أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - نومها المقدس















المزيد.....

نومها المقدس


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7082 - 2021 / 11 / 20 - 13:01
المحور: الادب والفن
    


رسالة طويلة عبر الهاتف وصلتني من زوجتي تذكرني فيها بقائمة الطلبات التي علي شرائها بعد انتهاء دوام عملي .. هذه هي القائمة الثالثة التي تكتبها خلال شهر واحد .. أشياء تخص البيت .. لكن هذه المرة كتبت في ذيل القائمة عليّ أن لا أنسى شراء دراجة جديدة لابننا الوحيد لأن القديمة لم تعد تصلح للركوب بعد أن بلغ الصبي عامه السادس كما ذكرت في القائمة.
ابتسمت وهي تذكر عمره وكأنني لا أعرف.
حين تأكدت من أن الأكياس جميعها ومعهم الدراجة الحمراء كما طلبت قد أصبحت في صندوق السيارة .. توجهت للمطعم الذي تحب زوجتي وابني وجباته كما وعدتهم مساء البارحة في إحضار الغداء منه. في آخر لحظة تذكرت أنني لم اشترِ لها رواية جديدة كما عودتها حين تنتهي من قراءة واحدة .. طلبت من البائع مساعدتي لأن الكتب الكثيرة التي ملأت الرفوف أصابتني بالحيرة فأشار لي برواية عنوانها موسم الهجرة إلى الشمال للكاتب الطيب صالح .. بالرغم من أنني لم أسمع به من قبل إلا أن صاحب المكتبة أكد لي بأنني لن أشعر بالندم لشرائها حين انتهي من قراءتها.
حرصت على دخول المنزل بالمفتاح الذي معي .. لم أشأ إزعاج زوجتي بطرق الباب لأني أعرف أن وصولي يتزامن مع موعد نومها المقدس .. وقفت وسط الصالة بعد وضعي للأغراض على الأرض التي بدت متسخة بشكل ملفت .. نظرة يأس حانت مني صوب الأثاث المغبر وأكواب الشاي وفناجين القهوة المرمية هنا وهناك منذ أسابيع حتى تيبس قعرها بما بقي فيها .. رائحة أعقاب السجائر التي لا حصر لها كان لها الأثر في جعل رائحة البيت مقرفة إلى حد لا يحتمل فتوجهت لفتح النوافذ وغلق المصابيح الكهربائية التي ربما تركتها كعادتها مشتعلة منذ ليلة البارحة .. كل شيء في غير مكانه حتى أنني احتاج لوقت طويل لأجد قميصًا نظيفًا أو بنطلونًا مكويًا .. تصرخ الفوضى من زوايا بيتي الذي عشقته وكنت لا أجد الراحة إلا فيه .. لكني لم أعد اتذمر من شيء منذ إصابة زوجتي بالمرض الذي تطلب على أثره دخولها المشفى لمدة عامين.
عامان مرا عليّ حفظت فيها أسماء الأدوية التي كانت تتناولها زوجتي .. تعرفت على كل الأطباء في المشفى .. أصبحت معروفًا عند الممرضات من أنني الرجل الذي يعشق زوجته حد إنه يرقد معها في نفس الحجرة خوفًا من أنها قد تصحو ولا تجد أحد بجانبها.
عودتها للمنزل ثانية حولتني لإنسان آخر .. أقل عصبية من ذي قبل وأكثر حكمة .. لم أعد مهووسًا بالنظافة التي كانت سببًا في أغلب مشاكلنا .. لا أنكر أنها كانت تتعمد استفزازي حين تقول لي: إنك لست نظيفًا بل مريضًا بالنظافة لترشني بعدها بالماء وتهرب ضاحكة. ما زلت أذكر تلك المشاجرة اللذيذة التي وقعت بيني وبينها حين وجدت أثار بقعة قهوة ما زالت باقية على قميصي حتى بعد غسله.
انتهت المعركة بقبلة لصالحي وخاتم ذهبي لصالحها ونزهة لصالح ابننا الذي اكتفى بالنظر إلينا والاستغراب مما نفعل .. تذكرت موعد وصوله من المدرسة فأسرعت بإعداد طاولة الطعام بعد إزاحة الصحون القديمة والملاعق المتكدسة فوق بعضها وحرصت على وضع شمعتين في الوسط قبل أن أتوجه لفتح غرفة النوم .. وأنا ما أزال ممسكًا بمقبض الباب .. نظرت إليها وهي ترقد على السرير كطفل وديع وإلى جانبها الرواية التي دائمًا تحب قراءتها .. بيت الحب .. قالت لي ذات مساء حين سخرت منها لأنها أعادت قراءة الرواية لأربع مرات: بطل الرواية لم يعد له وجود على الأرض .. مثلك أنت يا حبيبي .. الفرسان أشباهك انقرضوا .. أنت نسختي الوحيدة في هذا العالم !! كلماتها كانت كالصعقة الكهربائية الخفيفة .. انعشتني وجعلت الدم يسري بنشاط في عروقي .. بعدها وجدت أن الحياة أجمل وألذ من قبل.
اقتربت منها محاولًا أحداث جلبة لأجد عذرًا كي تصحو .. لكنها خيبت ظني وظلت نائمة وأنفاسها تكاد لا يسمع لها صوتًا .. حين تمددت بجانبها على السرير .. وجدت أن فراشي دافئًا .. كأن أحد قد نهض من عليه قبل قليل .. ربما هي من فعل ذلك كما أخبرتني من قبل .. تنام في مكاني لأجده دافئَا حين أرغب في النوم .. إنها سيدة أيامي الماضية وسيدة ما تبقى من العمر.
أدارت رأسها نحوي ثم فتحت عينها وابتسمت.
لم يعد يفصل بين جسدي وجسدها سوى بضع بوصات ملئتها أنفاسنا وذلك الدفء المنبعث من كفينا التي نامت إحداهما في حضن الأخرى.
قالت لي حين صحوت بعد ساعات والعتمة قد بدأت تخيم على الغرفة:
- هل تعرف ما الذي فعلته وأنت نائم؟؟
لم أرد .. ابتسمت فقط .. فقالت:
- بقيت أنظر إليك حتى أخذتك الأحلام مني.
دنوت منها حتى التصقت أجسادنا ثم وضعت يدي تحت رقبتها ووضعت رأسي فوق رأسها برفق وقلت:
- لا تصدقي إن هناك شيئًا يأخذني منك حتى لو كانت الأحلام نفسها .. بل الموت لن يفعل ذلك.
وأنا ما أزال محدقاً في سقف الغرفة أنظر للثريا التي اختارتها بنفسها لتتلائم مع لون الجدران والستائر .. سألتني باستغراب:
- لماذا شعر ذقنك طويل؟؟ أرجوك تخلص منه لأنك تعرف بأني لا أحب الرجل الملتحي !!
- سأفعل بالتأكيد حبيبتي.
صوت ابننا وهو يناديها جعلها تترك أحضاني وتهرع إليه في حديقة البيت حيث يحلو له إطعام الطيور والأرانب البيضاء التي يعشقها .. ضحكاتهم وأصواتهم العالية أغرتني بالنظر إليهما من خلال النافذة .. ابتسمت وأرسلت لي قبلة في الهواء حين رأتني ودعتني للحاق بهم.
سألتني بعد أن جلست إلى جانبها على الأرجوحة الوردية التي تتوسط الحديقة:
- لماذا أهملت حديقتنا وتركت الزهور المسكينة تموت بهذا الشكل ؟ وشجرة التين تلك .. ألم تكن أول شجرة نغرسها معًا .. كيف سلمتها للموت هكذا ؟!
- آسف حبيبتي!! إنشغالي في العمل الأيام الماضية هو السبب .. لكن وعد مني سأهتم بالحديقة وأعيد منظرها كما كنت تحبين.
قبلتني وألقت برأسي على كتفي ثم قالت كأنها تذكرت شيئًا مهمًا:
- أريد أخبارك بشيء غريب حصل منذ أيام.
- قولي حبيبتي .. استمع لكِ.
- ما سأقوله لا أريد لابننا أن يسمعه.
حين شعرت بأنها حازت على انتباهي .. قالت بصوت يشبه الهمس:
- لم أرغب في بث القلق فيك وقتها .. لكن الآن احتاج أن أخبرك لتصدقني القول.
- حبيبتي .. ما هو هذا الشيء؟؟
- منذ أيام .. خرجت في منتصف الليل من غرفتي لأنني سمعته يبكي في غرفته بصوت منخفض وكأنه يتجنب أن نعرف بأمره .. حين رأني دس رأسه تحت اللحاف وتظاهر بالنوم .. الغريب أنه لم يخبرني سبب بكائه حين سألته .. ليتك تفعل أنت وتسأله.
نهضت من مكاني واقتربت من شجرة البرتقال التي كتبت على جذعها أسماءنا نحن الثلاثة لأنني لم أرغب أن ترى الدمعتان اللتان سقطت على خدي.
هل أخبرها حقا لمَ هو يبكي ؟؟
ينتابني الخوف حين أفكر بأخبارها أن ابننا قد توفي منذ ثلاثة أعوام بحادث سيارة !!
لكن خوفي يزداد حين أتذكر أنها قد توفيت معه في نفس الحادث.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا احتاج لأكتب عنك ؟
- في غابات القلب
- رسالة من طليقي
- أهمية النقد الأدبي في مسيرة الكاتب


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - نومها المقدس