أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تجربة الحرية والمجتمع العراقي















المزيد.....

تجربة الحرية والمجتمع العراقي


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7022 - 2021 / 9 / 17 - 09:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في واحدة من لمحاته النظرية يسطر الوردي خلاصة لما يراه من مفهوم الحرية والثورة في مجتمع مثل المجتمع العراقي فيقول (الواقع ان القبائل العراقية بوجه خاص، واهل العراق بوجه عام لم يكونوا يعرفون هذه النزعة (الحرية والاستقلال)، او يدركون لها معنى فهي نزعة حديثة لم تظهر في العراق الا في عهد متأخر جدا، وذلك بعد اتصال العراق بالحضارة الحديثة واقتباس بعض مفاهيمها ومصطلحاتها) ، فهو يرى أن تجربة الحرية تجربة غريبة وحديثة على مجتمع عاش منذ فجر التأريخ تحت سلطات مركزية شمولية، ولم يجرب في حاضره القريب والمتوسط شكلا من أشكال الحرية الأجتماعية، لذا يعد هذا المفهوم بالنسية له وبالأخص للمؤسسة الأجتماعية والدينية المتحكمة نوع من النزق التبشيري ذي المقاصد الخفية .
لكنه من جانب أخر نراه في مسألة الثورة يبتعد قليلا عن الواقع، فالعراق البلد الإسلامي الوحيد الذي لم تنطفي به أجيج الثورة وفكرتها منذ القدم، وما زالت أصداء ثورة الحسين في كربلاء تعشعش في الوجدان الأجتماعي الإسلامي وتحافظ على المقاومة الذاتية له كمجتمع منتفض دوما، وخاصة مع كل تجدد لمفهوم الثورة في مكان ما، ولولا العامل الديني الذي غذته الولائية الدينية وخاصة في الجزء السني من المجتمع العراقي لوجدت المجتمع العراقي على صفيح ساخن لا يقر له قرار، إلا أن مفهوم الخلافة والتجهيل والتغريب وسياسة إفقار العراق وسلب إرادته من قبل السلطة العثمانية، زاد من الشعور بالعجز في مقاومة دولة تعتبر العراق خاصرتها الرخوة بمقابل الإمبراطورية الإيرانية المتربصة .
الدكتور الوردي تجاوز هذا المفهوم في الإشارة التي أوردنا ومن خلال ما أقرأ فأجد أن الدكتور الوردي كان يقصد الربط الجدلي للحرية بالثورة أو الثورة المنتجة للحرية بالمفهوم الغربي متأثرا بالمدرسة الليبرالية الأمريكية، فهو يصنف هذا الوعي على أنه غريب عن مجتمع العراق خصوصا، وأظنه كان مصيبا لجهة النتيجة التي توصل إليها، فبعد نصف قرن من مقولته المشهورة تؤكد الوقائع العراقية أن الحرية وفق النموذج الليبرالي والناتجة عن تغير جذري لا يمكن أن تخدم شعبا لم يتبنى من قبل رؤية حضارية موحدة وقادرة على التجسد قبل ذلك، والشاهد المؤيد لهذا الأستنتاج ما حدث في المجتمع العراقي من فوضى وتخبط وإنهيارات أجتماعية ونفسية بعد عام 2003 .
المفهوم المسيطر على غالبية دراسات وأفكار ونظريات الوردي قوامها في الجانب الأجتماعي كما أسلفنا على مفهوم صراع البداوة والحضارة، وأن العراق يرزح تحت وطأة هذا الصراع وبالتالي ما لم تنهزم البداوة وتتجذر روح المدنية في المجتمع من خلال عصرنة مؤسساته التعليمية والفكرية والتربوية ومن خلال التدرج في الانصهار بين الوافد والحاضر، لا يمكن أن نشهد للحرية دورا مهما في ترقية أسس وأركان المجتمع، العلة في ذلك يعزوها لأن عوامل البداوة المتجذرة في النفوس سوف تنفلت من عقالها لتمارس سطوتها على المجتمع في ظل عدم توازن وتساوي لقيم المجتمع من خلال الإحساس بالتحرر من السلطة ومشتقاتها .
هذا التقييم وإن كان فيه جانب كبير وصحيح ولكن الخوف من عامل البداوة وهو العامل المركزي كما يظن في تخلف المجتمع العراقي لم يعد ذلك الخطر الداهم المؤثر، لأن البدو والبداوة قد أصبحت في جانب منعزل ومشلول التأثير مقابل تقوية روح القبيلة والعشيرة وامتداداتها داخل المدينة، هذه الأمتدادات تغذيها السياسة وتزرع بذورها توجهات في أحيان كثيرة نمطا من التفكير الديني القائم على التفريق بين الناس على أساس مقدار العلم الديني أو القرب من مصادره، أو في صحة مصادره وخاصة في المدن المحاطة بالريف وتتخذ من العلم الديني سمة أجتماعية .
القبلية هي اليوم تمثل التحدي مقابل الأغتراب والتغريب في الجانب الأخر، هما عنصرا التطرف في الحياة العراقية من جهة الوافد للمدينة وإن كان مع مرور الزمن يحاول الإندماج أو هكذا يبدو، لكن في المقابل هناك تطرف لدى البعض من أبناء المدينة أيضا من خلال الرفض التام لكل ما هو وافد، وهذا ما نشهده حاليا فيما يسمى بفوبيا الشروكية ومثلها فوبيا ابن الولاية وابن الريف (داخل السور وخارج السور) في الواقع النجفي مثلا، وبالرغم أن هذه الفوبيا أساسها عنصري والبعض منه طائفي، إلا أن من فجر المفهوم وأداره الصراع أولا هم المتطرفين الذي أستهواهم النمط الغربي في العيش.
الحرية كما نفهما ليست مجرد نتيجة من نتائج الثورة بل هي وعي أساسي في الشخصية الفردية قبل الثورة ينمو ويتكامل ويتجسد بسلوكيات ترعاها وتديرها أسس تربوية ومناهج تعليمية ومثل وممارسات يومية كي تبدو ناضجة وقادرة على أت تؤدي دورها الحيوي في حياة الشعوب، ومن هنا فكلما ترعرعت ثقافة الحرية وتكاثرت الممارسات الصحيحة لها وتنوعت وتجذرت، نجد أن الفرد الأجتماعي سرعان ما يندمج في الإطارات التي تصنعها محاولا الوصول إلى درجة التعبير الجاد والحقيقي عن نفسه بما يؤمن له هوية مميزة يستطيع أن يفخر بها، وهذا ما ينسيه بالتدريج كل القيم والعادات التي ورثها أو أستورثها من أجيال قادمة .
لقد أمن الدكتور الوردي في مفهومه للحرية ونظرته الليبرالية لها بما يسمى بالمدرسة الحتمية التي نجدها تتغلغل في تفكيره، ومن خلال ربط الإنسان بواقعه ربط لا يمكن بالسهولة الإنفكاك منه لأنه جزء من الطبيعة التي يعيشها، البدوي قليلا ما يتغير والمدني قليلا ما يقبل بالمد البدوي، هكذا يرى البدوي للحرية هي ما تعني له كم الانفلات من عين السلطة والقانون والإلتزام بالضابط الأجتماعي العام، مقابل التقيد بالخاص والخصوصي في مجتمعه وعين وقوة وسطوة أحكامه، أما المدني لا يمكنه أن يتنازل عن حقه في التقليد ومسايرة الغرب والنظر بعين أكثر جرأة من عين المجتمع للكثير من المواضيع وأيضا لأنه جزء من الطبيعة التي أنشأته .
لقد أمن بدور الطبيعة وربط بينها وبين الإنسان والحرية دون أن يلتفت إلى أن المدرسة الحتمية هي وجهة نظر، قد لا تكون دوما نظرا صالحا للأمور وأيضا أن الفطرة الطبيعية في الإنسان تعترف بالحرية، لذلك نحن جميعا نؤمن بأن الناس يولدوا أحرار سواسية، لكن المجتمع هو من يستعبدهم والمجتمع هو من يضع بصماته على السلوك الإنساني، فالطبيعة تعترف بالحرية وتنادي بها ولو أردنا الجدال، فالحتمية تؤدي دوما إلى أنتصار الحرية عند الإنسان لأنها حتم مستمد من الكينونة والفطرة .
الخلاصة التي وصل لها الوردي بعيدا عن جذور فكرته عن الحرية أن المجتمع العراقي ما لم يمنح التعليم والتدريب والشعور بالهوية العراقية التي تشكل أساس مهم في شخصية المجتمع وأعادة ترسيم حدود السلطة داخل عنصرها المدني وبحدود المدينة، لا يمكن أن يشعر الإنسان العراقي بالحرية، فحرية الفرد أساسها حرية المجتمع وحرية المجتمع تأتي من أعادة الوعي للعقل الفردي والجمعي، وإبعاد تأثير العقلية التأريخية عن مسارات التأثير والأستغراق التام في الزمن، بمعنى العيش بما يمنحه من رؤى وأفكار وقيم، بالنتيجة الحرية صناعة وفن وعلم لا يمكن منحه بقرار ولا نيله بالثورة .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإيمان بالتأريخ
- وهم القوة وكتابة التأريخ....
- مراحل تطوير التاريخ البشري
- أعرف دينك يا .... حمار
- الهوية المجتمعية وإشكالية التنوع والتعدد ح1
- الهوية المجتمعية وإشكالية التنوع والتعدد ح2
- كيف لنا ان نفهم العلاقات الإنسانية الطبيعية؟ ج 3
- كيف لنا ان نفهم العلاقات الإنسانية الطبيعية؟ ج1
- كيف لنا ان نفهم العلاقات الإنسانية الطبيعية؟ ج2
- الوردي .... عالم أجتماع وفقيه النقد الديني ج 2
- الوردي .... عالم أجتماع وفقيه النقد الديني ج1
- منطق الصراع الاوربي ... تاريخ الحدث والدلالات
- الشخصية العراقية في نظرية الوردي النقدية ج 3
- الشخصية العراقية في نظرية الوردي النقدية ج 4
- الشخصية العراقية في نظرية الوردي النقدية
- الشخصية العراقية في نظرية الوردي النقدية ج2
- الإيمان بين الاصل والصورة
- حروب العقيدة
- السيادينية الإسلامية السلفية تشويه للدين وأعتداء على الإنسان
- إسلام سلام وإسلام حرب


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تجربة الحرية والمجتمع العراقي