رفعت عوض الله
الحوار المتمدن-العدد: 7064 - 2021 / 11 / 1 - 17:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حدث في 31اكتوبر 1517
بشمال المانيا ، وفي مدينة ايسلين ، وٌلد مارتن لوثر لاب يٌدعي لودر هانز ، وام هي مارجريت ليندمان في 10نوفمبر 1483، وكان الطفل الاول للاسرة .
ابوه كانت ظروفه المعيشية لا بأس بها ، فكان يعمل في مجال استخراج النحاس من المناجم .
في سنة 1484 انتقلت الاسرة الي مدنية مانسفيلد . وكان الاب واحدا من ا ربعة ممثلين للمدينة في المجلس المحلي .
كان الاب طموحا ، ويرغب في ان يري ابنه البكر "مارتن " محاميا .
حين كان عمره 19 سنة التحق بجامعة إيروف ليدرس القانون وفقا لرغبة والده ،غير انه لم يواصل دراسة القانون ، ملتفتا الى اللاهوت والفلسفة .
في 17 يوليو 1505 ترك كلية القانون ، ودخل دير الرهبنة الاوغسطينية ، وهو الامر الذي لم يكن الاب راضيا عنه . فقد كان يريد لابنه ان يصير محاميا .
في سنة 1507عٌين استاذا للاهوت في مدينة كان . في سنة 1508 بدأ تدريس اللاهوت في جامعة مدينة فيتنبرج ، ثم حصل علي درجة البكالوريوس في دراسات الكتاب المقدس في مارس 1509، ودرجة اخري في نفس العام .
في 19 اكتوبر 1512حصل علي الدكتوراه في اصول الدين . وفي 21 اكتوبر من نفس السنة حصل علي دكتوراه اخري في الكتاب المقدس .
في سنة 1516ٌاٌ رسل يوهان نيتزل الراهب الدومنيكاني ، والمفوض البابوي الي المانيا لبيع صكوك الغفران، بغية جمع الاموال اللازمة لاعادة بناء كاتدرائية القديس بطرس في روما .
كان بابوات روما مولعين ببناء الكاتدرائيات الكبري الفخيمة ، والتي يتطلب بناؤها اموالا طائلة . ولما كانت خزينة البابا لايكفي ما بها من مال ، فقد تفتق عقل البابا عن اصدار ما يٌسمي بصكوك الغفران ، والتي بموجبها يشتري المسيحي الكاثوليكي صكا . وبذا يساهم في عمل من اعمال البر والخير المسيحي ، قيٌحسب له عملا صالحا ، به يصير له مكان في ملكوت السماء بعد الموت . وهذه العقيدة تستند علي إن الايمان والتوبة وحدهما ليسا كافيين لغفران الخطايا ، فالعمل الصالح كالاعمال الخيرية ، والتي من ضمنها التبرع بالمال للكنيسة يجب ان تصاحب الايمان والتوبة .
في 31 اكتوبر 1517 كتب لوثر لأسقفه ألبرت الماينزي احتجاجا علي بيع صكوك الغفران ، معتبرا الايمان وحده كاف لنيل التبرير . ارفق لوثر مع رسالته نسخة من احد كتبه ، التي عٌرفت بأسم الاطروحات او القضايا الخمس والتسعين ، والتي جاء بها : " لماذا يريد البابا بناء بازليك القديس بطرس من مال الفقراء ، بدلا من ماله او مال الفاتيكان الخاص . "
واعترض ايضا علي قول منسوب للموفد البابويي يوهان : "انه حالما ترن العملة في قاع الصندوق ، فإن ارواحنا تتخلص من العذاب" .
ركز لوثر علي ان الله يمنح المغفرة بمعزل عن اي عمل صالح . وان الغفران يحل من اي عمل تكفيري او عقوبة مرتبطة به. وانه لا يجوز لاتباع المسيح القبول بهذه الضمانات الكاذبة .
في يناير 1518 قامت مجموعة من اصدقاء لوثر بترجمة الاطروحات الخمسة والتسعين من اللاتينية الي الالمانية ، ثم طٌبعت ووٌزعت علي نطاق واسع .
في سنة 1519 في كنيسة فيتنبرج احتشد الطلاب لسماع عظات لوثر وافكاره .
خرج لوثر بنتيجة مفادها ان الفساد قد لحق بأساليب الكنيسة في دراسة الكتب المقدسة . ففقدت الرؤية ما عدا جزءا من الحقائق المركزية المسيحية .. كان الاهم بالنسبة له عقيدة التبرير اي غفران الخطايا من قبل الله ، وتبرير الانسان امامه
اكبر اعمال لوثر مناقشة لعقيدة التبرير بالايمان وحده كان كتابه "عبودية اللارادة " نشره سنة 1525 ردا علي كتاب الراهب العالم الهولندي إيرازموس "حول الارادة الحرة ". استند فيه علي ماجاء برسالة بولس الرسول لاهل مدينة افسس في اصحاح 2 ومن عدد 1 الي عدد 10: "وانتم اذ كنتم امواتا بالذنوب والخطايا ، التي سلكتم فيها قبلا حسب دهر هذا العالم ، حسب رئيس سلطان الهواء ، الروح الذي يعمل الان في ابناء المعصية ،الذين نحن ايضا جميعا تصرفنا قبلا بينهم في شهوات جسدنا ، عاملين مشيئات الجسد والافكار ، وكنا ابالطبيعة ابناء الغضب كالباقين ايضا ، الله الذي هو غني في الرحمة ، من اجل محبته الكثيرة التي احبنا بها ، ونحن اموات بالخطايا احيانا مع المسيح _ بالنعمة انتم مخلصون _ واقامنا معه ، واجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع ، ليظهر في الدهور الاتية غني نعمته الفائق ،لأنكم بالنعمة مخلصون ، بالابمان ،وذلك ليس منكم . هو عطية الله . ليس من اعمال كيلا يفتخر احد . لاننا عمله ، مخلوقين في المسيح يسوع لاعمال صالحة ، قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها . "
ليبرهن علي ان الاعمال الصالحة التي يقوم بها المؤمنون لا تساهم في فعل التبرير . التبريرات من الله دون فعل مشاركة من الانسان عن طريق سر الفداء ، سر الفداء لا يمنح البر ، بل هو البرذاته .
امر البابا ليون العاشر عددا من اللاهوتيين المختصين "بالرد علي الهراطقة " بمحاججة لوثر ، وعلي مدي ثلاث سنوات نشر اولئك اللاهوتيون سلسلة مقالات ضد لوثر ، ولكنها لم تفلح إلا في زيادة تشبث لوثر بموقفه واراءه وتصلبه .
اخيرا رفع الراهب الدومينيكاني سلفستر زولني دعوي قضائية ضد لوثر امام محاكم العقيدة بتهمة الهرطقة .
تمت جلسات الاستماع للوثر في مدينة اوجسبرج بالمانيا برئاسة الموفد البابوي الكاردينال " كاجيتان " .
في الجلسة الاولي اعلن لوثر ان البابوية غير منصوص عليها في الكتاب المقدس ، فتحولت الجلسة الي مشادة كلامية .
كان في نية الموفد البابوي علي اثر تصريح لوثر اعتقاله . بيد ان الحكومة المحلية ضمنت امان لوثر .
بعد ذلك عين البابا القاصد الرسولي كارل فون ميليتز بولاية سكسونيا ليناظر لوثر . وكان هذا القاصد رجلا مرنا ميالا للمصالحة . ولكن لوثر استنادا لما ورد بانجيل متي 18 : 16 : "وإن لم يسمع فخذ معك ايضا واحدا او اثنين ، لكي تقوم كل كلمة علي فم شاهدين او ثلاثة " قال ان الكتاب المقدس لا يعطي البابوات الحق الحصري في تفسيره ، ومن ثم طعن في العصمة البابوية في الامور العقائدية .
علي اثر كل هذا في يونيو 1520 اصدر البابا مرسوما يقضي بالطرد والحرم الكنسي للوثر في حال لم يتراجع عن 41 جملة ماخوذة من كتاباته .
في مدينة ورمز اجتمع مجلس يضم قضاة من مختلف انحاء الامبراطورية الرومانية المقدسة برئاسة الامبراطور لمناقشة القضايا الخمس والتسعين التي طرحها لوثر في 31 اكتوبر سنة 1517 ، وألية تفعيل الحرم الكنسي الواقع علي لوثر .
في الجلسات اكد لوثر علي ان الكتب المنسوبة له من تأليفه ، وانه مازال علي موقفه علي ما جاء بها ، رافضا الارتدادعن ما كتبه فهو "اسير كلمة الله ".
إزاء إصرارلوثر تمت إدانته ، واعتباره خارجا علي القانون ، وحظر مؤلفاته ، وتقرر اعتقاله بوصفه زنديقا ، كما نص القرار علي تجريم كل مواطن يأويه او يقدم له مساعدة ، مع التصريح بأهدار دمه .
لحسن حظ لوثر وجود الامير فريدريك الثالث الذي بسط عليه الحماية . بعد انفضاض مجلس مدينة ورمز قام هذا الامير بنقل لوثر تحت حماية فرسان ملثمين الي قلعة وتنبرج . وهناك اتم لوثر ترجمة العهد الجديد من اليونانية الي الالمانية ،وايضا وضع عددا من الكتب اللاهوتية المدافعة عن وجهة نظره .
في كل هذه الكتب ركز لوثر علي الايمان ، وذهب الي العمل الصالح او الجيد الذي يقوم به المرء بهدف كسب اجر من الله هو خطية ، وبين ان البشر خطاؤون بالطبيعة ، وانه بدون نعمة الله لا يمكن للانسان ان يأتي عملا صالحا .
في ذات الوقت هاجم لوثر مظاهر التقوي الشعبية مثل زيارة الاماكن المقدسة والكنائس ، والتبرك بصور القديسين .
واثناء ٌإقامته في وتنبرج اعلن عن رفضه لسر الاعتراف . وفي نوفمبر من نفس السنة كسر نذور الرهبنة ، معلنا ان الرهبنة ليس لها دور في نوال الخلاص .
في 6 مارس 1522عاد سرا الي مدينة فتنبرج ، ولمدة ثمانية ايام بمناسبة الصوم الكبير، قدم لوثر ثماني عظات ، فيها ناقش سيادة "القيم المسيحية "الاساسية مثل الحب والصبر والاحسان والحرية والثقة بكلمة الله بدلامن العنف في إحداث تغيير ولو كان ضروريا . وقال : "هل تعرف ب ماذا يفكر الشيطان عندما يري الرجال يستخدمون العنف لنشر الانجيل ، فالشيطان هو من يجني الفائدة ، والشيطان يخاف وينهزم عندما يري الكلمة والعمل هما سلاحا الميدان في المعركة ".
وحين ثار فلاحو المانيا ، في البداية تعاطف معهم لوثر ، ولكنه اكد علي وجوب طاعة السلطة الزمنية ، وصرح خلال جولة له في ساكسونيا السفلي انه غضب بشدة من حرق الاديرة ومقرات الاساقفة والمكتبات ، وعمليات القتل والسرقة ، وادان بشدة اعمال العنف ، ودعاالنبلاء لاخماد ثورة الفلاحين ،لانهم اختاروا العنف في وجه حكومة شرعية زمنية ، متجاهلين قول المسيح : "اعطي لقيصر ما ليقيصر ،وما لله لله "، موضحا ان السلطة هي من الله فلايمكن مقاومتها وفقا لما جاء برسالة بولس الرسول لاهل رومية الاصحاح 13 ومن عدد 1 الي 7 : "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة ،لأنه ليس سلطان إلا من الله ، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله ، حتي إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله ، والمقامون يأخذون لانفسهم دينونة ، فإن الحكام ليسواخوفا للاعمال الصالحة بل للشريرة . أفتريد ان لا تخاف السلطان ؟ افعل الصلاح فيكون لك مدح منه ،لانه خادم الله للصلاح ! ولكن إن فعلت الشر فخف ،لانه لا يحمل السيف عبثا ، إذهو خادم الله ، منتقم للغضب من الذي يفعل الشر . لذلك يلزم ان يخضع له ، ليس بسبب الغضب فقط ، بل ايضا بسبب الضمير . فانكم لاجل هذا تٌوفون الجزية ايضا ، إذ هم خدام الله مواظبون علي ذلك عينه . فأعطوا الجميع حقوقهم : الجزية لمن له الجزية . الجباية لمن له الجباية . والخوف لمن له الخوف والاكرام لمن له الاكرام ".
وعلي إثر فقد المتمردين دعم لوثر القوا اسلحتهم .
عمل علي تنظيم الكنيسة الجديدة لا لتكون علي غرار الكنيسة الكاثولكية المركزي التراتبي .
نشر ترجمته للعهد الجديد للالمانية سنة 1522 ، ثم انهي هو ومعاونوه ترجمة العهد القديم في سنة 1534 ، وبذا صار الكتاب المقدس بعهديه في متناول القارئ الالماني العادي .
حظيت ترجمته للكتاب المقدس بزخم وشعبية كبيرة ،وهذا دفع الي ازدياد الطلب علي المنشورات باللغة الالمانية وهذا بدوره ساهم في تطور اللغة والادب الالمانيين .
اختراع الطباعة ، وعصر النهضة ،ومارتن لوثر هم من صنعوا العصر الحديث .
#رفعت_عوض_الله (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟