أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - العنف والإيمان















المزيد.....

العنف والإيمان


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7044 - 2021 / 10 / 11 - 09:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يربط الكثير من الكتاب والمنظرين موضوع العنف بالدين على فرضية ذات جانب واحد هو أن المتدينين "المؤمنين" وتحت سطوة إيمانهم المتشدد يمارسون عنفا ملحوظا وموثقا ضد خصومهم الأفتراضيين، هذه الفكرة كما قلنا مبتورة وذات جانب واحد لا تشير لحقيقة الصورة كاملة، فلا أحد مثلا يشير إلى العنف ضد المتدينين أو المؤمنين، أو ما يسمى حديثا كنتيجة بمصطلح فوبيا الأديان مع عدم نكراننا لوجود عنق ديني منشأه وسببه وطريقة التعبير عنه، هناك إذا عنف وعنف متبادل بين الطرفين يبدأ مثلا من حروب الأديان وأضطهاد الأقليات الدينية عبر التاريخ منذ أن مارس الفراعنة سياسة القتل والتصفية والأستعباد الذي مورس ضد اليهود "بني إسرائيل"، مرورا بالحروب الصليبية وقبلها الفتوحات الإسلامية حتى الوقت الحاضر بأضطهاد الشيوعية الصينية وقبلها في الأتحاد السوفيتي للمسلمين في تلك الدولتين وصولا لداعش وأخواتها وسياسة اليمين المتطرف في المجتمعات الغربية والعنصرية التي يواجهها المهاجرون لها.
هؤلاء لا يصنفون العنف على أنه معطى واقعي في حياة الإنسان طبيعيا، فكل إنسان في جانب منه توجد نزعات عنفية أولية، تنمو أو تضعف نتيجة عواما وأمتدادت داخلية وخارجية تتسلل إليه بعدة مسارب ومؤثرات، قد يكون للدين دور فيها ولكن من خلال الواقع نجد أن ما مورس من عنف ضد الدينيين يكاد يكون أكبر مما مورس ضد غيرهم، الحربين العالمية الأولى والثانية وحروب القرون الوسطى في أوربا والحروب الأهلية التي تخاض داخل مجتمعات موحدة دينيا شواهد على أن الدين لم يكن طرفا في هذه الحروب، لا جلادا ولا ضحية ولكن يبقى الإنسان هو كائن تدفعه الغرائز والأنا المتضخمة ليقتل حتى من يطالبه بالسلام إذا تعارضت هذه الدعوة مع مصالحه.
بعد الحادي عشر من أيلول 2001، جرى تسليط الضوء على الدين والايمان الديني كمصدر رئيسي للإرهاب والعنف، صدرت دراسات متعددة حول هذا الموضوع، منها ما ركّز على الإسلام فقط، فيما حاول آخرون ان يقرأ العنف كأحد المكوّنات التي تطبع جميع الأديان، ومن هذه الدراسات كتاب سام هاريس "نهاية الايمان" أو الدين الإرهابي ومستقبل العقل، يركز هذا الكاتب في مؤلفه هذا على منحى محوري جعله قانونا عاما لا يمكن الحياد عنه، وهو (ان ما نؤمن به وكيف نفهم ايماننا ونترجمه في الحياة هو المحدد لممارستنا، ومنها السلوك الإرهابي)، والمقصود هنا طبعا هو الإيمان الديني بشكل أساسي، لذا فكب دين إرهاب وكل إيمان به لا بد أن يولد إرهابا، و في هذا السياق يطرح الكاتب تساؤل حول كيف ينظر المؤمن الى نفسه، وكيف يتحكّم الإيمان الديني أحياناً كثيرة بالحياة السياسية وبنظرة المؤمن نفسه الى الآخرين؟، كل هذا يدفع المؤمن أو المتدين ليكون عنفيا مع الأخر لأنه ومن خلال نصوص الدين وتعاليمه تعلم أن المس بالدين هو مس شخصي به، وعليه يجب أن لا يسمح لأحد أن يمسه أو يمس دينه، وإلا تحول مع مرور الزمن إلى عبد للأخرين يتحكمون به ويسخروه كما يشاؤون لأنه فقد حريته عندما فقد دينه.
إن أختزال العنف بصورة عامة بالدين والإيمان لا يمكن أن ينجح في إيجاد الحلول للمشاكل التي تعصف بالمجتمعات من تطرف وإرهاب وإقصاء سياسي وديني وثقافي، بل يزيد من حالة الشعور بالخوف من قبل الطرف المؤمن مما يدفعه إلى مزيدا من التطرف بحجة ومبرر الدفاع عن النفس، في الوقت الذي يسد هذا المنهج أمام القوى العقلانية التي تريد أن تجعل العالم أكثر أمانا من خلال الدين كونه رسالة سلام، فإنها تفتح أبواب جهنم أمام القوى المتطرفة لإشعال المزيد من الفتن والخراب بين المجتمعات وبعضها، مثل هذه الأفكار والدعوات معروفة النوايا ومعروفة الدوافع وهي جزء من حملة أساسها ديني ودوافعها دينية من خلال تأجيج ما يعرف بصراع الأديان والطوائف.
فالعنف هو العنف مهما كانت أسبابه ودوافعه ومغازيه ظاهرة بشرية يشترك بها مع الحيوان، لكن العنف عند الحيوان متعلق بحاجاته الغريزية فمتى ما تم إشباعها توقفت مؤقتا لحين تبدأ الحاجة مرة أخرى، وهذا سلوك طبيعي جبلت عليه فهو لا ينبع من تأثيرات نفسية أو فكرية خارج الطبع الطبيعي، أما عند الإنسان ومنذ بداية تكوّن المجتمعات البشريّة، ارتبط العنفُ بحاجات الحياة قبل أن يتطوّر مع النزاعات القبليّة إلى صراع وجودي بأسبابه الماسة بحاجته للبقاء، في مراحل العبوديّة اعتمد على قوانين البطولة التي جعلت الإنسانَ ملهاةً فكان الناس يستمتعون بمشهد بطلهم وهو يُصارع الحيواناتِ الضارية، وعد هذا العمل من باب البطولة ومظاهر القوة التي تظهر قدرة الإنسان وحجم قوته ليكون ذا شأن في المجتمع.
من الناحية النفسية حاول العلماء والمختصين تفسير ظاهرة العنف في محاولة لأكتشاف العلل الرئيسية والدوافع القهرية التي تولد هذه الظاهرة، وأقول ظاهرة لأنها ترتبط بعوامل مسببة متى ما توفرت في حدها الأدنى برزت الظاهرة للعيان وإن كانت من قبل موجوده وتمارس على نطاق محدود، سعى فرويد إلى دراسة الجانب "الغامض" من النفس البشريّة بغية إبراز حقيقة أنّ الإنسان ليس بذلك الكائن "الطيّب" كما يُزعم، فهو يعتقد بوجود بواعث معاديةٍ ضد المقرَّبين مهيّأةٍ للاندفاع إلى الخارج، إنّها "عدوانيةُ مرتبطة بمفهوم الشر والخير الإنساني، على قاعدة كلّ واحدٍ ضدّ الكل، والكلّ ضدّ الواحد."، الإنسان ينزع إلى تلبية حاجاته العدوانيّة على حساب قريبه كخطوة أولى كما في العنف الأسري مثلا، وإلى استغلال عمله بلا تعويض مناسب كالعبودية والأستغلال البشري وعمالة الأطفال وسوء أستخدام السلطة فكلها مظاهر عنفية وإن لم تستخدم القوة ولكن تشترك معا في النتيجة، ويتعدى هذا العنف اللا جسدي بالقوة إلى أشكال أخرى مثل استعماله جنسيًّا من دون مشيئته وإلى مصادرة أملاكه وإذلاله، وإلى إنزال الألم به واضطهاده وصولًا إلى قتله أو ما يعرف بالسادية.
فالعنف إذا يحتاج لمحرك وباعث حتى يظهر من داخل الذات البشرية كإستجابة متقابلة أو تحصيلية لقوة المحرك والباعث، أما كفعل مستقل أو ردات فعل تظهر بشكل متفاوت حسب طبيعة الحالة والزمن وقوة الروابط القمعية "القانون والأخلاق والدين والتربية والمعرفة"، يعرّف بيار فيو العُنف على أنه حالة من الضغط المادي أو المعنوي ذات طابع فردي أو جماعي، ينزلها الإنسان بالإنسان فيما يتعلّق باستلاب حق من حقوقه الأساسية، أو هو السلوك العدائي الذي يمارسه الفرد أو الجماعة تجاه فرد أو جماعة آخريْن بما يتسبّب في حالة من الضـرر الجسدي أو الجنسـي أو المعنوي للمُعتدى عليه، أو من جهة أخرى، فهو النقيض الدلالي للرفق واللين أو الشدة والقسوة اللتان تتجليان في استخدام القوة، ومن خلال التعريف يتضح أن الكوامن النفسية البشرية تحتوي ما يشبه الطبع نحو العنف كما يشبه تلك الدوافع المتعلقة بالرحمة والعطف والسلام.
هناك رؤية نفسية أخرى تفسر ظاهرة العنف وتسرح أساسيتها الأولية وتركز في دراسة الإحباط النفسي والكبت كأساس مهم ورئيسي يولد العنف ويشجع عليه، هذه النظرية وإن فسرت جزء مهم من هوية العنف لكنها توضح من جانب أخر أهمية العنف والكبت الذي يواجهه المؤمنون والمتدينون نتيجة الضوابط الصارمة التي يتلقونها في حياتهم وخاصة في مراحل النشأة والتكوين الفكري والأخلاقي عندهم (تظهر من وراء ما يسببه الإحباط للإنسان من كبت "والكبت، من وجهة نظر التحليل النفسـي، لا يعني الإقصاء التام للرغبات التي تم الحرمان منها، فالرغبات المكبوتة تبقى حيوية وتكون خلف الكثير من أنماط السلوك وردود الفعل" ، وهو الأمر الذي لا ينعكس بدوره فقط على مسببات هذا الإحباط، بل قد يخرج في أغلب الأحيان ضد كبش فداء أو يرتد إلى الذات بالانطواء أو بإيذاء النفس، وهو ما يُعرف بآلية التأجيل والسحب).
كذلك يرى أخرون من المختصين بالشأن النفسي التربوي أن نوازع العنف تبدأ باكرا من البيت والمدرسة واحيانا من المجتمع المصغر الشارع او القرية وصولا إلى مرحلة أنتاج العنف بشكل ظاهر، مثلا مدرسة باندورا التي تشير لهذا المفهوم بشكل واضح وتعتبر العنف زراعة تربوية في ارض خصبة تتلقف كلما يؤثر عليها ويصيغها وفق لما يجري عليه (ألبرت باندورا- أن العنف مُحصَلة لما يتعلمه الطفل من القدوة الاجتماعية المتمثلة في الأب والأم على سبيل المثال، وهو السلوك الذي يعززه بلوغ القدوة الاجتماعية لرغبته نتيجة لممارسته العنيفة، الأمر الذي ينمّي في الطفل خبرة تجاه العنف وما له من فائدة في إدراك المطلوب، خصوصا مع طغيان العقاب الجسدي كوسيلة للعقاب من والديه أو أحدهما، وهو ما يكوّن تصوراته عن مدى فاعلية العنف وفائدته) .
كل الدراسات النفسية والتربوية تشير إلى العوامل النفسية التي تشكلت في مراحل مبكرة من حياة الإنسان ولكنها لا تشير للدين كونه عامل صانع للعنف، نعم يمكن أن يكون الدين واحدا من الدوافع التي تثير العنف بين الناس ولكن ليس لكونه دين فقط وإنما يتوجب أجتماع مقترن بين نفسية مضطربة قلقة وبين توجيه ديني منحرف، تماما كما يلعب الفقر والبطالة ونقص التعليم والتمايز الطبقي والاجتماعي في إثارة النفوس المضطربة نحو العنف، فالدين والإيمان هما عوامل لاحقة لبلوة العنف السلوكي عند الإنسان ولكنه غير مسئول عن تكوين الميول العنفية أبتداء.
نعود لظاهرة العنف الديني ومن خلال أستنباط النسق العنفي أجتماعيا وسيكولوجيا يتضح لنا أن العنف الديني في الغالب يسير وفق أتجاهين رئيسين، الأول عنف وعنف متبادل (فعل ورد فعل) وهو الغالب في الصراعات الدينية التي مرت في التأريخ أو التي نعيشها الآن، فنشأت الجماعات الجهادية والتكفيرية في العالم الإسلامي بدأت بذورها منذ عصر الأحتلال الأجنبي للبلاد العربية والإسلامية، حتى تبلورت وسخرت وأستخرجت من دوائر التنظير الى دوائر التنظيم بعد الأحتلال السوفيتي لأفغانستان، فظهرت حركة المجاهدين ومنها الأفغان العرب لتتطور للقاعدة وملحقاتها، ثم لتنشط مرة أخرى بعد الأحتلال الأمريكي للعراق وظهورها مجددا وبقوة، وقمعها وأنشقاقها بظهور داعش وأخواتها وتزامن ذلك مع أشتداد الصراع الطائفي والسياسي في العراق ومنه أنتقل للجوار، نتيجة الصراع الأمريكي الإيراني على الخليج ومناطق النفوذ بعدما كان الصراع محدودا بغلاف قومي ومذهبي بين العراق وإيران.
أما النسق الثاني وهو ما يعرف بالعنف الديني الأجتماعي أو الموجه أو المصنع وفق أليات مسبقة وهذا غالبا ما يكون داخل التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، فهذا النوع من العنف لا يمكن أن يكون فاعلا بدون حاضنة لطرفي الصراع ليتحول بعدها من أطاره الديني إلى العنف في الإطار المجتمعي، وهو ما قد يدفعه للاندماج مع جماعات ترعى العنف وتؤطّره داخل إطارها الجماعي وفق دوافع أيدولوجية مختلفة، مما يؤثّر على تطوّر السلوك العدواني عند الإنسان، "فقد يكون الفرد مترددا في الممارسات العدوانية إذا كان منعزلا، ولكنّه لا يتردد في ذلك عندما يتواجد وسط مجموعة تشجع على هذه الممارسات وفق أفكار مختلفة"، كجماعات البلاك بلوك التي بدأت في ألمانيا أو الجماعات المتطرفة اجتماعيا وما شابه، وهو الأمر الذي يضيف للعنف بُعدا اجتماعيا لا ينفصل عن البُعد النفسي.
العنف الجماعي الديني قد ينتهي بأنتهاء المسببات كما أنتهت الحروب الصليبية والفتح الإسلامي وحروب أوربا بين أتباع الكنائس بعقد مصالحات أو توفر أرضية مشتركة تؤمن مصالح الطرفين، لكن العنف الموجه والذي يمثل سرطان أجتماعي حقيقي داخل المجتمعات ذات الأطر الدينية من الصعب جدا مكافحته والتغلب عليه، وهو ما يشكل تحدي حقيقي وخطر على مستقبل تلم المجتمعات، فهو ينخر أساس في مقومات المجتمع الأساسية ويضرب العلائق الوطنية في الصميم كونه لا يؤمن أساسا بالمواطنة والعيش المشترك، ومن هنا ظهرت خطورته ليس فقط من خلال العنف والتطرف ولكن من خلال إلصاق تهمة العنف والتطرف والإقصاء للدين نفسه، مما يسبب نوع شديد من الفوبيا المجتمعية التي تنمو مع تزايد مخاطر الإرهاب والممارسات العنفية وأمتدادها لمجتمعات أخرى قد لا تؤمن بالغالب بدين المتطرفين العنفيين.
الخلاصة التي أريد أن أصل إليها في موضوع العنف الديني ترتكز على النقاط التالية:.
• لا يرتبط العف بالدين إلا حينما ينتج أيديولوجيا سياسية ذات محتوى رافض للأخر، وبالتالي فالعنف الديني المتهم هو بالحقيقة عنف سياسي بالدرجة الأولى، وعلينا أن نفهم أن السياسة بدورها تعني صراعات بين أطراف متناقضة كل لها توجه وأهداف مختلفة، فالعنف الديني السياسي هو نتيجة لتدخل السياسة في الدين وليس العكس.
• لا يمكن مواجهة العنف السياسي الديني من خلال أليات القوة بل من خلال محاولة إبعاد السياسة عن الدين بالقانون، بمعنى تحريم وتجريم العمل السياسي من خلال أليات ومفاهيم ومؤسسات الدين، تجنبا للخلط بين ما هو روحي مسالم وبين ما هو برغماتي مصلحي متعنت.
• الخلل في المؤسسة التربوية وضعف نظام الأسرة وتمزق النسيج الأجتماعي للمجتمع مسئول بالدرجة الأولى عن ظاهرة التطرف والعنف وكراهية الأخر، العمل الحقيقي لمكافحة ظاهرة العنف يبدأ من الأهتمام بالأسرة ونظم التربية والتعليم وتطوير أليات التدخل الأجتماعي لصيانة الروابط الأجتماعية وتنمية روح المسئولية بين أفراد المجتمع.
• ليس هناك عنف مقدس وعنف غير مقدس وإنما هذه التقليعة والتسميات جاءت تحت ضغط الخوف من الفشل في تحقيق أهداف الجماعات السياسية التي تتستر بالدين وإن كان خطابها ديني، فهي لا تتحدث بكامل ما في الدين من مبادئ وأصوليات وإنما تختار وتستبعد وحسن ما يقرره قادتها من خطوط بيض وخطوط حمر للخطاب الديني المتشدد.
• العنف الديني السياسي الموجه قد ثبت ومن خلال التجربة أن البلاد التي تخيم عليها نُظم ديكتاتورية أكثر عُرضة له، بسبب طبيعة الأنظمة الديكتاتورية القائمة أصلا على التفرد وعدم السماح بالتعددية الفكرية الناتجة عن الحرية الأجتماعية المؤسساتية، فالعنف والإرهاب والتطرف والحروب الأهلية والنزاعات الدموية تحدث بشكل يفوق غيرها من البلدان التي لا تتمتع بمناخ اجتماعي ديموقراطي، هذا يقودنا إلى أن النظم الأجتماعية السياسية هي أيضا مدانة ومسئولة بشكل مباشر عن ظاهرة العنف السياسي الديني.
• وجود المؤسسة الإعلامية الأيديولوجية في فضاء أعلامي حر يمثل خطرا كبيرا يساند التطرف والعنف من خلال أليات المداورة والتلقين اللا مباشر، فمثلا تنشر تقريرا عن قتل العشرات من الناس في حادثة ونجاة الشخصية المشهورة، يرسل فيها رسالة من خلال التفاعل والتركيز على قضية الناجي دون الأهتمام بمشهد القتلى الذي سيترسخ في العقل اللا واعي من أن حياة العشرات من الناس لا تهم بقدر أهمية نجاة هذه الشخصية، يقول باولو فريري: إن الإعلام أداة للقهر أجتماعي غير مباشرة تستخدم لتضليل عقول البشـر، كما إنه إحدى الأدوات التي تسعى النخبة من خلالها لتطويع الجماهير من أجل أهدافها الخاصة، فالمؤسسة الإعلامية كما يقول هاربيرت شيللر تتلاعب بالعقول عن طريق تنقيح الصور والمعلومات وإحكام السيطرة عليها بالتركيز على خبر لتمرير خبر آخر أكثر خطورة دون اهتمام كما بينا في المثال السابق.
ويبقى السؤال الأهم هنا كيف لنا أن نواجه الواقع الذي لم يعد يتحمل المزيد من أشكال العنف والتطرف والأستغلال والإقصاء والعنصرية، سواء أكان تحت عنوان الدين أو المال أو السلطة وكلها عناوين سياسية أجتماعية، هل يكفي مثلا التشدد في وجه المتدينين والمؤمنين وعدم فسح المجال لهم بحرية الحركة، ومعاملتهم على أنهم خارجون عبلى القانون الأجتماعي والتصرف معهم كمنبوذين، أمم أن التسامح ومحاولة الأستيعاب والتخوف منها ستمنحهم فرصة للنمو والتكاثر، فالعنفي لا يؤمن بالأخلاقيات الليبرالية بقدر ما سيؤمن بالايدلوجيا التي يحملها ومؤمن بها.
هناك من يرى أن المجتمعات التي لديها مشاكل العنف والتطرف والإرهاب السياسي الديني يمكنها أن تتعامل مع المشكلة بأساليب كثيرة لا عنفية ولا إرشادية تثقيفية فقط، بل من خلال أليات تنبع من محاولة تصحيح المبادئ التي قامت عليها أسس هذه الجماعات، فمثلا يقترح الكاتب إبراهيم جاد الله في مقالته على موقع دنيا الوطن نوعا من الحل الواقعي وإن كان يحتاج إلى زمن ومنهاج وجهد جبار فيقول (ليس المدخل الصحيح دعوة الى رفض الدين او الابتعاد عن الإيمان، فالدين لم ينته كتساؤل وقلق ميتافيزيقي او وجودي او تجربة روحانية وأخلاقية وبحث عن اللا مرئي في التاريخ والحياة البشرية، بل إن المدخل الصحيح يبدأ من إعادة قراءة وتأويل النصوص الدينية).
معتبرا أن أساس المشكلة ليس في واقع الدين بل في موقع التسخير الديني لذا فهو يشرح الفكرة من خلال الأستفادة من الواقع المعرفي الممكن الحصول عليه والسهل التدوا ومن خلال التركيز على تصحيح المفاهيم فيقول (إن التأويل العقلاني وفهم النص في سياقه التاريخي والظروف التي نشأ فيها قد يؤدي إلى أفق أكثر رحابة في فهم الأديان وإزالة ما هو زائف ووهمي منها منعاً لوقوع العالم في البربرية وظلامية الماضي، إنها دعوة إلى إيمان حر متفلّت من قيود الإيمان الأصولي الساعي الى سيادة منطقه والمؤدي الى نشر الأحقاد بين البشر تحت اسم "المشروعية الإلهية"، والمتجسد حالياً في الأصولية المسيحية المتحكمة بالسياسة الأميركية وبالحركة الصهيونية التي تضطهد الشعب الفلسطيني وبالأصولية الإسلامية ذات الاتجاه السياسي العدمي القائم على العنف والإرهاب) .
لقد أصبح السكوت عن ظاهرة العنف السياسي الديني فضلا عن التشجيع المباشر وغير مباشر أحيانا سلاحا سياسيا خطيرا يوجه للمجتمعات ذات التوجهات المختلفة والتي لها أهداف وقيم مختلفة مع أصحاب القوة والهيمنة الدولية، فتحول الدين من أداة سلام إلى أداة قتل وتخريب وتهجير مسخر لتلبية متطلبات وسياسات دولية معينة، دون أحترام لقدسية الإنسان ولروحية الدين وأهمية السلام في تنمية العلاقات الدولية والروابط الإنسانية بين الشعوب والأمم، وبذلك أخرجوا الدين من دائرة الأهتمام والأحترام إلى دائرة النبذ والكراهية التي من نتائجها صدور أفكار عنصرية محرضة تمثل ألغاما خطيرة ومرعبة في وجه الإنسانية ومنها على سبيل المثل كتاب (نهاية الإيمان) لسام هاريس.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نظريات الكوسمولوجيا
- من الدين إلى الألحاد
- كيف نتعامل مع الموروث الديني؟ ولماذا الدين أصلا؟
- مفهم الديمقراطية بين حاجة السلطة وحق الشعب
- تكوين وتأسيس الحضارة ج2
- تكوين وتاسيس الحضارة ج1
- العقل الجمعي...ظاهرة وتكوين
- تأخرنا بماضينا وتقدم الأخرون بالمستقبل
- التاريخ والحضارة
- علاقة التاريخ بالأقتصاد
- علاقة التاريخ بعلم النفس
- علاقة التاريخ بعلم الأجتماع
- علاقة التأريخ بالأنثروبولوجيا
- قصة التأريخ
- الأسطورة والتأريخ
- الإنسان والتاريخ
- تجربة الحرية والمجتمع العراقي
- الإيمان بالتأريخ
- وهم القوة وكتابة التأريخ....
- مراحل تطوير التاريخ البشري


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - العنف والإيمان