أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمد رياض اسماعيل - رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات الانتفاضة الشعبانية عام 1991/ الحلقة السادسة















المزيد.....

رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات الانتفاضة الشعبانية عام 1991/ الحلقة السادسة


محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)


الحوار المتمدن-العدد: 7025 - 2021 / 9 / 20 - 14:13
المحور: القضية الكردية
    


ذهبت الى حافة نهر سيروان للاغتسال، مشيت و ضفة النهر لأجد مكاناً نظيفاً لا ارى فيه الأوساخ والمخلفات الثقيلة، حيث يقضي ربع مليون لاجئ حاجاتهم على هذه الضفة، وعبثاً حاولت، كان ابن خالتي برفقتي ووجد مكاناً اقل قذارة في الشاطئ، واغتسلنا بماء لم يخلو من قذارة، ثم عدنا ادراجنا بعد الظهر، طلب احد الأطباء منا هوية نقابة الأطباء للعمل التطوعي في المستوصف، وأعطيناه هوية زوجتي، الا ان اختي (ا) كانت حديثة التخرج من كلية طب/ جامعة بغداد، فاعترض الأطباء، وحُجب عنها منح المؤن والخيمة! واستلمت زوجتي بعض المؤن، ورجوت من أحد السواق الإيرانيين في المستوصف لإصلاح إطار سيارتي في پاوه، وأعطيته 75 ديناراً ، ورجوت منه ان يجلب لنا بعض المعلبات وقناني العصير والمشروبات الغازية ووعدني خيراً. وكان الجو صحواً وقد فرشنا للوالد والوالدة في العراء بالبطانيات وبقينا نحن في السيارة، نسمع الأخبار، وقد جاءنا السائق الساعة الحادية عشر مساءاً، وأعاد إطار سيارتي بعد تصليحها وأعطاني ما طلبته منه وأخذتها الى السيارة وقسمتها الى نصفين، نصف الى اختي وأطفالها وأهل نسيبي، والنصف الاخر والأكثر تقريباً احتفظنا به، واستدعينا الوالدين لشرب العصير وأكلنا التفاح الذي حصلنا عليها بشق الانفس بالهرولة خلف سيارات الحرس، والخبز من المستوصف …
ومَر الليل بحالٍ مُر كسابقتها! ولَم نذق طعم النوم، وفِي الصباح الباكر فتحت باب السيارة فإذا بأربعة أرجل مزرقة ومتورمة خارجة من البطانيات المغطية لأجسادهم حتى قمة الراس قرب سيارتي، وعلمنا بأنها لنساء توفوا ليلاً بسبب الإرهاق، نتيجة المشي على الأقدام من السليمانية الى هيرو. يا له من صباح كئيب نستقبله بالنحيب والصراخ، لقد تعودنا على هكذا حال، وتخدرت احاسيسنا.... فشربنا الشاي وأكلنا الخبز، وتوجهت زوجتي وأختي (ا) الى المستوصف، وذهبت الى نهر سيروان قاطعاً مسافة كيلومترين بين أشجار الجوز الكثيفة التي خلت كوردستان العراق منها بسبب العمليات العسكرية، وتحولت الى رماد بفعل النيران، رغم ان الأرض التي تتقاسمها البلدين في عمق واحد، ووصلت لشاطئ النهر الهادر السريع الجريان ذات اللون الترابي، وكان ابن خالتي (م) معي، وكنت انوي حلاقة ذقني بشفرة حلاقة بعد ان ذقت ذرعا من لحيتي الطويلة، تدمى وجهي بسبب شفرة الحلاقة القديمة، ثم بحثت عن مكان نظيف لغسل وجهي وراسي بالماء الجاري الذي كان بارداً للغاية، كنت ابعد القاذورات من سطح الماء باستمرار، وغطيت راسي بمنشفة صغيرة، و عدنا الى مكاننا قرب المستوصف وقد اشرف الوقت على الظهيرة ، ولَم أتعود في السابق غسل راسي دون استعمال مجففة شعر بعد الغسيل! اما الان ليكن ما يكن، ورأيت الأهل فرحاً، قالوا لي "سوف ننجو قريباً" ! لقد وصل أبناء عمومة نسيبي من سنندج بعد ان استغرق رحلتهم 18 ساعه متواصلة، بعد ان استلموا اخبار وجودنا في هيرو، وجاؤوا لنا بالملابس الشتوية، والبطانيات، والجبن الأبيض، وقِدر كبير من اكلة الدولمة مع الخبز الأبيض، اواه سننجو بعد هذا العذاب، بدانا الاكل بشراهة كالمجانين، وأبناء عمومة نسيبي يتفرجون علينا باستغراب وألم شديدين ظهرت على ملامح وجوههم، كنّا بلا ديار، بلا مأوى ننام مع الحيوانات في البراري ونبول كالأغنام وناكل كالفئران… ثم شربنا الشاي واستأذن أقارب نسيبي للعودة الى بيوتهم، لان طريقهم طويل، ويأملوا الوصول الى الطريق المبلط قبل ان يحل الظلام … وتساءلت، اين يذهبون؟ وماذا بشأننا ! هل سيتركوننا للقدر؟ قالوا لا نستطيع فعل شيء لان "هيرو" لا تتبع منطقة سنندج، لذلك لا يسمحون لنا بمرافقتهم، وأنهم سيحاولون مرة اخرى مع محافظ المنطقة. لم اعلم بما كان يسر بينهم مع نسيبي، ولكن يبدو بان هناك ثمة اتفاق على تأجيل اصطحابنا، لان اعدادنا كانت كبيرة ولَم يرغب اهل نسيبي في إحراجهم … ودعناهم بحرارة وخابت كل امالنا، ترى متى سنرحل؟ متى ننام كالبشر ، لقد رحلوا ورحلت امانينا معهم… حصلت زوجتي على مساعدة المستوصف التي كانت تعمل فيه وهي صندوق حليب مجفف، وقررنا نصب الخيمة التي حصلنا عليها قرب المستوصف، ولكن جاء الليل الطويل كعمر الأموات، وبدأ الناس بإيقاد النيران، التي كانت تتلألأ في الوادي الحار (گرميان) وتبدو كالشموع من حولنا، ليله بارد ونهاره حار، ولا يزال والدي ووالدتي ينامون في العراء اما أنا واخواتي وزوجتي والأطفال ننام في السيارة، وكانت خالتي و زوجها الذي كان كثير التذمر وبخيلاً، ينامون في العراء أيضا، وتتعالى ليلاً أصوات السعال واحاديث الشيوخ وشكاوي النساء من الحال الراهن، وكنت اكاد ان لا احس بقدمي من التعب والإرهاق، نبتلع الحبوب المسكنة والادوية بأنواعها… وتقاسمنا الملابس، التي جلبها لنا أقارب نسيبي، مع بيت خالتي وشقيقتي. جاء الصباح ولَم نذق طعم النوم ليلا كالعادة. ولأول مرة نأكل الخبز مع الجبن الأبيض والحليب مع الشاي، منذ ان تركنا السليمانية، وقضينا حاجتنا في جامع القرية، حيث توجد بها أربعة مرافق صحية نظيفة تجري من أسفلها ماء النهر خلال سواقي رفيعة مائلة بزاوية قليلة لتجرف الفضلات الى النهر الذي كنت قد اغتسلت منه!
في الظهيرة كانت الأحاديث متباينة عن مصير اللاجئين بحسب ما تتناقلها المحطات الإذاعية المختلفة، تغدينا البطاطا مع الرز، وسمعنا بان التلفزيون الامريكي (سي ان ان) تصور مشاهد اللاجئين حياً، وذهبنا اليهم ووجدت صديقي (ح أ من دائرة طرق كركوك)، يتحدث اليهم قائلا ان الفلسطينيين مليون من البشر، ويتحدث عن مظلوميتهم كل وسائل الاعلام، وتساندها دول العالم، والكورد 22 مليون ولهم قضية تمتد جذورها في عمق التاريخ، و لا يتحدث عنهم الا بعض الوسائل الإعلامية بشكل عابر، وكانت لغته الانكليزية ضعيفة، وجاء دوري واعدت ما قاله صديقي وأضفت اليه متسائلاً، "هل تقبل شعوب العالم المتحضر هكذا حال ومنظر لأخوتهم في الانسانية، وكانت الكاميرا تصور جموع البشر في الوادي التي كانت تقدر بمئات الآلاف في حالة مزرية، متى يستيقظ ضمير الحكام وشعوبهم! هل تقبل الإدارة الامريكية والكونغرس بمقامرة الشعوب لتحقيق اهدافها؟ نحن لسنا اوراقاً يقامرون بها على الطاولات المستديرة، انظروا الى اعين الاطفال التي فتكت بها التراخوما وما سيؤول اليها من مصير اسود ونحن بهذا الحال المروع، سيلعن التاريخ من يتلاعب بمصائر هؤلاء البشر، ويلعن النظام العالمي الجديد الذي يتشكل على رفاة شعب قرر الاستشهاد لنيل حريته! ولا مناص لنا من الحرية فإما الحياة او الموت، ادع الصورة تتكلم عما نعانيه، والرب يعلم بعمق معاناتنا وسرائرنا وحده، تباً لإرادة حكومات الشعوب الحرة التي ترضى لنا هكذا حال تدينها الشرائع والأديان، نحن نخسر الأرواح يومياً، ولكننا لن نخسر قضيتنا العادلة وحقنا في حياة اجيالنا القادمة" … استوقفني المراسل وسألني هل أحب السيد بوش؟ أجبته "ان الكورد لم يكرهوا أحداً ولكنهم قارعوا الظلم، أما ان يقع علينا الظلم من صدام وبوش، فكلاهما في الجريمة على السواء وكلاهما الى الجحيم، ظننا بان بوش سينقذنا من الدكتاتورية واسمينا حملته بالمقدسة، ويبدو باننا كنا مخدوعين! واترك الحكم الأكبر الى إنصاف التاريخ لهذا الشعب الصادق الأمين، صاحب تاريخ ولغة وتراث وأديان وحضارات، تمتلك اجنحة اللقالق ولا تقوى على الطيران! تمتلك مقومات الدولة ولا تقوى على النهوض"… سألني عن وضع مدينة كركوك وهل هجرتها سكانها، قلت له كركوك مرتبط بحبل المشيمة بأمها كوردستان، والان هي خاوية من سكانها.



#محمد_رياض_اسماعيل (هاشتاغ)       Mohammed_Reyadh_Ismail_Sabir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات ...
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات ...
- رحلة حزن وعذاب بحثا عن الحرية/ الحلقة الثالثة
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات ...
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية// معايشة حقيقية شخصية لتداعيا ...
- ما السبيل الى التنوير
- بريد وهمس/ خاطرة واقعية تم تدوينها عام 2004/ من مذكرات موظف ...
- الاديان وخدعة الصور الفكرية للعقل في البقاء والانتفاع
- مدينة كركوك كما وعيتها/ من خواطري الشخصية
- عبارة عمي / خاطرة شخصية
- معالجة ديون العراق والاقتصاد المنهار بيد عصا البنك الدولي ال ...
- هل يمكن التغيير بهدف التعايش السلمي؟
- معالجة ديون العراق والاقتصاد المنهار بيد عصا البنك الدولي ال ...
- الى متى محاربة ( الاٍرهاب ) !
- وجهة نظر في الاقتصاد النفطي العراقي
- الوعي هو السبيل الى الحرية والاستقلال!
- غياب الإرادة الدولية سينهي الحياة على الكوكب الأزرق!
- السلاح الإعلامي الأمريكي والغربي يستهدف عقولنا
- استدراك النفس في ميلودرامية الحياة والموت
- الليبراليون الغربيون دعاة حرب!


المزيد.....




- الاتحاد الأوروبي سيعلن عن مساعدات للبنان لوقف تدفق اللاجئين ...
- يونيسف تعرب عن قلقها العميق إزاء محنة أطفال جنوب لبنان
- وفد الحوثيين المفاوض لشئون الأسرى يلتقي نائب المبعوث الأممي ...
- وزير الداخلية الإسرائيلي يأمر بعدم منح أمين عام -الأونروا- ت ...
- مفوضة حقوق الطفل في روسيا لـRT: تم لم شمل 70 طفلا مع أقاربهم ...
- الأمين العام للأمم المتحدة يدعو إلى تحقيق مستقل في مقابر غزة ...
- تل أبيب في وضع حرج.. صفقة تهز الحكومة أو اعتقال يزلزل إسرائي ...
- بريطانيا تعتزم ترحيل أول دفعة من المهاجرين تشمل 5700 طالب لج ...
- نتنياهو يناشد زعماء العالم منع مذكرات اعتقال لقادة إسرائيل
- ترامب يعلن استعداده لاستخدام الجيش لطرد المهاجرين غير الشرعي ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمد رياض اسماعيل - رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات الانتفاضة الشعبانية عام 1991/ الحلقة السادسة