أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - خيمة بلا سقف














المزيد.....

خيمة بلا سقف


عماد ابو حطب

الحوار المتمدن-العدد: 7128 - 2022 / 1 / 6 - 20:26
المحور: الادب والفن
    


خيمة بلا سقف*

انا الآن في ساحة صبرا أبعد بضعة أمتار عن مخيم شاتيلا في بيروت ،الذي مازالت ذكرى المجزرة تحلق في فضائهما رغم مرور هذه الأعوام.اجلس على باب محل عمي ،بعد أن تقطعت بي السبل وتوقفت رحلات الطيران بين بيروت ودوسلدورف،بسبب الفيروس.بت حبيس المخيم،ومع تفاقم إنتشاره وعدم إمكانية تلقي اللقاح هنا،باتت حركتي محسوبة بدقة.اتجول من شارع ابو سهل إلى ساحة صبرا ،واضعا كمامتى على وجهي، متلقيا سيلا من التعليقات الساخرة من اناس يعتقدون ان ما يجري لا خطر منه على حياتهم. وانهم باتوا محصنين ضد الموت من كثر البؤس الذي يعيشون فيه ،أو من مجاورتهم للموت مرارا ونجاتهم منه في كل مرة..الشارع مكتظ بالخلق والقهاوي والمطاعم والمحلات وسوق الخضار، جميعا مفتوحة كان لا شيء يستوجب الحذر أو الوقاية.انضم الي صديقي ابو محمود الستيني مثلي ،والذي أعرفه منذ أكثر من أربعين عاما،قلت له:"والله ضروري نتلقح،فالعمر لم يعد يتحمل المرض،خاصة أن مناعتنا اصلا بالحضيض لما عشناه من مآسي متلاحقة،لعل آخرها هذا الوباء اللعين".ابتسم وقال:"صاير نعنوع متل الألمان، بتخاف من اي شي،يا زلمة كل اللي مر علينا وبعدنا عايشين...بعدين دخيل ربك ليش قديش ضل في هالعمر لنخاف عليه،وعلى شو بدنا نخاف ما حياتنا كل يوم لوراء،والله يمكن الكلاب حياتها احسن من حياتنا". وتابع بتهكم واضح :"شو صاير مستشرق،بتحكي متل الخواجات وجماعة الNGOS،كانك ناسي انك في صبرا وشاتيلا،لتكون مفكر حالك في كذبة سويسرا الشرق الاوسط.لا انت نسيت حصار المخيمات أشهر طويلة ومرات عدة،يا محلا الحجر تبع الكورونا قدامه،ولك كانك مش متذكر انه حتى القطط والكلاب اكلناها وبعدنا عايشين،جاي هلق حاط كمامة ومش ناقص إلا تعوج لسانك وترطن بإش ليبي ديش ،مش هيك بتقولوها؟".نظرت بأسى باتجاه ساحة صبرا،كانت العجول معلقة في الجانب الآخر بعد ذبحها وسلخها،الكرشات والجلد على الأرض وأسراب الذباب تحلق فوق رؤوسنا.وبسطات الخضار متوقفة امامنا وسط القمامة والغبار يتصاعد من حولنا.تعجبت حقا كيف لم يسيطر الفيروس بعد على المشهد.اومأت براسي موافقا.تذكرت صبرا وشاتيلا قبيل الإجتياح ،لا صبرا بقيت صبرا ولا شاتيلا هي شاتيلا،حتى سكانها تغيروا...اختفت لهجة اليافاوية التي كنت تسمعها من محطة الدنيا حتى ساحة صبرا وحل محلها لهجات ولغات مختلطة ما بين السوريةو البنغالية والسيرلانكية و...باتت المنطقة حزام بؤس يضم كل البؤساء الهاربين من أوطانهم بفعل الحروب والفقر.بدات صورة المخيم كتجمع فلسطينيى تختفي شيئا فشيئا ،كما اختفت صورة الثورة وحلت محلها دكاكين ارتزاق مسلحة.
هنا لأول مرة افهم أن تغير تركيبة المخيمين ستؤدي إلى تغير لا بد منه في تغير النظرة إلى الفيروس أو الخوف منه.كان لا بد أن يزيح ابو محمود الغشاوة عن عيني لأرى المنظر على حقيقته الآن،وليس كما كان في ذاكرتي.
فمثلا سكان مخيم شاتيلا الثلاثون ألفاً، باتوا موزعين بالتساوي ما بين فلسطينيين وسوريين ولبنانيين،و أقلية من سيرلانكا و البنغال وأفغانستان.وهيك عشان تواجه الفيروس،وتقنع هالبشر صار لازم ترطن بأكثر من لغة ولهجة معاهم . بتحكي مع الفلسطيني والسوري بيقولك:" يا عمي الكورونا تبعتك مش راح تكون أثقل من مصائب مرّت على هالرأس لشيبنا". ولهذا لا تشغله مخاوف الموت، بعدما عانى قهراً لا يقل وطأة. وصورة المخيم لديه، بفقره ومرضه وبؤسه، أشدّ قسوة من أي وسواس أو مآل. يسخر من كلمة حجر صحي، او إجراءات تباعد أو كمامات قد عانى الحجر مبكراً، ولسنوات، حين كان اسمه حصاراً. وفقد هذا القسم أغلى ما فيه؛ أملَه. تتوجه الى اللبناني "المعتر"المقبور /الساكن في هذا البؤس،تجده يقول لك ان تحدّي كورونا، يبعث بنفسه نشوة المنتصر على كل الخائفين، الذين طالما أخافوه. اخيرا جاء من يساوينا بأثرياء الأحياء الراقية، وكل السياسيين الذين منعوا عنا حياة لم نطمح أن تكون أكثر من عادية، جاء شبح الموت. وهكذا اتفق القسمين على النزول من دون كمامات ولا معقّمات.و يتظاهر اولادهم وبكثرة خلف" التوكتوك" حين يأتي ليرش موادّ التعقيم، ويطلقون النكات والضحكات. باتوا يواجهون الواقع بعبثية تريحهم من مسؤولية مواجهته.
ضاعف من ازدراء هؤلاء للواقع، غياب تنسيق فصائلي، وإطار يوحّد الجهود لمواجهة هذا المرض، فيبعث على بعض الطمأنينة. السلاح بدا كما هو من دون ثقافة سياسية، ومن دون مشروع اجتماعي، بل هدفه إخضاع جماهير يمارس الارتزاق باسمها. لذلك تتكرر عبارة "إلنا الله"، حين تسأل أهل شاتيلا عن مستقبل المخيم، أو أيّ من قضاياه. يبدون وكأنهم يعيشون بخيمة بلا سقف.

*نص من مجموعة جديدة قيد الإعداد



#عماد_ابو_حطب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ؟
- بالرصاصة ولا بالكورونا
- حصاد2021
- اغتصاب ذاكرة
- لا شيء إلا السواد
- تباعد اجتماع٨
- الفيروس ارحم
- تفاؤل 2022
- عود على بدء
- سجين الفيروس
- متتالية الظلال
- Zoom in..zoom out
- يا همه لالي
- نهاية غواية
- تواصل إجتماعي
- الاعلان عن جائزة فلسطين للقصة القصيرة جدا
- نحت على جدار الورق
- ماذا وراء الأحرف/ قصص قصيرة جدا
- حلم/ قصص قصيرة جدا
- رايات / قصص قصيرة جدا


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - خيمة بلا سقف