رفعت عوض الله
الحوار المتمدن-العدد: 6945 - 2021 / 7 / 1 - 17:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
30 يونيو 2013
في 25 يناير 2011 خرج المصريون وبأعداد كبيرة احتجاجا علي ممارسات الشرطة المصرية القمعية ، وتطور الامر ليصير انتفاضة شعبية عارمة ضد الرئيس مبارك ،الذي ظل حاكما مستبدا متسلطا لثلاث عقود كئيبة مملة .
رفع المتظاهرون شعارات " عيش ،حرية ،كرامة ،عدالة اجتماعية . "
ظل المصريون بالشوارع والميادين ليس في القاهرة وحدها ، بل ايضا في الاسكندرية والسويس ، وبورسعيد ، ومدن الدلتا ، والصعيد .
إلي ان اجبرت قيادات الجيش المصري مبارك علي ا لتنحي ، وتسليم السلطة ليس لقيادة مدنية مؤقتة ، بل لقيادات الجيش "المجلس العسكري ".
وكان هذا الإجراء مناورة بارعة من مبارك ، ومن الجيش المصري الوطني الذي يحكم مصر منذ يوليو 1952........ بعد سقوط المشروع الناصري عقب هزيمة يونيو1967 المهينة ، وتولي السادات الحكم في سنة 1970 . عقب وفاة عبد الناصر ورث الاسلاميون المشروع القومي الوحدوي العروبي الذي نادي به الزعيم جمال عبد الناصر ، وبالتالي اصبح علي الساحة بعد خروج الاسلاميين من السجون والمعتقلات ، والسماح لهم بالهيمنة علي الشارع والمسجد ، والمدرسة ، والجامعة ، والنقابات المهنية ، وايضا الإعلام . فعملوا بحماس ودأب ونظام وذكاء علي اسلمة المجال العام المصري .
وكما ان للجيش علي سبيل المثال هيئة خارجية ، ولباس مميز ، علي الجنود والضباط ارتدائه كعلامة دالة علي الانتماء للجيش ، كذلك عمد الاسلاميون ان يكون لهم ما يميزهم ، ويجعلهم مختلفين عن الجميع . وهكذا علي مستوي المرأة والفتاه كان لابد من فرض الحجاب كعلامة عامة تميز المسلمات المنضويات تحت لواء الاسلمة ، بدعوي ان كشف المرأة لشعرها يتناقض مع نصوص قرآنية صريحة . وتباري الشيوخ والدعاة في حض المسلمات علي الحجاب ، وكان للداعية الخطير الشيخ الشعراوي دور كبير للغاية في نشر الحجاب .
المحصلة نجح الاسلاميون في مسعاهم واصبحت المراة المسلمة في الغالبية العظمي محجبة اومنتقبة . واصبح الرجال ، إما بلحية خفيفة ، وإما بلحية كثيفة مع حف الشارب ، مع علامة علي الجبهة تفيد بمداومة الصلاة .
بعد اغتيال السادات في 6اكتوبر 1981 وتولي حسني مبارك مقاليد الحكم ، امعن الرجل في ترك الساحة للاسلاميين ليعمقوا ، ويوسعوا من وجودهم ، وسيطرتهم علي المجال العام المصري . وهذه هي خطيئة مبارك الكبري ، ومن قبله السادات .. الذي كان يهم مبارك هو البقاء في السلطة ، وعدم تكرار تجربة اغتيال السادات عليه .
المجلس العسكري الذي جاء بديلا لمبارك وعي وادرك قوة الاسلاميين سواء اكانوا اخوانا ام سلفيين ، فتفاهم معهم ، وافسح لهم الساحة ليكونوا احزابا سياسية "الحرية والعدالة" ، و"النور" السلفي وغيرهما من الاحزاب الاسلاموية .
بل انهم {اي الاخوان والسلفيين} سيطرواعلي البرلمان حين اٌجريت انتخابات نيابية في سنة 2012 ، وصاغوا دستورا اسلامويا في مضمونه .
استكمالا للمخطط جرت انتخابات رئاسية بين مرشح الاخوان محمد مرسي ، والمرشح المدني احمد شفيق في منتصف سنة 2012 ، وظهرت تسريبات تفيد بفوز شفيق ، فخرج تهديد ووعيد من مكتب الا رشا د لجماعة الاخوان المسلمين ، وتم اعلان النتيجة بفوز مرشح الاخوان بفارق ضئيل .
اصبح محمد مرسي رئيسا منتخبا لمصر . بيد ان امور إدارة مصر لم تكن بيد الرجل ، فما هو إلا واجهة ، من خلفها يحكم المرشد العام ومجلسه ...الخطيئة الكبري او قل المصيدة التي وقع فيها الاخوان انهم لم يتمهلوا ، ولم يسيروا في طريق الاسلمة والاخونة الهويني ، بل سارعوا وبحماس شديد ، وداب علي صبغ ا لجهاز الحاكم والمرافق ، واحهزة الدولة المختلفة بصبغتهم . هنا افاق المصريون ، وتململوا ، وتمردوا ، وتظاهروا ، بل ان اجهزة الدولة المختلفة رفضت تنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية ، وندد الاعلام وانتقد توجهات الرئيس الاخواني .
كانت قيادات الجيش تراقب ، تنظر بارتياح لسلوك الرئيس الاخواني المرفوض شعبيا . استغلت قيادة الجيش هذا الرفض الشعبي الواسع ، فاعلنت تلك القيادة عن مساندتها ودعمها لمطالب الناس ، بل وضعت الجيش تحت امر الجماهير الغاضبة . لذا في 3 يوليو 2013 عزل وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية ، ووضعه رهن الاقامة الجبرية في مكان غير معلوم ، واعلن عن خارطة الطريق بحضور شيخ الازهر ، وبطريرك الكنيسة القبطية والسلفيين . وهنا علامة الاستفهام ونصبوا رئيسا مؤقتا "المستشار عدلي منصور" ، وأٌعلن عن انتخابات رئاسية في سنة 2014 خاضها وزير الدفاع بعد استقالته ، وكان الامر محسوما بفوزه .
نعم الجيش الوطني المصري انقذ مصر والمصريين من حكم الاخوان الاصولي المعادي للانسانية والحضارة ، وغير الأبه بمصر الوطن ، وحين اقدم وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي علي عزل الرئيس محمد مرسي ، كان الامر مغامرة ومخاطرة ، لو فشلت لكان معني ذلك توجيه تهمة الخيانة العظمي لعبد الفتاح السيسي وصحبه ، ومن ثم اعدامهم ، فالاقبال علي تلك المغامرة الخطرة كانت شجاعة تحسب لم اقدم عليها .
ولكني اظن ان الجيش المصري الذي يحكم مصر منذ يوليو 52 في عقيدته ان يظل حاكما لمصر الي ما شاء الله ، ولا يقبل ان يكون رئيس مصر مدنيا اي ليس خارجا من صفوف الجيش الوطني المصري . ولعل رفض قيادات الجيش لتوريث جمال مبارك الحكم بعد ابيه ، ليس
رفضا لمبدأ التوريث بقدر الرفض لحاكم مدني ، بحكم ان جمال مبارك رجل مدني وليس عسكريا .
وفقا لهذه النظرة فإن المجلس العسكري الذي تولي إدارة مصر بعد عزل مبارك ، ادرك عمق وجود الاسلاميين في المجال المصري العام ، وفي عقول وقلوب المصريين المستجيبين للدعوة والحض الاسلامويين .
وفكر اولئك القادة العسكريون كيف نتخلص من هذا الميل والتوجه الذي يصب في مصلحة الاسلامويين ، فنصبوا الفخ ...فسمحوا بوجود الاخوان والسلفيين في الحياة السياسية ، وسمحوا بوجود احزاب دينية ، بل سمحوا بهيمنة الاسلامويين علي البرلمان المنتخب ...وكان من الامور التي لها دلالة خطيرة عدم وقوف السلفيين اعضاء مجلس النواب اثناء عزف السلام المصري الوطني . وفي الانتخابات الرئاسية سمحوا بمنافس اخواني لاخرمدني، ولماهدد وتوعد مكتب الارشاد العام للاخوان المسلمين ، والذي كان له انذاك قوة ونفوذ وسطوة ، تحسب المجلس العسكري من مغبة الامور . وقد يكون صحيحا انهم اعلنوا فوز محمد مرسي علي غير واقع حساب الاصوات ، وتركوا الرئيس الجديد ومن خلفه مكتب الارشاد يمعنوا في الاخونة والاسلمة حتي يحصدوا نفور وتمرد الناس . وهذا ما حدث ، وحين ينفر الناس ويتظاهروا ويحتشدوا بالملايين في ميادين مصر ، تكون الفرصة مواتية لعزل الرئيس الاخواني ، والتمهيد لعودة الجيش ليحكم من جديد ليستمر خروج حكام مصرمن صفوف الجيش .
في25 يناير 2011 خرج المصريون ليطالبوا بالعيش والحرية والكرامة والعدالة ، ولكن في ظل استمرار ان يكون حكامنا من الجيش ، تظل هذه المطالب النبيلة احلام بعيدة المنال .
#رفعت_عوض_الله (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟