أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - كيف نتعامل مع الموروث الديني؟ ولماذا الدين أصلا؟















المزيد.....

كيف نتعامل مع الموروث الديني؟ ولماذا الدين أصلا؟


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7038 - 2021 / 10 / 5 - 17:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما أعود بعقلي مع مزيد من القراءات والاستنتاجات التي تتزايد يوما بعد يوم وترسم صورة جديدة وقد تكون مختلفة لقناعات قديمة، أقف مذهولا من قدرة ذلك الإنسان الأول الذي رسم حدود فكرية مذهلة لتصوراته حول الوجود وما بعد الوجود دون أن يستعين بموروث أو فكرة مسبقة، وكيف له أن يتصرف مع تلك الحقائق والمغيبات وهو لا يملك ما أملك أنا من رصيد فكري ساهم في تكوينه وتراكمه كل من عاش على وجه الأرض من بشر من أول مخلوق ولليوم، أقف الآن تماما مثل ذلك الرجل الذي نظر بتأمل وحيرة ومحاولة للعبور من بحر اللا أدري واللا أفهم إلى شاطئ تحدي المعرفة ليكسر المجهول والغيب واللا علم.
فما زال السؤال هو ذاته والحيرة هي عينها والمحاولة بالرغم من كل هذا الزمن تراوح مكانها، أين المدبر العظيم؟ كيف وصل للإنسان حتى يكلمه او كما يزعم الكثيرون؟ هل فعلا أن الله الذي في السماء هو من يخبرنا عن كل شيء؟ أم هي توهمات النفس المحتارة؟ أسئلة وأسئلة وكلما تقربت أكثر ظانا أنني لا مست الحقيقة، وجدت نفسي على عتبة أول خطوة خطاها الإنسان حتى يفهم ما يعني وتعني كل تلك الأسئلة له.
من الغريب أن الإنسان وهو في طريقه نحو البحث عن نهاية للشك الذي يراوده يزداد شكوكا بشكل يجعله أحيانا يلجأ للهرب من هذا الطريق، وحتى الهروب لم يتركه في حالة من الأستقرار العقلي إلا إذا كان يفضل أن يغلق بوابات العقل ويترك كل شيء خلفه ليتحول إلى إنسان أخر بمواصفات أخرى، لم أجد في الهروب منفذ ولم أرى سوى نفسي تائهة في بحر التساؤلات المتتالية والمتراكمة تلاحقني في كل ثانية، هنا لا بد من الوقوف وألتقاط الأنفاس لنعاود البحث من جديد لعلنا نصل إلى ما نسعى له أو قريبا منه.
الدوامة التي تلاحقني ليست من تلك الأفكار التي يمكن تجاوزها أو محاولة العبور عليها أو حتى تجاهلها، لأنها تتصل أصلا بضميري العقيدي الذي صاغه المجتمع وصاغه الواقع وشكلته الأفكار المتداولة في الوجود، إذا ما هو موقفي من أساسيات عاشت وعشت معها طويلا حتى صارت جزء أساسي من هويتي ومن تركيبتي الفكرية، في هذا الوقت تحديدا لم أعد أتحمل أن أحمل الشكوك والتساؤلات المحورية وأمضي بها نحو اللا مبالاة، هذا بالنسبة لي أشبه بالأنتحار البطيء والممل أو خداع العقل الذي يجب أن لا تنطلي عليه الخديعة، كان لا بد لي أن أتخذ موقفا شجاعا ولو بالحد الأدنى الذي يمنحني جزء من اليقين النسبي حتى لو كان ثمن ذلك هدم كل الماضي وتراكماته الفكرية والعقيدية.
من هنا بدأت البحث من جديد البحث في كل الزوايا البعيدة والخطرة والتي لم أقبلها من قبل معتقدا أني على بر الأمان ولا شيء يمكن أن يزحزح تلك القناعات، فأكتشفت أن الإنسان العاقل لا يمكنه أن يترك الأمور على المسلمات دون فحص وتقرير وبحث يوصله لليقين وإن كانت نسبية بنتيجتها النهائية، لكنه مطالب دوما أن يفعل ذلك حتى لو كان قد شارف على نهاية رحلته الوجودية، المهم أن لا يترك ما تبقى من فرصة ويهدرها بالتجاهل، فليس هناك من محاولة أخرى لنكتشف الحقيقية بعد ذلك، هذا هو قراري وعليه لن اترك أي مجال لثورة شك متعاظمة تحبط من مسعاي الفكري والعقلي.
بدأت المرحلة الثانية من حياتي العقلية ليس من محل التساؤلات بل خرجت أصلا عن إطارها التقليدي المتكرر، فتكرار الأسئلة بدون أجوبة تعني أن السؤال بذاته عقيم لا يمكن أن ينتج لك مجالا للإجابة أصلا، إذا فلنغادرها مؤقتا ونذهب لأعمق ما يمكننا النزول إليه، هناك في أوليات وبدايات تكوين الدين والعقيدة التي تشكلت عليها وأمنت بها، وأطرح سؤالي هل تلك المفاهيم والمسميات مفيدة بالطبع دون أن تصيبني بضرر؟ وهل الالتزام بحد أخلاقي وشرعي وإن كان يمس جزء من حريتي يعتبر أعتداء أو مساس بها؟ ماذا لو لم تكن هناك عقائد وأديان وقيم أخلاقية في المجتمع؟ هل يتمكن الإنسان عندها أن يمضي بأنتظام دون أن يلحقه ضرر أو أذى أو على الأقل يتخبط في فوضى بلا نهاية؟.
من المؤكد أن هناك من سيجيب على تساؤلاتي هذه، ومن المؤكد أيضا سيقول بجوابه إن الإنسان قادر بعقله على تنظيم أموره دون الحاجة إلى دين أو عقيدة أو مذهب أخلاقي، أعود له لأسأله ماذا يمكن أن يفعل لو أراد ذلك الأمر ببساطة؟ سيقول لك سيصنع من خلال الخبرة والتجربة مجموعة من القوانين والأنظمة التي تنظم حياة الناس، إذا سيعمل على تقنين ما يراه هو واجب وملزم ومحدد، بمعنى أنه سيختار من خلال بعض المفاهيم التجريبية الموجودة أو التي تم التعامل معها على أنها خيارات صحيحة، ليكون منها إطار عام ليحد بها من الفوضى المفترضة، سيقول نعم هذا هو المقصود تماما، سؤالي هنا كيف سيحدد المعيار الذي يجد أنه مناسبا وموافقا لمصلحة الناس؟ سيقول من التجربة ومن تراكم المعرفة لديه لأن التجربة هي من تعزز اليقينية بالنتائج المستخلصة منها، ونحن نفتقر لتجربة خالية من قيم دينية أو مذهبية أو أخلاقية كيف يمكن لنا أن نبني تجربة تستهدف وضع قيم مثالية للمجتمع؟ هذا سؤال سيدو أيضا بحاجة إلى أخذ ورد.
الوعي المقترن بالفكر والذي يبني المجتمع وينظم أحواله قبل أن نخترع القانون وقبل أن نعرف السلطة وحدود ما هو واجب وحق هو أساس ما نريد لنا وللمجتمع ككل، قديما كان الإنسان يبحث عن حاجات أساسية لوجوده، حاجات البقاء فقط وما يترتب عليها وما ينبثق منها من أليات ورؤى ومواضيع كانت اللبنة الأولى التي تعامل معها بشكل جاد وبحرص تام، لم يفكر بالحرية ولا يعرف ما تعني الكلمة من إحساس بالتفرد، لأنه أصلا كان فردا وحرا قبل ذلك فليس هناك من حدود وقيود غير قيد الخوف والشك واللا معلول عما حوله، لذا فهو لا يعرف إلا ما يفقده أو بحاجة له إلا من خلال وعيه بالحاجة، ومن أولى أولويات الحاجات كان الأمن والأستقرار والبقاء ما كان يعوزه، لذا حاول أن يطرق أي باب يؤمن له هذا الجانب الحيوي في وجوده، حتى عرف أن يضع لحريته حدودا تحميه من خلال تحديد حركته وتحديد علاقاته مع الأخر المعلوم أو الغائب، هذا الأمان الروحي كان أول طريق للتفريط بالحرية، لكنه من جهة أخرى صان الوجود من التلف والفوضى، فوضع لكل شيء معنى وربط كل معنى بدلالة وكل دلالة جعل منها قيمة مادية ومثالية فسار في حياته بقليل من الخسائر لكنه ربح وجوده.
الدين والقيم والمثاليات القيمية صحيح كبلت بعض من حركة الإنسان وضيقت عنده مساحة الحرية، لكنها في نفس الوقت والنتيجة منحته فرصة للتطور، وفرصة للفهم والتحليل والتفسير ليتمكن لاحقا من أن يكتشف أنه على طريق طويل كلما مضى فيه يخسر ويربح، وتلك معادلة تعتمد على معيار شخصي متعلق بفكرته عن الربح والخسارة، حتى العبودية عند البعض من البشر تعتبر حلا مقدسا ونعمة لا كما يراها أخرون، فالموضوع إذا ليس كم ربحت وكم خسرت؟ ولكن ما هو الممكن الذي يجعلنا أن نقاوم الفناء أولا ويدفعنا للأمام حتى لا نخسر المزيد.
المسألة إذا تحتاج للكثير من التفكير قبل أن نرفض الفكرة أو نقبلها لذاتها أو لعلة الحرية الشخصية، وهذا لا يعني بأي حال أننا يجب أن نسلم بما هو موجود لدينا أو ما نحن واقعون تحت تأثيره بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولا يعني أيضا أننا لا بد أن نخرق كل شيء أستقر في حياتنا وثبت صلاحه كلا أو جزء، من هنا وقبل أن نرفض أو نقبل لا بد لنا البحث عن الجذور الفكرية التي شكلت العقيدة أو الدين أو القيم الأخلاقية بمسئولية الباحث عن حقائق الأمور وبعين الناقد المتفحص الذي لا يترك ما لا يدركه الآن ويضع كل شيء موضع الدراسة، هذا المنهج لا نبدأ به بالمباشر ولكن ننظر إليه من عدة زوايا منشئة وأساسية رتبت أصل الفكرة وأستحكمت بالتالي على رسوخها في العقل الديني والأخلاقي على العموم.
هذا يتوجب أولا مناقشة للكثير من المواضيع وإن كانت بالضرورة ليست مترابطة ولكن ما نستخلصه منها قد يقودنا إلى رؤية بانوراميه عريضة وعميقة تبين وبشكل غير مباشر، كيف بدأ الإنسان مرتبطا بفكرته الحالية، بمعنى أن من أستعرضه الآن هو قراءات متنوعة ومتفرقة الرابط الذي يجمعها ويوحدني معها وعليها هي النتائج مجتمعة موزونة بمعيار عقلي يستنبط صورة للطريق الذي وصلنا له حتى صرنا نؤمن بما هو موجود حاليا.




#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهم الديمقراطية بين حاجة السلطة وحق الشعب
- تكوين وتأسيس الحضارة ج2
- تكوين وتاسيس الحضارة ج1
- العقل الجمعي...ظاهرة وتكوين
- تأخرنا بماضينا وتقدم الأخرون بالمستقبل
- التاريخ والحضارة
- علاقة التاريخ بالأقتصاد
- علاقة التاريخ بعلم النفس
- علاقة التاريخ بعلم الأجتماع
- علاقة التأريخ بالأنثروبولوجيا
- قصة التأريخ
- الأسطورة والتأريخ
- الإنسان والتاريخ
- تجربة الحرية والمجتمع العراقي
- الإيمان بالتأريخ
- وهم القوة وكتابة التأريخ....
- مراحل تطوير التاريخ البشري
- أعرف دينك يا .... حمار
- الهوية المجتمعية وإشكالية التنوع والتعدد ح1
- الهوية المجتمعية وإشكالية التنوع والتعدد ح2


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - كيف نتعامل مع الموروث الديني؟ ولماذا الدين أصلا؟