أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - الظاهرة السارترية ح9














المزيد.....

الظاهرة السارترية ح9


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7055 - 2021 / 10 / 23 - 15:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لقد كتب ديستوفسكي مرة (إذا لم يكـن الله موجـودا فكـل شـيء مبـاح) هذه العبارة كانت اللبنة الأولى في الفكرة الوجودية عن القيم ومنها الأخلاق، وبإنكار وجود الله سيصبح كل شيء مباح فعلا عندها يصبح الإنسان وحيدا ومجهولا ولا يوجد في داخله أو خارجه أي رابط أو علاقة مع النفس بذاتها، هنا عليه أن يحاول أن يكتشف نفسه مجددا، وحيث أن الماهية تسبق الوجود عنده فيكون ملزما فيفقد أي عذر لأن يكون خارج ما هو النفس لذاتها، ويصار إلى إحالة كل شيء لوجوده الإنساني بأعتبار لا حقيقة هناك غير حقيقة الإنسانية الطبيعية المحددة الصفات والمسبقة الماهية، بمعنى أن لا حتمية تاريخية لأنها مستحيلة الوجود قبل الوجود للذات، وهنا تكون الحرية لزوم لازم للإنسان لأن يصبح حرا بل الإنسان هو معنى الحرية.
من هذا الوعي المتوج بالحرية وبسبق الماهية على الوجود يصبح القلق السارتري قضية مركزية عنده، حينما يتحول القلق من حالة شعور بالوجود إلى حالة قدرة الوجود على إفراز العدم " اللا وجود " وهو شرط تحقق الحرية، لأن القلق هو من يقود الإنسان كقوة تأخذ بزمام الإنسان ولا يستطيع الفكاك منها، إنه الوجود الثابت الساكن الذي لا يتغير في عالم لا يسكن ولا يبقى دون حراك، فالقلق عند سارتر طريق لأكتشاف الحرية ومضمونه أن الحرية بأعتبارها أكتشاف للوجود وشعور بهذا الوجود، فتكون الحرية حقيقة في وجودها وهذا مصدر القلق في موضع السؤال عن نفسها.
إن فكرة لا مرئيـة االله ولا فعاليتــه وعــدم تدخلـه في الشــأن الإنســاني أدى بسـارتر إلى بنــاء صــرح مفهوم الحرية الوجودية ومنها أنطلق إلى موضوع الأخلاق كونها نتاج الحرية لذاتها، ذلـك أنـه يجعـل مـن الإيمـان عند الإنسان قضـية إراديـة في أعلـى صـورها، والإعـلان عـن الإلحـاد ليس إلا تعبـيرا عـن حالـة وجدانيـة خاصة، لــذـك أن مفارقـــة االله قضية إرادية لا قضـــية عقليـــة تستوجب جعلها من مكونات الوجود لذاته، فإثبـــات وجـــود االله أو عـــدم وجـــوده لا يغـــير في المســـألة شـــيئا بكـل مـا تحمـل مـن معـاني، وهنا يجعـل مـن الإنسـان وحيـدا في عزلـة فقد أصـبح الشيء اللا موجود شـيئا بـديهيا فالعـالم لا يخضع لغائية سابقة، هكذا يقف سارتر مؤيدا القتل النيتشوي للإله، والذي استمد إعجابه وإقراره من عبـارة "سـتاندال" لا عذر الله، إلا كونه غير موجودة.
كل من سارتر وهيدغر لشيء يلوذان على النهج الهوسرلي في كون (أن الوعي هو وعي بشيء ما)، لكن منهج سارتر الفينومنولوجي وهو التعديل الهيدغري للمنهج (الفينومنولـوجي الهوسـرلي) الشـيء هـو موضـوع الشيء لكنـه لـيس محتـواه، أي أن الانتقـال من البحث النفساني( في تعليق الشعور بالظاهرة كواقـــــع أو كـــــإدراك حســـــي أو كضــــــرورة مكانيـة _ زمانيـة، إلى إدراك أنطولـوجي وجـودي متحـرر يفهم على أنه وجود في العالم في حركته وأنفجاره، إنه نشاط متعالي على الشيء ووثيقا الصلة بالحريـة، إن القلـق حـين يكشـفني لـذاتي باعتبـاري شـعورا، يقنعـني بـذلك بـأن ثمـة لعبـا في الوجـود وأن العـدم يطارد كينونة الوجود، والحرية تقوم علـى هـذا العـدم في الاختيـار وعـدم الاختيـار الذي هو اختيار، ذلك أنه منذ أن يعزى إلى الشعور بتلك القدرة السلبية تجـاه العـالم وتجـاه ذاتـه، ومنذ أن يكـون الإعـدام جـزءا لا يتجـزأ مـن وضـع غايـة، فـلا بـد مـن الإقـرار بـأن الشـرط الأساسـي الـذي لا غـنى عنه لكل فعل هو حرية الموجود الفاعل.
إن مبررات الفكر الوجودي السارتري الإلحادي المعلن عنه دون مواريه والذي يعد من أبرز ميزات بنائه الفلسفي يمثل امتدادا لحالة وجدانية سالبة لديه هي ذاتها امتـداد لحالـة اجتماعيـة عايشـتها أوروبـا في حربين عالميتين دفعها إلى حالة من اليأس الكلي، حيث لم تعد تـؤمن بقـيم حافظـة للإنسـان لتظهـر الوجوديـة بعـد ذلك بتتويجها ونهائيتها المأساوية إنطلاقا من بدايتها الرائعة، إن إنزلاقات الفـكر السارتري الإلحادي الأساسية ناتجـة أصلا مـن انطلاقتـه اللا دينيـة غير المؤسسة والتي بنيت منهجها الأساسي على حالة اليأس الناتج عن الفراغ الروحي بالدرجة الأولى، لذا عندما نشير إلى أن وجودية سارتر وجودية غير أصلية ولا فلسفة لها وزنها في عالم الفكر ننطلق من هذه النتيجة، كونها ردات فعل لواقع سادته العبثية والعدمية التي أرست حالة الحربين العالميتين نتائجها على واقع الإنسان الأوربي، مما أستدعى الكثير من المفكرين أن يتخذوا موقفا إنعكاسيا عن معنى الحياة والوجود ومنهم بالطبع سارتر.
لقد حول سارتر من خلال تطور رؤيته الأخلاقية المفاهيم التي تؤطر فكرته من الفردية العقلانية الميتافيزيقية إلى أخلاق أجتماعية بإطار ماركسي، فأسس بذلك الوجودية الماركسية من خلال دراسة الوجود من خلال الإنسان وليس دراسة الإنسان من خلال الوجود، أي عزل بشكل تام تأثيرات الوجود التي لا ينكرها عاقل وسلم زمام الأمر للإنسان وإرادته منظورا لها من باب الماهية أي من خلال الوجود لذاته، وبذلك منح الأخلاق صفة الشمولية وكأنه يريد من الماركسية التي تحجرت وأصبحت لا تتحرك إلا من خلال زجها بالإطار الفلسفي للوجودية، وبذلك يمكنها أن تكون أكثر إنسانية من واقعها الوجودي بذاته، يعني ذلك تجاوز حالة الأعتماد على الفردية التي تستظهر وجوديتها من خلال وعيها وليس من خلال شيء أخر (علاقات العمل) التي أبعدت الإنسان المتحرك المتطور من الإنطلاق بالإرادة والحرية ليكون عامل تغيير في المجتمع ولبس خاضعا لأنثرولوجيا غير إنسانية تقف في وجه الحركية والتغيير التي هي من ماهية الوجود لذاته.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الظاهرة السارترية ح 7
- الظاهرة السارترية ح 8
- الطاهرة السارترية ح 6
- الظاهرة السارترية ح5
- الظاهرة السارترية ح3
- الظاهرة السارتية ح4
- الظاهرة السارترية ح2
- الظاهرة السارترية ح1
- مسك الختام
- وجودية أم طبيعية
- عبد الله
- خريف وربيع... الله والإنسان
- نظرية الشيطان ج2
- نظرية الشيطان
- أصطناع العدو .... نظريات وتأريخ
- العنف والإيمان
- في نظريات الكوسمولوجيا
- من الدين إلى الألحاد
- كيف نتعامل مع الموروث الديني؟ ولماذا الدين أصلا؟
- مفهم الديمقراطية بين حاجة السلطة وحق الشعب


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - الظاهرة السارترية ح9