أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - طائر السامون














المزيد.....

طائر السامون


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7088 - 2021 / 11 / 26 - 15:39
المحور: الادب والفن
    


على مقربة من نهر مدينتي الذي أعشق السير حافيًا على ضفافه ساعة المغيب .. وبينما أنا منشغل بصوت جريان مياهه .. تعثرت بشيء .. كانت جثة طائر صغير .. توقفت وكأنها المرة الأولى التي أشاهد فيها طائر مقتول .. ليس منظره وهو ميت من أثارني .. بل تلك النظرة في عينيه والتي بثت الحزن في قلبي لأجدني لا أقوى على الحركة .. ألقيت بجسدي قريبًا منه .. حملته بين يدي .. فردت جناحيه اللتان فقدت بعضًا من ريشهما .. قلت لنفسي وأنا أحاول أن أعثر على بقايا حياة فيه: يا ترى ما الذي كان يفكر فيه هذا الطائر قبل أن يموت بلحظات ؟؟ كيف للموت أن يكون هكذا قاسيًا ؟؟.. رفعت رأسي نحو السحب التي اجتمعت فوق النهر قبل أن أقول لنفسي بيأس: من أين لي معرفة ذلك ؟؟
النهر ساعة المغيب يثير كل ما في الأرض من حزن اختبأ فيها منذ بدء الخليقة .. نظرت إلى الطائر الذي ما زالت جثته دافئة .. في تلك اللحظة شعرت بالرغبة في الفرار من هذا العالم .. من ذاتي العتيقة التي منذ زمن سحيق باتت مسكنًا للألم والمعاناة والتي بعدها ستركن إلى الموت .. ماذا لو أجرب الهرب منها لأصبح ذاتًا أخرى .. تعبتُ من الأوهام التي ساقتني في طريق حلزوني .. تعبت من انتظار إللا شيء !! ماذا لو أتحرر منها باتجاه السماء لعلي هناك أعثر على المعنى .. وأنا أمسح بكفي على ظهر الطائر .. جال في بالي هاجس كبير وجدت نفسي أنساق خلفه .. سأمنح روحي لهذا الطائر .. سأنهي رحلة السفر الطويل الذي لم ألاقي منه سوى الظمأ ..
أغمضت عينيّ وأنا أراقب روحي تتسرب من بين أصابعي .. تزحف ببطء لتنفذ داخل جسده .. خيط رفيع كأنه ممر للضياء ربط بيني وبينه .. أحسست بنعيم خجلت الكلمات من وصفه .. جسدي الذي أرهقني عناده .. الآن .. لا أثر فيه لأي شيء سوى الحقيقة التي تتفجر منه كما الماء حينما يتفجر من نبعه ساعة السحر .. استسلامه جعلني ابتسم من الداخل وأتساءل: هل حقًا أن جسدي كان مصدر عذاباتي ؟.. كأني أولد من جديد .. لكن هذه المرة ولادة إلى الداخل ..
.........................................................................

عند الفجر .. استيقظ الطائر الصغير من غفوته ليجد نفسه يزحف ببطء قبل أن يفرد جناحيه عاليًا .. النسائم الملامسة للنهر أنعشت روحه وجعلته يردد مع نفسه:
وكأنني أراه لأول مرة .. أمواجه لم تأتيني بهذا الصفاء من قبل .. أشعر بها متلهفة للقائي وكأنها تريد أن تقول: لقد كنت في انتظارك .. صوت الزوارق وهي تشق الماء متأرجحة أشعرتني بسكون أعماقه التي يحاول بها أن يخفف من قلق الضفاف وخوفها ..
بدأ الطائر يحدث نفسه المنشتية بما حولها : شيء غريب يحصل لي .. بدأت الآن في إدراك ذاتي و إدرك روح كل ما من حولي .. لماذا لم انتبه لكل هذه الأشياء من قبل ؟؟ .. ثم وهو ينظر إلى لون السماء الزرقاء والشجيرات الداكنة الخضرة المتناثرة على ضفتي النهر والشمس الذهبية التي نشرت أشعتها لتترك ظلالًا سوداء على ما يقع تحتها .. قال مستغربًا : ما الحكمة من كل هذه الألوان ؟؟ لكن ماذا لو كانت جميعها بلون واحد ؟؟ وما هذا السحر الذي يحيطني والتي بدأت خيوطه تلفني وتحكم وثاقها عليّ لتلقي بيّ عند أبواب البهاء ونوافذ الجمال .. بدأت استمع لغناء كل ما حولي أنا الذي لم أعرف من قبل فن الإصغاء ..
بينما كانت الأفكار تتلاعب في رأس الطائر قال لنفسه:
ليلة البارحة كانت أسوأ ليلة تمر عليّ منذ أن أبصرت النور .. الغريب أنني أتذكر الألم لكنني فقدت الشعور به !!
اعترته رجفة داخلية كأنه يولد من جديد قبل أن يستمع لصوت من داخله يطلب منه الوقوف على غصن شجرة الدردار الفتية المختبئة بين الصخور .. كانت هذه هي المرة الأولى التي يسمع ذلك الصوت .. هوالذي لم يصغِ يومًا إلى نفسه .. شعر بالخواطر تتدفق عليه من السماء .. من أعماق النهر ومن جذور الشجر .. حتى تلك التلال التي تظهر له قممها من بعيد كان يسمع حديثها ..
الغريب أنه لم يعد مضطربًا كما السابق ..
بينما بدأ النهار يذوب من حوله والشمس تحترق في كرامة ناشرة ثوبها الأرجواني على النهر الشاحب .. أحس بحب الوجود ينفذ إلى عينيه ليسير مع دمه ثم يستقر في أعمق نقطة في فؤاده الذي لم يعد يفرق في حبه بين مخلوق وآخر ..
روحه المستيقظة هي التي تربط بينه وبين كل ما حوله ..
لم أعد أتذكر أحلامي وامنياتي .. لم أعد أشعر سوى بالسخرية منها منذ أن ارتفعت بجناحي الجديدين أعلى من ذي قبل فبدا لي العالم متكاملًا لكنه غير قابل للفناء .. ردد هذه الكلمات مستغربًا من نفسه قبل أن يلتفت صوب صخرة تحتها جثة رجل بلل النهر ثيابه .. وقف على صدره محدقًا في وجهه قبل أن يرفع رأسه صوب القمر الذي بدأ في البزوغ قائلًا :
- سأحلق صاعدًا إلى آمال أخرى ..
حلق الطائر عاليًا وهو ينظر صوب الجثة التي حملتها أمواج النهر دون ان تترك لها أي أثر على الضفاف .



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غمازة ع اليمين
- قمر منتصف الحلم
- الورقة الأخيرة
- مسافة أمان
- إلى الحسناء جارتي
- نومها المقدس
- ماذا احتاج لأكتب عنك ؟
- في غابات القلب
- رسالة من طليقي
- أهمية النقد الأدبي في مسيرة الكاتب


المزيد.....




- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - طائر السامون