أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد علام - متى تنتهى الحرب العالمية الثالثة، الغير معلنة؟!















المزيد.....


متى تنتهى الحرب العالمية الثالثة، الغير معلنة؟!


سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)


الحوار المتمدن-العدد: 7100 - 2021 / 12 / 8 - 15:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يقنع الأثرياء أنفسهم بأنهم اكتسبوا ثروتهم من خلال الجدارة ، متجاهلين المزايا - مثل التعليم والميراث والطبقة - التي ربما ساعدت في تأمينها. يبدأ الفقراء في إلقاء اللوم على أنفسهم بسبب إخفاقاتهم ، حتى عندما لا يستطيعون فعل شيء يذكر لتغيير ظروفهم.
جورج مونبيوت، كاتب وناشط سياسي بريطاني.


قبل البداية:
ان اى ذكر لاسم "الولايات المتحدة" فى المقال، لا يعنى بالطبع شعب الولايات المتحدة، ولا يعنى حتى، حكومة الولايات المتحدة، لان الاول، شعب مستغل مثل كل شعوب العالم، ولكن مع بعض المزايا الاجتماعية، والتى لا يستمتع بها حتى كل الشعب الامريكى، والى ان يصل الى سن المعاش، يعلق الاب والام فى طاحونة العمل المضنى لتسديد فواتير السكن والسيارة والاجهزة وتعليم الابناء ..الخ، حتى اذا ما بلغوا سن المعاش يقولون لهم هيا استمتعوا بالحياة، بعد ان امتصوا اعمارهم وطاقات شبابهم واصبحوا يعانون الامراض!، وحتى ابناء الشعب يتم ارسالهم الى الحروب الاستعمارية الجائرة التى تشنها الولايات المتحدة خارج اراضيها، والتى يعود منها بعضهم فى توابيت، وتطلق لهم 21 طلقة!، او يعودوا بعاهات مستديمة باقى حياتهم، او يعانون من امراض نفسية، جلعت الجنود الامريكان العائدون من الحرب على العراق، ينتحر منهم اثنان يومياً!.
Thank.You.For.Your.Service.2017
وثانياً، لا يعنى ذكر اسم "الولايات المتحدة" حتى الحكومة، كونها مكونة من مجرد موظفين حتى درجة رئيس الدولة، اليس من الملفت ان يحصل مرشح رئاسى وهو فى الرئاسة "ترامب" على اكثر من 70 مليون صوت، ويسقط فى الانتخابات!، انهم موظفون لدى الحكام الحقيقيين للعالم، من اصحاب الشركات العابرة للقوميات، والشركات المالية العالمية، من مؤسسات الاقراض الدولية والمصارف وشركات الائتمان والتأمين .. التى تتكون قمتها من الاسر الامريكية النافذة اقتصادياً وسياسياً. هؤلاء الحكام الحقيقيين هم المقصودون عند ذكر اسم "الولايات المتحدة".


الكثير مازال لا يدرك ان الحرب العالمية الثالثة، قائمة منذ سنوات!
بالفعل، مازال الكثير، لا يدرك ان الحرب العالمية الثالثة، مستمرة منذ سنوات، ولكنها غيرمعلنة وتتخفى وراء الاسم الكودى "الحرب العالمية على الارهاب"، الحرب التى توسع "الارهاب" ولا تقضى عليه، فاذا ما نظرت الى خريطة "الارهاب" منذ عشرين عاماً، وخريطته اليوم، ستجد انه تضاعف انتشاره عدة مرات خلال هذه السنوات، ايضاً، اذا ما نظرت الى احصائيات القتلى جراء العنف المسلح على مستوى العالم، خلال نفس الفترة، ستجد ان من قتلوا بواسطة "الحرب العالمية على الارهاب" اضعاف من قتلوا بواسطة "الارهاب" نفسه!، هذا بدون احتساب الاعداد المضاعفة التى تقتل بالاقتصاد جراء تطبيق السياسات الاقتصادية النيو ليبرالية البشعة. ان الدمار والقتل الذى يتم بواسطة هذه الحرب لا يعود الى مرض نفسى لدى قادة العالم، انه يعود كلياً لاهداف اقتصادية، فالعمليتان المربحتان، الحرب واعادة اعمار ماهدمته الحرب، هما وجهان لعملة واحدة، عملة مدرة لارباح هائلة.

تشن الولايات المتحدة الحرب العالمية "الثالثة" الغير معلنة، تحت الشعار المضلل "الحرب العالمية على الارهاب"، هذه الحرب التى هى ليست سوى طور جديد من اطوار الحرب الاقتصادية التى شنتها الولايات المتحدة على كل دول العالم من قبل احداث 11 سبتمبر تحت شعار "العولمة" واتفاقية " التجارة الحرة" سياتل، تحقيقاً للشعار السابق، المضلل ايضاً، "الديمقراطية والسوق الحرة"، والذى صعد الى الطور الاعلى، عندما مثل الرعب الناجم عن احداث 11 سبتمبر، فرصة ذهبية لتطبيق السياسة "النيوليبرالية" الاقتصادية، الجديدة وقتها، والمؤسسة نظرياً على يد ميلتون فريدمان فى جامعة شيكاغو، منذ منتصف القرن الماضى. وهو نفس التوقيت الذى ظهرت فيه حركات التحرر الوطنى ضد الاستعمار القديم، بالاساس انجلترا وفرنسا، لتفسح المجال اما استعمار جديد بقيادة الولايات المتحدة التى خرجت من الحرب العالمية الثانية، منتصرة وقوية، بعكس الدول الاستعمارية التى خرجت ضعيفة ومنهكة واحتاجت الى مشروع مارشال ليعاد بنائها، وفى هذا السياق يمكن فهم الموقف الامريكى من العدوان الثلاثى على مصر فى 56، ومن ناحية اخرى، يمكننا فهم طبيعة الصراع الذى نشأ مع مصر بقيادة عبد الناصر الساعى للتنمية المستقلة، بينه وبين المشروع الامريكى، "النيوليبرالية" الاقتصادية، تحت الشعار المضلل "الديمقراطية والسوق الحرة".
"الحرب العالمية الثالثة" الغير معلنة، "الحرب العالمية على الارهاب"، مصممة بشكل مبهم، حيث لا تعريف متفق عليه للـ"الارهاب"، سوى التعريف الامريكى الذى ينفذ على الارض دون حاجة لموافقة دولية – غزو العراق، نموذجاً -، التعريف الامريكى الذى يقول ان كل "وصول الى نتائج سياسية عن طريق العنف" يعتبر ارهاباً، والذى بالصدفة، اول ما ينطبق عليه هذا التعريف، ينطبق على الولايات المتحدة ذاتها!، الذى تتجسد حقيقته المجردة فى اعتبار اى تمرد على السياسات التى يتم فرضها قسراً على شعوب الارض هو ارهاب، سياسات "العولمة"، "النيوليرالية" الاقتصادية، سياسات افقار الشعوب وبؤسها وسحقها، لصالح حفنة من الاسر الاغنى فى العالم، وشبكة حلفائهم واتباعهم وعملاؤهم، وبهذا تعتبر اى حركة تحرر او استقلال وطنى، هى حركة ارهابية، واى نضال للتحرر من الاستعمار، فلسطين مثلاً، هو ارهاب. ان عدم الكشف عن هوية هذه الحرب هو من أعراض وأسباب قوتها، انها حرب مبهمة حتى تكتسب "شرعيتها" من سلوك من يشنها، وليس وفق معيار دولى محدد متفق عليه، لذا، فهى حرب بلا حدود تتسع الى اى منطقة جغرافية على الكرة الارضية يستهدفها من يشنها، ويتنوع عدوها حسب تنوع اهداف من يشنها، فى السابق العدو "الشيوعية" والان "الاسلامية"، انها حرب عالمية ثالثة، صممت لتبقى.


الدولار كعملة احتلال!
بالرغم من كل الجهود التى بذلتها الولايات المتحدة، لتجاوز الازمة المالية العالمية مع بداية القرن 21، الا ان الوضع المالى الفيدرالى، العملة الامريكية، ظل مأزوماً ونشبت فى الولايات المتحدة ازمة الاوراق المالية فى بداية القرن، وادت فى وقت قصير الى خسارة اصول افتراضية بما قيمته بضعة تريليونات من الدولارات، فى حالات مآزومة كهذه، كان رجال المال الامريكيون امام مخرج وحيد، الا وهو، شن حرب واسعة النطاق، لتوسيع الطلب المفتعل على الدولار، بواسطة تلبية احتياجات الحرب، ومن بعدها تلبية احتياجات اعادة اعمار ما دمرته الحرب ذاتها، وهو ما وفرته احداث 11 سبتمبر، التى كانت تعنى واقعياً بداية حرب عالمية ثالثة شاملة تشن تحت غطاء مكافحة الارهاب.

بعد ان اصبح سلاح "المال" هو سلاح شديد الفاعلية فى يد الولايات المتحدة، اصبحت تستخدم الفوضى والاضطرابات التى تتداعى جراء تطبيق سياسات "النيوليبرالية" الاقتصادية الساحقة لشعوب الارض، وبواسطة ذراعها العسكرى "الحرب العالمية على الارهاب"، اصبحت تستخدم هذه الفوضى لقمع اى محاولات ترمى الى طرح عملات مستقرة غير مرتبطة بالدولار، فى اى بلد كان، مثلاً، كانت العملة المحلية مستقرة فى العراق، وسوريا وليبيا .. وكان القذافى يستعد لطرح الدينار الذهبى، وطرحه للتداول، حتى انه تخلى عن الدولار الامريكى فى بيع النفط، وحينما كان يستعد لاطلاق الدينار الذهبى نقل بلده الى التعامل باليورو حصراً، مما اثار غضب نظام الاحتياطى الفيدرالى، فبدأت عمليات القصف الجوى على ليبيا، وبدأت زعزعة استقرارها، - قبل الربيع العربى بسنوات -، ان طرح الدينار الذهبى الليبيى للتداول، حظى بتأييد قوى من جانب المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى وقتها "دومنيك ستراوس"، وهو شخصية تميزت بالجرأة فى التعبير عن فكرة كان مفادها، ان الدولار الامريكى (الغير معادل بالذهب) استنفذ رصيده كعملة عالمية، وفضلاً عن ذلك، دعم دومنيك انشاء عملة احتياطية جديدة غير الدولار، وكان يريد اصلاح النظام المالى العالمى، فكانت النتيجة ان تم اعتقال دومنيك فى مايو عام 2011، بتهة سخيفة، كما ورد فى الفيلم السينمائى المحدودWelcome.To.New.York.2014. ، تم اعتقاله بالتزامن مع القصف الجوى المكثف على ليبيا، اما الاسباب الحقيقية للقبض عليه فمعروفة طبعاً، ان دومنيك كان قد تطاول على احتكار النظام الاحتياطى الفيدرالى لاصدار النقود الورقية، فكان من المتوقع ان يدفع ثمن موقفه هذا .. وفيما يتعلق بزعزعة الاستقرار وخلق اضطراب وفوضى فى البلدان الغير مرغوب فيها، تتحقق زعزعة الاستقرار من خلال الاعمال الارهابية والحروب الاهلية والحروب الهجينة او بافتعال اضطرابات داخلية لزعزعة اقتصاد البلد.



"العقوبات الاقتصادية" و "القروض"، كمورد هائل لاينضب!
سلاحان تستخدمهما الولايات المتحدة، لفرض سياسات افقار الشعوب وبؤسهم، سلاح عسكرى تحت شعار "الحرب العالمية على الارهاب"، والسلاح الآخر الذى لا يقل عنه شراسة، سلاح العقوبات الاقتصادية والقروض، بل ويفوقه قسوة، حيث اصبح من المعروف ان من يموتون بالاقتصاد اضعاف من يموتون بالرصاص، او بتعبير الزعيم غاندى "يثير النزاع المسلح بين الامم الرعب فى نفوسنا، لكن الحرب الاقتصادية ليست افضل على الاطلاق من النزاع المسلح، الامر اشبه بعملية جراحية؛ فالحرب الاقتصادية عذاب استنزافى، لا تقل اضراره فظاعة عن تلك التى ترصد فى الثقافة الحربية بمعناها الحرفى، ونحن لا نكترث بشأن تلك الحروب اذ اننا الفنا عواقبها القاتلة .. من الصائب ان تنشأ حركات مناهضة للحرب، وانا اصلى لنجاح مثل تلك الحركات، لكنى لا استطيع ان اضع حداً للتخوف القارص من فشلها فى استئصال الطمع البشرى: اصل البلاء كله.". م. ك. غاندى، "اللاعنف: اقوى الاسلحة"، 1926.

بعد 11 سبتمبر تحقق لواشنطن القدرة للسيطرة على كتلة مالية ضخمة متداولة خارج الولايات المتحدة، اذ بات يكفى ان تعلن واشنطن ان هذه الجهة اوتلك متورطة فى تمويل الارهاب، وهو ما مارسته على كثير من البلدان التى وصفتها امريكا بالاديمقراطية واتهمتها بدعم الارهاب، كى تجمد او تحتجز حساباتها المصرفية، سواء كانت دولة او مصرف او شركة او حتى اشخاص من الاثرياء"، وهى حصيلة تقدر بتريليونات الدولارات.


حقيقة ما يسمى بالاصلاحات الغير شعبية !
فى مقال سابق لى تحت عنوان "اعلام "الصدمة"، وتجربتى مع معهد واشنطن!"، قد اوضحت دور مؤسسات ومركز الابحاث والصحافة والاعلام فى الترويج للسياسات المجرمة للولايات المتحدة، بواسطتة ذراعها التنفيذى المزدوج، صندوق النقد والبنك، الدوليان، واوردت فى هذا المقال نموذج كندا، كمثال ملفت على سياسات صندوق النقد الدولى لفرض الليبرالية الجديدة الاقتصادية، عن طريق تزييف "ازمة وهمية" من اجل تمرير سياسته المجحفة بالشعوب، ودور عملاء "اعلام الصدمة" فى الترويج لهذه الازمة المفتعلة.
وكان قد سرب شريط مصور الى الصحافة فى سبتمر 1995، يظهر فيه جون سنوبلن وزير التربية فى اونتاريو (فى كندا) وهو يقول فى اجتماع مغلق لموظفى الدولة انه قبل تخفيض الانفاق على التعليم وغير ذلك من "الاصلاحات الغير شعبية"، كان ينبغى خلق حالة من الهلع بتسريب معلومات اكثر تشاؤماً، واطلق على هذه السياسة تسمية "خلق ازمة مفيدة"!.

فى ظل القصف والتدمير الذى تقوم به قوات "الحرب العالمية على الارهاب"، والقتل والتدمير والتفجيرات التى يقوم بها "الارهابيون"، تتخلق حالة من "الصدمة والرعب"، تجعل الناس مهتمون بمجرد ان يستمروا فى البقاء احياء، ولا يلتفتوا لما عدى ذلك من تطبيق لسياسات تسلبهم اسباب ان يحيوا بكرامة، سياسات "النيوليبرالية" الاقتصادية، التى تطبق عليهم بالحديد والنار، تحت القصف العنيف لسلاحها العسكرى "الحرب العالمية على الارهاب". ينجح ذلك، فيصبح الناس مرتبكين وقلقين وخانعين ينتظرون الاوامر، ويتقاعس الناس ويصبحوا اكثر تبعية وخوفاً. عندها يصبح الناس بمعنى آخر فى حالة صدمة، لذا، عندما تؤدى الصدمات الاقتصادية الى ارتفاع جنونى للاسعار وانخفاض كبير للاجور، تبقى الشوارع هادئة والميادين فارغة. لا مظاهرات تطالب بالغذاء، او اضرابات تطالب بالحقوق, وتتكيف العائلات بصمت، وتفوت وجبات، وتغذى اطفالها بطعام منعدم القيمة لقمع الجوع، ويستيقظون قبل طلوع الفجر كى يسيروا ساعات الى عملهم، موفرين بذلك اجرة الباص. ينجح ذلك، ايضا،ً فى ازاحة الطبقة المتوسطة، "جزع المجتمع"، نحوالاسفل. وليس مثال العراق ببعيد، والمثال الاحدث افغانستان، وبينهما سوريا واليمن وليبيا، وقبلهم وبعدهم السودان، والان لبنان، اما مصر، "رمانة الميزان"، والعامل المشترك الوحيد بين المشروعان الكبيران للولايات المتحدة، "الشرق الاوسط الكبير، الجديد" و "القرن الافريقى الكبير، افريكانو"، مؤجلة للتحلية.
ان السياسات المخططة والممنهجة التى تؤدى الى خفض المستوى المعيشي، لقطاع عريض من الشعب، خاصة فى مستويات التعليم والتغذية والعلاج، هى وسيلة فعالة للتخلص التدريجى من جزء من هذا الشعب!. العبقرى فى هذه السياسات المخططة والممنهجة، انها لا تقع تحت طائلة قوانين تجريم جرائم الابادة الجماعية!، انها حقاً الجريمة الرائعة!.


متى تنتهى الحرب العالمية الثالثة، الغير معلنة؟!

"ان العالم لا ينتهى عند صندوق النقد،
بل يمكن ايجاد حياة جميلة بعده".
نستور كريشنر
رئيس الارجنتين الاسبق.

"انا استقيل اليوم من فريق صندوق النقد الدولى بعد اكثر من 12 عاماً من الخدمة، وبعد 1000 يوم من العمل الميدانى فى تأمين المساعدات الرسمية؛ عمل تمثل فى الاتجار بأدويتكم وبحاقبكم المملوءة بالخدع، وارسالها للحكومات والشعوب فى امريكا الاتينية والكاريبى وافريقيا. تعتبر الاستقالة بالنسبة لى اليوم تحرراً لا يقدر بثمن، لاننى اخطو بها خطوتى الكبيرة الاولى الى المكان الذى يسعنى فيه ان احلم بغسل يدى مما يشكل، فى نظرى، دماء ملايين الفقراء والجياع .. لقد كثرت الدماء الى حد انها باتت انهراً. وهى تجف ايضاً وتلتصق بى. اشعر احياناً انه ليس هناك ما يكفى من صابون فى العالم لتنظيفى من الاشياء التى فعلتها بأسمكم .. برنامج صندوق النقد الدولى كله وسيلة تعذيب جماعية، تخضع لتأثيرها الحكومات والشعوب المتألمة، فتركع امامنا منهزمة محطمة ومذعورة، تتوسل لفتة رحمة وشهامة منا. لكننا نضحك بقسوة بوجهها، ويستمر التعذيب".
من رسالة منشورة لـ"دايفد بودو"، موظف سابق بصندوق النقد الدولى.
استقال بودو فى العام 1988، وتوفى عام 2001.

كما هو معتاد، عندما يضع الحاكم، ضمان استمرار حكمه، فى مواجهة مع مصالح شعبة، دائماً ما ينحاز للخيار الاول. وبالرغم من ادعاء منظرى المحافظين الجدد، واتباعهم من الاكاديميين والصحفيين، من ان القرن العشرين قد انتهى مع "انتصار حاسم" للسوق الحرة على اشكال الاشتراكية كلها، الا انه اصبحت اعداد متزايدة من الشعوب المقهورة بفعل السوق الحرة، اصبحت تفهم ان الشيوعية المستبدة هى التى فشلت فى الاتحاد السوفيتى واوربا الشرقية واجزاء من آسيا، كما فشلت "الاشتراكية المزيفة" فى بعض دول الشرق الاوسط. الا ان الاشتراكية الديمقراطية التى تعنى الا يحكم الحزب الاشتراكى وحده، وانما تتم ادارة الاعمال بطريقة ديمقراطية، قد نجحت فى اماكن عدة من العالم.

من آلندى فى البلدان الاسكندنافية، الى تاريخ الاقتصاد المزدهر التعاونى فى مدينة اميليا رومانيا فى ايطاليا. هذا هو المزيج بين الاشتراكية والديمقراطية الذى كان يود آلندى تطبيقه فى تشيلى. كان جورباتشوف يملك نظرة شبيهة، ليحول الاتحاد السوفيتى الى منارة اشتراكية على الطريقة الاسكندنافية. اما ميثاق الحرية فى جنوب افريقيا، الذى حرك النضال طوال فترة التحرير فكان نسخة من هذه الطريقة الثالثة للحكم، والتى تقضى بالتخلص من الشيوعية، وبخلق سوق تتعايش مع حالة تأميم المصارف والمناجم، ويستفاد من هذا المدخول من اجل بناء احياء ومدارس لائقة، فتتحقق الديمقراطية بالتالى على الصعيدين الاجتماعى والاقتصادى. وان يعهد للعمال الذين اسسوا "تضامن" بولندا، ان يناضلوا ليس ضد الاشتراكية بل معها، ما يتيح للعمال ادارة اعمالهم وبلدهم بديمقراطية.
تتجلى مخاوف واشنطن من فوز آلندى فى تشيلى فى رسالة بعث بها كيسنجر الى نيكسون عام 1970: "ان نموذج حكومة ماركسية منتخبة ناجحة فى التشيلى سيكون لها اثر على مناطق اخرى من العالم، ولاسيما على ايطاليا. ان انتشار هذه الموجة فى مناطق مختلفة من العالم سيؤثر فى التوازن العالمى، وموقعنا فيه". بتعبير آخر ينبغى التخلص من آلندى قبل انتشار هذا النوع الثالث للديمقراطية.
اعتبر شافيز فى فنزويلا التعاونيات اولوية اقتصادية، ما منحها الحق فى رفض عقود حكومية، وبحلول 2006 كان قد اصبح فى البلد مائة الف لجنة توظف سبعمائة الف عامل، عدد كبير من هذه التعاونيات هو اجزاء من البنية التحتية للدولة، بدلاً من خصخصتها. فى نفس الوقت الذى حصلت فيه شركة " هاليبرتون" الامريكية الخاصة على عقود بـ عشرين مليار دولار فى العراق وحده، ورفضت توظيف عمال محليين من العراق او الخليج، وعبرت عن امتنانها لدافعى الضرائب الامريكيين الذين مولوا الميزانية الفيدرالية فى الحرب على العراق، بان نقلت المقر الرئيسى لشركتها الى دبى مع الضرائب والارباح كلها. (لابد هنا وان تزول اى دهشة من موقف الامارات من ثورات الربيع العربى، ورعايتها السخية للثورات المضادة).
ان التشاركية الاندماجية بين الحكومات المحلية الوطنية، هو اهم عامل فى القدرة على مواجهة النيولبرالية المتوحشة، والافلات من قبضة واشنطن ومؤسساتها المالية، ان التشاركية الاقتصادية تشكل البديل الممتاز عن الخضوع لشروط صندوق النقد المدمرة، حيث توفر كل بلد ما هو افضل من انتاجها مقابل ما هى بأمس الحاجة اليه، وبغض النظر عن اسعار السوق العالمية.

امثلة مبهجة وملهمة، من امريكا اللاتينية ايضاً !
توفر بوليفيا الغاز باسعار مستقرة ومنخفضة؛ وتقدم فنزويلا نفطاً مدعوماً الى البلدان الاكثر فقراً، وتتشارك الخبرات فى تنمية الاحتياطات؛ وترسل كوبا آلاف الاطباء لتقديم الرعاية الصحية المجانية فى القارة كلها، ويدربون طلاب طب فى بلدان اخرى. ان المكسب الرئيسى لهذا البديل، هو انه يوفر نظام تبادل، تقرر فيه البلدان السلع او الخدمات التى يمكن ان تتبادلها مع ما تقدمه، بدلاً من السماح لتجار من نيويورك او شيكاغو او لندن، بتحديد الاسعار لها. وهذا يجعل التجارة اكثر مناعة لتلاعب اسعار السوق.
لذا فقد جاءت النتائج دراماتيكية .. فالبرازيل التى لطالما كانت تدين لواشنطن بمبالغ طائلة، باتت ترفض عقد صفقة جديدة مع صندوق النقد. اما نيكاراجوا فباتت تفاوض امكانية مغادرتها الصندوق، كما انسحبت فنزويلا منه ومن البنك الدولى معاً. والارجنتين التى لطالما كانت التلميذ المطيع لواشنطن، قد ركبت القطار ايضاً، قال رئيسها نستور كريشنر فى خطابه عام 2007، ان المدنيين الاجانب قد اخبروه بأن "عليه ان يوقع اتفاقية مع الصندوق الدولى من اجل ان يتمكن من دفع الديون". فأجابهم الرئيس بأن "نحن دولة سيادية، سوف نسدد ديوننا، ولكن ليس هناك من قوة على الارض تجعلنا نجدد اتفاقنا مع الصندوق.". (مع العلم ان معظم هذه القروض قد وقعت اثناء حكم الطغمة العسكرية الفاشية الفاسدة المنقلبة)، (لابد وانك قد لاحظت عداء الولايات المتحدة الامريكية لهذه الدول بالذات، ومحاولتها المسعورة لقلب نظم الحكم المنتخبة فيها).
بناءً عليه، لم يعد صندوق النقد يتمتع بهذه السلطة المطلقة على هذه "المنطقة المحررة" من العالم التى كان يتمتع بها فى الثمانيات والتسعينات. حيث شكلت امريكا اللاتينية فى عام 2005 80% من محفظة قروض الصندوق، وباتت القارة تمثل 1% من محفظة الصندوق فى عام 2007، وهذا تغيير مذهل خلال عامين فقط، عندها قال الرئيس كريشنر ان "العالم لا ينتهى عند صندوق النقد، بل يمكن ايجاد حياة جميلة بعده".

هام جداً
الاصدقاء الاعزاء
نود ان نبلغ جميع الاصدقاء، ان التفاعل على الفيسبوك، انتقل من صفحة سعيد علام،واصبح حصراً عبر جروب "حوار بدون رقابة"، الرجاء الانتقال الى الجروب، تفاعلكم يهمنا جداً، برجاء التكرم بالتفاعل عبر جروب "حوار بدون رقابه"، حيث ان الحوار على صفحة سعيد علام قد توقف وانتقل الى الجروب، تحياتى.
لينك جروب "حوار بدون رقابه"
https://www.facebook.com/groups/1253804171445824



#سعيد_علام (هاشتاغ)       Saeid_Allam#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بمناسبة زيارة ماكرون للسعودية، والازمة اللبنانية: كلمة السر ...
- احدث -الاعيب شيحا-! ساويرس والهروب الى الامام.
- رسالة الى حسني النية فقط: بعيداً عن هدف الالهاء فى خناقة كتا ...
- -عصابة الاربعة-! -1- -ساويرس/دحلان/الامارات/اسرائيل-. عندما ...
- ليس هناك اخطر على الثورة، من تضليلها! هل حقاً تريد امريكا نظ ...
- كيف لنجيب ساويرس ان يكون محصناً؟!
- -انقلاب- السودان، باق ومستمر!
- قبة الاعلام الحديدية؟!
- غروب شمس ابداع الطبقة الوسطى!
- غروب شمس الطبقة الوسطى، وابدعاتها!
- -بدون رقابة- .. وع اللى جرى..؟! (2)
- -ريش- فيلم، -مجازاً-، تسجيلى شديد الرداءة! بعيداً عن الاتهام ...
- لن تنجح ثورة فى وجود الاخوان، ولن تستمر ثورة بدون الاخوان!
- مآزق الثورة السودانية!
- قدر مصر: العامل المشترك بين المشروعان الكبيران، الشرق الاوسط ...
- تكنولوجيا المعلومات، قفزة الى الخلف؟!
- هجمات 11 سبتمبر ومصالح الدولة العميقة الامريكية.(1) رؤية الب ...
- قبل 11 سبتمبر وليس بعده؟!
- هل نجرؤ على الانتصار؟!
- الخروج الامريكى من افغانستان، الوجه الاوضح لتغيير -العقيدة ا ...


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد علام - متى تنتهى الحرب العالمية الثالثة، الغير معلنة؟!