أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - نسبية العبث النظري














المزيد.....

نسبية العبث النظري


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7023 - 2021 / 9 / 18 - 12:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٨٢ - نظرية العبث أو العبث النسبي

سارتر يرى أن رواية الغريب لا تشرح شيئا ولا تقدم مبررات أو تفسيرات لأي شيء، إنها فقط وصف كلينيكي لحالة " العبث " أو هذا ما أراده كامو وصرح به في عدة مناسبات. فهو يفرق بين العبث كإحساس وشعور وتجربة وجودية معاشة وبين العبث كمفهوم نظري وفكرة محددة، قابلة للفناء ومتمردة في نفس الوقت. وهو يقدم هذه " الفكرة " ليس بالوسائل العقلية المتعارف عليها، الفكر المنطقي المتسلسل، وإنما في عمل فني - رواية - أو نص سردي مستخدما " الصورة " بدلا من الأدوات الدلالية، ثم فيما بعد ترجم هذه الرواية في عمل فكري ونظري هو " أسطورة سيزيف - le Mythe de Sisyphe " -١٩٤٢ - الذي نشر بعد الغريب بعدة أشهر. الحياة الأكثر عبثية يجب أن تكون الحياة الأكثر فقرا والأكثر عقما، حيث يحيا الإنسان في سلام مطلق مع نفسه ومع العالم ولا شيء يمكن أن يخلخل رتابة أيامه المتواصلة دون رابط بينها، العبث هو التكرار والرتابة ويبدو نقيضا لمفهوم العرضية la contingence عند سارتر. والعبث غريب أيضا عن فكرة وأحاسيس القلق، والإنسان العبثي هو المناقض الموضوعي لنمودج مثل كافكا الذي يرى العالم مليء بالإشارات والألغاز والرموز التي تؤرقه ويحاول فهمها مهما كانت عبثية هذه المواقف، كما هو الحال في رواية المحاكمة وفي القصر. ميرسو لا يبحث عن معنى الأشياء، إنه يحيا حياته كحجر في قاع بحيرة، فقط ممتلئا بالكينونة حتى النخاع، بهدوء قاتل في قلب العاصفة، وكأن هناك حاجز زجاجي سميك يفصله عن نفسه وعن هدير الحياة. وفي أسطورة سيزيف يذكر كامو أمثلة للعبث " البشر أيضا يفرزون اللابشري. ففي بعض ساعات التجلي، يجعل مظهر حركاتهم الآلي - تشخيصهم الإيمائي الخالي من المعنى - كل ما يحيط بهم أحمقا. ثمة رجل يتكلم بالتلفون خلف حاجز زجاجي؛ إننا لا نسمعه؛ ولكننا نرى إيماءه الذي لا يتوجه إلى شيء : فنتساءل لماذا تراه يعيش ". سارتر يرى أن هذا الموقف لا يمثل العبث المطلق الذي يعنيه كامو، وإنما نوع من العبث النسبي، أو الموقف العبثي نسبيا Relativement absurde لأنه ينتمي إلى نوع من الدوائر الغير متصلة أو المقطوعة، مثل دائرة كهربائية غير متصلة، وإذا أزحنا الحاجز الزجاجي واستمعنا إلى صوت الذي يتكلم وفهمنا ما يقوله فكأننا أرجعنا الإتصال لطرفي الدائرة الكهربائية، ويعود المعنى ليضيء الموقف بكامله ويصبح مفهوما بطريقة عقلية ومنطقية. وسارتر يرى أن كامو وضع هذا الحاجز الزجاجي في صورة " ميرسو " ذاته. فهو الذي يجعلنا نرى الحياة والشخصيات المحيطة به والعالم الذي يعيشه من خلال نظرته اللامبالية، نرى ما يعيشه دون أن نستمع إلى ما يقوله، ينقصنا معنى الموقف بكامله، ميرسو هو هذا الفلتر الذي نرى من خلاله الأشياء والأحداث ويمنعنا من إدراك المعنى لهذه الأشياء والأحداث. هذا هو ما يمكن تسميته بالعمل الفني، وهذه هي الميزة الأساسية والقيمة الحقيقية لهذه الرواية. إنها عمل فني أراد الكاتب من خلال إستعمال الخيال خلق مواقف غير حقيقية وشخصيات وهمية ليتمكن من وصف الأحداث من الخارج بدون أن يربط بينها بأي رابط سيكولوجي أو إجتماعي. كما لو أننا أردنا أن نصف مباراة لكرة القدم قائلين بأن مجموعة من الناس يلتقون على ساحة خضراء من العشب ويجرون وراء شيء أو جسم كروي الشكل يحاولون ضربه وتحريكه بأقدامهم، فيسقطون وينهضون ويتنازعون الكرة ويواصلون الجري طوال الوقت داخل هذا المستطيل الأخضر. الوصف حقيقي ودقيق ولكنه غير كاف لإعطاء الفكرة عن الموقف لمن لا يعرف ماهي كرة القدم، ذلك أننا نسينا قواعد اللعبة وهدفها النهائي وهو تسجيل الأهداف. يصنف سارتر هذا العمل ضمن ما يسميه بـ "العالم التحليلي للواقعيين الجدد - le monde analytique de néoréalistes " فالطريقة التحليلية التي لجأ إليها كامو، أي تحليل الواقع إلى مجموعة من اللحظات المتلاحقة والمستقلة دون رابط بينها، لحظات الحاضر المتواصل بدون إنقطاع، بدون عودة للماضي ولا استشراف للمستقبل، هو الذي فرض عليه إستعمال أسلوب "همنجواي" أي الجمل القصيرة المتقطعة والمنفصلة بدون رابط بينها، مثل الوحدات الزمنية، كل جملة هي جزيرة منعزلة عن العالم السابق ومنفصلة عن العالم اللاحق. بين كل جملة وجملة هاوية من العدم.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- براءة القاتل
- محاكمة القاتل
- نفس المواطن السيء الحظ
- الجريمة والعبث
- رواية الغريب
- كامو الغريب المنتمي
- شكوى مواطن سيء الحظ
- سعادة سيزيف
- ألبير كامو
- حبوب منع الملل
- كيفية الحياة في عالم يحتضر
- الحياة، حادثة مميتة
- الشاهد
- مسقط الرأس
- بيكيت ونفي العدم
- الزنزانة رقم ٢٢
- ثلاثية بيكيت
- ويتقشر الليل
- بيكيت والنازية
- لماذا كل هذه التفاهة


المزيد.....




- إسرائيل تعلن اقتراب نهاية الحرب مع إيران بعد أن حققت أهدافها ...
- هجوم روسي -ضخم- على العاصمة الأوكرانية كييف ومحيطها
- كاميرا مثبتة بسيارة توثق غارة إيرانية قُرب أشدود بإسرائيل.. ...
- مسؤول إيراني لـCNN: طهران تريد من أمريكا أن -تدفع- ثمن هجمات ...
- من البحرين الى الإمارات.. تعرّف إلى خريطة الانتشار العسكري ا ...
- الصواريخ الإيرانية تجبر الإسرائيليين على البقاء في الملاجئ ل ...
- إساءة عنصرية لروديغر في كأس الأندية... والفيفا يحقق
- بوتين يندد أمام عراقجي بـ -عدوان- إسرائيلي -غير مبرر- على إي ...
- هل أنهت الضربات الأمريكية التهديد الإيراني لإسرائيل؟
- الاتحاد الأوروبي يؤكد على أن إيران -يجب ألا تمتلك أبدا القنب ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - نسبية العبث النظري