أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر جبر الساعدي - رقصة الافعوان















المزيد.....

رقصة الافعوان


مزهر جبر الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 7029 - 2021 / 9 / 25 - 01:51
المحور: الادب والفن
    


(رقصة الافعوان)
ركضت بكل ما في بدني من قوة، كي ابتعد كثيرا، واصل. سبقني عقلي في الركض، راكضا بين تلافيف دماغي. غابة النخيل كثيفة، أو هكذا خيل لي، وهناك اجمات متفرقة. تأملت اعماق السماء البعيدة، المرضعة بمصابيح الله. فحيح افاعي على مقربة مني، نباح كلاب في البعيد او عواء ذئاب، بت لا اعرف على وجه التأكيد. كنت متعبا جدا، لم انم منذ يوما كاملا، بليله ونهاره. استرخيت منبطحا على الحشائش. اخذت عيناي تتجول بين نجوم السماء التي بدت رمادية، اقرب الى السواد. عندما فتحت عيوني، وفركتها بكلتا راحتيَ، كان قرص الشمس الاصفر، لم يزل مختفيا وراء غلالة من ظلام شفيف. افترت عيناي في المكان حولي؛ كان على مقربة اشبار مني، افعوان ينظرني. ازيز مروحية امريكية، من نوع بلاك هوك، تدور فوق هامات النخيل، ارعبت العصافير والحمام، في قلب الاشجار والنخيل، لتحدث من جراء هذا الرعب؛ ضجة واضطراب، فوقي تماما. دارت دورة دورتين ومن ثم اختفت في البعيد حتى تلاشى هديرها في فضاء فجر لم ينجل بعد. الافعوان عندما انتبهت الى وجوده على مقربة مني؛ وجدته، يتلمظ بلسانه، ويحرك رأسه يمنة ويسرة، ثم اخذ يتلوى واقفا، كأنه يرقص. لكنه، عندما سلطت عيوني عليه، انسحب ودخل في بطن شجرة قريبة. قلت لنفسي: انك والله اشرف من الذباحين من جنس البشر. عندما وصلت الى باب سياج بيتي، فتحته، ودخلت ومن ثم اغلقته. من وراء الباب، حدقت في النخيل الذي شكل ما يشبه الغابة في عتمة الليل. ومن ثم حملقت مليا في السياج والباب الخارجي، ومن فوقهما الى نخيل الشارع الذي يتجول فيه الارهاب بحرية، كما هي الصورة او التصور الذي تكون في الذهن الجمعي عنه. دلفت الى البيت. وقفت وراء الباب، انظر إليه، متأملا صمت الليل، الذي امتص صوت الكائنات. الباب موصد. كنت متأكدا من احكام القفل. خائفا، ومرعوبا، ويداي ترتجفان، عندما ادرت المفتاح قبل لحظة، في احشاء القفل. من ثم بدأت ادور في البيت الذي الغرق في هذه اللحظة بالصمت والسكون والوحشة. قلت مع نفسي، ربما، رغم هذا السكون المشحون بالرهبة؛ الموت وراء الباب في الانتظار. عليك ان تغادر بأسرع وقت، في الليل قبل النهار. صديقي كان يقول لي في كل مرة التقيه في هذه الايام، الايام الأخيرة، وتحديدا من ثلاثة ايام مضت. انما في مساء هذا اليوم، قبل ساعات؛ كان يلح عليَ بقوة، اكثر قوة واصرار من ذي قبل. الشيء الذي جعلني، اهتم بالأمر، واتفكر مما قاله صديقي، بجدية وتمعن في الذي أنا فيه؛ كان حين تحدث معي في هذا المساء، قبل حين من الآن، شاحبا وكان يختض وهو يتكلم:- غادر المدينة قبل ان يرحلوك منها، ومن هذه الحياة كليا، ويمحوا وجودك منها تماما يا صديقي. لم اشأ ان اسأله، عن الدوافع والاسباب، هو ايضا كان لا يتطرق إليها. كنا كلانا نعرفها، مما جعلنا لا نخوض فيها، بتفاهم ايحائي متبادل، بلا حديث او كلام فيها. كنا على قناعة من لا فائدة من اعادة معرفة المعروف لنا، والمُعرف من وقت بعيد. ان الاجترار يبعث على الملل والقرف؛ كنا نقول بصمت في داخل كل منا. وقفت في وسط الصالة التي شهدت في الخوالي من الايام والنهارات والاماسي؛ جلسات عائلية، لعائلة صغيرة، مكونة من ابن واب وام. جلسات يسودها الحب والوئام والدفء الروحي الذي كان يغمرها بالرقة المفرطة. اقترب ابي مني، ونحن نشرب الشاي بعد العشاء كما هي العادة، كانت امي قد غادرت الصالة، بعد ان وضعت امام ابي وامامي على المنضدة المستطيلة؛ استكان الشاي. قال:- لا تنشغل بقراءة الكتاب كثيرا. اعط الجزء الاهم من وقتك الى حياتك، رتب امورك بعيدا عن صخب المواجهات مع الاخرين. ابتعد قدر استطاعتك عن مناطق الاحتكاك. لم اقل له كلمة، كنت الوذ، او احتمي بالصمت من طوق الحصار الذي يريد ابي ان يفرضه عليَ، بدافع هاجس الخوف على حياتي ومستقبلي. كنت اقدر هذا الحرص في داخلي تقديرا كبيرا، انما وفي ذات الوقت، لا يمكن لي؛ ان اترك ما ارى انه طريقا، اعثر فيه، على نفسي وكياني، كانسان؛ عليه ما على الانسان من شروط الانسانية. انصت الى سكون الليل في الخارج ووحشة البيت. كنت في هذه الساعة من هذا الليل المحمل بالكثير من الشك والريبة في الذي يحمله لي من مخاطر على حياتي، ولا اعرف من اين تجيء، أو من هو الذي، ربما في هذه الساعة او في هذه الدقائق؛ يمسك بيده اداة قتلي؛ اسمع صوت ابي ونواح امي، كان صوت ابي حزينا وباكيا، كما لم اره في حياتي، او في حياته حين كان يعيش معي، أو أنا من اعيش معه في هذا البيت؛ باكيا بهذه الدرجة العميقة من الشجن، بتناغم مخيف مع ندب امي الذي فطر قلبي. اخذت افتر في غرف البيت، واتوقف، وأنا احدق مليا في صور ابي وامي، فقد كان في الصالة عدة صور لهما وحدهما، وهناك صور اخرى كثيرة تضمني معهم. تسمرت امام صورة لنا نحن العائلة الصغيرة؛ كانت الصورة قد اخذنها قبل رحيلهما، او رحيل ابي بسنة ورحيل امي بعده باقل من سنة. كنت في وقتها، رجلا، وكانا في سنوات ما بعد خريف العمر. تناهي لي من الصورة او بعيد، او من جوف هذا الليل، او من جدران هذا البيت، فلم اعد اعلم على وجه اليقين من اي جهة او مكان كان يأتيني صوت ابي، وهو يقول: ألم اقل لك، ابتعد عن الخطر، ألم اقل لك ايضا؛ تزوج. لكنك لم تبعد عن مكامن الخطر، ولم تتزوج، وها انت تقف وحيدا، وخائفا، وحياتك مهددة، ان لم تستعجل الهروب من الموت الذي، ربما في انتظارك وراء الباب، او في ناصية الشارع. بحلقت في المكتبة الصغيرة، خاصة ابي؛ كانت تضم عدد من الكتب. هناك، في الزاوية من المكتبة دفتر من النوع المتوسط، كان ابي يكتب فيه، مذكراته، او شيء من هذا القبيل. فقد كنت حريصا على المكتبة كونها، تجعل منه؛ حيا يعيش معي. بدأت اقلب في صفحات الدفتر لا على التعين، اقلب في اوراقه كيفما اتفق. تسمرت عيناي امام احد الصفحات، جذب انتباهي، العنوان الذي تصدر الصفحة: الخراب سيحل على الوطن، في المقبل من الزمن. قرأت الصفحة حتى وصلت الى نهايتها، او الى الجملة التي ختم بها ابي؛ رؤيته:- امريكا هندسة الخراب. الصفحة كانت تحمل تاريخ الحادي عشر من ايلول، سبتمبر من عام 2003، اي قبل رحيله بسنتين. اغلقت الدفتر، ومن ثم وضعته في مكانه في المكتبة. اغلقت باب الصالة، وتحركت اجر خطوي بأسى، شلني ومزق روحي. نظرت الى الليل والظلام من الباب الخلفي الذي ينفتح على خرابة مهجورة من زمن بعيد، والتي هي بدورها تطل على الشارع الرئيسي.



#مزهر_جبر_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امريكا واسرائيل والمنطقة العربية: خيدعة الناتو العربي، ومقاو ...
- الصفقة النووية؛ مفاوضات صعبة ومعقدة
- قراءة في رواية المقاومة للروائي جوليان فوكس
- امريكا: القتل الاستهدافي؛ تحطيم لجدران السيادة
- امريكا: هزيمة وانسحاب مذل واستراتيجية جديدة
- محنة التنوير في الوطن العربي
- امريكا وحركة طلبان: تصريحات علنية وسيناريوهات خفية
- هزيمة الولايات المتحدة في افغانستان.. اعادة حسابات وترتيب لل ...
- صراخ على ايقاع الخسارة
- ايران وامريكا واسرائيل: ضربات تحت الحزام
- اللعب على الجراح
- رامسفيلد: مكانك اسفل سافلين في مكبات سفالة التاريخ
- اخراج القوات الامريكية: ماذا والى اين
- لعبة القدر
- صورة.. في نهار الليل
- ما بين الصفقة النووية والانتخابات الايرانية: علاقة اطارية لج ...
- الاطماع التركية في العراق وسوريا
- التهديد الاسرائيلي لإيران..لعبة اعلام
- الموارد المائية في المنطقة العربية.. حوض النيل وحوضي دجلة وا ...
- الصفقة النووية: معالجة امريكية اسرائيلية لبرنامج ايران النوو ...


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر جبر الساعدي - رقصة الافعوان