أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سعد محمد عبدالله - حلم السلام والديمقراطية والحريات وشبح الإنقلابات والإنتهازية المشؤمة















المزيد.....



حلم السلام والديمقراطية والحريات وشبح الإنقلابات والإنتهازية المشؤمة


سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي


الحوار المتمدن-العدد: 7081 - 2021 / 11 / 19 - 02:27
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


•إزدواجية الإنقلاب العسكري المدني.
•إتجاهات التحالفات السياسية والعسكرية.
•محاولة إخماد الثورة بالسلاح.
•محاولة سلب مكتسبات التغيير.
•إتفاقية السلام والوثيقة الدستورية.
•مواكب اكتوبر - نوفمبر والعصيان المدني.
•إعتقال المسؤليين والسياسيين.
•قطع الإنترنت ومنع حرية الرأي.
•إستعادة السلطة الإنتقالية.
•إستفادة قوى الثورة والتغيير.
•رؤية قوى الكفاح المسلح.

إزدواجـيـة الإنـقـلاب الـعـسـكـري الـمـدنـي:

ما حدث في الخرطوم يُعتبر إنقلاب مزدوج بين عسكريين مدعوميين من قبل مدنيين إنقلابيين يسعون لإعاقة مشوار التغيير الشامل في السودان، وهذا إستنساخ لتجارب إنقلابات عبود ونميري والبشير، ومحاولة للجنوح إلي القوة لحسم صراع الإرادات “الديمقراطية والدكتاتورية”، وما قام به الجنرالات بقيادة عبدالفتاح البرهان وحلفائه من السياسيين بتصفيق الإنتهازيين مخالف للوثيقة الدستورية التي تواثقوا عليها كنتاج لمفاوضات شهد عليها العالم أجمع، ولا يمكن بناء سودان السلام والعدالة الإجتماعية دون تحقق الإنتقال الكامل من ظلام الدكتاتورية إلي الفضاءات الديمقراطية المدنية طبقاً للمشروع الوطني المتفق عليه في الوثيقة الدستورية مقرونة بإتفاقية جوبا لسلام السودان التي أتت كنتاج لكفاح السودانيين علي مدار الحقب الماضية، وكان السلام مطلب ثورة ديسمبر، وينبغي أن لا يفكر الجنرالات أبداً فيما فكر فيه البشير طوال سنوات حكمه؛ فهذا الشعب خاض ثورة عظيمة أسقطت نظام البشير عندما أصيب بغرور السلطة متصوراً أن بامكانه إسقاط تطلعات الشعب بالبندقية؛ فشعبنا الذي أطاح بذاك النظام الفاسد والمستبد الآن يجوب الشوارع في المدن والقرى متصدياً لشبح الإنقلاب المشؤم الذي أظلم سماء السودان، والآن قوى الثورة والتغيير في مقدمة صفوف مواكب الثورة، وقد عبرواً جميعاً عن تمسكهم بالتحول نحو دولة الديمقراطية والسلام، والإنقلاب الذي وقع أعاد توحيد السودانيين بكل مكوناتهم حول أهداف ثورتهم الباقية، وضد وكلاء الفاشية الباغية، وتسلط تلك النفوس الطاغية، وكل المكونات الوطنية الحالمة بدولة السلام والمواطنة بلا تمييز تعمل بكل طاقاتها لتحقيق مشروع ثورة ديسمبر المجيدة مع المحافظة علي توازن الشارع، والسير علي خط مستقيم إلي أخر الطريق بتماسك الثوار الراغبيين في إحداث التغيير.

إتـجـاهـات الـتـحالـفـات الـسـيـاسـيـة والـعـسـكـريـة:

نتتبع إتجاهات ومحاور التحالفات السياسية والعسكرية عند تداخلها وتجاذبها مع الصراع بين المكون المدني والعسكري خلال سهور الفترة الإنتقالية الحالية؛ حيث التمظهرات الإيدلوجية وجدلياتها المتجلية علي الفضاء العام، والتي تتكشف من حين لآخر مُغذية شريان التباين بين العسكريين بتعدد معسكراتهم وخلفياتهم التاريخية، ومنهم من يعتقدون ملكية الدولة دون سواهم، ويحاولون فرض وصايتهم علي الشعب، وقد عبروا عن هذا الإعتقاد علي مسمع الجميع، وهنالك من هم جنوداً وساسة أوفياء للشعب من الوطنيين الأحرار الذين تضرروا من تسييس وأدلجة المؤسسات العسكرية وفرض التصورات الأوحادية، ولكن مع كل هذا الصراع نجد المدنيين مع أبعاد إختلاف مشاربهم السياسية ومراجعهم الفكرية يتفقون علي أهمية بناء الدولة المدنية الديمقراطية، وفي ذلك يتقاسمون مسؤليات الكفاح من أجل تحرير السودان، وإعادة هيكلة كافة القوات النظامية مع النظاميين المنحازيين للثورة والتغيير في خط واحد متصل برؤية تكوين جيش قومي متنوع يدافع عن البلاد، ولكن ثمة تشكلات آخرى "إسلاموعسكرية" مدعومة من وكلاء النظام البائد والإنتفاعيين الذين يشتغلون علي المسرح السياسي السوداني بمفهوم "رزق اليوم باليوم"، ويعملون مع تيارات من "الإسلام السياسي، والعسكر إسلامية" للصعود عبر الإنقلاب علي الفترة الإنتقالية التي يحسبونها حكومة أنتجتها مكونات اليساريين والديمقراطيين دون النظر لوجود طيف واسع من المكونات الوسطية المساندة لخيارات الشعب للتحول نحو سودان السلام والحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية، وهذه المطالب تشكل مشروع جديد للسودانيين المتطلعيين لواقع جيد تتحقق فيه التنمية المتساوية والرفاهية للريف والمدينة، ومحاولة ترويج مفاهيم غير ما يطلبه الشعب تُعتبر قفزات خارج ملعب الشعب، ومصيرها الإرتداد؛ لكن ردة هذه الثورة مستحيلة، والملاحظ أن نظرة الجماعات الراديكالية المتزمتة بمواقفها المتعصبة حيال دعم وتشجيع الإنقلاب ورفض خيارات قوى الثورة والتغيير هو تبلور واضح لخطهم المعادي للتغيير الذي سحب البساط من تحت أقدامهم بعد أن كانوا يسيطرون علي مفاصل السلطة والثروة بشراكاتهم المصلحية مع العسكر، وهذا الوضع المُختل جزء من إختلال التركيبة السياسية والعسكرية منذ تأسيس السودان؛ حيث تم خلط المهام العسكرية والسياسية بدليل الإنقلاب علي نظام الحكم آنذاك بعد ثلاثة سنوات فقط من الإستقلال، ومنذ ذلك التاريخ توالت الإنقلابات العسكرية تحت إشراف مجموعات سياسية جعلت التفكير في دستور دائم للبلاد من المسأئل المستحيلة، وقضايا الحروب وإنتهاكاتها الجسيمة معادلات معقدة للغاية لم تجد حلول تخاطب جزور الحرب، والتغيير الذي حدث أفقد تجار الحرب وذوي المصالح الضيقة مصالحهم السلطوية والإقتصادية بسقوط توجهاتهم السياسية من المشهد العام، ومهد ذلك لبناء دولة السلام والديمقراطية، وهنا نستطيع القول أن الصراعات الإيدلوجية علي الفضاء العام ما زالت مُحتدمة ومُحتدة بين الإصلاحيين من الديمقراطيين والثوريين التقدميين الذين يناضلون لتحقيق التغيير الشامل لصالح جمهورية السودان الجديد القائمة علي أسس السلام والديمقراطية والمواطنة المتساوية مقابل تيارات الإسلاميين السياسيين والعسكريين المتأسلميين الرافضيين لهذا التغيير، ويريدون إسترجاع وهم الجمهورية الوِراثية ذات السياسات الإنكفائية والظلامية الساعية لإفساد مؤسسات الدولة وتضيق حياة المجتمع في جمهورية الأوهام الإيدلوجية لجماعات الهوس والتطرف والإنتفاع اللحظي، وهذا الأمر لا يمكن أن يكون مع إستمرار الثورة الرافضة لتلك التوجهات البالية، والثورة جعلت الحاكمية للشعب لا لأساطير النخب القديمة التي إستنفذت فُرصها، وفقدت جميع مقومات التطور باصرارها علي التمسك بتوجهات تسببت في إنهيار أجهزة الدولة وإنشطارها إلي دولتيين، وبعد ميلاد الثورة المجيدة لا يمكن أن يُحكم السودان إلا بما جاء في شعارات وبرامج ثورة ديسمبر الفتية، ويجب أن يعمل الجميع بهمة لحماية الفترة الإنتقالية إلي نهايتها، والتحضير لقيام مؤتمر قومي دستوري مع إصلاح المؤسسات المدنية والعسكرية لتواكب العالم من حولنا، والذهاب إلي إنتخابات حرة يختار فيها الشعب ما يريد من بين برامج قوى التغيير المدني الديمقراطي.

مـحـاولـة إخـمـاد الـثـورة بـالـسـلاح:

محاولة إخماد لهب الثورة، وفض الثوار باستخدام السلاح الناري ليس إلا تكرار لمشاهد ما قبل سقوط البشير، ونحن الآن نسترجع تلك الصور القبيحة بقبح الدكتاتورية، ونقول أننا عدنا إلي "نقطة الصفر"، ولكنا قد عدنا بمناعة قوية لا تثقبها رصاصات بنادق الإستبداد مهما تكاثف عدد مطلقيها، وشعبنا الجسور خرج إلي الشارع لتجديد روح الثورة وإفتداء هذا الوطن بالأرواح من أجل الصعود مجدداً إلي غايات التغيير، وقد أنبتت الشوارع ثوار أحرار في الساعات الأولى لإعلان الإنقلاب الليلي، ولجان المقاومة لم تقصر في خوض معارك حماية الثورة؛ كما لم يتراجع شعبنا رغم العنف الذي مورس من قبل الإنقلابيين، وقدمنا شهداء كُثر من ثوار بلادنا الذين لبوا نداء الثورة بصمود وجسارة، والدماء المسفوكة من أجل الحرية والسلام والعدالة لن تذهب هدراً دون محاسبة أولئك الذين سفكوها غدراً وخيانة لهذا الوطن، وهؤلاء الإنقلابيين لن يتعلموا من صبر وصمود شعبنا السلمي لأنهم يطالعون كتاب الثورة بالمقلوب، ولا يفهمون لغة الشعب، ولم يسألوا أنفسهم: هل الثورة ستتوقف بقتل الناس أم ستستمر حتى النصر؟، ونحن نؤكد تمام الإستعداد لمواصلة الثورة بنفس طويل وعقول مفتوحة علي الواقع حتى تتحقق آمالنا في بناء دولة الديمقراطية والمدنية والعدالة الإجتماعية والسلام الشامل والمستدام.

مـحـاولـة سـلـب مـكـتـسـبـات الـتـغـيـيـر:

محاولة سلب مكتسبات شعبنا في التغيير تُعتبر سباحة عكس تيار ثورة الشعب السوداني الذي قاوم الحكومات الإستبدادية طوال العهود السابقة، ولا يعرف شعبنا التراجع عن أهدافه خاصة فيما يتعلق بثورة ديسمبر المجيدة مهما تأمروا عليه بمخططات مجموعات لصوص الثورات الذين تعودوا علي قتل أحلام الشعب، وهذه "ردة مستحيلة"، لم يدرسوا أبعادها قبل الإقدام عليها، ويجب تفعيل آليات المقاومة الثورية السلمية للكفاح المشترك بهدف إسترداد البلاد ممن يريدون إختطافها لصالح أجندة سياسية مبنية علي مغالطات مفتعلة بخطاب موغل في الإنتهازية، وهذه الخطوة تُعتبر تقهقر أعاد السودان إلي "مربع ما قبل سقوط النظام الإنقاذي"، ولكن شعبنا والعالم أجمع في غاية الإدارك بكل ما يُحَاك ضد السودان، والإنقلابات من سمات الإنتهازيين الذين لا يستطيعون تحقيق رغباتهم إلا عبر السياسات اللصوصية، وهذه الممارسات لا يمكن تمريرها دون فعل مساوي لها في إتجاه الثورة والتغيير، وما حدث منذ إنكشاف خبايا المشكلة بين المدنيين والعسكريين بعد محاولة الإنقلاب الأخيرة أوضح للمتابعيين حقيقة الصراع، وهذا وضع مؤسف للغاية، والإنقلابات بكل أشكالها وأنواعها لا تخدم ثُوار السودان الجديد إنما تخدم ثِيران السودان القديم، ولا يجوز النظر إلا لمستقبل دولة السودان بعد أن قهر شعبنا الإستبداد ليعيش بسلام في دولة الديمقراطية والمواطنة بلا تمييز.

إتـفـاقـيـة الـسـلام والـوثـيـقـة الـدسـتـوريـة:

إتفاقية السلام والوثيقة الدستورية هما إطاران لبناء سودان الديمقراطية والسلام والعدالة الإجتماعية والإقتصادية طبقاً لشعارات ثورة ديسمبر المجيدة "حرية سلام وعدالة، والشعب يريد بناء سودان جديد"، وكلاهما من إنجازات السودانيين الحالميين بميلاد عهد جديد تتحقق فيه تطلعاتهم المستقبلية بتكوين سودان جديد يقبل تنوع الثقافات والإثنيات والديانات وتعدد الأراء السياسية والفكرية، وأن تكون الهوية السودانوية مرأةً يُبصر فيها الجميع آمالهم المشروعة دون تمييز، والوثيقتان تحملان ملامح شعبنا دون "مكياج"، وهما يعبران عن كافة قضايا السودان الملحة ذات الجذور التاريخية وحيثيات حاضرة ومعاصرة، وقد تمت الإجابة علي الكثير من أسئلة السودان التاريخية والمعاصرة التي ظلت تغطيها الإستفهامات منذ فجر الإستقلال الذي شهد سلسلة من الإنقلابات، ويجب الدفاع عنهما كأهم وثائق أوجدها مناخ التغيير للعبور نحو المستقبل المنشود، والتنازل عن الوثيقة الدستورية أو إتفاقية السلام مسألة في غاية الخطورة، ولا يمكن تصور عاقبتها، ولا يوجد سند لهذه التنازلات سواء من الشعب أم قواه السياسية والمدنية الحية، وصون مكتسبات ثورة ديسمبر مسؤلية جميع الوطنيين المؤمنيين بقيم الحرية والسلام والعدالة، وكيما يتم تحقيق التغيير الشامل يتوجب علينا أولاً تمتيين وحدة قوى الثورة والتغيير للدفاع عن إتفاقية السلام والوثيقة الدستورية مهما كلف الأمر من مشقة ومصائب قد لا تكون أقل خطورةً مما كانت عليه الأوضاع قبل قيام الثورة، وليكن مبدأ حوار المنطق والشفافية والديمقراطية التشاركية بين كافة الأطراف طريق للتوافق حول الأجندة الآنية والمستقبلية للعودة مرةً آخرى إلي مسار الثورة بشكل صحيح يؤسس لنهضة السودان خاصة بعد إنفتاح البلاد علي العالم الخارجي، والثوار يصححون دفاترهم بأقلامهم لا بأقلام غيرهم من أبواق النطام البائد وصُناع الأوهام، ويجب علينا جميعاً مراجعة ذاكرة التاريخ لأخذ العِبر من بطولات شعبنا وخيبات من ساندوا الحكومات المستبدة عبر التاريخ، ومن يراهن علي الإستداد حتماً خاسر، وللعبور باتزان نحو الدولة الديمقراطية والمدنية المستمدة جسر يمكننا السير عليه لتحقيق أحلام الشهداء الذين قدموا أرواحهم للسودان الديمقراطي الجديد.

مـواكـب اكتوبر - نوفمبر والـعـصـيـان الـمـدنـي:

خرجت مواكب حاشدة في اكتوبر ونوفمبر من جميع المناطق السودانية لتجديد المطالبة بضرورة تطبيق الديمقراطية، وإعادة تسليم الحكم لسلطة مدنية، وهيكلة جميع الأجهزة العسكرية وفقاً للترتيبات الأمنية، وإسترداد الثورة باستعادة الوثيقة الدستورية مقرونة باتفاقية جوبا لسلام السودان، هذا مع إعلان العصيان المدني الشامل كسلاح فعال استخدم في مراحل من تاريخ الكفاح الثوري التحرري السلمي، وقد طالب المحتجيين بالعودة للوثيقة الدستورية وتنفيذ إتفاقية السلام، ولا يمكن الفصل بين الوثيقتيين، وأخذ إحداهما دون الآخرى، وهما من أهم إنجازات الديسمبريين الذين يحلمون بسودان الديمقراطية والسلام والعدالة الإجتماعية، ومحاولة العبث بهذه الوثائق أو الفصل بينهما بأخذ جانب وترك جوانب آخرى لا يُعد إلا تراجع عن مبادئ الثورة الممهورة بدماء شهداء كرام تقدموا صفوف الكفاح من أجل بلادهم، والثورة لا تقبل التقسيم، ولا تنازل عن إنجازات ثورة ديسمبر، وشعارها المحوري "حرية سلام وعدالة، والشعب يريد بناء سودان جديد" يجب أن يسود بسيادة هذا الشعب العظيم الذي هتف بصوت واحد "الشعب أقوى أقوى والردة مستحيلة"، ومن يحاولون جر السودان إلي مربع الردة عليهم فتح كتاب النظام الإنقاذي المباد لفهم إصرار شعبنا علي السير نحو تحقيق أهداف الثورة مهما بلغ حجم التحديات، وليفهموا أن المواكب الثورية لن تتوقف عن تدفقها علي طول وعرض شوارع السودان المشتعلة طالما هؤلاء الإنقلابيين لم يتوقفوا عن تسديد رصاصاتهم علي صدور الثوار العزل الذين تمسكوا بسلمية التعبيير عن مواقفهم، ولقد قال الشعب مقولة صريحة سيخلدها التاريخ "الشوارع لا تخون"، وهذه الشوارع لم تخون أبنائها وبناتها الذين عانقوها من أجل أن تسودها رياح السلام لا روائح بارود البنادق وقنابل الغاز المُسيل للدموع الذي يقذف بكثافة داخل التجمعات والمساكن، وكما سقط الإنقاذيين بأمر من الشعب الصامد سوف تسقط كافة مخططات الإنقلابيين، وهذا الشعب الجسور لا يقبل العودة إلي الدكتاتورية مهما كان من مماحكات بين العسكريين المسيسيين والظلامييين من قوى الردة والخنوع، وسيتواصل الحراك الثوري والسياسي في كافة الأصعدة لتصحيح مسار الإنتقال بعد هذا الإنحراف المتعمد ممن ذهبوا في الإتجاه المُعاكس، وسنعمل بذات الأهداف التي خرجنا من أجلها في ثورة ديسمبر المجيدة لتأسيس السودان من جديد، ونلاحظ الدعم الدولي المقدر، وتدفق سيل مشاعر المحبة والتضامن من شعوب العالم تجاه شعب السودان إحتفاءً بثورة الديسمبريين السائريين بصبر إلي المستقبل؛ فكل هذا التفاؤل يجدد فينا الأمل، ويدفعنا للصمود أمام جور وجبروت الإنقلابيين والإنتهازيين، ومستمريين في البحث عن أحلامنا الثورية المشرعة بين حقول القمح والمدارس وشوارع الأحياء في المدن والأرياف، وسنقاوم كافة محاولات سطوة الطغاة من أجل تثبيت أعمدة دولة ديمقراطية تسع الجميع دون فرز.

إعـتـقـال الـمـسـؤلـيـيـن والـسـيـاسـيـيـن:

قامت قوات مأمورة من الجنرالات الإنقلابية بتنفيذ حملات إعتقالات واسعة النطاق للمسؤليين والسياسيين من أعضاء مجلس السيادة ومجلس الوزراء ولجنة تفكيك نظام الـ(30) من يونيو وإزالة التمكين ومحاربة الفساد وإسترداد الأموال العامة ولجان المقاومة داخل الأحياء السكنية وميادين الثورة، وقد حوت قوائم الإعتقالات عدة أسماء من بينها رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك ومستشاره السياسي ياسر سعيد عرمان و وزير شؤن مجلس الوزراء خالد عمر و وزير الصناعة والتجارة إبراهيم الشيخ وعضوا مجلس السيادة محمد الفكي سليمان وعضوا لجنة تفكيك النظام المباد وجدي صالح وعدد كبير من القادة السياسيين والثوريين والمسؤليين في كابينة الدولة من مختلف الولايات السودانية، وأتت هذه الإعتقالات متزامنة مع حملة إقتحام الأماكن العامة التي شهدت حالات جلد وسب وحلق رؤس الشباب ومضايقة الشابات من قبل جنود مؤتمرون بقرار الإنقلابيين الباطشيين بشعبنا الكريم؛ الذين إعتدوا علي الفتيات والفتية المناهضيين للإنقلابات العسكرية في السودان منذ عشرات السنيين حتى إنقلاب البركاوي قبل قرار البرهان الأخير الذي حاول إرجاع السودان إلي عهد القهر والإستبداد الذي طوينا صفحاته بكل ما تحمله من قسوة، وقد خرجت المواكب المليونية الحاشدة يتقدمها نشطاء من النساء والشباب والطلاب لتأكيد تمسكهم بدولة الحرية والسلام والعدالة والديمقراطية؛ هاتفيين بوحدة الشعب وقواه السياسية والمدنية وسلمية ثورتهم مهما بلغت شدة العنف ضدهم، وإستمر المعتقليين السياسيين يقاومون في محابسهم رافعيين شارة النصر لرفاقهم، ولم يُطلق سراح المعتقليين رغم البيانات الصادرة من جهات داخلية وخارجية للمطالبة بضرورة الإفراج عنهم دون أي شروط أو قيود إلا عدد قليل منهم، ولكن نجد قادة الإنقلاب يصرون علي مصادرة حق الآخريين في التمتع بحرياتهم الإنسانية الأساسية التي إكتسبوها في عهد الثورة والتغيير، وهذا الإصرار يُعتبر تعبير صريح لسوء نية هؤلاء الإنقلابيين، وسعيهم لهدم أهم أركان شعارات ثورة ديسمبر المجيدة، وتُعد الإعتقالات خارج إطار القانون من سمات النظام المباد الذي سقط من المشهد إلا غُباره الذي علق في أذهان من يلبسون ثياب السودان القديم، ويرفعون رايات الأنظمة الدكتاتورية المشابهة للإنقاذيين، ويمارسون إنتهاكات جسيمة ضد حقوق وحريات الإنسان، وينبغي أن يتوقف ذلك مع محاسبة كل من يحاول العبث بالحقوق والحريات في سودان الثور والتغيير.

قـطـع الإنـتـرنـت ومـنـع حـريـة الـرأي:

الفضاءات الإسفيرية واحدة من أكبر المنصات الإعلامية في العالم الجديد؛ كما انها وسائل للتوصل بين المجتمع، ولا يجوز أبداً مصادرة حق الولوج إليها من قبل الحكومات أو الشركات تحت أية مبررات، ومن يقوم بمصادرة هذا الحق بالتأكيد لا يؤمن البتة بحرية الرأي والفكر؛ متجاوزاً بذلك مسألة الحقوق، ويجب مساءلة شركات الإتصالات لقطع الإنترنت والإتصال المباشر عن ملايين السودانيين الذين فقدوا التواصل فيما بينهم لعدة أيام دون إخطار مسبق أو سبب مُبرر منطقي ومصوغ قانوني يسمح للشركات أن تتخذ هذه الإجراءات، وما قامت به شركات الإتصالات إنتهاك صارخ للحريات العامة والخاصة للمجتمع؛ فلا نجد ما يُبرِر هذه الخطوة المنافية لكل مواثيق حقوق الإنسان والإتصالات، ويجب بناء أوسع جبهة من كافة شابات وشباب الثورة للدفاع عن الحقوق والحريات الإنسانية بالوسائل القانونية المتاحة؛ كما يجب علينا جميعاً تشكيل فريق متخصص لصياغة مذكرة إحتجاج تُرفع لتلك الشركات للتعبيير عن رفض وإستنكار السودانيات والسودانيين لهذه الممارسات المجحفة بحقهم؛ خاصة وأن تلك الشركات أوقفت إمداد عملائها بالخدمات دون إخطارهم بمسببات ذلك، وقطع الإتصالات والإنترنت إعادة لنُسخ قديمة من الدكتاتورية الإنقاذوية المبادة بأمر الشعب، وسوف يعود الشعب صامداً بعد أن أصدر أمر إسقاط الإنقلاب الجديد الذي أظهر حاجة السودان لإصلاحات هيكيلة عميقة جداً مع إنتشار ظاهرة تنمر أتباع الأجهزة البوليسية بمهاجمة أساسيات الدولة المدنية الديمقراطية بوحشية عندما قُطعت الشبكات بأمرهم لمنع حرية التعبيير عن الفكر والرأي، ولكن هل سيدوم هذا التسلط المتوحش ضد شعبنا؟ بالطبع لا ما دام شعبنا يقاومه بضراوة وشجاعة أبهر بها العالم أجمع، وعلي جميع شركات الإتصالات إعادة التفكير فيما تقوم به من إجراءات تعسفية، وعليها أخذ العِبرة مما سبق بالأمس القريب، وأن تُحدِد شكل ومضمون العلاقة بينها وعملائها في السودان، ويجب أن تلتزم بلوائح وقوانيين مهنية لا تتخطاها لتنفيذ أجندة سياسية هدفها قتل آمال شعبنا الثائر، والشعب باقٍ لكن الأنظمة تتبدل، ويجب علي تلك الشركات أن تبتعد كلياً عن مخططات تسيس خدمات الإنترنت والإتصالات لإرتباطها الوثيق بمسألة حقوق وحريات ومصالح المجتمعات من مختلف الألوان السياسية والفكرية، والجميع يستخدم الإنترنت والإتصالات، ولا بد من تصميم قوانيين تُنظِم هذا الأمر بحيث يتمكن الجميع من أخذ مساحة مستحقة عبر وسائط التواصل الإجتماعي تسمح بالتعبيير الشفاف عن الفكر والرأي والضميير دون أن تنحاز الشركات لفئة مُحددة داخل المجتمع أو الدولة وتسقط حقوق الآخريين بلا مصوغ قانوني يمنحها ذلك؛ فما لم تكن هنالك أنشطة تخريب وإرهاب ضد الدولة والشعب لا يجوز إتخاذ مثل هكذا إجراء مصادم لحقوق التعبيير والإتصال مع الأخريين، وإذا حدث ذلك لظروف محددة فمن الشفافية والأخلاق يتوجب الإعتذار للشعب مع توضيح الأسباب، ولكن من الغرابة أن تحدث مثل هذه الإنتهاكات القاسية جداً ضد الشعب نفسه إنحيازاً لجنرالات يريدون الإنفراد بالقرار داخل الدولة في محاولة لإجبار الشعب علي قبول تسلطهم عليه بقوة البنادق والنفوذ السلطوي، ونحن الآن نعيش عصر جديد لا يستطيع أحد أن يمنع فيه الناس من النطق بالحق في أي مكان حول العالم مهما بلغ تسلطه، ومن يفكر في هذا الأمر عليه مراجعة مواكب اكتوبر ونوفمبر التي خرجت إلي الشوارع بكثافة رغم قطع جميع وسائط التواصل الإجتماعي تمهيداً لتنفيذ مخطط الإنقلاب، وفرض سياسة الأمر الواقع.

إسـتـعـادة الـسـلـطـة الإنـتـقـالـيـة:

تأكد قادة الإنقلاب من العسكريين والمدنيين بما لا يترك مساحة للشك أن سلوكهم هذا مرفوض داخلياً وخارجياً، ولا يمكن تسويق إنقلابهم تحت أي "ماركة سياسية"، ومحاولة سيرهم في الظلام حتماً نهايتها لا تقود إلا للمجهول، وهنالك ضغط عالٍ من الشارع السوداني، وأيضاً العالم الخارجي، ولا يمكن الخروج من هذه الدوامة إلا بابتدار حوار مفتوح بين الأطراف السودانية الرئيسية بوساطة من العقلاء والحادبيين علي مصلحة السودان؛ إضافة لتسهيلات من هيئات إقليمية ودولية وحكومات صديقة تود المساهمة لفتح الحوار الشامل في جو تسوده المكاشفة والصراحة، علي أن يفضي لإيجاد حلول منطقية تُعيد مراكب الثورة إلي النهر، ويجب عرض نتائج الحوارات الدائرة بين الأطراف علي شعب السودان بشكل مباشر لمعرفة الحقائق، فمن الغباء محاولة إقناع الشعب بأي حل حالياً قبل إتخاذ إجراءات حول الإفراج عن المعتقليين السياسيين والثوريين في مقدمتهم الدكتور عبدالله حمدوك رئيس مجلس الوزراء، والسماح لهم بمباشرة أعمالهم اليومية ومهامهم الحكومية، ومخاطبة الشعب بحرية كاملة قبل الذهاب لأي خطوات تهورية أوحادية من شأنها أن تعقد المشهد أكثر فأكثر، والحوار واحدة من وسائل التغيير الشامل لا تعارض بينها والوسائل الآخرى من الإحتجاجات المليونية في المدن والقرى، والعصيان المدني والإضراب السياسي في جميع مؤسسات الدولة، والعمل علي حشد الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي لصالح ثورة شعبنا بحراك دبلماسي فعال ومتوازن بعيداً عن سياسات المحاور المؤدلجة التي تحرك أجندتها دوائر مغلقة ومقلقة في كثير من جوانبها؛ فنحن في أمس الحاجة لحل ناجع وجزري لمشكلة السودان بمساعدة من أصدقاء السودان الذين يسعون بجدية لتوطيد الشراكة مع حكومة الثورة السودانية تطلعاً لمستقبل جيد للجميع، والتأخر في إيجاد مخرج آمن للوضع الحالي سيؤدي حتماً لتعميق الإستشكالات السياسية والإنسانية والإقتصادية في بلاد عانت من الحروب والإفقار وتعدد الجيوش المسلحة المرجو تحويلها لجيش واحد مهني مهمته الدفاع عن الوطن حسب ما نصت عليه إتفاقية السلام في بند الترتيبات الأمنية؛ ففي كل الأحوال من الأصوب والأحسن وضع القضايا الوطنية موضع الخلاف علي منضدة حوار شامل لإيجاد حلول مقبولة لا إقصاء فيها لأحد أو إنتقاص للوثائق المتفق عليها، والخروج من هذا النفق المظلم يبدأ بإستعادة السلطة الإنتقالية تمهيداً للعبور نحو الديمقراطية والسلام والمواطنة بلا تمييز.

إسـتـفـادة قـوى الـثـورة والـتـغـيـيـر:

بامكان جميع قوى الثورة والتغيير الإستفادة من هذه التجربة الإنقلابية بما يجعلها تقوم باصلاحات داخلية تجنبها من شبح التشرزم والإنهيار بسبب الأخطاء الناجمة عن تباينات وجهات النظر حول قضايا السودان المصيرية، فقد حققت أحداث هذه الأيام أكبر إجماع سياسي مصحوب بعودة الحراك الثوري إلي ساحات السودان، وهذه فرصة لفتح نقاشات موضوعية حول كيفية بناء أوسع تحالف سوداني ناتج عن معطيات واقعية أفرزتها الثورة؛ فكل من يقف مع الثورة فهو جزء من حِلف الثوار في منصة جديدة يشكلها السودانيين للدفاع عن قضايا الحقوق السياسية والمدنية وحماية الفترة الإنتقالية وصولاً لإنتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب من يمثله حسب برامج المرشحيين وقتذاك، ويبدأ الإصلاح من الإعلان السياسي المُبرم بين مكونات قوى الحرية والتغيير قبل وقوع الإنقلاب الأخير، وقد وضع الإعلان السياسي أسس جيدة لهيكلة الحرية والتغيير يجب إنزالها علي كافة المستويات من المركز إلي الولايات لتسهيل عملية الحوار وتقارب الأراء بُغية إدارة المرحلة القادمة بسلاسة، وأيضاً نجدها سانحة للتذكير بأهمية دور التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية ولجان المقاومة بمختلف مشاربها بخصوص العمل المشترك بتناغم مع بعضها وإنتباهها علي المتغيرات في المشهد العام للدفع بالثورة إلي غاياتها المنشودة؛ فمن فكروا في الإنقلاب لاحظوا تبعثر الأراء وسط قوى الثورة والتغيير مما حفز فيهم حماسة الإنقضاض علي المشهد برمته، وأعتقد أن الجميع لاحظ محاولة شق الصفوف عنوة بعد التوقيع علي الإعلان السياسي الذي أربك حسابات قادة الثورة المضادة من وكلاء النظام المباد "القدامى والجدد"، وهذا يشير لخطر لا بد من أن نتخطاه بتوحيد الصفوف لإستيعاب كل من يرغب في التغيير والتحرر من الدكتاتورية، وكل حقبة تاريخية عاشها السودانيين بها سلبيات وإيجابيات نستطيع الإستفادة منها بما يمكنا من الصمود أمام التحديات الآنية والمستقبلية، ومن هنا يكون الإهتمام بوحدة مكونات الشعب ضرورة قصوى دونها لا تتحقق أهداف الثورة كما يجب أن يكون، والواضح أن تجربة مقاومة الإنقلاب علي الفترة الإنتقالية أكسبتنا مناعة الوحدة حول مبادئ جوهرية متفق عليها بين الجميع، وأيضاً تكشفت حقائق الصراع داخل مؤسسات الدولة، ومن يقف مع التحول المدني الديمقراطي والسلام الشامل والباحثيين عن مكاسب السلطة ولو كانت عبر دعم إنقلاب القوى الظلامية، ولذلك من الأفضل إنصراف كافة القوى الوطنية الحية إلي العمل السريع لإستكمال هياكل الحرية والتغيير، وإعداد برامج تدعم السلام والديمقراطية والعدالة الإجتماعية، وبحث كيفية معالجة أزمة السودان في الشرق، والإهتمام بقضايا معاش الناس وإستقرار البلاد كيما نفتح مسار النهضة الإقتصادية وصولاً لرفاه شعبنا الذي كافح بشجاعة مقدماً تضحيات كبيرة يجب الإستفادة منها في تكوين تحالف منحاز لقضايا الجماهير المنتصرة بقوة إرادتها وصمودها أمام مخاطر الإستبداد، وقد آن الآن حصاد ثمرات الثورة والتغيير، وبناء مستقبل أفضل.

رؤيـة قـوى الـكـفـاح الـمـسلـح:

إتخذت حركات الكفاح المسلح المنضوية تحت رايات إتفاقية جوبا لسلام السودان موقف الحوار بين المكونيين "المدنيين والعسكريين" للخروج من دائرة الصراعات السياسية القائمة، ومنع إنزلاق السودان نحو الدمار الشامل، وهذه رؤية مأخوذة من منهج المنطق والتجربة التاريخية في التعاطي مع الصراع بين السياسات والأفكار المتنافرة؛ فلا بد من منطقة إلتقاء بين الجميع لفتح حوار غير مشروط للعبور نحو تحقيق غاية ثورة ديسمبر المتمثلة في الحرية والسلام والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والإقتصادية، ولا يمكن الوصول لهذه الغاية دون العودة إلي طاولة التفاوض بين قوى الثورة والتغيير والمكون العسكري القابض علي السلطة بموجب الإجراءات إنقلابية التي خلقت هذه الأوضاع المعقدة، وطرح الحوار ليس بدعة جديدة علي السودانيين الذين يحتفظون بتاريخ واسع منذ عهود قديمة وقعت فيها كوارث وأداروها بالحوار، وحركات الكفاح المسلح كانت تحارب وتحاور من أجل تحقيق السلام؛ فمن ضمن مسببات الحروب غياب السلام، والسلام لا يأتي إلا بالحوار المفتوح علي قضايا البلاد، ولدينا عدة تجارب للبلدان من حولنا لم تخرج من كوارثها إلا بعد جلوس قادتها بشجاعة للحوار البناء لحل قضاياها الراهنة والمستقبلية وبحث كيفية إدارة شؤن الدولة بما يحفظ الحقوق السياسية والمدنية والإقتصادية للجميع، وهنا يجب إسترجاع تجارب جنوب افريقيا بشأن الفصل العنصري ونجيريا في حرب البيافرة، وأيضاً مسألة الحرب في السودان وجنوب السودان وروندا وبورندي، وكذلك تجربة الولايات المتحدة الأمريكية وحرب الفيتنام وغيرها من التجارب التي لم تنتهي إلا بعد الجلوس علي منضدة حوار ناقش جذور تلك الأزمات وطرح حلول موضوعية تمنع العودة للوراء، ودفتر تاريخ هذه الحركات التحررية السودانية يحمل تجربة طويلة يمكن أخذ الحلول منها للعبور نحو وضع جديد نحافظ فيه علي مكتسبات ثورة ديسمبر دون الإخلال بأمن وإستقرار السودان، وقد إستمعت لحديث الرفيق الفريق مالك عقار اير عضوا مجلس السيادة ورئيس الحركة الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال عبر قناة الجزيرة مباشر حول رؤية حركات الكفاح المسلح للأزمة وطرائق حلها بفتح أبواب الحوار الغير مشروط بين المدنيين والعسكريين بعد تهيئة المناخ، ويستوجب ذلك إطلاق سرح جميع المعتقليين وأولهم رئيس مجلس الوزراء د.عبدالله حمدوك، إيقاف تكبيل حريات الصحافة والتعبيير عن الرأي، وأعتقد أن الخط الثالث الذي إتخذه أعضاء مجلس السيادة الثلاث من مكونات الجبهة الثورية السودانية لتقريب وجهات النظر بين المدنيين والعسكريين سيكون معبراً لتصحيح كل الأخطاء السابقة وإصلاح وضع الدولة والعبور نحو المستقبل، وأيضاً أعتقد أن إنقلاب 25 اكتوبر قد وحد كافة السودانيين حول قضاياهم المصيرية مع إختلاف مناهجهم السياسية والفكرية و وجهات نظرهم بين من يسعون لإسقاط النظام ومن يريدون إعادة تصميمه عبر سياسات جديدة تضيف مكاسب آخرى لمشوار التغيير الذي لا يمكن أن نبلغ نهاياته بضربة واحدة؛ فالتغيير عملية لا تتوقف أبداً بينما تحفها تحديات جمة يتوجب علينا العمل المشترك لإجتيازها وإنجاز التحول المدني الديمقراطي، وتكوين جيش مهني موحد، وتحسين الإقتصاد الوطني، ورد مظالم مجتمعات مناطق الحروب والتهميش، ومحاربة الفقر بعودة وجه الريف المنتج وحركة المدن التجارية والموانئ، وإستعادة العلاقة مع دول العالم طبقاً لمبادئ السلام والمصالح السياسية والإقتصادية والأمنية المشتركة، وهذه الملفات لا يمكن إدارتها دون وجود دولة مؤسسات فاعلة وبرنامج عمل متفق عليه بين جميع المكونات الوطنية، وهنا تكمن أهمية إجراء الحوار بغية وقف إنهيار الدولة، وهذا الإنهيار وشيك الوقوع إذا نظرنا لما يدور علي المشهد العام من إنقلابات وثورات مضادة ومغاضبة وخصومة بين الأطراف مع إنتشار خطاب الكراهية وتحديات أمنية وإقتصادية متراكمة، وفي ظل كل هذه الإستشكالات لا يكون العلاج إلا بمخاطبة جذور المشكلات لإيجاد لقاح ناجع يمكن السودان من الإستشفاء الكامل؛ فكلما ذهبنا للمسكنات السياسية قلت إحتمالات الخروج من الغيبوبة التي نعيشها، وتجريب المجرب لا يأتي بنتائج مغايرة لسابقاتها؛ لذلك لا بد من البحث عن خيارات آخرى تجنب بلادنا المخاطر المحتملة أو تلك الواقعة علي رؤسنا الآن، وكان خيار الجبهة الثورية أن تفتح منابر الحوار الذي لولاه لما نجح السودانيين في تدوين الوثيقة الدستورية وتحقيق السلام وإستعادة التعاون الدولي، وطرح الحوار لا يتعارض مع الثورة بل يمهد الطريق لتحقيق أهدافها دون تشنج وتمترس الأطراف السياسية والعسكرية؛ ويجب علينا تركيز النظر حول قضايانا الأساسية المتمثلة في الحرية والسلام والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والتنمية الريفية والمتمدنة والإستفادة من الصداقات الدولية المتوازنة، وبالتأكيد هذه القضايا تمثل محاور مشتركة تتطلب منا جميعاً عمل مستمر لتحقيقها؛ لذلك يجب تدارك الأزمة الحالية بحوار عميق قائم علي المنطق، وما يجمعنا أكثر مما يفرقنا طالما أن السودان ليس حكراً لمجموعة دون الآخرى، وكلنا سودانيين شركاء في الحياة والتغيير والمصير الواحد.

هبة اكتوبر - نوفمبر - 2021م



#سعد_محمد_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة روح الحاضر والمستقبل
- تعليق حول الراهن السياسي
- لقاء مع والي ولاية سنار
- تعليقاً علي الأحداث بولاية سنار
- تعليقاً علي الإعتصام داخل الأمانة العامة لحكومة ولاية سنار
- العيد الأول للسلام
- صباح الثورة للثوار والسودان
- الحركة الشعبية| تصريح صحفي للرأي العام
- البطل ناهض حتَر
- إستمرار الثورة وإستقرار البلاد
- تصريح صحفي
- كلمات تحت ركام مركز مالك عقار الثقافي
- إستعداء وإستهداف الرفيقة نعمات جماع
- تصريح صحفي:
- برقية للمتقى المغاربي الثاني
- زيارة النيل الأزرق بمناسبة تنصيب الفريق الحاكم أحمد العمدة
- السَارِد والمُترجِم - أحمد خالص/ نجم بعقوبة وملاك السلام
- القائد المفقود - وداعاً العم رضوان
- امتحانات المرحلة الثانوية بمايرنو
- إمتحانات شهادة مرحلة الأساس


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سعد محمد عبدالله - حلم السلام والديمقراطية والحريات وشبح الإنقلابات والإنتهازية المشؤمة