
نلاحظ وجود شكوى واضحة في هذه الكلمات. وليس من قبيل الصدفة. أن الرفيق شاختمان، كما ذكرت، يظهر اهتماماً أكبر بكثير بالاستنتاج الأدبي المعزول من نضالات انتهت منذ وقت طويل أكثر من اهتمامه بالتركيبة الاجتماعية لحزبه أو قرائه.
VIII
في 20 يناير 1939، في رسالة سبق أن استشهدت بها فيما يتعلق بالمادية الجدلية، تطرقت مرة أخرى لمسألة انجذاب الرفيق شاختمان إلى بيئة الأخوية الأدبية البورجوازية الصغيرة.
لا أستطيع أن أفهم لماذا يتجاهل النداء الاشتراكي تقريباً الحزب الستالينى. يمثل هذا الحزب الآن مجموعة من التناقضات. ولن يمكنه ان يتفادى حدوث انشقاقات. سوف تأتي المكاسب الهامة القادمة بالتأكيد من الحزب الستالينى. يجب أن يتركز اهتمامنا السياسي عليه. يجب أن نتابع تطور تناقضاته يوما بيوم وساعة بساعة. يجب على شخص ما من فريقنا أن يكرس الجزء الأكبر من وقته لمتابعة أفكار وأعمال الستالينيين. يمكننا إثارة نقاش، وإن أمكن، نشر رسائل الستالينيين المتشككين. "سيكون الأمر أكثر أهمية بألف مرة من دعوة ايستمان وليون والآخرين لعرض تصبب عرقهم الشخصي الغزير. كنت أتساءل قليلاً عن سبب إفساحك مكانا لمقالة ايستمان الأخيرة التافهة والمتعجرفة. ... لكني أشعر بالحيرة الشديدة لأنك، شخصياً، تدعو هؤلاء الأشخاص إلى تلويث صفحات عديدة في نشرة الأممية الجديدة. إن استمرار هذا الجدل يمكن أن يثير اهتمام بعض المثقفين البرجوازيين الصغار، لكن ليس العناصر الثورية.
"إنني على قناعة ثابتة انه صار من الضروري القيام بإعادة تنظيم محددة لكل من النداء الاشتراكي والأممية الجديدة: يجب ان نقف على مسافة أبعد من ايستمان وليون وأشباههم؛ وتقترب أكثر من العمال، وبهذا المعنى، من الحزب الستالينى. "
ان الأحداث الأخيرة بينت، ويؤسفني ان أقول ذلك، ان شاختمان لم يقف بعيداً عن ايستمان وشركاه، بل على العكس، اقترب منهم أكثر.
IX
في 27 مايو 1939، كتبت مرة أخرى عن طبيعة النداء الاشتراكي في علاقتها بالتركيب الاجتماعي للحزب:
" أرى أنك تواجه صعوبة مع النداء الاشتراكي. النشرة جيدة جداً من الناحية الصحفية. لكنها هكذا نشرة موجهة إلى العمال وليست نشرة العمال.
"المشكلة هي أنه، يشارك في تحرير النشرة تشكيلة متنوعة من الكتاب، كل واحد منهم جيد جداً، ولكنهم بشكل جماعي لا يسمحون للعمال بالولوج إلى صفحات النداء. كل منهم يتحدث عن العمال (ويتحدث بشكل جيد) لكن لا أحد هكذا سيسمع العمال أنفسهم. وعلى الرغم من تألقها الأدبي، إلا أنها إلى حد ما تتحول إلى ضحية للروتين الصحفي. أنت لا تسمع على الإطلاق كيف يعيش العمال، كيف يقاتلون، يتصادمون مع الشرطة أو يشربون الويسكي. إنه أمر خطير للغاية بالنسبة للنشرة كأداة ثورية للحزب. ليست المهمة المطلوبة هي إعداد نشرة من خلال الجهود الموحدة لمجلس تحرير ماهر، ولكن تشجيع العمال على التعبير بأنفسهم.. ".
"ان أجراء تغيير جذري وشجاع ضروري كشرط للنجاح ...
"ان الموضوع لا يتعلق بالنشرة فحسب، وإنما بمسارنا السياسي بالكامل. ومن وجهة نظري أرى أن لديك الكثير من الشبان والشابات البرجوازيين الصغار الجيدون جداً ومخلصون للحزب، لكنهم لا يفهمون أطلاقا أن واجباتهم لا تتمثل في المناقشة فيما بينهم، ولكن من أجل التغلغل وسط العمال. أكرر اقتراحي: كل عضو برجوازي صغير في الحزب، خلال فترة زمنية معينة، دعنا نقول ثلاثة أو ستة أشهر، لا يضم عامل إلى الحزب، يجب أن يخفض إلى رتبة مرشح، وإذا استمر الحال بعد ثلاثة أشهر أخرى يطرد من الحزب. في بعض الحالات، قد يكون الأمر غير عادل، ولكن الحزب ككل سوف يحصل على صدمة مفيدة يحتاج إليها كثيرا. من الضروري جداً إحداث تغيير جذري ".
لم أضع في اعتباري، أثناء اقتراحي لمثل هذه الإجراءات شديدة القسوة، والمؤدية لطرد هؤلاء العناصر البرجوازية الصغيرة غير القادرة على خلق صلات مع العمال، "دفاع" أنصار كانون ولكن إنقاذ الحزب من الانحطاط.
X
تعليقا على الأصوات المرتابة من أعضاء حزب العمال الاشتراكي التي وصلت إلى أذني، كتبت إلى الرفيق كانون في 16 يونيو 1939:
"إن وضع ما قبل الحرب، وتضخم النزعة القومية وما إلى ذلك هو عائق طبيعي لتطورنا والسبب العميق للتدهور النفسي في صفوفنا. ولكن يجب علينا الآن التأكيد على أنه كلما كان الحزب أكثر برجوازية صغيرة في تكوينه، كلما ازدادت أهمية إحداث تغييرات. ذلك سبب إضافي للقيام بإعادة توجه شجاع ونشط نحو الجماهير.
"التفسيرات المتشائمة التي ذكرتها في مقالتك هي، بالطبع، انعكاس الضغط الوطني والقومي للرأي العام الرسمي. "إذا كانت الفاشية منتصرة في فرنسا،" وفي إنجلترا ... "الخ. إن انتصارات الفاشية مهمة، لكن ألام احتضار الرأسمالية هو أكثر أهمية.
هكذا يتضح، أنه قد تم طرح مسألة اعتماد الجناح البرجوازي الصغير من الحزب على الرأي العام الرسمي قبل عدة أشهر من بدء المناقشة الحالية، ولم يتم إجراؤه على نحو مصطنع من أجل تشويه سمعة المعارضة.
طالبني الرفيق شاختمان أن أقدم "سوابق" لوجود الاتجاهات البرجوازية الصغيرة بين قادة المعارضة خلال الفترة الماضية. توغلت بعيداً حتى الآن في الإجابة، هذا الطلب من شخص من قادة المعارضة هو شاختمان نفسه. لا زلت بعيداً عن استنفاذ المادة الموجودة لدي.
هناك رسالتان، واحدة من شاختمان، والأخرى تخصني – انهما اشد أهمية كا "سوابق"، سوف اذكرهما في موضع لاحق. لعل شاختمان لا يعترض على أن الأخطاء والهفوات التي تتعلق بالمراسلات يمكن أن تطرح بنفس الطريقة ضد رفاق آخرين، بما فيهم ممثلو الأغلبية الحالية. ربما. محتمل. لكن اسم شاختمان لا يتكرر صدفة في هذه المراسلات. في حين ارتكب آخرون أخطاء عرضية، أظهر شاختمان وجود ميل حقيقي.
في كل الأحوال، الواقع مناقض تماماً لما يدعيه شاختمان من انه فوجئ بتقييمي "الغير متوقع" و"المفاجئ"، بإمكاني، مسلحا بالوثائق، ان اثبت، وأظن أنى أثبت بالفعل، ان مقالي “حول المعارضة البرجوازية الصغيرة" ليس سوي تلخيصاً لمراسلاتي مع نيويورك خلال السنوات الثلاث الأخيرة. (في الواقع العشرة الأخيرة). لقد طلب شاختمان بشكل شديد الوضوح "سوابق". وقد أعطيته "سوابق". وهم يشهدون إجمالاً ضد شاختمان.
ترى دوائر المعارضة أنه يمكنهم التأكيد على أنني قد أقحمت مسألة المادية الجدلية فقط لأني غير قادر على تقديم إجابة على الأسئلة "الملموسة" المتعلقة بفنلندا ولاتفيا والهند وأفغانستان وبلوخستان وما شابه. هذه الحجة، التي ليس لها أي قيمة في حد ذاتها، مهمة فقط لأنها تظهر مستوى بعض الأفراد في المعارضة، وموقفهم من النظرية ومن الاتساق الأيديولوجي المبدئي. لن يكون من الخطأ إذن الإشارة إلى أن مناقشتي الجادة الأولى مع الرفاق شاختمان وواردي، في القطار فور وصولي إلى المكسيك في يناير 1937، كانت مكرسة لضرورة نشر موضوعات حول المادية الجدلية باستمرار. بعد أن انشق فرعنا الأميركي عن الحزب الاشتراكي، أصريت بشدة أكثر على نشر الأساس النظري، أخذاً، مرة أخرى، في اعتباري ضرورة تثقيف الحزب، أولا وقبل كل شيء أعضاءه الجدد، بروح المادية الجدلية. وفي ذلك الوقت كتبت، في الولايات المتحدة، حيث تقوم البرجوازية بشكل منهجي بنشر الفلسفة التجريبية المبتذلة في العمال، أكثر من أي مكان آخر، من الضروري تسريع ارتفاع الحركة إلى مستوى نظري مناسب. في 20 يناير 1939، كتبت إلى الرفيق شاختمان حول مقالته المشتركة مع الرفيق بورنهام، "مثقفون منسحبون":
"إن الجزء المتعلق بالديالكتيك هو أقوى ضربة وجهتها، أنت شخصياً، بصفتك محرر "الأممية الجديدة " إلى النظرية الماركسية. ...جيد! سنتحدث عن ذلك علانيةً ".
وهكذا، قبل عام، وجهت إنذاراً مفتوحاً مقدماً إلى شاختمان أني اعتزم شن هجوم علني على اتجاهاته الانتقائية. في ذلك الوقت لم يكن هناك أي حديث عن المعارضة القادمة. وفي كل الأحوال كان أبعد ما يكون عن ذهني تصور أن الكتلة الفلسفية ضد الماركسية قد مهدت الأرض لتشكيل كتلة سياسية ضد برنامج الأممية الرابعة.
في هذه "الرسالة المفتوحة"، يشير شاختمان بشكل خاص إلى واقعة أن الرفيق فينسنت دون Vincent Dunneعبر عن رضاه عن المقال حول المثقفين. لكني أيضاً أشدت به: "هناك العديد من الفقرات ممتازة". ومع ذلك، وكما يقول المثل الروسي، ملعقة من القطران تفسد برميل من العسل. هذا هو الأمر بالضبط، هذه هي ملعقة القطران المقصودة. إن الجزء المكرس للمادية الجدلية يعبر عن عدد من المفاهيم الفظيعة من وجهة النظر الماركسية، التي كان هدفها، كما هو واضحاً الآن، هو تمهيد الأرض لتشكل كتلة سياسية. وبالنظر إلى العناد الذي يصرخ به شاختمان زاعما أني استخدمت المقالة كذريعة للهجوم، دعوني أذكر مرة أخرى المقطع الرئيسي في الجزء الذي يهمنا:
"... لم يبرهن أي شخص إلى الآن على أن الاتفاق أو الاختلاف حول عقيدة المادية الجدلية المجردة للغاية يمكن أن يؤثر بالضرورة (!) سواء الآن أو فيما بعد، على المسائل السياسية الواقعية، الدعاوى – أو الأحزاب السياسية والبرامج والصراعات القائمة على مثل هذه القضايا الفعلية الملموسة" .
أليست هذه وحدها كافية؟ ما يثير الدهشة قبل كل شيء هو هذه الصيغة، التي لا تصدر عن ثوريين: "... الأحزاب السياسية والبرامج والنضالات تقوم على مثل هذه القضايا الملموسة". أي أحزاب؟ أي برامج؟ أي نضالات؟ جميع الأحزاب وجميع البرامج هنا موضوعة معًا. حزب البروليتاريا لا يشبه الأحزاب الأخرى. لا يقوم على الإطلاق على "مثل هذه القضايا الملموسة". فهو في أساسه يتعارض تماماً مع أحزاب تجار الخيول البورجوازية وخردة البرجوازية الصغيرة. وتتمثل مهمته في الإعداد لثورة اجتماعية ودفع تطور البشرية إلى الأمام على أسس مادية وأخلاقية جديدة. ولكيلا يذوب تحت ضغط الرأي العام البورجوازي والقمع البوليسي، فإن قائد الثورة البروليتارية، يحتاج إلى منظور أبعد، إلى رؤية أممية واضحة وبعيدة النظر ومدروسة جيداً. وفقط على أساس مفهوم ماركسي متناغم، يمكن طرح الأسئلة "الملموسة" بشكل صحيح.
هنا بالضبط تبدأ خيانة شاختمان - وليس مجرد خطأ كما كنت أتمنى أن أصدق العام الماضي. لكنها الآن واضحة، خيانة نظرية صريحة. يتابع شاختمان، على خطى بورنهام، تلقين تعاليمه للحزب الثوري الشاب انه "لم يبرهن أحد بعد" على أن (وجود أو عدم وجود -المترجم) المذهب الجدلي يؤثر في النشاط السياسي للحزب. بعبارة أخرى، لم يثبت أحد بعد ذلك، بمعنى أخر، أي أن الماركسية ليس لها أي فائدة في نضال البروليتاريا. وبالتالي فإن الحزب ليس لديه أي مبرر لدراسة المادية الجدلية والدفاع عنها. هذا ليس سوى التخلي عن الماركسية، عن المنهج العلمي بشكل عام، استسلام بائس للتجريبية. وهذا بالضبط ما يشكل التكتل الفلسفي لشاختمان مع بورنهام وعبر بورنهام مع كهنة "العلم" البرجوازي. هذا هو بالضبط وهذا تحديداً ما أشرت إليه في رسالتي المؤرخة في 20 يناير من العام الماضي.
في 5 مارس، رد شاختمان:
"لقد قمت بإعادة قراءة مقالة بورنهام وشاختمان في يناير التي أشرت إليها، وفي ضوء ما كتبته، فمن المحتمل أننى كنت اقصد صياغة مختلفة هنا (!) وهناك (!) إذا كان سيتم عمل المقالة مرة أخرى، لا يمكنني أن أتفق مع جوهر نقدك ".
هذا الرد، كما هو الحال دائمًا مع شاختمان في الأمور الجادة، لا يعبر في الواقع عن أي شيء. لكنه لا يزال يعطي الانطباع بأن شاختمان قد ترك الجسر مفتوحًا للتراجع. اليوم، بعد أن تملكه الهوس التعصبي، وعد "سأفعل ذلك، مرارا، وتكرارا، غداً". وماذا فعل؟ استجاب ل “العلم" البرجوازي؟ نبذ الماركسية؟
يشرح لي شاختمان بإسهاب (سوف نرى في الوقت الحاضر على أي أساس) تقوم فائدة هذا التكتل السياسي أو ذاك. أنا أتحدث عن ملامح الخيانة النظرية. يمكن تبرير أو عدم تبرير تكتل ما وفقاً لمضمونه ولمجمل الظروف. ولكن لا يمكن تبرير الخيانة النظرية من قبل أي تكتل. يشير شاختمان إلى حقيقة أن مقالته ذات طابع سياسي بحت. أنا لا أتحدث عن المقال، بل عن هذه الفقرة التي تتخلي صراحة عن الماركسية. لو ان نص كتاب عن الفيزياء يحتوي على سطرين فقط عن الرب كعنصر أول سيكون من حقي أن أصنف المؤلف كمثالي رجعي.
إن شاختمان لا يرد على الاتهام لكنه يحاول صرف الانتباه عن طريق الانتقال إلى أمور غير ذات صلة.
"في ماذا يختلف ما تسميه تكتلى أنا وبورنهام، في حقل الفلسفة، عن تكتل لينين وبوجدانوف Bogdanov؟
ويتساءل "من دائرة الفلسفة" من كتلة لينين مع بوجدانوف؟ ولماذا كان هذا التكتل مبدئيا وكتلتنا غير مبدئية؟ مهتم جداً ان اعرف الإجابة على هذا السؤال."
سأشرع فورا في توضيح الاختلاف السياسي، أو بالأحرى الاستقطاب السياسي المتباين بين الكتلتين.
نحن هنا معنيون بمسألة المنهج الماركسي. أين هو الفرق الذي تسأل عنه؟ ها هو، لم يدعى لينين أبدا لصالح بوجدانوف أن المادية الجدلية غير ضرورية في حل "قضايا سياسية ملموسة". في هذا، لم يخلط لينين نظريًا الحزب البلشفي بالأحزاب بشكل عام. لا يستطيع لسانه ان ينطق مثل هذه الترهات. وليس وحده في هذا، لا أحد من البلاشفة الجادين. هذا هو الفرق. هل تفهم؟ قال شاختمان بسخرية أنه "مهتم" بالحصول على إجابة واضحة. الجواب، وأنا على ثقة، قد قدمتها. ولا أطلب "الاهتمام".
الملموس والمجرد، السياسة والاقتصاد
الجزء الأكثر إثارة للأسف في مقطع شاختمان المؤسف هو جزء "الدولة وطبيعة الحرب".
"ما هو إذا موقفنا؟" يتساءل الكاتب. ببساطة أنه، يجيب: من المستحيل أن نستنتج سياستنا نحو حرب محددة مباشرة من توصيف مجرد للطابع الطبقي للدولة المتورطة في الحرب، وبشكل أكثر تحديداً، من أشكال الملكية السائدة في تلك الدولة. يجب أن نستقي سياستنا من خلال فحص ملموس لطبيعة الحرب وأثرها على مصالح الثورة الاشتراكية العالمية ".
يا لها من حيرة! يا له من تعقيد سفسطائي! إذا كان من المستحيل استنتاج سياستنا مباشرة من الطابع الطبقي لدولة ما، فلماذا لا يمكن فعل ذلك بطريقة غير مباشرة؟ لماذا يجب اعتبار تحليل طبيعة الدولة مجرداً بينما يعتبر تحليل طبيعة الحرب ملموساً؟ يمكن للمرء أن يقول، من الناحية الشكلية، بنفس القدر، وواقعياً بدقة أكثر من ذلك بكثير، أن سياستنا تجاه الاتحاد السوفيتي يمكن استخلاصها ليس من الوصف المجرّد للحرب بأنها "إمبريالية"، ولكن فقط من خلال تحليل ملموس لطبيعة الدولة في شروط تاريخية محددة. المغالطة الأساسية التي يبني عليها شاختمان كل شيء آخر سطحية بما فيه الكفاية: أنه بقدر ما ينعكس الأساس الاقتصادي في البنية الفوقية بطريقة غير مباشرة؛ بقدر ما أن مجرد تحديد الطبيعة الطبقية للدولة لا يكفي لحل المهام العملية، وبالتالي ... بالتالي يمكن أن نمضي قدماً دون حاجة إلى تحليل الوضع الاقتصادي والطبيعة الطبقية للدولة؛ عن طريق استبدالهم، بالجملة الصحفية التي صاغها شاختمان "وقائع الأحداث الحية".
نفس التلاعب الذي يستخدمه شاختمان لتبرير كتلته الفلسفية هو وبورنهام (المادية الجدلية لا تحدد سياستنا مباشرة، وبالتالي ... فهي لا تؤثر بشكل عام على "المهام السياسية الملموسة")، تلك الرؤية تتكرر هنا بخصوص علم الاجتماع الماركسي: بما أن أشكال الملكية لا تحدد سياسة الدولة مباشرة فلا يجب بالضرورة استخدام علم الاجتماع الماركسي بصورة عامة كمدخل في تحديد "المهام السياسية الملموسة".
لكن لماذا تتوقف عند هذا الحد؟ إذ ان قانون قيمة العمل يحدد الأسعار ولكن ليس “مباشرة" وليس "على الفور"؛ وقوانين الانتخاب الطبيعي لا تحدد "مباشرة" ولا "فوراً" ولادة خنزير رضيع؛ وكذلك قوانين الجاذبية لا تحدد "مباشرة" وليس "على الفور" وقوع شرطي سكران محلقاً من فوق السلالم، لذا ... لذا دعونا نترك ماركس وداروين ونيوتن وكل محبي "التجريدات "لنزيح الغبار من على الرف. هذا ليس أقل من دفن مهيب للعلم الرسمي لأنه، بعد كل شيء، مجرى تطور العلم برمته يبدأ من أسباب "مباشرة" و "فورية" للوصول إلى الأسباب الأكثر عمقاً والأكثر تعقيداً، من قوى دفع متعددة وأحداث متنوعة - إلى القانون الرئيسي المحرك لتلك الأحداث.
إن قانون القيمة/ العمل هو الذي يحدد الأسعار، صحيح ليس "مباشرة"، ومع ذلك لا يمكن فهمها بدونه، فهو الذي يحددها. هذه الظاهرة "الملموسة" مثل إفلاس "الصفقة الجديدة" تجد تفسيرها في التحليل النهائي في قانون القيمة "المجرد". لا يعرف روزفلت ذلك، لكن الماركسي لا يجرؤ على المضي قدماً دون معرفة ذلك. ليس فوراً ولكن من خلال سلسلة كاملة من العوامل الوسيطة وتفاعلها المتبادل، إن أنماط الملكية لا تحدد السياسة فحسب بل أيضاً الأخلاق. فالسياسي البروليتاري الذي يسعى إلى تجاهل الطبيعة الطبقية للدولة سوف ينتهي في نهاية المطاف نهاية الشرطي الذي تجاهل قانون الجاذبية. وفهمه، عن طريق تحطيم أنفه.
من الواضح أن شاختمان لا يأخذ في الحسبان التمييز بين المجرد والملموس. لفهم “الواقع الملموس"، تستخدم عقولنا التجريد. حتى هذا "الكلب.. الملموس" المعطى، هو تجريد لأنه ليس ثابتاً، على سبيل المثال، في "اللحظة" التي نشير فيها له يقوم بهز ذيله. إن الملموسية هي مفهوم نسبي وليست مفهومًا مطلقاً: ما هو ملموس في صورة معينة واحدة يتبين أنه مجرد في صورة أخرى، أي أنه غير مستقر بما يكفي لغرض محدد. من أجل الحصول على مفهوم "ملموس" بما يكفي لغرض معين، من الضروري ربط العديد من الأفكار المجردة مع بعضها البعض - تماماً كما هو الحال في إعادة إنتاج جزء من الحياة على الشاشة، والتي هي صورة في حالة حركة، من الضروري الجمع بين عدد من الصور الثابتة.
إن الملموس عبارة عن مزيج من التصورات المجردة- وليس مزيجًا تشكل تعسفيًا أو ذاتياً، لكنه مزيج يتشكل بالتوافق مع القوانين الفاعلة في الظاهرة المعنية.
إن "مصالح الثورة الاشتراكية العالمية"، التي ينادي بها شاختمان في مواجهة تحديد الطبيعة الطبقية للدولة، تمثل في هذا المثال المقدم التباس جميع الأفكار المجردة. بعد كل شيء، السؤال الذي يشغلنا هو بالضبط هنا، بأي طريقة ملموسة يمكننا تعزيز مصالح الثورة؟ ولن يكون من الخطأ أيضاً أن نتذكر، أن مهمة الثورة الاشتراكية هي إنشاء دولة عمالية. وأنه قبل ان نتكلم عن الثورة الاشتراكية، فمن الضروري أن نتعلم كيف نميز بين هذه "الأفكار المجردة" مثل البرجوازية والبروليتاريا والدولة الرأسمالية ودولة العمال.
في الحقيقة، يهدر شاختمان وقته ووقت الآخرين لإثبات أن الملكية المؤممة لا تحدد "في ذاتها"، "ألياً"، "مباشرة"، "فوراً" سياسات الكرملين. فيما يتعلق بسؤال "القاعدة" الاقتصادية التي تنعكس في البنية السياسية، والقضائية، والفلسفية، والفنية، وما إلى ذلك، فالماركسية غنية بالأدبيات حول “البنية الفوقية". إن الرأي القائل بأن الاقتصاد يحدد – أو ينعكس - بشكل مباشر وفوري في إبداع الملحن أو حتى حكم محكمة، يمثل صورة كاريكاتورية مخيفة للماركسية وضعها وبثها بلا توقف أساتذة التشويه البرجوازيون من جميع البلدان لإخفاء عجزهم الفكري (في مواجهة الماركسية -م).
أما بالنسبة للمسألة التي تهمنا الآن مباشرة، والعلاقة بين الأساس الاجتماعي للدولة السوفيتية وسياسة الكرملين، اسمحوا لي أن أذكّر شاختمان بما هو غائباً عن ذهنه أنه منذ سبعة عشر عامًا، أنشأنا، بشكل علني، مفهوم نمو التناقض بين الأساس (الاقتصادي-م) الذي وضعته ثورة أكتوبر واتجاهات "البنية الفوقية" للدولة. لقد تابعنا خطوة بخطوة الانفصال المتزايد للشريحة البيروقراطية عن البروليتاريا السوفيتية ونمو اعتمادها على الطبقات والجماعات الأخرى داخل وخارج البلاد. ما الذي يرغب بالتحديد شاختمان إضافته في هذا النطاق إلى التحليل الذي تم إجراؤه بالفعل؟
ومع ذلك، على الرغم من أن الاقتصاد يحدد السياسة ليس بشكل مباشر أو فوري، ولكن فقط في التحليل الأخير، إلا أن الاقتصاد يحدد السياسة. يؤكد الماركسيون هذا بالضبط على عكس الأساتذة البرجوازيين وتلاميذهم. أثناء تحليل وكشف الانفصال السياسي المتزايد للبيروقراطية واستقلالها عن البروليتاريا، لم نغفل ابدآ الحدود الاجتماعية الموضوعية لهذا "الاستقلال". وهي الملكية المؤممة التي يكملها احتكار الدولة للتجارة الخارجية.
إنه لأمر مدهش! أن يستمر شاختمان في دعمه لشعار الثورة السياسية ضد البيروقراطية السوفييتية. هل فكر بجدية في معنى هذا الشعار؟ إذا اعتقدنا أن الأسس الاجتماعية التي أرستها ثورة أكتوبر كانت تنعكس "تلقائياً" في سياسة الدولة، فلماذا إذن اعتبرنا الثورة ضد البيروقراطية ضرورية؟ إذا كان الاتحاد السوفيتي، من ناحية أخرى، قد توقف تماماً عن كونه دولة عمالية، فلن تكون هناك حاجة إلى ثورة سياسية فقط، بل سيكون المطلوب هو ثورة اجتماعية. وبالتالي يواصل شاختمان الدفاع عن الشعار الذي يتضمن (1) الانطلاق من طبيعة الاتحاد السوفيتي كدولة عمالية و (2) من التعارض العميق بين الأساس الاجتماعي للدولة والسلطة البيروقراطية. لكن بينما يكرر هذا الشعار، يحاول تقويض أساسه النظري. هل من الممكن أن ان يكون ذلك بسبب انه يحاول مجدداً ان يثبت استقلال رؤيته السياسية عن "المفاهيم المجردة" العلمية؟
تحت غطاء الهجوم على التصوير الكاريكاتيري البرجوازي للمادية الجدلية، يقوم شاختمان بفتح العديد من الأبواب على مصراعيها لدخول الرؤية المثالية للتاريخ. أشكال الملكية والطابع الطبقي للدولة مسائل غير هامة بالنسبة له في تحليل سياسة السلطة. الدولة نفسها تبدو له حيوان من نوع عشوائي. كلا قدميه نابتة بعمق في جسد من ريش الدجاج، ويشرح لنا شاختمان بأسلوب فخيم - اليوم في عام 1940 - أنه بالإضافة إلى الملكية المؤممة، هناك أيضاً القذارة البونابرتية وسياساتها الرجعية. يا لها من إضافة! هل صادف واعتقد شاختمان من قبل أنه يتكلم في دار حضانة؟
شاختمان يؤسس كتلة – مع لينين أيضاً.
ولتمويه عجزه عن فهم جوهر مشكلة طبيعة الدولة السوفيتية، قام شاختمان بالانتقال إلى كلمات لينين الموجهة ضدي في 30 ديسمبر 1920، خلال ما يدعى بالسجال حول النقابات.
"الرفيق تروتسكى يتحدث عن دولة العمال. اسمحوا لي، هذا هو التجريد. ... إن دولتنا ليست في الواقع دولة عمالية بل دولة عمال وفلاحين. ... إن وضعنا الحالي هو ما يجب على البروليتاريا المنظمة بشكل شامل أن تدافع فيه عن نفسها، ويجب أن نستخدم منظمات العمال للدفاع عن العمال ضد دولتهم وللدفاع عن دولتنا بواسطة العمال ".
بالإشارة إلى هذا الاقتباس والتسرع في إعلان أنني كررت "خطأ" عام 1920، عجز شاختمان أثناء اندفاعه عن ان ينتبه إلى خطأ كبير اقترفه في استخدامه هذا الاقتباس المتعلق بتعريف طبيعة الدولة السوفياتية. في 19 يناير، كتب لينين بنفسه عن خطابه في 30 ديسمبر:
"لقد ذكرت،" إن دولتنا ليست في واقع الأمر دولة عمالية بل دولة "عمال" و "فلاحين". ... عند قراءة تقرير المناقشة، أرى الآن أنني أخطأت. ... كان يجب أن أقول: "إن دولة العمال هي فكرة مجردة. في الواقع لدينا دولة عمالية ذات سمات خاصة، (1) أن الفلاحين وليس العمال من لهم الغلبة في تركيب السكان و (2) هي دولة عمالية ذات تشوهات بيروقراطية.
نستخلص هنا امرين: ان لينين أولى أهمية كبيرة لمسألة التحليل الدقيق للتعريف الاجتماعي للدولة، إلى درجة ان يري ضرورة تصحيح ما قاله أثناء مناقشة ساخنة للغاية! لكن شاختمان لا يولي اهتمام كافي لتحليل الطبيعة الطبقية للدولة السوفيتية إلى درجة انه رغم مرور 20 عام لم يلاحظ لا خطأ لينين ولا ما قام به من تصحيح!
لن أتطرق هنا إلى السؤال حول مدى صحة توجيه لينين لحجته ضدّي. يقيني أنه فعل ذلك عن طريق الخطأ - لم يكن هناك اختلاف في الرأي بيننا حول تعريف الدولة. لكن هذا ليس هذا هو الموضوع الآن. إن الصيغة النظرية حول مسألة الدولة، التي وضعها لينين في الاقتباس المذكور أعلاه - بالاقتران مع التصحيح الرئيسي الذي قدمه بنفسه بعد بضعة أيام - صحيحان تماماً. لكن دعونا نسمع ما يقوم به شاختمان من غرائب حول تعريف لينين:
"كما كان ذلك ممكنًا منذ عشرين عامًا"، كما يقول، "للحديث عن مصطلح" الدولة العمالية "كمفهوم مجرد، لذلك يمكن الحديث عن مصطلح" الدولة العمالية المنحطة “باعتباره مفهوم مجرد. "
واضح ضمنيا أن شاختمان غير قادر مطلقاً على فهم لينين. قبل عشرين عاماً، لم يكن من الممكن اعتبار مصطلح "دولة العمال" بأي شكل من الأشكال مفهوما مجرداً بوجه عام: أي شيء غير ملموس أو غير موجود. وكان تعريف "دولة العمال"، رغم صحته في حد ذاته، غير كاف فيما يتعلق بالمهمة المحددة؛ أي الدفاع عن العمال من خلال نقاباتهم، وفقط بهذا المعنى كانت مجردة. ومع ذلك، فيما يتعلق بالدفاع عن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ضد الإمبريالية، كان هذا هو التعريف الموضوعي في عام 1920، تماماً كما هو اليوم، وهو ملموس بشكل لا يتزعزع، مما يجعل من الضروري على العمال الدفاع عن الدولة المعنية.
شاختمان لا يوافق، إنه يكتب:
"لقد كان من الضروري وقتها بخصوص مشكلة النقابات التحدث بشكل ملموس عن أي نوع من الدولة العمالية موجود في الاتحاد السوفييتي، لذلك فمن الضروري الآن التحدث فيما يتعلق بالحرب الحالية، ودرجة انحطاط الدولة في الاتحاد السوفيتي... ولا يمكن تحديد درجة انحطاط النظام بالإشارة المجردة إلى وجود الملكية المؤممة، ولكن فقط من خلال ملاحظة وقائع (!) الأحداث (!) الحية. "
بهذا المنطق لن يمكن أبدا فهم لماذا نوقشت 1920 مسألة طبيعة الاتحاد السوفييتي في علاقتها بدور النقابات العمالية، وما شابه، وهي قضايا داخلية في بنية النظام، في حين يتم طرحها اليوم بخصوص الدفاع عن الاتحاد السوفييتي.، هذا هو الأمر، بخصوص مصير الدولة ككل. في الحالة الأولى، كانت دولة العمال في مواجهة العمال، في الحالة الأخيرة – دولة العمال في مواجهة الإمبرياليين. لا عجب أن هذا التشابه يعرج على ساقيه. ما الذي كان لينين يقف بمواجهته، يطابق شاختمان بين الأمرين دون تمييز.
ومع ذلك، حتى لو أخذنا بالقيمة الظاهرية لكلمات شاختمان، فإن الموضوع الذي تدور حوله هو فقط درجة الانحطاط (التي عليها "دولة العمال")؟ ذلك هو الأمر، حول الفروق الكمية في التقييم. دعونا نعترف بأن شاختمان قد استخلص (أين؟) توجد تلك أل “درجة" بدقة أكثر مما لدينا. ولكن كيف تؤثر الاختلافات الكمية، في تقييم انحطاط الدولة العمالية، على قرارنا فيما يتعلق بالدفاع عن الاتحاد السوفييتي؟ من المستحيل وضع الرأس أو الذيل خارج جسم الكائن. في واقع الأمر، شاختمان، يبقى صحيحا في انتقائيته، بالنسبة له، حيث المسألة في أل “درجة" هي محاولة للحفاظ على توازنه بين أبيرن وبورنهام. ليس محل الاختلاف على الإطلاق هو الدرجة التي يحددها "واقع الأحداث الحية" (يا لها من مصطلحات "علمية"، "ملموسة"، "إمبريقية"!) ولكن ما إذا كانت هذه التغييرات الكمية قد تحولت إلى تغييرات كيفية. أي إذا ما كان الاتحاد السوفيتي لا يزال دولة عمالية، على الرغم من تدهورها، أو ما إذا كان قد تحول إلى نوع جديد من الدولة المستغلة.
شاختمان ليس لديه إجابة على هذا السؤال الجوهري، ولا يشعر بالحاجة إلى تقديم إجابة.
حجته هي مجرد محاكاة لفظية لكلمات لينين التي قالها في سياق مختلف، والتي كان لها محتوى مختلف وتضمنت خطأً صريحًا. يصرح لينين في نسخته المصححة: "الدولة المعنية ليست مجرد دولة عمالية، بل دولة عمالية ذات تشوهات بيروقراطية". ويعلن شاختمان: "الدولة المعنية ليست مجرد دولة عمال منحطة ولكن ...”. ولكن؟ ليس لدى شاختمان أي شيء آخر يقوله. هنا، ينظر كل من الخطيب والجمهور إلى بعضهما البعض، وأفواههما مشدوهة إلى أقصاها.
ماذا تعني "الدولة العمالية المنحطة" في برنامجنا؟ عن هذا السؤال، يجيب برنامجنا بدرجة من الدقة كافية تماماً لحل مشكلة الدفاع عن الاتحاد السوفييتي. وهي:
(1) أن السمات التي كانت تمثل في عام 1920 مجرد "تشوهًا بيروقراطيًا" للنظام السوفييتي أصبحت الآن نظامًا بيروقراطيًا مستقلاً يعيش كطفيل على جسم السوفيتات.
(2) دكتاتورية البيروقراطية، التي تتعارض مع مهام الاشتراكية محلياً ودولياً، أدخلت ولا تزال تدخل تشوهات عميقة في الحياة الاقتصادية للبلاد برمتها.
(3) في جميع الأحوال فإن الشيء الأساسي هو، أن نظام الاقتصاد المخطط، القائم على أساس ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، قد تم الحفاظ عليه ولا يزال مكسباً هائلاً للجنس البشري.
أن هزيمة الاتحاد السوفييتي في الحرب مع الإمبريالية لا تعني فقط مجرد تصفية الديكتاتورية البيروقراطية، بل أيضاً القضاء على الاقتصاد المخطط للدولة. وتمزيق البلاد إلى عدد من مناطق النفوذ. وتحقيق استقرار جديد للإمبريالية؛ وإضعاف جديد للبروليتاريا الدولية.
نخلص من تحليل الظرف، الذي تطور فيه التشوه "البيروقراطي" ليتحول إلى نظام حكم استبدادي بيروقراطي، إلى الاستنتاج بأن الدفاع عن العمال من خلال نقاباتهم العمالية (التي خضعت هي الأخرى لنفس الانحطاط الذاتي مثل الدولة) هو اليوم على النقيض من واقع عام 1920. غير واقعي تماماً. من الضروري إسقاط البيروقراطية؛ لا يمكن تنفيذ هذه المهمة إلا من خلال إنشاء حزب بلشفي سري في الاتحاد السوفييتي.
ومن منطلق ان انحطاط النظام السياسي لم يفضي بعد إلى القضاء على التخطيط الاقتصادي لاقتصاد الدولة، لهذا نري انه لا زال من الواجب على البروليتاريا العالمية الدفاع عن الاتحاد السوفيتي ضد الإمبريالية من جهة، ومساعدة البروليتاريا السوفيتية في النضال ضد البيروقراطية السوفيتية من جهة أخرى.
ما هو بالتحديد "المفهوم المجرد" الذي يجده شاختمان في تحليلنا؟ ما هي التعديلات "الملموسة" التي يقترحها؟ لو ان الديالكتيك يعلمنا "ان الحقيقة دائما عينية" فإن هذا القانون ينطبق بنفس القوة على النقد. لا يكفي ان نصنف تعريف ما بكونه مجرداً، بل من الضروري أن نشير بالضبط إلى ما ينقصه. وبعكس ذلك، يصبح النقد نفسه عقيماً. وبدلاً من ترسيخ أو تغيير التعريف الذي يزعم أنه مجرّد، يستبدله شاختمان بفراغ. هذا ليس كافيًا. إن الفراغ، حتى الفراغ الذي لا يسمع فيه سوى صدى، يجب إدراك أنه حالة اسوأ من كل المفاهيم المجردة – إذ يمكن ملؤه بأي محتوى أياً كان. لا دهشة إذن في أن الفراغ النظري، عندما يحل نفسه محل التحليل الطبقي، يغرق في سياسات انطباعية ومغامرة.
"الاقتصاد الممركز"
يواصل شاختمان الاقتباس من لينين عبارة "السياسة هي الاقتصاد مكثفاً" وبهذا المعنى لا يمكن للسياسة ألا أن يكون لها الأولوية على الاقتصاد ". ومن كلام لينين، يوجه لي شاختمان أخلاقياً ما يلي، من فضلك، أنا مهتم فقط بـ "الاقتصاد" (وسائل الإنتاج المؤممة) وأتخطى "السياسة". هذا الاجتهاد الثاني من قبل شاختمان لاستخدام لينين ليس أفضل من خطأه الأول. خطأ شاختمان هنا يتطلب نسب كبيرة حقًا! كان لينين يعني: عندما تكتسب العمليات والمهام والمصالح الاقتصادية طابعًا واعًيا ومعمماً ("مركّزًا")، فإنها تدخل مجال السياسة بحكم هذه الحقيقة ذاتها وتشكّل جوهر السياسة. ومن هذا المنطلق، فإن السياسات الاقتصادية الممركزة تثبتت جداًرتها يوما بعد يوم على النشاط الاقتصادي التلقائي اللا واعى والمعمم.
السياسة الصحيحة بالنسبة للماركسية هي القادرة على أن تحدد بدقة إلى أي درجة وبأي مستوى من العمق وبصورة شاملة وصلت "مركزة" الاقتصاد: أي الدرجة التي يعبر فيها عن الاتجاهات التقدمية في تطوره. هذا هو السبب في أننا نؤسس سياساتنا أولاً وقبل كل شيء على تحليلنا لأشكال الملكية والعلاقات الطبقية.
أن تحليلًا ملموسا وأكثر تفصيلاً لعوامل "البنية الفوقية" لا يمكن إجراءه بالنسبة لنا إلا على هذا الأساس النظري. لهذا، على سبيل المثال، إذا كنا نتهم جماعة المعارضة بأنها "بيروقراطية محافظة"، سنبحث على الفور عن الجذور الطبقية، أي الجذور الطبقية لهذه الظاهرة. أي إجراء آخر من شأنه أن يصنفنا باعتبارنا ماركسيين "أفلاطونيين"، إن لم يكن مجرد محاكاة مزعجة.
"السياسة اقتصاد مكثف". هذا المفهوم الذي يجب على المرء أن يفكر فيه ينطبق على الكرملين أيضاً. أو، هل هي استثناء من القانون العام، هل سياسة حكومة موسكو ليست "الاقتصاد مكثفاً" وإنما تعبيرا عن الإرادة الحرة للبيروقراطية؟ إن محاولتنا النزول بسياسات الكرملين لتتوافق مع الاقتصاد المؤمم، والتي اصطدمت بمصالح البيروقراطية، تثير مقاومة محمومة من شاختمان. يأخذ نقطة انطلاقه فيما يتعلق بالاتحاد السوفيتي ليس من التعميم الواعي للاقتصاد ولكن من "مراقبة وقائع الأحداث الحية"؛ بمعنى أخر، من الأمور الصغيرة، الارتجال، التعاطف والنفور. انه يضع هذه السياسة الانطباعية في مواجهة رؤيتنا السياسية المستندة إلى التحليل الاجتماعي وفي نفس الوقت يتهمنا نحن... بتجاهل السياسة. أمر لا يصدق ولكنه حقيقي! لا شك في أن التحليل النهائي لرؤية شاختمان السياسية الضعيفة والمهتزة هي أيضاً تعبير "مكثف" عن الاقتصاد لكن، للأسف، الاقتصاد البرجوازي الصغير المفكك.
مقارنة مع الحروب البرجوازية
يشير شاختمان إلى أن الحروب البرجوازية كانت تقدمية في وقت ما وأنها أصبحت رجعية في مرحلة أخرى وبالتالي لا يكفي تحديد التعريف الطبقي لدولة متورطة في الحرب.
هذه الإشارة لا تبلور القضية بل تشوشها. يمكن أن تكون الحروب البرجوازية تقدمية فقط في وقت كان فيه النظام البرجوازي بأكمله تقدمياً؛ وبعبارة أخرى، في الوقت الذي كانت فيه الملكية البرجوازية متناقضة مع الملكية الإقطاعية كانت هذه الحروب عاملاً تقدمياً وبناءًه. وأصبحت الحروب البرجوازية رجعية عندما أصبحت الملكية البرجوازية كابحة للتطور. هل يود شاختمان أن يقول بخصوص الاتحاد السوفييتي أن ملكية الدولة لوسائل الإنتاج قد أصبحت كابحاً للتطور، وأن امتداد هذا الشكل من الملكية إلى دول أخرى يشكل اقتصاد رجعى؟ من الواضح أن شاختمان لا يريد أن يقول هذا. إنه ببساطة لا يفكر في النتائج المنطقية لأفكاره.
إن مثال الحروب البرجوازية الوطنية يقدم بالفعل درس تعليمي هام، لكن شاختمان يتخطاها دون أن يلتفت اليها. كان ماركس وإنجلز يجاهدان من أجل جمهورية ألمانية موحدة. في حرب 1870-1871 وقفوا إلى جانب الألمان رغم أن النضال من أجل الوحدة تم استغلاله وتشويهه من قبل الطفيليات الحاكمة.
يشير شاختمان إلى واقع أن ماركس وإنجلز انقلبوا على الفور ضد بروسيا عندما ضمت الألزاس واللورين. لكن هذا التغيير يدعم وجهة نظرنا تحديداً وبجلاء تام. لا يجوز أن ننسى للحظة أن الأمر هنا يتعلق بحرب بين دولتين برجوازيتين. وبالتالي، كان لدى كلا المعسكرين طابع طبقي مشترك. ولتقرير أي من الجانبين كان “الشر الأصغر” – ذلك على الرغم من أن التاريخ لا يترك عادة أي مجال للاختيار - كان ممكناً فقط في حال توفر عوامل إضافية. على الجانب الألماني، كان هناك مسألة خلق دولة برجوازية قومية كحيز اقتصادي وثقافي. كانت الدولة القومية خلال تلك الفترة عاملاً تاريخياً تقدمياً. إلى هذا الحد وقف ماركس وإنجلز إلى جانب الألمان على الرغم من عائلة هوهنزولرن وبطانتها الأرستقراطية. انتهك ضم الألزاس واللورين مبدأ الدولة القومية فيما يتعلق بفرنسا وكذلك ألمانيا وأرسى الأساس لحرب انتقامية. ومن ثم تحول ماركس وإنجلز، بشكل طبيعي، إلى الوقوف بحدة ضد بروسيا. لم يتورطوا على الإطلاق في المغامرة بتقديم خدماتهم إلى نظام اقتصادي أضعف في مواجهة نظام اقوى لأنه في كلا المعسكرين، نكرر، تهيمن العلاقات البرجوازية. لو ان فرنسا كان لديها دولة عمالية في عام 1870، فإن ماركس وإنجلز كانوا سينحازون إلى فرنسا منذ البداية، بقدر ما كانوا - يشعر المرء مرة أخرى بالخجل كونه مضطراً ان يشير إلى ذلك - يوجهان أنفسهما في جميع أنشطتهما بمعيار طبقي.
الأن لم يعد حل المهام الوطنية قضية مطروحة في الدول الرأسمالية القديمة. على العكس، تعاني البشرية من التناقض بين تطور قوى الإنتاج والإطار الضيق جداً للدولة الوطنية. إن بناء الاقتصاد المخطط على أساس الملكية الاجتماعية المحررة من الحدود الوطنية هو مهمة البروليتاريا العالمية، وقبل أي شيء - في أوروبا. هذه المهمة بالتحديد هي ما يعبر عنه شعارنا "من اجل اوربا اشتراكية موحدة!" إن مصادرة مالكي العقارات في بولندا كما في فنلندا هو عامل تقدمي في حد ذاته. وتحتل الأساليب البيروقراطية للكرملين، في هذه العملية، نفس موقع أساليب سلالة Hohenzollern - في توحيد ألمانيا. عندما نواجه ضرورة الاختيار بين الدفاع عن أشكال الملكية الرجعية من خلال تدابير رجعية من جهة، وإدخال أشكال الملكية التقدمية من خلال الإجراءات البيروقراطية من جهة أخري، فإننا لا نضع الجانبين على نفس المستوى على الإطلاق بل نختار “الشر الأصغر”. وفي ذلك لا يوجد أي "خنوع" للستالينية إلا لو اعتبرنا ماركس وإنجلز قد خنعا لأل هوهنزولرن. بالكاد نضيف أن دور أل هوهنزولرن في حرب 1870-1871 لم يبرر الدور التاريخي العام للسلالة الملكية ولا حتى مجرد وجودها.
الانهزامية العارضة، أو كولومبوس والبيضة
دعونا نفحص الآن كيف يستخدم شاختمان، بمعاونة الفراغ النظري، "وقائع الأحداث الحية" في التعامل مع مسائل حيوية محددة. يقول:
"نحن لم نؤيد سياسة الكرملين الدولية ابدآ ... لكن ما هي الحرب؟ الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى. إذاً لماذا يجب علينا دعم الحرب التي هي استمرار السياسة الدولية التي لم ولا نؤيدها؟
لا يمكن ان نرفض التتمة المنطقية لهذه الحجة. سنضع الأمر في شكل قياس منطقي واضح، سنقدم هنا جولة نظرية عن الانهزامية. إنها بسيطة مثل كولومبوس والبيضة! بما أننا لم نؤيد ابدآ سياسة الكرملين الدولية، فلا ينبغي لنا ابدآ تأييد الاتحاد السوفيتي. لماذا لا يقول ذلك إذن؟
يقول شاختمان: لقد رفضنا السياسات الداخلية والدولية للكرملين قبل التحالف الألماني السوفييتي وقبل غزو الجيش الأحمر لبولندا. وهذا يعني أن "وقائع الأحداث الحية" في العام الماضي لم يكن لها أدنى تأثير على المسألة. إذا كنا من المدافعين عن الاتحاد السوفيتي في الماضي، فلم يكن ذلك إلا عدم اتساق. إن شاختمان هكذا لا يراجع السياسة الحالية للأممية الرابعة فحسب، لكنه يراجع أيضاً سياسات الماضي. وبما أننا ضد ستالين، يجب علينا أن نكون ضد الاتحاد السوفييتي أيضاً. لطالما أشاع ستالين هذا الرأي. ولم يصل شاختمان اليه إلا في الآونة الأخيرة. وانطلاقاً من رفضه لسياسة الكرملين تنبثق رؤية سياسية انهزامية كاملة وغير قابلة للتجزئة. لماذا لا يقول ذلك إذن!
لكن شاختمان لا يستطيع أن يستجمع نفسه ليقول ذلك. كتب في مقطع سابق:
"قلنا – ولا تزال الأقلية تؤكد- أنه إذا هاجم الإمبرياليين الاتحاد السوفييتي بهدف سحق آخر مكتسبات ثورة أكتوبر وتحويل روسيا إلى أحد المستعمرات فإننا سندعم الاتحاد السوفييتي دون أي شرط.
اسمحوا لي، اسمحوا لي، واسمحوا لي! سياسة الكرملين الدولية رجعية. الحرب هي استمرار لسياساتها الرجعية. لا يمكننا دعم حرب رجعية.
كيف نتحول إذن على نحو غير متوقع إلى انه إذا ما هاجم الإمبرياليين الأشرار الاتحاد السوفييتي وإذا ما سعى هؤلاء الإمبرياليين الخبثاء بطريقة مؤسفة لتحويله إلى مستعمرة، فإنه في ظل هذه الظروف الاستثنائية، سيدافع شاختمان عن الاتحاد السوفييتي "دفاعاً غير مشروط"؟ هل هذا له أي معنى؟ أين المنطق؟ أم أن شاختمان، اقتداء بنموذج بورنهام، قد هبط بالمنطق إلى مستوى الهرطقة الدينية ومتاحف الأنتيكات الأخرى؟
ان مفتاح فهم هذا التشوش يكمن في النظر إلى تصريحه، "لم نؤيد ابدآ سياسة الكرملين الدولية"، انه تصريح مجرد. يجب فحصه وبلورته. ان البيروقراطية سواء في سياستها الخارجية أو الداخلية الراهنة، تضع في المقدمة وقبل كل شيء الدفاع عن مصالحها الطفيلية الخاصة. وفي هذا النطاق، نخوض نضالاً عنيفاً ضدها، ولكن في التحليل النهائي، عبر تحقيق مصالح البيروقراطية، وبصورة مموهة للغاية تنعكس مصالح الدولة العمالية. هذه المصالح ندافع عنها - بطرقنا الخاصة. وبالتالي، فإننا لا نخوض على الإطلاق صراعاً ضد واقع محافظة البيروقراطية (بطريقتها الخاصة) على ملكية الدولة، أو احتكار التجارة الخارجية، أو رفضها سداد الديون القيصرية. وعند نشوب حرب بين الاتحاد السوفييتي والعالم الرأسمالي – وبغض النظر عن الأحداث التي أدت إلى تلك الحرب أو "أهداف" هذه الحكومة أو تلك - فالأمر الذي على المحك هو مصير تلك المكتسبات التاريخية بالتحديد والتي ندافع عنها دون قيد أو شرط، أي، على الرغم من السياسة الرجعية للبيروقراطية. وبالتالي فإن السؤال يتلخص في التحليل الأخير والحاسم في الطبيعة الطبقية للاتحاد السوفييتي.
توصل لينين إلى إنشاء سياسة الانهزامية من تحليل الطابع الإمبريالي للحرب. ليس هذا كل شيء. فقد استنتج الطابع الإمبريالي للحرب من تحليل المرحلة التي يمر بها تطور النظام الرأسمالي وطبيعة طبقته الحاكمة. وبما أن طبيعة الحرب تحددها بالضبط الطبيعة الطبقية للمجتمع والدولة، أوصى لينين بأن نحدد سياستنا بخصوص الحرب الإمبريالية استنادا إلى معطيات "ملموسة" مثل الديمقراطية وطبيعة الملكية، أي تحديد ما هو دفاع وطني وما هو عدوان إمبريالي. على نقيض هذا يقترح شاختمان أن نستنتج سياسة الانهزامية من الظروف العارضة. هذه الانهزامية لا تراعي الفروق في الطابع الطبقي بين الاتحاد السوفيتي وفنلندا. يكفي عنده وجود سمات مثل البيروقراطية والقيام ب “العدوان". إذا أرسلت فرنسا أو إنجلترا أو الولايات المتحدة طائرات وأسلحة إلى فنلندا، فهذا لا يؤثر في تحد الرؤية السياسة لشاختمان. لكن إذا اقتحمت القوات البريطانية فنلندا، فسوف يضع شاختمان ميزان قياس الحرارة تحت لسان تشامبرلين Chamberlain’s ويحدّد نواياه، سواء كان يهدف فقط إلى إنقاذ فنلندا من السياسات الإمبريالية للكرملين، أو إذا ما كان بالإضافة إلى ذلك يهدف إلى تدمير "المكسب الأخير لثورة أكتوبر". ". ووفقاً لقراءة مؤشرات قياس الحرارة بدقة، ها هو شاختمان، الانهزامي، على استعداد للتحول إلى تبنى موقف دفاعي. هذا هو ما يعنيه استبدال المبادئ المجردة بـ "وقائع الأحداث الحية".
إن شاختمان، كما رأينا بالفعل، يطالب بإصرار الاستشهاد بسوابق: متى وأين حدث من قبل ان قادة المعارضة عبروا عن مواقف برجوازية صغيرة انتهازية؟ الرد الذي قدمته له بالفعل على هذه النقطة يجب أن يستكمل هنا برسالتين بيننا حول مسألة السياسة الدفاعية وطرق الدفاع فيما يتعلق بأحداث الثورة الإسبانية. في 18 سبتمبر 1937، كتب لي شاختمان:
"... أنت تقول،" إذا كان لدينا عضو في كورتيس فإنه سيصوت ضد الميزانية العسكرية لنيغرين Negrin. "ما لم يكن هذا خطأ مطبعي فإنه يبدو لنا قول غير مترابط. إذا كان طرف من الحرب الإمبريالية، كما نؤمن جميعاً، ليس مهيمناً في الوقت الحاضر في الصراع الإسباني، وإذا كان جوهر الصراع هو، بدلاً من ذلك، المواجهة بين الديمقراطية البرجوازية المتدهورة، بكل ما تنطوي عليه من مساوئ، من جهة، والفاشية من الجهة المقابلة، بل وأكثر من ذلك إذا اضطررنا لتقديم المساعدة العسكرية للنضال ضد الفاشية، لا نرى كيف يمكن التصويت في كورتيس ضد الميزانية العسكرية. ... إذا سأل اشتراكي ديموقراطي أحد الرفاق البلاشفة اللينينين على جبهة هويسكا لماذا صوت ممثله في كورتيس ضد اقتراح نيغرين بتكريس مليون بيزيتا لشراء بنادق للجبهة، فبماذا يجيب البلشفي اللينيني؟ لا يبدو لنا أنه سيكون لديه إجابة مقبولة (تأكيدي).
هذه الرسالة فاجأتني. كان شاختمان على استعداد للتعبير عن ثقته في حكومة نيغرين الخائنة على أساس سلبي محض أنه لا يوجد "طرفاً من الحرب الإمبريالية" مهيمناً في إسبانيا.
في 20 سبتمبر 1937، أجبت على شاختمان:
"التصويت لصالح الميزانية العسكرية لحكومة Negrin يعنى التصويت بالثقة السياسية فيها. ... القيام بذلك سيكون جريمة. بماذا نفسر هذا التصويت أمام العمال الأناركيين؟ نحن بوضوح شديد: ليس لدينا أدنى ثقة في قدرة هذه الحكومة على شن الحرب وضمان النصر. نحن نتهم هذه الحكومة بحماية الأغنياء وتجويع الفقراء. يجب تحطيم هذه الحكومة. وطالما أننا لسنا أقوياء بما يكفي لتغيرها، لا زلنا مضطرين ان نقاتل تحت قيادتها. ولكن يجب في كل مناسبة، أن نعبر عن عدم ثقتنا بها دون التفاف: تلك هي الإمكانية الوحيدة لحشد الجماهير سياسيا ضد هذه الحكومة وتجهيزهم للإطاحة بها. أي سياسة أخرى ستكون خيانة للثورة ".
النبرة التي أجبت بها تعكس بدرجة محدودة ... الدهشة التي أصابتني من موقف شاختمان الانتهازي. بالطبع، لا يمكن تجنب الأخطاء الفردية، لكن اليوم، بعد مرور عامين ونصف، تضيء هذه المراسلات بضوء جديد. وبما أننا كنا ندافع عن الديمقراطية البرجوازية ضد الفاشية، فإن أسباب شاختمان تؤدى إلى أننا، لا يمكننا أن نرفض الثقة في الحكومة البرجوازية. عند تطبيق هذه النظرية ذاتها على الاتحاد السوفيتي، يتحول هذا إلى العكس - بما أننا لا نثق في حكومة الكرملين، فلا يمكننا إذن الدفاع عن دولة العمال. التطرف الزائف في هذه الحالة أيضاً، هو الوجه الآخر من الانتهازية.
التخلي عن المعيار الطبقي
دعونا نراجع مرة أخرى ألف باء علم الاجتماع الماركسي، القاعدة الأولى للتحليل هي التعريف الطبقي للظاهرة المعنية، على سبيل المثال، الدولة، الحزب، الاتجاه الفلسفي، المدرسة الأدبية، إلخ. في معظم الحالات، بوجه، فإن التحديد الطبقي وحده لا يكفي بصورة مجردة، لأن الطبقة تتكون من شرائح مختلفة، وتمر بمراحل تطور متنوعة، تجتازها في ظل ظروف مختلفة، وتخضع في ذلك لتأثير متفاوت الوزن من الطبقات الأخرى. من الضروري اخذ هذه العوامل في الدرجة الثانية والثالثة لاستكمال التحليل، ويتم أخذها إما جزئيًا أو كلياً، ويتوقف ذلك على الهدف المحدد. وفي كل الأحوال فانه بالنسبة لمنهج التحليل الماركسي، لا يمكن أجراء تحليل جدي لظاهرة اجتماعية أو ثقافية ما دون اخذ التحديد الطبقي كنقطة انطلاق.
ان تشريح تنظيم الهيكل العظمى والعضلات لحيوان ما لا يستنفذ أغراض التشريح، ولكن نظرية في التشريح تحاول ان تتجاهل العظام والعضلات هي تأرجح في الهواء.
الحرب ليست عضوًا في جسد ولكنها وظيفة اجتماعية، أي متعلقة بالطبقة الحاكمة. من المستحيل تحديد ودراسة وظيفة دون فهم العضو الذي ينفذها، أي الدولة؛ ومن المستحيل الوصول لفهم علمي للعضو دون فهم الهيكل العام للكائن الذي يعمل ضمنه العضو، أي المجتمع. تتكون عظام وعضلات المجتمع من القوى الإنتاجية وعلاقات (الملكية) الطبقية. من الممكن أن تدرس. شاختمان يعتقد أنه يمكن دراسة وظيفة، وهي الحرب، "بشكل ملموس" بمعزل عن العضو الذي تنتمي إليه، أي الدولة. أليس هذا عملا وحشياً؟ هذا الخطأ الأساسي يكمله خطأ جلي آخر. فبعد فصل الوظيفة عن العضو، فإن شاختمان في دراسته للوظيفة نفسها، خلافا لجميع وعوده، لا ينتقل من المجرد إلى الملموس بل على العكس يغرق الشيء الملموس في التصور المجرد. الحرب الإمبريالية هي إحدى وظائف رأس المال المالي، أي أن البرجوازية في مرحلة معينة من التطور توطن عمل الرأسمالية في إطار معين، ألا وهو رأس المال الاحتكاري. هذا التعريف ملموس بما فيه الكفاية لدعم استنتاجاتنا السياسية الأساسية. ولكن من خلال التوسع في استخدام مصطلح الحرب الإمبريالية ليشمل الدولة السوفيتية أيضاً، فإن شاختمان ينفصل عن الأرض التي يقف عليها. ومن أجل الوصول إلى مبرر سطحي لتطبيق نفس التكوين ونفس التسمية الخاصين بتوسع رأس المال المالي على توسع الدولة العمالية، يضطر شاختمان إلى تجاهل طبيعة البنية الاجتماعية في كلتا الدولتين بادعاء ان ذلك - تجريد. وهكذا، عن طريق التمويه والتلاعب بالماركسية يلصق شاختمان يافطة الملموس على المفهوم المجرد، ويعرض التجريد على انه شيء ملموس!
هذا التلاعب المقزز بالنظرية ليس من قبيل الصدفة. كل بورجوازي صغير في الولايات المتحدة بلا استثناء على استعداد لقبول كل مصادرة ل الأراضي "الإمبريالية"، وخاصة اليوم عندما لا تكون الولايات المتحدة مشغولة باحتلال الأراضي. ولكن إذا قيل للبرجوازي الصغير نفسه أن السياسة الخارجية لرأس المال المالي هي برمتها إمبريالية بغض النظر عما إذا كانت منشغلة في لحظة معينة بتنفيذ الضم أو في "الدفاع" عن فنلندا ضد الضم - عندئذ يقفز برجوازيونا الصغار إلى الوراء في غضب ورع. من الطبيعي أن يختلف قادة المعارضة بشكل كبير عن وسط البورجوازية الصغيرة في أهدافهم وفي المستوى السياسي. إلا أنهم للأسف لديهم جذور فكرية مشتركة. إن البرجوازية الصغيرة تسعى دائما إلى فصل الأحداث السياسية بعيداً عن أساسها الاجتماعي، حيث يوجد تضارب عضوي مع التفكير الطبقي في الوقائع وفي الموقف الاجتماعي ووسائل التربية لدي البرجوازية الصغيرة.


مرة أخري: حول بولندا
ملاحظتي القائلة إن الكرملين بأساليبه البيروقراطية الخاصة أعطى دفعة للثورة الاشتراكية في بولندا، شوهها شاختمان بان أقحم في وجهة نظري تأكيد أنه من الممكن، تحقيق "ثورة بيروقراطية" للبروليتاريا. هذا ليس مجرد خطأ بل تزوير سافل. كان تعبيري محدداً بشكل صارم. إنها ليست مسألة "الثورة البيروقراطية"، بل هي مجرد دفعة بيروقراطية. إهمال مصطلح الدفع impulse هو تزوير للحقيقة. وعلى أي حال، شعرت الجماهير الشعبية في غرب أوكرانيا وبييلو روسيا بهذا الدفعة، وفهمت معناها، واستخدمتها لتحقيق انقلاب جذري في علاقات الملكية. إن أي حزب ثوري يفشل في ملاحظة هذه الدفعة في الوقت المناسب ويرفض استغلالها لن يكون صالحًا لأي شيء سوي الرماد.
هذا الدفع في اتجاه الثورة الاشتراكية صار ممكناً فقط لأن بيروقراطية الاتحاد السوفييتي لا تزال قائمة، ولها جذور في اقتصاد دولة العمال. إن الاستخدام الثوري لهذه "الدفعة" من قبل أوكرانيو روسيا البيضاء كان ممكناً فقط من خلال الصراع الطبقي في الأراضي المحتلة ومن خلال قوة مثال ثورة أكتوبر. أخيراً، أصبح الخنق السريع أو شبه الخنق لهذه الحركة الجماهيرية الثورية ممكناً من خلال عزل هذه الحركة واستخدام بيروقراطية موسكو للقوة. وأيا كان من يخفق في فهم التفاعل الجدلي بين هذه العوامل الثلاثة: الدولة العمالية، والجماهير المضطهدة، والبيروقراطية البونابرتية، فإن من الأفضل له ان يمتنع عن الكلام المثالي عن الأحداث في بولندا.
في انتخابات الجمعية الوطنية في غرب أوكرانيا وغرب روسيا البيضاء، تضمن البرنامج الانتخابي، الذي يمليه الكرملين طبعاً، ثلاث نقاط بالغة الأهمية: دمج كلتا المقاطعتين في اتحاد الجمهوريات السوفييتية. مصادرة ممتلكات ملاك الأراضي لصالح الفلاحين؛ تأميم الصناعات الكبيرة والبنوك. الديمقراطيون الأوكرانيون، انطلاقاً من رؤيتهم، يعتبرون ان “الشر الأصغر” هو بقائهم في ظل حكم دولة واحدة. ومن وجهة نظر النضال المستقبلي من أجل الاستقلال، فهم على حق. أما بالنسبة للنقطتين الأخريين في البرنامج، فيمكن للمرء أن يعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك شك في وسطنا فيما يتعلق بكونهما تقدميتين. في محاولة للالتفاف على الواقع، أي أنه لا شيء سوى الأسس الاجتماعية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية هو الذي أجبر الكرملين على برنامج ثوري اجتماعي، يشير شاختمان إلى ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا حيث بقي كل شيء على حاله السابق. حجة لا تصدق! لم يقل أحد أن البيروقراطية السوفييتية دائما وفي كل مكان ترغب أو قادرة على إنجاز مصادرة البورجوازية. لقد قلنا فقط أنه لن تقوم أي حكومة أخرى بتحقيق مثل هذا الانقلاب الاجتماعي الذي حققته بيروقراطية الكرملين فرغم تحالفها مع هتلر وجدت نفسها مجبرة على فرض العقوبات في شرق بولندا. إخفاق ذلك، لأنه لم يكن بإمكانها أن تضم الإقليم إلى اتحاد الجمهوريات السوفياتية.
شاختمان يدرك أنه يناقض نفسه. لا يستطيع إنكار ذلك. غير قادر على شرح ذلك. لكنه مع ذلك يحاول حفظ ماء الوجه. فقد كتب:
"في أوكرانيا البولندية وروسيا البيضاء، حيث تم تكثيف الاستغلال الطبقي من خلال القمع الوطني ... بدأ الفلاحون في الاستيلاء على الأرض بأنفسهم، للتخلص من أصحاب الأراضي الذين كانوا بالفعل عقبة في النضال"، إلخ.
تبين أن الجيش الأحمر لا علاقة له بكل هذا. جاء إلى بولندا فقط كقوة مضادة للثورة من أجل قمع الحركة. لكن لماذا لم يقم العمال والفلاحون في غرب بولندا قبل هتلر بترتيب ثورة؟ لماذا كان معظم الثوريين، "ديمقراطيين"، واليهود الذين فروا من هناك، بينما في شرق بولندا - كان معظمهم من أصحاب الأراضي والرأسماليين الفارين؟ يفتقر شاختمان إلى الوقت الكافي للتفكير في ذلك - فهو في عجلة من أمره ليشرح لي أن مفهوم "الثورة البيروقراطية" أمر سخيف، لأن تحرير العمال لا يمكن أن يقوم به سوى العمال أنفسهم. لا اجدنى في حاجة إلى تبرير لماذا قلت من قبل أن شاختمان يشعر بوضوح أنه يقف في الحضانة.
في التجمع الباريسي للمناشفة - الذين هم، إذا كان ذلك ممكنا، أكثر "تشددا" في موقفهم تجاه السياسة الخارجية للكرملين من شاختمان – قرروا التالي "في القرى - وبأسلوب مقارب في كثير من الأحيان لأسلوب القوات السوفيتية ". (أي، حتى قبل دخولهم إلى إقليم معين – ل. ت) - ظهرت اللجان الفلاحية في كل مكان، والهيئات الأولية للحكم الذاتي الفلاحي الثوري .... "سارعت السلطات العسكرية بالطبع لإخضاع هذه اللجان للأجهزة البيروقراطية التي أنشئوها في المراكز الحضرية. ومع ذلك، اضطروا إلى الاعتماد على لجان الفلاحين لأنه بدونها كان من المستحيل القيام بالثورة الزراعية.
القائد المنشفي دان، Dan، كتب في 19 أكتوبر:
ووفقاً لشهادة جميع المراقبين بالإجماع، فإن ظهور الجيش السوفييتي والبيروقراطية السوفييتية يحفز، وليس فقط في الأراضي التي احتلوها ولكن خارج حدودها – اندلاع اضطرابات اجتماعية وحدوث تحولات اجتماعية.
هذه الدفعة التي تم ملاحظتها ليست من اختراعي، بل يشير اليها شهادة بالإجماع لكل المراقبين للأحداث ويملكون أذان وعيون. يذهب دان في قوله إلى افتراض ما هو ابعد
"إن الأمواج (السياسية والاجتماعية -م) الناتجة عن هذه الدفعة لن تهز ألمانيا بقوة في فترة زمنية قصيرة نسبياً فحسب، بل أيضاً سيمتد أثرها بدرجة أو أخري درجة أخرى إلى دول عديدة".
وذكر كاتب منشفي أخر ما يلي:
"ومع ذلك، ربما حاولوا في الكرملين تجنب أي شيء قد يحفز صفعة ثورة كبيرة، إلا ان واقع دخول القوات السوفياتية إلى أراضي بولندا الشرقية بعلاقاتها الزراعية شبه الإقطاعية التي عفا عليها الزمن، حفز فعلاً هبات زراعية عاصفة. فمع اقتراب القوات السوفياتية، بدأ الفلاحون في الاستيلاء على عقارات المالكين وتشكيل لجان فلاحية ".
يجب ان نلاحظ عبارة “مع اقتراب القوات السوفيتية"وليس على الإطلاق مع انسحابها كما يظهر من كلمات شاختمان. أستشهد بشهادة المناشفة لأنهم متابعين جيدين جداً للأحداث، ومصادر معلوماتهم هي المهاجرين البولنديين واليهود أصدقائهم الذين تجمعوا في فرنسا، وأيضاً لأنهم استسلموا للبرجوازية الفرنسية، لا يمكن أن يشك في ان هؤلاء السادة خنعوا للستالينية.
كما ان تقارير الصحافة البرجوازية تؤكد صحة شهادة المناشفة إلى حد كبير:
"الثورة الزراعية في بولندا السوفياتية اتسمت بأنها حركة تلقائية. إذ بمجرد نشر تقرير أن الجيش الأحمر قد عبر نهر Zbrucz بدأ الفلاحين بتوزيع ارض الملاك فيما بينهم بأنفسهم. وقد وزعت الأرض في البداية لأصحاب الحيازات الصغيرة، وبهذه الطريقة تمت مصادرة حوالي ثلاثين في المائة من الأراضي الزراعية ".
وتحت قناع حجة جديدة، قدم لي شاختمان كلماتي التي ذكرت فيها أن مصادرة الملكية في شرق بولندا لا يمكن أن يغير تقييمنا للسياسات العامة للكرملين. بالطبع، لا يمكن! لا أحد اقترح هذا. الواقع انه بمساعدة الكومنترن، قام الكرملين بتعكير العمال وإحباط معنوياتهم بحيث لم يسهل فقط اندلاع حرب إمبريالية جديدة، بل جعل من الصعب للغاية استخدام هذه الحرب من أجل الثورة. وبالمقارنة مع تلك الجرائم، فإن الانقلاب الاجتماعي في المقاطعتين، الذي دفعت فيه (بيروقراطية موسكو-م) الكثير من أجل استعباد بولندا، له أهمية ثانوية بالفعل ولا يغير من الطابع الرجعي العام لسياسة الكرملين. لكن بناء على مبادرة المعارضة نفسها، فإن السؤال المطروح الآن لا يتعلق بالسياسة العامة، وإنما بتناثره الملموس في اتجاهات مختلفة تحت ظروف زمانية ومكانية محددة.
ان الانقلاب الزراعي كان له أهمية قصوى بالنسبة إلى الشغيلة الزراعيين في روسيا البيضاء وغاليسيا Galicia. لم يكن بوسع الأممية الرابعة أن تقاطع هذا الانقلاب على أساس أن البيروقراطية الرجعية هي من اتخذ هذه المبادرة. كان واجبنا الصريح هو المشاركة في الانقلاب في صف العمال والفلاحين وفي هذا النطاق بجانب الجيش الأحمر. ولكن في ذات الوقت، كان لا بد من تحذير الجماهير بلا كلل من الطابع الرجعي العام لسياسة الكرملين والأخطار التي تحملها للأراضي المحتلة. لمعرفة كيفية الجمع بين هاتين المهمتين أو بشكل أكثر تحديداً الوجهان لنفس العملة ونفس المهمة - فقط هذه هي السياسة البلشفية.
مرة أخري: فنلندا
"من الواضح أن الحرب السوفيتية الفنلندية شهدت بداية تجد استكمالها في حرب أهلية يجد فيها الجيش الأحمر نفسه في مرحلة معينة يقف في نفس معسكر الفلاحين والفلاحين الفنلنديين. ... "
هذه الصيغة الحذرة للغاية لم ترق للقاضي الذي لا يدخر جهداً في محاكمتي. تقييمي للأحداث في بولندا أفقده توازنه. "أجد حتى أدني (دليل) يتعلق بك - كيف أسمى ذلك؟ - ملاحظات مدهشة عن فنلندا "، هذا ما كتب شاختمان عن الصفحة 16 من" الرسالة". أنا آسف جداً أن يختار شاختمان أن يشعر بالدهشة بدلا من التفكير في الأمور.
في دول البلطيق، حصر الكرملين مهامه في تحقيق مكاسب استراتيجية مع الحسابات التي لا جدال فيها بأن هذه القواعد العسكرية الاستراتيجية ستسمح أيضاً في المستقبل بتحويل على النمط السوفيتي في هذه الأجزاء من الإمبراطورية القيصرية السابقة. هذه النجاحات في البلطيق، التي تحققت من خلال التهديد الدبلوماسي، واجهت مقاومة من فنلندا. إن التصالح مع هذه المقاومة كان يعني أن الكرملين قد عرّض "مكانته" للخطر وبالتالي نجاحاته في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا. وهكذا، على عكس خططه الأولية، شعر الكرملين أنه مضطر للجوء إلى القوة المسلحة. وعلى ضوء ذلك الواقع طرح كل شخص يفكر على نفسه السؤال التالي: هل يرغب الكرملين فقط في تخويف البرجوازية الفنلندية وإجبارها على تقديم تنازلات أم يجب أن يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك؟ هذا السؤال بطبيعة الحال لا يمكن أن يكون له إجابة "متسرعة". كان من الضروري - في ضوء الاتجاهات العامة – أن نتحرك على ضوء الظواهر الملموسة. إلا أن قادة المعارضة غير قادرين على ذلك.
بدأت العمليات العسكرية في 30 نوفمبر. وفي اليوم نفسه، أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفنلندي بيانًا، الذي، لا شك، تمت صياغته في لينينغراد أو موسكو، تم بثه إذاعيًا وموجهاً إلى الشعب الكادح في فنلندا. أعلن هذا البيان:
"للمرة الثانية في تاريخ فنلندا، تبدأ الطبقة العاملة الفنلندية نضالاً ضد استعبادها من قبل الأثرياء المستبدين. انتهت أول تجربة ثورية للعمال والفلاحين في عام 1918 بانتصار الرأسماليين ومالكي الأراضي. لكن هذه المرة ... يجب على طبقة الكادحين الفوز! ".
يشير هذا البيان وحده بوضوح إلى أنه لم يكن هناك محاولة لإخافة الحكومة البرجوازية في فنلندا، وإنما خطة لإثارة العصيان في البلاد وتكملة غزو الجيش الأحمر بإثارة الحرب الأهلية.
وينص إعلان ما يسمى بالحكومة الشعبية الذي نُشر في 2 ديسمبر على أنه: "في أجزاء مختلفة من البلاد، انتفض الشعب وأعلنوا قيام جمهورية ديمقراطية". هذا الزعم مجرد فبركة، وإلا لكان البيان ذكر الأماكن التي حدثت فيها الانتفاضات.
على أي حال، ربما كان هناك محاولات تمهيدية معزولة، وانتهت بالفشل، ولهذا السبب بالتحديد، كان الأفضل عدم الخوض في التفاصيل.
وعلى ذلك، فإن الأخبار المتعلقة بـ "التمردات" كانت بمثابة دعوة إلى العصيان. أكثر من ذلك، ذكر الإعلان معلومات تتعلق بتشكيل "الفيلق الفنلندي الأول corps الذي سيتم توسيعه في مجرى المعارك القادمة بمتطوعين من صفوف الفلاحين والعمال الثوريين". سواء كان هناك ألف رجل في هذا "الفيلق" أو مائة فقط، فإن معنى "الفيلق" في تحديد سياسات الكرملين غير قابل للجدل. وفي الوقت نفسه، أفادت تقارير برقية بنزع ملكية كبار ملاك الأراضي في المناطق الحدودية. ليس هناك أدنى شك في أن ذلك هو فعلاً ما حدث في بداية تقدم الجيش الأحمر. ولكن حتى إن كانت هذه البرقيات ملفقة، فإنها تخدم بالكامل كتحريض. كنداء من اجل ثورة زراعية. وهكذا، كان لدي كل المبررات لأعلن أن "الحرب السوفيتية الفنلندية تمثل بداية سوف تختم بالحرب الأهلية". في بداية ديسمبر، وهذا صحيح بما فيه الكفاية، لم يكن لدي سوى جزء من هذه الوقائع. ولكن على خلفية الوضع العام، سمحت لنفسي بأن أضيف، اعتماداً على فهمي لمنطقها الداخلي، وساعدتني الأحداث المنفردة في استخلاص النتائج الضرورية فيما يتعلق باتجاه الصراع بأكمله. وبدون مثل هذه الاستنتاجات شبه الأولية، يمكن للمرء أن يكون مراقب عقلاني فحسب، لكن ليس مشاركاً نشطاً في الأحداث بأي حال من الأحوال. والسؤال هنا: لماذا أخفق نداء "حكومة الشعب" في حفز استجابة جماهيرية فورية؟ ذلك لثلاثة أسباب: أولا، في جميع انحاء فنلندا تهيمن إدارة عسكرية رجعية لا تدعمها البرجوازية فحسب، بل أيضاً أجزاء من الشرائح العليا للفلاحين والبيروقراطية العمالية. ثانياً، تسببت سياسة الكرملين في تحويل الحزب الشيوعي الفنلندي إلى حزب تافه عديم التأثير. ثالثًا، لا يستطيع نظام الاتحاد السوفيتي بأي حال من الأحوال إثارة الحماس بين الجماهير الكادحة الفنلندية. حتى في أحداث أوكرانيا من عام 1918 إلى عام 1920، استجاب الفلاحون ببطء شديد لنداءات الاستيلاء على عقارات الملاك لأن السلطة السوفييتية المحلية كانت ضعيفة وكل النجاحات التي حققها البيض ترجمت إلى حملات عقابية لا تعرف الرحمة. والسبب الأقل هنا هو المفاجأة في تأخر الفلاحين الفقراء الفنلنديين في الاستجابة للنداء من اجل ثورة زراعية. ولكي تدفع الفلاحين إلى الحركة، يجب أولا أن تتحقق نجاحات مبشرة من قوات الجيش الأحمر. ولكن خلال التقدم الأول الذي تم إعداده بشكل سيئ، عانى الجيش الأحمر من حالات فشل فحسب. في ظل هذه الظروف، لا يمكن حتى مجرد الحديث عن انتفاضة للفلاحين. كان من المستحيل توقع حرب أهلية مستقلة في فنلندا في المرحلة المعنية: تحدثت حساباتي بدقة بالغة عن تكميل العمليات العسكرية بتدابير الحرب الأهلية. أفكر في ذهني - على الأقل حتى يتم إبادة الجيش الفنلندي - فقط في المنطقة المحتلة والمناطق المجاورة. اليوم في 17 يناير وأنا أكتب هذه الخطوط أفاد المصدر الفنلندي أن إحدى المقاطعات الحدودية قد تم غزوها من فرق من المهاجرين الفنلنديين وأن الأخ يقتل أخاه حرفياً هناك. ما هذه إذا لم تكن حلقة في حرب أهلية؟ على أي حال لا يمكن أن يكون هناك شك في أن أي تقدم جديد للجيش الأحمر إلى فنلندا سيؤكد في كل خطوة تقييمنا العام للحرب. لا يمتلك شاختمان أي تحليل للأحداث ولا حتى بعض التوقع. ويخدع نفسه بمشاعر السخط النبيل ولهذا السبب في كل خطوة يخطوها يغوص في الوحل أكثر.
إن نداء "الحكومة الشعبية" يدعو إلى مراقبة العمال. ماذا يمكن أن يعني هذا! يصرخ شاختمان. لا توجد رقابة عمالية في الاتحاد السوفيتي؛ من أين تأتى في فنلندا؟ يؤسفني قول، أن شاختمان يكشف عن افتقار تام لفهم كامل الوضع. الرقابة العمالية في الاتحاد السوفيتي مرحلة انتهت منذ فترة طويلة. فهناك وبقيادة البيروقراطية للإنتاج الوطني تمكنت من إدارة العمال أنفسهم بوسائل تشبه البرجوازية. أن الرقابة العمالية مجدداً تعني الآن هناك الرقابة على البيروقراطية. ولا يمكن حدوث هذا إلا كنتيجة لانتفاضة ناجحة ضد البيروقراطية. في فنلندا، لا تزال سيطرة العمال لا تعني شيآ أكثر من مزاحمة البورجوازية المحلية، التي تقترح البيروقراطية أن تزاحمها. علاوة على ذلك، لا ينبغي لأحد أن يفكر في أن الكرملين غبي جداً لدرجة أنه يحاول الحكم في بولندا الشرقية أو فنلندا عن طريق المفوضين المستوردين. من أهم الأمور الملحة للكرملين هو استخراج جهاز إداري جديد من بين السكان الكادحين في المناطق المحتلة. هذه المهمة لا يمكن حلها إلا على عدة مراحل. المرحلة الأولى هي لجان الفلاحين ولجان الرقابة العمالية.
يتمسك شاختمان بلهفة بحقيقة أن برنامج كوسينين Kuusinen "هو، رسمياً، برنامج الديمقراطية البرجوازية". هل يقصد بذلك القول إن الكرملين يرغب بتأسيس ديمقراطية برجوازية في فنلندا أكثر من رغبته في جر فنلندا إلى إطار الاتحاد السوفييتي؟ شاختمان نفسه لا يعرف ماذا يريد أن يقول. في إسبانيا، التي لم تفكر موسكو في ضمها إلى الاتحاد السوفييتي، كانت القضية في الواقع هي إثبات قدرة الكرملين على حماية الديمقراطية البرجوازية ضد الثورة البروليتارية. هذه المهمة نتجت وقتذاك من مصالح بيروقراطية الكرملين في ظرف دولي خاص. الوضع اليوم مختلف. لا يستعد الكرملين لإثبات فائدته لفرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة. وكما أثبتت أفعاله، فقد قرر بحزم إضفاء الطابع السوفييتي على فنلندا - في وقت واحد أو على مرحلتين. إن برنامج حكومة Kuusinen، حتى لو تم الاقتراب منه من وجهة نظر "رسمية" لا يختلف عن برنامج البلاشفة في نوفمبر 1917. انه أمر صحيح بما فيه الكفاية، حيث يمسك شاختمان بجزء كبير من الحقيقة في أنني أضع أهمية بشكل عام على بيان "الغبي" كونسينين. ومع ذلك، سأعطى لنفسي حرية اعتبار أن "الأبله" Kuusinen الذي يتصرف بناء على أوامر من الكرملين وبدعم من الجيش الأحمر يمثل عامل سياسي أكثر أهمية بكثير من عشرات الفدادين من الحكمة السطحية التي ترفض التفكير من خلال المنطق الداخلي (الديالكتيكي) للأحداث.
وكمحصلة لتحليله العبقري، يقترح شاختمان هذه المرة سياسة انهزامية صراحة فيما يتعلق بالاتحاد السوفيتي، مضيفًا (للاستخدام في حالات الطوارئ) أنه لا يتوقف على الإطلاق عن كونه "وطني طبقته". نحن سعداء للحصول على تعليمات. لكن المشكلة هي أن دان، زعيم المناشفة، كما لو كان قد عاد إلى 12 نوفمبر، كتب أنه في حالة قيام الاتحاد السوفييتي بغزو فنلندا فعلى البروليتاريا العالمية " أن تتخذ موقفاً دفاعياً واضحاً ضد هذا الغزو" يجب ان أضيف أنه في جميع أنحاء نظام كيرينسكي، كان دان دفاعياً مسعوراً؛ فشل في أن يكون انهزامياً.
حتى تحت حكم القيصر. وفقط بسبب غزو الجيش الأحمر لفنلندا تحول دان إلى انهزامي. بطبيعة الحال، لا تتوقف الكذبة بخصوص كونه "وطني طبقته". أي طبقة؟ هذا السؤال ليس عديم الأهمية. بقدر ما يتعلق الأمر بتحليل الأحداث، فإن شاختمان لا يتفق مع دان الأقرب إلى مسرح الأحداث ولا يمكنه أن يستبدل الحقائق بالخيال. وعن طريق التعويض والإحلال، وحين يتعلق الأمر ب "الاستنتاجات السياسية الملموسة"، يتحول شاختمان إلى "وطني" في نفس التوقيت الذي كان فيه دان. "وطني طبقته". هذه الطبقة في علم الاجتماع الماركسي، إذا سمحت لي المعارضة، يطلق على هذه الطبقة اسم البرجوازية الصغيرة.
نظرية التكتلات
وفي سعيه لتبرير تكتله مع بورنهام وأبرن - ضد الجناح البروليتاري في الحزب، ضد برنامج الأممية الرابعة، وضد المنهج الماركسي في التحليل - لم يحتفظ شاختمان بتاريخ الحركة الثورية التي - حسب كلماته الخاصة - درست بشكل خاص من أجل نقل التقاليد العظيمة إلى جيل الشباب. الهدف نفسه بالطبع ممتاز. لكنه يتطلب طريقة علمية في النظر. في هذا الأثناء، بدأ شاختمان بالتضحية بالطريقة العلمية من أجل التكتل. إن الشواهد اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ التي يلجأ اليها تعسفية.
ليس كل عمل مشترك هو كتلة بالمعنى الصحيح للمصطلح. هذا لا يعني أن الاتفاقات العرضية لا تتحول على الإطلاق ولا تنشد ان تتحول إلى تكتل مستمر. من ناحية أخرى، يصعب أن تسمى (علاقات -م) العضوية في حزب واحد وفي نفس الحزب كتلة. لقد انتمينا أنا والرفيق بورنهام (وآمل أن يستمر في الانتماء حتى النهاية) إلى حزب واحد ونفس الحزب الأممي. وهذا لا يعتبر كتلة. يمكن لحزبين أن يقيما تكتلاً طويل المدى فيما بينهما ضد عدو مشترك: كما كانت سياسة "جبهة الشعب". ولكن في داخل الحزب الواحد ونفس الحزب، يمكن للاتجاهات المتقاربة ولكن غير متطابقة أن تنشئ تكتلاً ضد طرف ثالث.
بالنسبة لتقييم الكتل الداخلية، هناك سؤالان لهما أهمية حاسمة: (1) أولا وقبل كل شيء ضد من أو ضد ماذا تتشكل الكتلة؟ (2) ما هي علاقات القوى داخل الكتلة؟ فمثلا، من أجل النضال ضد الشوفينية داخل حزب واحد، فإن بناء كتلة بين الأمميين والوسطيين جائز كلياً. وتعتمد نتيجة الكتلة في هذه الحالة على وضوح برنامج الأمميين، على تماسكهم وانضباطهم، لأن هذه السمات أكثر أهمية في تحديد علاقة القوى من النسب العددية.
شاختمان كما قلنا قبل الاحتكام إلى كتلة لينين / بوجدانوف. ذكرت بالفعل أن لينين لم يقدم أدنى تنازل نظري لبوغدانوف. الآن سوف ندرس الجانب السياسي من "الكتلة". من الضروري أولاً الإشارة إلى أنه ما هو موضع المسائلة بالفعل لم يكن الكتل بل العمل المشترك في منظمة واحدة. قاد الفصيل البلشفي وجود مستقل. لم يقم لينين بتشكيل "كتلة" مع بوجدانوف ضد اتجاهات أخرى داخل منظمته. على العكس من ذلك، شكل كتلة حتى مع التوفقيين البلاشفة (دوبروفينسكي وريكوف وآخرين) ضد الهرطقات النظرية لبوغدانوف.، السؤال الذي كان يساور لينين حتى ذلك الوقت هو، من حيث الجوهر، ما إذا كان من الممكن البقاء مع بوجدانوف في منظمة واحدة ونفس المنظمة التي يطلق عليها "فصيل" وتحمل كل مفاهيم نفس الحزب. إذا لم يكن شاختمان ينظر إلى المعارضة كمنظمة مستقلة، فإن استدعاءه لمثال كتلة "لينين بوغداًنوف" يتحطم قطعاً.
لكن الخطأ في القياس لا يقتصر على هذا. كان الفريق الحزبي البلشفي يخوض صراعاً ضد المناشفة الذين كانوا قد تبين في ذلك الوقت بوضوح تام كونهم وكلاء برجوازيين صغار عن البرجوازية الليبرالية داخل الحزب. هذا الأمر مثل خطورة أكثر بما لا يقاس من الاتهام المسمى بـ "البيروقراطية المحافظة"، وهي الجذور الطبقية التي لا يحاول شاختمان حتى تحديدها. كان تعاون لينين مع بوجدانوف هو التعاون بين النزعة البروليتارية واتجاه الوسط العصبوي ضد الانتهازية البورجوازية الصغيرة. خطوط الفصل واضحة. كان "التكتل" وقتذاك (إذا كان أحد يستخدم هذا المصطلح في حالة معينة) مبرراً.
ولا يخلو تاريخ هذه "الكتلة" فيما بعد من الأهمية. في رسالته إلى جوركي التي أشار اليها شاختمان، أعرب لينين عن أمله في إمكانية فصل المسائل السياسية عن القضايا الفلسفية المحضة. وينسى شاختمان أن يضيف أن أمل لينين لم يتحقق على الإطلاق. إذ تطورت الخلافات من قمة الفلسفة إلى أدني كل القضايا الأخرى، بما في ذلك أحدثها. إذا لم تكن "الكتلة" تشوه سمعة البلشفية، فذلك لأن لينين كان يمتلك برنامجاً متبلوراً، وهو الأسلوب الصحيح، وكان فريقه مترابطاً بصرامة لا تمثل فيه مجموعة بوجدانوف سوى أقلية صغيرة غير ثابتة.
استخلص شاختمان فكرة الكتلة من تعاونه مع بورنهام وأبيرن ضد الجناح البروليتاري في حزبه. من المستحيل تفادى ذلك. أن علاقات القوى داخل التكتل تقف ضد شاختمان تماماً. أبيرن لديه عصبته الخاصة. ويمكن لبرنهام بمساعدة شاختمان أن يخلق شكلاً للتيار الذي يمثل المثقفين الذين خاب أملهم في البلشفية. ليس لدى شاختمان برنامج مستقل، ولا طريقة مستقلة، ولا فريق مستقل. ويتم تحديد الطابع الانتقائي لبرنامج "المعارضة" من قبل الاتجاهات المتناقضة داخل الكتلة. في حالة انهيار الكتلة – وهو انهيار لا مفر منه - سيخرج شاختمان من النضال بدون أي شيء سوى خسارة الحزب وخسارة نفسه.
ويلجأ شاختمان أيضاً إلى واقع ان لينين وتروتسكي توحدوا في1917 بعد صراعات مريرة بينهما ومن ثم فمن الخطأ ان نذكرهم بخلافاتهم السابقة. مشكلة هذا القياس ان شاختمان استنفذه سابقاً في شرح تكتله مع كانون ضد أبيرن –
ولكن بغض النظر عن هذه الظروف السيئة، هذا القياس التاريخي هنا خاطئ في جوهره.، أن تروتسكى، عند انضمامه إلى الحزب البلشفي، كان قد فهم تماماً وبعمق صحة الطرق اللينينية لبناء الحزب. في نفس الوقت، كان التوجه الطبقي الصارم للبلاشفة قد صحح تشخيصًا سابق خاطئًا. لذا لم أقم مرة أخرى بإثارة قضية "الثورة الدائمة" في عام 1917، وذلك لأنه كان قد تم بالفعل تبنيها من قبل الطرفين من خلال مجرى الأحداث. إن أساس العمل المشترك لم يتكون من خلال مجموعات ذاتية أو عرضية بل من خلال الثورة البروليتارية. هذا أساس متين. علاوة على ذلك، لم تكن المسألة هنا تكوين "كتلة" بل توحيدًا في حزب واحد - ضد البورجوازية وعملائها البرجوازيين الصغار. داخل الحزب تم توجيه تكتل أكتوبر من لينين وتروتسكي ضد تأرجح البرجوازية الصغيرة تجاه مسألة التمرد الثوري.
وبنفس السطحية يشير شاختمان إلى كتلة تروتسكى - زينوفييف عام 1926. لم يكن النضال في ذلك الوقت موجهاً ضد "الميل البيروقراطي المحافظ" كسمة نفسية لبعض الأفراد غير المتعاطفين، ولكن ضد البيروقراطية الأكثر قوة في العالم، امتيازاتها، حكمها الاستبدادي وسياستها الرجعية. إن طبيعة الخصم هي التي يجب ان يتحدد على ضوئها حدود الاختلاف المقبول داخل كتلة معينة.
العلاقة بين الأطراف داخل تلك الكتلة كانت مختلفة بالمثل. بالنظر إلى معارضة عام 1923 فقد كان لديها برنامجها الخاص وكوادرها الخاصة التي لم تتكون على الإطلاق من المثقفين كما يؤكد شاختمان، مرددًا رجع صدى الستالينيين، لكنهم في المقام الأول من العمال. اقرت معارضة زينوفييف كامينيف بمطالبنا في وثيقة خاصة قالت فيها أن معارضة عام 1923 كانت صحيحة في جميع المسائل الأساسية. ومع ذلك، وبما أن لدينا تقاليد مختلفة وبما أننا لم نكن نتفق حول كل القضايا، فإن الاندماج لم يحدث قط. كلا المجموعتين ظلتا فصائل مستقلة. صحيح عمليا في بعض القضايا الهامة، أن معارضة عام 1923 قدمت تنازلات مبدئية للمعارضة عام 1926 - ضد تصويتي - تنازلات اعتبرتها وما زلت اعتبرها غير مقبولة. الظرف الذي اضطرني ان لا أحتج علناً ضد هذه التنازلات كان فادحاً. لكن لم يكن هناك مجال كبير للاحتجاجات العلنية - كنا نعمل بشكل غير قانوني. على أي حال، كان الجانبان على دراية جيدة بآرائي بشأن القضايا الخلافية. وضمن معارضة عام 1923، كان تسعمائة وتسعة وتسعون من أصل ألف، إن لم يكن أكثر، مع وجهة نظري وليس وجهة نظر زينوفييف أو راديك. في مثل هذه العلاقة بين المجموعتين في الكتلة قد يكون هناك هذه الأخطاء أو غيرها من الأخطاء الجزئية، ولكن لم يكن هناك أي قدر من مظاهر المغامرة.
القضية بخصوص شاختمان مختلفة تماماً. من كان على حق في الماضي ومتى وأين؟ لماذا كان شاختمان يقف أولاً مع أبيرن، ثم مع كانون ثم العودة الآن مع أبيرن؟ إن تفسير شاختمان نفسه فيما يتعلق بالصراعات العنيفة بين الفصائل الماضية لا يتطلب لطرحه شخصية سياسية مسؤولة، ولكن خادمة تقوم بدور ممرضة: كان جوني خاطئاً قليلاً، ماكس قليلاً، كلهم كانوا مخطئين قليلاً، والآن نحن جميعاً على حق قليلاً. من كان مخطأً وفيما، وليس هناك كلمة من ذلك. لا يوجد تقاليد. تم حذف أمس من الحسابات - وما هو سبب كل هذا؟ لأنه في تكوين جسد الحزب، كان الرفيق شاختمان يقوم بدور الكلية العائمة.
خلال بحثه عن أمثلة تاريخية، يتجنب شاختمان الاقتراب من أحد الأمثلة التي تشبه بالفعل كتلته الحالية. إنني أفكر فيما أطلق عليه كتلة أغسطس 1912. لقد شاركت بنشاط في هذه الكتلة. وبمعنى ما صنعتها. اختلفت من الناحية السياسية مع المناشفة حول جميع القضايا الأساسية. كما اختلفت مع البلاشفة اليساريين المتطرفين الصحفيين "Vperyodists” (المتلفين حول جريدة إلى الأمام – المترجم). ووقفت، في التوجه السياسي العام، إلى حد كبير، بجانب البلاشفة. لكنني كنت ضد "النظام" اللينيني لأنني لم أتعلم بعد أن أفهم أنه من أجل تحقيق الهدف الثوري، لا يمكن الاستغناء عن حزب مركزي متمحور بحزم. وهكذا، قمت بتشكيل هذه الكتلة العرضية المكونة من عناصر غير متجانسة كانت موجهة ضد الجناح البروليتاري للحزب.
في كتلة أغسطس كان لدى التصفويين liquidators جناحاً خاصاً بهم، وكان لدى الأمامين Vperyodists أيضاً شيئًا يشبه الجناح. وأنا وقفت معزولا بينهما، بعد أن شاركت في التفكير ولكن لا فريق لدي. معظم الوثائق التي كتبت يعود نسبة عشرة من مئة منها فقط لمساهمتي، كان هدفهم، من خلال تجنب الخلافات المبدئية، هو خلق مظهر الاتفاق على "قضايا سياسية ملموسة". لا كلمة عن الماضي! لقد وجه لينين لكتلة أغسطس انتقادات عنيفة، ووقعت أقسى الضربات على كتفي. أثبت لينين أنه بما أنني لم أتفق سياسياً مع المناشفة أو الأمامين فإن سياستي كانت مغامرة. كان هذا قاسياً ولكنه كان صحيحًا.
ثمة "ظروف مخففة" يجب وضعها في الاعتبار، وهو أنى وقتذاك حددت هدفي في عدم دعم الاتجاهات اليمينية أو اليسارية المتطرفة ضد الاتجاه البلشفي، وكان محركي هو الرغبة في توحيد الحزب ككل. كان البلاشفة أيضاً مدعون إلى مؤتمر أغسطس. لكن بما أن لينين كان يرفض بشكل قاطع الاتحاد مع المناشفة (التي كان على صواب تام فيها)، فقد وجدت نفسي في كتلة غير متجانسة مع المناشفة والأماميين. الظرف المخفف الثاني هو، أن ظاهرة البلشفية نفسها كحزب ثوري حقيقي لم تكن معروفة وكانت تتطور للمرة الأولى – ولم يكن هناك ظواهر مماثلة في تجربة الأممية الثانية. لكنني لا أسعى بذلك على الأقل إلى إعفاء نفسي من الشعور بالذنب. على الرغم من مفهوم الثورة الدائمة الذي دون شك قارب وجهة النظر الصحيحة، لم أكن قد تخلصت بعد في تلك الفترة خاصة في المجال التنظيمي من سمات البرجوازي الصغير الثوري. كنت مريضاً بمرض إحداث توفيق مع المناشفة وفي موقف لا يثق بعد بالمركزية اللينينية. بعد مؤتمر أغسطس مباشرة، بدأ التكتل يتفكك إلى الأجزاء المكونة له. وفي غضون بضعة أشهر كنت، وليس من حيث المبدأ فقط، لكن من الناحية التنظيمية أيضاً خارج هذه الكتلة.
أخاطب شاختمان اليوم بنفس التوبيخ الذي وجهه لي لينين قبل 27 سنة: "إن كتلتك غير مجردة". إن سياستك هي المغامرة ". ومن صميم قلبي، أعرب عن الأمل في أن يستخلص شاختمان من هذه الاتهامات نفس الاستنتاجات التي استخلصتها ذات مرة.
الصراع بين الفصائل
يظهر شاختمان دهشته لأن تروتسكى "زعيم معارضة عام 1923" يقوم بدعم فصيل كانون البيروقراطي. وفي هذا الأمر، كما هو الحال في مسألة الرقابة العمالية، يكشف شاختمان مرة أخرى عن افتقاره للحس التاريخي. صحيح أن البيروقراطية السوفييتية استغلت، في تبرير ديكتاتوريها، مبادئ المركزية البلشفية، ولكنها في نفس الوقت حولتها إلى عكسها تماماً. لكن هذا لا يشكك بأي درجة في صحة الأساليب البلشفية. على مدى سنوات عديدة، ربى لينين الحزب بروح الانضباط البروليتاري والمركزية الصلبة. لقد عانى في ذلك عشرات المرات من هجوم العصب والكتل البرجوازية الصغيرة. كانت المركزية البلشفية عاملاً تقدمياً بشكل عميق، وفي النهاية، ضمنت انتصار الثورة. ليس من الصعب إذاً أن نفهم أن معركة المعارضة الحالية في حزب العمال الاشتراكي ليس لها أي شيء مشترك أو وجه شبه مع كفاح المعارضة الروسية عام 1923 ضد الشريحة البيروقراطية الحاكمة وامتيازاتها، لكن معركة المعارضة هذه تماثل إلى حد كبير معركة المناشفة ضد المركزية البلشفية.
ترى المعارضة أن كانون وأنصاره هم "تعبيراً عن نمط من السياسة أفضل وصف له هو النزعة البيروقراطية المحافظة". ما معني هذا؟ إن هيمنة بيروقراطية عمالية محافظة، حملة أسهم في أرباح البورجوازية الوطنية، لن يكون من الممكن التفكير فيها دون دعم مباشر أو غير مباشر من الدولة الرأسمالية. لا يمكن تصور استمرار حكم البيروقراطية الستالينية بدون أجهزة الأمن السرية GPU والجيش والمحاكم، إلخ. والبيروقراطية السوفييتية تدعم ستالين على وجه التحديد لأنه هو البيروقراطي الذي يدافع عن مصالحهم بشكل أفضل من أي شخص آخر. وتدعم البيروقراطية النقابية جرين ولويس تحديداً لأن حقارتهم كبيروقراطيين قادرين وأذكياء، قادرة على حماية المصالح المادية للأرستقراطية العمالية. ولكن على أي أساس تستمر "البيروقراطية المحافظة" في حزب العمال الاشتراكي SWP؟ من الواضح أنه ليس للمصالح المادية ولكن لأنها مجموعة من الأنواع البيروقراطية التي هي على نقيض من المعسكر الأخر، إذ أنها تجمع المبتكرين والمبادرين والأرواح الديناميكية معاً. أن المعارضة لا تستند إلى أي موضوعية في فهمها للأساس الاجتماعي لـ "البيروقراطية المحافظة". فعندهم يتم اختزال كل الأمور إلى التحليل النفسي المحض. في ظل ظروف كهذه، كل عامل قادر على التفكير سيقول: من الممكن أن يكون الرفيق كانون في الواقع على خطأ في تبني بعض الاتجاهات البيروقراطية - يصعب عليّ الحكم من بعيد - ولكن إذا كانت غالبية اللجنة الوطنية والحزب بأكمله الذين لا يهتمون على الإطلاق "بالامتيازات" البيروقراطية، يؤيدون كانون فإنهم لا يفعلون ذلك بسبب ميوله البيروقراطية، ولكن على الرغم من وجودها. هذا يعني أن لديه بعض الفضائل الأخرى التي تفوق بكثير جوانب قصوره الشخصي. هذا ما سيقوله أي عضو جاد في الحزب. وفي رأيي، سيكون صحيحًا.
يطرح قادة المعارضة، لإثبات شكاواهم واتهاماتهم، أحداث وقصص مفككة يمكن عدها بالمئات والألاف في أي حزب، علاوة على انه من المستحيل التحقق بشكل موضوعي من صحتها في معظم الحالات. أخر ما أفكر فيه هو الانغماس في نقد الجزء الخاص بالقصص والروايات في وثائق المعارضة. ولكن هناك رواية واحدة أود أن أعبر عن رؤيتي بخصوصها كمشارك وكشاهد.
الأمر مرتبط بكيف ان قادة المعارضة بمنتهى الغطرسة، وبسهولة، وتقريبا دون إعمال أي نقد أو ترو، يدينون كانون وأنصاره لأنهم وافقوا على برنامج المطالب الانتقالية. إليكم ما كتبت في 15 أبريل 1938 إلى الرفيق كانون بخصوص صياغة هذا البرنامج:
" أرسلنا لك مشروع البرنامج الانتقالي وبيان قصير حول حزب العمال. بدون زيارتك إلى المكسيك، لم يكن بوسعي أبدًا كتابة مسودة البرنامج لأنني تعلمت خلال المناقشات العديد من الأشياء المهمة التي سمحت لي بأن أكون أكثر وضوحًا وتحديداً ... "
شاختمان ملم بشكل دقيق بهذه الظروف لأنه كان أحد أولئك الذين شاركوا في المناقشة.
لا يمكن للشائعات والتكهنات الشخصية والثرثارات السطحية أن تساعد في شيء سوى أن يكون لك مكانة مهمة في الدوائر البرجوازية الصغيرة، حيث يكون الناس مرتبطين ليس عبر روابط حزبية بل بعلاقات شخصية، وحيث لم يكتسبوا عادة المقاربة الطبقية للأحداث. فهي تمر من أذن إلى أخرى وقد وصلت إلى مسامعي حين زارني تحديدا ممثلي الأغلبية وأنني هكذا لم أعد أعرف أين الحقيقة. أيها الرفاق الأعزاء، لا تصدقوا هذا الهراء! أنا أجمع المعلومات السياسية من خلال نفس الأساليب التي استخدمها في عملي بشكل عام. إن الموقف النقدي تجاه المعلومات هو جزء عضوي من ملامح السياسة بالنسبة لكل سياسي. إذا كنت لا أستطيع تمييز التعبيرات الزائفة عن الحقيقية خلال التواصل، فما هي قيمة الأحكام التي يمكن أن أصدرها بشكل عام؟
أنا شخصياً اعرف ما لا يقل عن عشرين عضواً من أنصار أبرن. بالنسبة للعديد منهم، أكون ملزماً بمساعدتهم بود في عملي، وأعتبرهم جميعاً، أو جميعهم تقريباً، أعضاء مهمين في الحزب. ولكن في الوقت نفسه، يجب أن أقول إن ما يميز كل منهما بدرجة أو أخرى هو نفسية الوسط البورجوازي الصغير، ونقص الخبرة في الصراع الطبقي، وإلى حد ما عدم وجود صلة ضرورية مع الحركة البروليتارية. سماتهم الإيجابية تربطهم بالأممية الرابعة. وسماتهم السلبية تربطهم بأكثر الفصائل محافظةً.
"إن موقف" المناهضين للثقافة "والمثقفين “يقرع طبوله في عقول أعضاء الحزب،" تشكو الوثيقة من "المحافظة البيروقراطية" . يتم سحب هذه الحجة في الشعر. ليس هؤلاء المثقفين الذين ذهبوا إلى جانب البروليتاريا هم موضع المسائلة، ولكن تلك العناصر التي تسعى لدفع حزبنا إلى تبني موقف البرجوازية الصغيرة الانتقائي. تنص الوثيقة ذاتها على ما يلي: "انتشار دعاية مناهضة لنيويورك، وهي في حدها الأدنى تغذي التحيزات والأحكام المسبقة التي لا تكون صحية دائماً" . ما هي الأحكام المسبقة المشار إليها هنا؟ على ما يبدو، معاداة السامية. إذا كانت هناك تحيزات عرقية أو سامية أخرى في حزبنا، فمن الضروري شن صراع لا يرحم ضدهم من خلال الضربات النقدية العلنية وليس من خلال التلميحات المبهمة. لكن مسألة المثقفين اليهود وشبه المثقفين في نيويورك مسألة اجتماعية وليست وطنية. يوجد في نيويورك عدد كبير من البروليتاريين اليهود، لكن فصيل أبرن لم يبني علاقات معهم. أثبتت العناصر البرجوازية الصغيرة في هذا الفصيل أنها لا تضع على جدول أعمالها إيجاد طريق إلى العمال اليهود. أنهم منسجمون هكذا في نطاق وسطهم الخاص.
هناك أكثر من مثال في التاريخ – بدقة أكبر انه لا يحدث هكذا في التاريخ – حيث في حالة انتقال الحزب من مرحلة محددة إلى مرحلة تالية نجد ان العناصر التي لعبت دورا تقدمياً في الماضي ولكن ثبت أنها غير قادرة على التكيف مع التطور التاريخي الذي يفرض مهام جديدة فانهم مواجهون بخطورة أن يقدموا خصائصهم السلبية فقط بدلا من ظهور خصائصهم الإيجابية.
هذا هو بالضبط الدور الذي يلعبه فصيل أبيرن اليوم والذي يلعب فيه شاختمان دور الصحفي وبورنهام دور العقل النظري الموثوق.
"كانون يعرف" يواصل شاختمان "كم هو مفتعل ان تقحم في النقاش الجاري "موضوع أبيرن" أنه يعرف ما يعرفه كل قائد حزبي مطلع، وكثير من العناصر يعرفون، انه منذ بضعة سنوات قليلة مضت لم يكن هناك شيء يدعي "جماعة أبيرن".
دعوني أتحدث بحرية. لقد لاحظت أنه إن كان أي شخص هنا يشوه الواقع فليس سوى شاختمان نفسه. لقد تابعت العلاقات الداخلية في الفرع الأمريكي قرابة عشر سنوات.
ان التكوين والدور الخاص الذي لعبته منظمة نيورك هو على درجة من الوضوح بالنسبة لي أكثر من أي شيء أخر. ربما يدعى شاختمان انى كنت المقترح الرئيسي لفكرة توجيه النصح إلى اللجنة الوطنية أن تترك نيويورك ومناخها المليء بمشاحنات برجوازية صغيرة لبعض الوقت وتنتقل إلى مركز صناعي ما في المقاطعات. عند وصولي إلى المكسيك، أتيحت لي فرصة التعرف بشكل أفضل على اللغة الإنجليزية وشكرًا للزيارات الكثيرة من أصدقائي الشماليين، وللوصول إلى صورة أكثر وضوحًا للتكوين الاجتماعي والسيكولوجيا السياسية للمجموعات المختلفة. وأؤكد على أساس ملاحظاتي الشخصية المباشرة خلال السنوات الثلاث الماضية، أن فصيل أبيرن كان موجوداً بلا انقطاع في صورة ثابتة إن لم تكن "فعالة".
يمكن التعرف بسهولة على أعضاء فصيل أبيرن، الذين يتمتعون بقدر بسيط من الخبرة السياسية، ليس فقط من خلال سماتهم الاجتماعية ولكن من خلال نهجهم في جميع القضايا. وقد نفى هؤلاء الرفاق على الدوام وجود فصيلهم. كانت هناك فترة عندما حاول بعضهم صهر أنفسهم فعليًا في الحزب. لكنهم حاولوا ذلك عن طريق العنف ضد أنفسهم، وحول جميع القضايا الحرجة الخاصة تعاملوا مع الحزب كمجموعة. كانوا أقل اهتماماً بكثير بالقضايا الأساسية، ولا سيما مسألة تغير التركيبة الاجتماعية للحزب، ويميلون أكثر إلى الأهتمام بتشكيلة القيادة والصراعات الشخصية وبوجه عام ما يحدث في "الهيئة العامة" هذه هي مدرسة أبيرن. لقد حذرت باستمرار الكثير من هؤلاء الرفاق الذين ينغمسون في هذا الكيان المصطنع أنه سوف يدفع بهم عاجلاً أو آجلاً إلى انفجار انشقاقي جديد.
يتحدث قادة المعارضة بسخرية واستخفاف عن التكوين البروليتاري لفصيل كانون. ومن منظورهم هذه "التفاصيل" العرضية ليست لها أهمية. ما هذا إن لم يكن احتقار برجوازي متضافر مع حالة عمى؟ في المؤتمر الثاني للاشتراكيين الديمقراطيين الروس عام 1903، حيث حدث الانقسام بين البلاشفة والمناشفة، لم يكن هناك سوى ثلاثة عمال من بين عشرات من المندوبين. الثلاثة جميعهم وقفوا مع الأغلبية. تهكم المناشفة على لينين لاستخدامه هذه الواقعة مع إعطاء أهمية كبيرة للمظاهر العرضية. فسر المناشفة الموقف الذي اتخذه العمال الثلاثة بافتقارهم إلى "النضج". ولكن كما هو معروف، كان لينين هو من قدم برهان صحيح.
إذا كان القسم البروليتاري في حزبنا الأمريكي "متخلفًا سياسياً"، فإن المهمة الأولى لأولئك "المتقدمون" يجب أن تكون رفع وعي هؤلاء العمال إلى مستوى أعلى. لكن لماذا فشلت المعارضة الحالية في إيجاد طريقها لهؤلاء العمال؟ لماذا تركوا هذا العمل لـ"عصبة كانون"؟ من متورط هنا؟ أليس العمال جيدون بما فيه الكفاية للمعارضة؟ أم أن المعارضة غير ملائمة للعمال؟
سيكون من البله ان نتصور ان القسم العمالي في الحزب رائع جداً.
إن العمال يتوصلون بالتدريج إلى بلورة وعي طبقي. والنقابات العمالية تعمل دائمًا على خلق بيئة ثقافية تغذي الانحرافات الانتهازية. لا مناص من مواجهة ذلك والوقوف ضده، انه أحد قضايا المراحل القادمة. سيتعين على الحزب، أكثر من مرة، أن يذكر أعضاءه النقابيين بأن التكيف التربوي مع الشرائح البروليتارية الأكثر تخلفا يجب ألا يتحول إلى تكيف سياسي مع البيروقراطية المحافظة لنقابات العمال. كل مرحلة جديدة من التطور، وكل ارتفاع في مستوي الحرفة وفي تعقد أساليب عملها يضعنا أمام ليس فقط إمكانيات جديدة ولكن أيضاً مخاطر جديدة. غالباً ما يظهر العمال في النقابات العمالية، حتى أولئك الذين تربوا في أكثر المدارس ثورية، ميلا لتحرير أنفسهم من سيطرة الحزب. لكن في الوقت الحالي، هذا ليس محل شك على الإطلاق. في الوقت الحالي تحاول المعارضة غير البروليتارية، التي تجر وراءها أغلبية الشباب غير البروليتاري، أن تعدل في نظريتنا وبرنامجنا وتقاليدنا – وهي تفعل كل هذا بضيق أفق، في التمرير، من أجل إتاحة فرص أسهل في الصراع ضد "عصبة كانون ". في الوقت الحالي، لا يأتي عدم احترام الحزب حاليا من جانب النقابيين، ولكن من جانب المعارضين البرجوازيين الصغار. ومن أجل تفادى قيام النقابيين بإدارة ظهورهم للحزب في المستقبل، من الضروري أن يتم التصدي لهذه المعارضة البرجوازية الصغيرة بشكل صارم.
علاوة على ذلك، يجب أن لا ننسى أن الأخطاء الفعلية، أو المحتملة، لهؤلاء الرفاق الذين يعملون في النقابات العمالية إنما تعكس ضغط البروليتاريا الأمريكية بالوضع الذي هي عليه الأن. تلك هي طبقتنا. ولكن نحن لا نجهز أنفسنا للاستسلام لضغوطها. غير ان هذا الضغط في نفس الوقت يوضح لنا طريقنا التاريخي الرئيسي. من جهة أخرى تعكس أخطاء المعارضة ضغط طبقة أخرى غريبة. إن القطع الأيديولوجي مع تلك الطبقة هو الشرط الأساسي لنجاحاتنا المستقبلية.
إن براهين المعارضة بخصوص الشباب مزيفة إلى أقصى حد. لا يمكن للحزب الثوري أن يتطور بدون كسب الشباب البروليتاري. لكن المشكلة هي أن لدينا غالباً شباب برجوازيين صغار حصراً، مع درجة ملحوظة من الميل الاشتراكي الديمقراطي. على سبيل المثال، تأثير الماضي الانتهازي. يتمتع القادة من بين هؤلاء الشباب بمزايا وقدرات لا يمكن الاستغناء عنها، لكن، للأسف، تم تثقيفهم بروح التكوينات البورجوازية الصغيرة، وإذا لم يتم إخراجهم من محيطهم المعتاد، إذا لم يتم إرسالهم بدون عناوين صارخة إلى مناطق الطبقة العاملة ليمارسوا حتى الأعمال الدنيا يوميا بين البروليتاريا، يمكن ان تنهار إلى الأبد علاقتهم بالحركة الثورية.
أخذ شاختمان للأسف، فيما يتعلق بالشباب مثلما في جميع القضايا الأخرى، موقفاً خاطئاً في جوهره.
هذا وقت الإيقاف!
حيث ان شاختمان انطلق بداية من وجهة نظر خاطئة ومن ثم أنتهي لرؤية عديمة القيمة، ويمكن التعرف عليها في واقع أنه يصور موقفي وكأنه مجرد دفاع عن "عصبة كانون"، كما أنه عزف عدة مرات على قصة أني في فرنسا أيدت بشكل خاطئ "عصبة مولنير - Molinier ". اختزل شاختمان كل شيء لمجرد الحديث عن دعمي لأفراد أو مجموعات على حدة وبمعزل تام عن برامجهم. مثال مولينير وحده يكثف الضباب حول جوهر الصراع، وسوف أحاول تبديد هذا الضباب. ان مولنير لم يتهم بالتراجع عن برنامجنا ولكن لأنه كان غير منضبط ويسعي بواسطة السلوك الاعتباطي، وبالمجازفة باللجوء إلى كل أنواع المغامرات المالية لدعم الحزب وفصائله. وبما أن مولينير رجل نشيط للغاية ولديه قدرات عملية لا جدال فيها، فقد وجدت أنه من الضروري - ليس فقط لمصلحة مولينير ولكن قبل كل شيء لمصلحة المنظمة نفسها - أن تستنفذ كل إمكانيات الإقناع وإعادة تعليمه بروح الانضباط البروليتاري. وبما أن العديد من المختلفين معه كان لديهم كل عيوبه، ولكن لم يكن لديهم أي ميزة من مزاياه، لم أدخر أي جهد لإقناعهم ليس فقط بعدم التعجل في الانقسام، ولكن بتكرار التجربة مرة بعد أخري مع مولينير. كان هذا هو ما شكل دفاعي عن مولينير في فترة مراهقة وجود قسمنا الفرنسي.
انطلاقاً من النظر إلى رفاقنا المتخبطين أو الغير منضبطين نظرتنا إلى مريض، وضرورة بذل الجهود أكثر من مرة في إعادة تربيتهم على الروح الثورية باعتبارها إلزامية تماماً، طبقت هذه الأساليب بشكل منفرد على مولينير ولكن دون جدوى. لقد قمت بمحاولات لجذب أعضاء مختلفين إلى الحزب للمحافظة على كورت لانداو Kurt Landau، فيلد Field، ويسبورد Weisbord، النمساوي فراي Frey، الفرنسي ترينت Treint، وعدد آخر. في العديد من الحالات، لم تكن جهودي مثمرة. في حالات قليلة كان من الممكن إنقاذ الرفاق المهمين.
على أي حال، لم أقدم أدني تنازل مبدئي إلى مولينير. عندما قرر ان يقدم ورقة تقوم على "أربع شعارات" بدلاً من برنامجنا، وشرع بشكل مستقل في تنفيذ هذه الخطة، كنت من بين أولئك الذين أصروا على طرده على الفور. لكنني لن أخفي حقيقة أنه في المؤتمر التأسيسي للأممية الرابعة، كنت أؤيد اختبار مولينير ومجموعته مرة أخرى ضمن إطار العمل الدولي لمعرفة ما إذا كانوا قد أصبحوا مقتنعين بعدم صحة سياستهم. هذه المرة أيضاً، لم تؤد المحاولة إلى أي شيء. لكني لن أتخلى عن تكرارها في ظروف ملائمة مرة أخرى. والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أنه من بين أشد معارضي مولينير عنفا، كان هناك أشخاص مثل فيريكين Vereecken، سنييفليت Sneevliet، بعد ان تركوا الأممية الرابعة توحدوا معه بنجاح.
هناك عدداً من الرفاق اطلعوا بأنفسهم على أرشيفي، وبطريقة ودية رغم إهدارهم واستمرارهم في إهدار الكثير من الوقت حاولوا إقناع "الأشخاص اليائسين". لقد أجبت مراراً وتكراراً بأنني قد أتيحت لي الفرصة لملاحظة كيف يتغير الناس مع الظروف، ولذلك فأنا لست مستعداً لتحديد أشخاص على أنهم "ميؤوس منهم" لمجرد عدد صغير من الأخطاء الهامة.
عندما اتضح لي أن شاختمان كان يقود نفسه وجزء معين من الحزب إلى نفق مسدود، كتبت له أنه إذا كانت لدي الفرصة، سأستقل على الفور طائرة إلى نيويورك لمناقشة الأمر معه لمدة 72 ساعة قابلة للامتداد. سألته ما إذا كان لا يريد أن يتيح لنا بطريقة ما هذا الاجتماع. شاختمان لم يرد. هذا يحسب عليه كلياً. من المحتمل جداً أن هؤلاء الرفاق الذين قد يطلعون على محفوظاتي في المستقبل سيقولون في هذه الحالة أيضاً أن رسالتي إلى شاختمان كانت خطوة خاطئة من جانبي، وسوف يستشهدون بهذا "الخطأ" الخاص بي بالارتباط مع استمراري المبالغ فيه في "الدفاع" عن مولينير. لن يقنعوني. إنها مهمة صعبة للغاية تشكيل طليعة بروليتارية أممية في ظل الظروف الحالية. أن تسعى لكسب أفراد على حساب المبادئ سيكون بالطبع جريمة. ولكن أن تقوم بعمل كل ما هو ممكن لإعادة الرفاق المهمين الذين ارتكبوا أخطاء إلى برنامجنا، ما زلت اعتبره وسأظل أعتبره واجبي.
انطلاقاً من هذا النقاش حول النقابات العمالية الذي استخدمه شاختمان بمثل تلك الاستشهادات منبتة الصلة بوضوح، أقتبس كلمات لينين التي يجب ان يطبعها شاختمان في ذهنه:
يبدأ الخطأ دائمًا صغيرًا ثم ينمو ويتعاظم. تبدأ الاختلافات بأمور تافهة. لقد عانى الجميع في وقت ما من جرح بسيط، لكن عندما يترك الجرح البسيط ليتقيح، فقد ينجم عنه مرض مميت ".
هكذا تحدث لينين في 23 يناير 1921. من المستحيل عدم ارتكاب الأخطاء. والبعض يخطئ في كثير من الأحيان، والبعض الآخر أخطاءه أقل تكراراً. إن واجب الثوري البروليتاري ليس أن يستمر في الأخطاء، وليس ان يضع الطموح الشخصي فوق مصالح القضية، بل الدعوة إلى التوقف عن الخطأ في الوقت المناسب. لقد حان الوقت للرفيق شاختمان أن يدعو إلى التوقف! وإلا فإن الخدش الذي تطور بالفعل إلى تقيح صديدي يمكن أن يؤدي إلى الغرغرينا.
January 24, 1940. Coycacan, D.F.



#احمد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دفاعا عن الماركسية - ليون تروتسكي - الجزء الثالث.
- دفاعا عن الماركسية - ليون تروتسكي - الجزء الثاني
- دفاعا عن الماركسية - ليون تروتسكي - مقدمة جوروج نوفاك
- المشهد النيلي
- تداعيات واثار الكورونا
- الحسد والرغبة
- أوجه شبه واختلاف - الماركسية والدين والفلسفة.
- الثورة الايرانية - لمحة للذكرى
- جدل ماو
- مفارقة المقدس والعلم.
- بين لينين أبن الطاهرة، ومارس المصري. حبة عقل يارب.
- في مثل هذا اليوم قتل ليون تروتسكي
- 30 يونية - هذا الجدل العقيم.
- جلبير الأشقر - هل نعتذر؟
- الشعب (ولا مؤاخذة) يريد.
- تعديلات أم انقلاب دستوري
- الأمام علي
- الماركسية والنقاد
- نقد النقاد - مدخل.
- مرافعة ليون تروتسكي أمام محكمة القيصر في 1907 - دفاعاً عن ال ...


المزيد.....




- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - احمد حسن - دفاعا عن الماركسية - الجزء الرابع - ليون تروتسكي