منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 6983 - 2021 / 8 / 9 - 09:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يأتى أغسطس هذا العام ، فى مصر ، أكثر قسوة من الأسى المروع ، على أحوال المجتمعات العربية الاسلامية ، الغارقة فى الخرافات المريضة الذكورية المتغطرسة ، بدون أى " دليل " ، أو " أمارة " ، تقنع النساء والرجال ، ذوى العقول المفكرة ، والمنطق الرشيد ، والنفوس السوية .
جو أغسطس هذا العام ، " كرباج " ، أشد ارهابا من كرابيج الأسلمة الجهادية ،المسلحة ، وغير المسلحة . لا ينفع معه ، " تكييف هواء " ، ولا " تكييف مشروب مثلج ".
موجة حارة تجتاح مصر ، فى أغسطس هذا العام ، تسبب الانهاك دون مجهود ،تفسد المزاج الذى صنعته القهوة المحوجة ، تسحب من صوت " أسمهان " طبيعته الممطرة المنعشة ، تجعلنى أحادية الرؤية ، لا أرى الا المنغصات ، والسلبيات .
موجة صحراوىة تلفحنا ، تصفعنا ، كما لفحنا ، وصفعنا ، الاسلام الصحراوى ،الوهابى ، السلفى ، المتزمت ، المتجهم ، المتشدد ، متضخم الذكورية ، المريض بتكفير الآخرين ، والوصايا على الناس فى كل لحظات حياتهم ، وتغطية النساء .
ألا يكفى أننا فى فترة غابرة من الزمن ، فتحنا جميع الأبواب ، للاسلام نسخة البلاد الصحراوية ، الحالمة ، باعادة الخلافة الاسلامية ، وتطبيق الشريعة الاسلامية ،
وجنود الجهاد الدينى الدموى ، كمان " المناخ " سيصبح نسخة من تلك البلاد ؟؟.
المناخ القاسى ، بالضرورة ، يخلق آلهة سادية ، و ثقافة عنيفة ، ومفاهيم غاضبة ، وأفكار متعصبة ، ووجوه متجهمة ، وتفسيرات مغلقة ، وأخلاق متسلطة ، وقيم كارهة للنفس ، ولبقية البشر ، وللحياة نفسها .
مناخ لا يرحم ، يستهويه التعذيب ، والتلذذ بآلام وخضوغ وعجز وخوف الناس ،مناخ يكبس على النفس ، والأنفاس ، يخنق الفرح ، يحبس المطر ، يسجن الخيال ،يغتال الأسئلة ، يسجن الكلام ، يقص الأجنحة .
لقد أكدت البحوث والدراسات العلمية ، أن فى أوقات الموجات شديدة الحرارة ، تزدادمعدلات الطلاق ، والجرائم ، والخناقات بين الناس ، وكل أشكال ودرجات العنف وداخل المنازل ، وفى الشوارع ، وفى أماكن العمل ، كما يزيد عدم التركيز ، والقرارات الخطأ ، والتصرفات المتناقضة ، والأرق ، وعدم الاكتراث ، والموت بسكتات قلب فجائية ، وتوتر الأعصاب ، والأمراض الكامنة تظهر ، والمكبوتات تحت الجلد تنفجر ، وأحزان الماضى البعيد تعود بعد الهجرة الطويلة أو القصيرة ، وفوبيا المخاوف تتكاثر ، وأشباح الندم تحتل الخيال ، المتصبب عرقا .
تصبح الأيام مغلفة بالملل البغيض ، والكسل المتراخى ، وربما الى اكتئاب ، ورغبة فى الابتعاد عن كل الأشياء ، قد تنتهى بالانتحار .
وتتحول الحياة كلها ، فى جميع لحظاتها ، الى عبء ثقيل ، وطريق مسدود ، وأنفاس مخنوقة .
ان التخلف ، والتعصب ، و العنف ، والحقد ، وحب القتل ، والتمتع بمنظر الذبح ، والدم ، لكل الكائنات ، وجميع أشكال ودرجات التأخر الحضارى ، وتضخم الشوارب الذكورية ، ومنغصات العيش ، والعقول المختلة ، والنفوس المريضة بالخنوع ، والطاعة ، وانعدام الطموح ، وكراهية النظافة ، ومعاداة الآخر ، وبغض الانطلاق والفرح ( عكس كل صفات حضارة الماء كما أحب أن أسميها ) ، لا نجدها الا
فى البلاد الحارة ، أو البلاد الصحراوية ، أو البلاد التى لا تقع عيونها ، على جريان نهر ، ولا تسمع آذانها أمواج بحر ، ولا تبلل قلوبها بهجة انهمار المطر .
وبالطبع ، وكما عهدناهم ، كان لابد للشيوخ ، ورجال الدين ، وأنصار التأسلم ، وجنود الدولة الدينية المرتقبة ، بالحسنى ، أو بغير الحسنى ، دولة تعادى حضارة الماء ، و الذين هم أصول ، وأحفاد ، وامتداد ، البيئة الصحراوية القاسية ، فى أزمنتها القبائلية الأولى ، هو استغلال الحر غير المعتاد فى أغسطس . وذلك على أمل ، تدمير البقية الباقية من العقل ، واشاعة المزيد من الارهاب ، الارهاب ، والتهديد ، والوعيد ، والذعر ، من عقاب الله ، الذين يعتبرون أنفسهم ، دون أى دليل ، القناة الشرعية الوحيدة المعتمدة بالاجماع ، من خلالها يتكلم الله .
قالوا أن الموجة الحارة الغريبة غير المعتادة ، ونشهدها فى أغسطس هذا العام ،انما أرسلها الله ، عقابا للمسلمات والمسلمين ، لأنهم ابتعدوا عن الاسلام الحنيف ،آخر الأديان ، وعن سُنة رسوله آخر المرسلين ، وخاتم الأنبياء ، ولأنهم متلكعون فى اقامة " الولايات الاسلامية الكوكبية المتحدة ".
قالوا أن هذه الموجة الحارة ، موجة أغسطس 2021 ، يبعثها الله ، ليذكرنا بالنار المنتظرة الكافرات والكافرين ، والمقصرات والمقصرين فى حق اسلامهم العزيز المبارك .
قالوا أن هذه الموجة ، انما هى " بروفة " بسيطة جدا ، من نار جهنم ، التى يعدها الله ، لمنْ لا يتبع هداه . وعلينا الاتعاظ ، وأخذ العبرة ، والتدبر فى حكمة هذه الموجة شديدة الحرارة . فكل شئ ، لا يحدث الا بالارادة الله ، وهاهو الله ، يرسل لنا اشارة انذار ، لمراجعة النفس ، والرجوع الى الصراط الاسلامى الدينى المستقيم ،المشرع من قانونه الحكيم ، الصالح لكل زمان ومكان .
قالوا ، أنها " رحمة " ، و " عدل " ، من الله ، لأنه يريد أن ينقذنا من الضلال ، قبل أن تفوت الفرصة ، وتتم التهلكة ، بمشيئته ، واذنه ، ورضاه .
وأول شئ بالطبع تسأله أى انسانة تفكر بعقل بسيط ، وماذا عن الأيام التى سبقت أغسطس 2021 ، فى مصر ، وهى الأكثر ، وكانت درجة الحرارة ، لطيفة ، لا تعكنن المزاج ، ولا تثير الأعصاب ، أنأخذها على أنها علامة واضحة من الله ، أنه راض علينا ،وأننا على الصراط المستقيم ، وأننا على هدى النبوة ، وأن الله لا يريد اعادة الخلافة الاسلامية ؟؟.
السؤال الثانى، الذى أطرحه على أحفاد الحضارة الصحراوية ، أليس " تكييف الهواء " ، الذى يجعلنا نحتمل ، الموجة الحارة ، فى حد أدنى ، نستطيع معه العمل ،والنوم ، دون أن نجن ، ويجعلكم تستطيعون قضاء الصيف الحار بأكمله ، فى راحة معقولة ، وقد أصبح شهورا طويلة ، بسبب الاحتباس الحرارى ، والتلوث العالمى ، والمحلى ، وأنتم تفتون الفتاوى الصحراوية ، وتكفرون الناس ، وتشدوهم الى عصور بدائية بدوية همجية ، من احتراعات " الغرب الكافر " ، الذى تشتمونه بكل بذاءة ، وتجهزون له القتل ، والابادة ؟؟؟؟؟.
لا أدرى الى متى ، يستهزئ هؤلاء الناس المستثمرين فى الدين ، بعقولنا ، ومن الصعب عليهم الاقتناع بأننا نفكر بمنطق ، يستخدم نتائج العلوم الحديثة ، ومنها علم الأرصاد الجوية ، وأن كلامهم أصبح ليس فقط مقبولا بأى مقياس ، وانما أيضا مضحكا ، ويثير الشفقة عليهم .
الى متى ، يبيعون لنا بضاعتهم الفاسدة ، والتى يثبت كل يوم فسادها ، وانتهاء تاريخ صلاحيتها ، وكم تسببت فى اصابة ملايين الناس منذ سنوات طويلة ساحقة ، بالسموم ، والأمراض ، ومختلف أنواع وأشكال التشوهات العقلية ، والنفسية ، والتى أصبحت مزمنة ، مستعصية على الشفاء ؟؟.
لا ييأس المتاجرون بالأديان ، أبدا ، رغم أنهم قد خسروا الكثير من أرباحهم ،المستثمرة فى هذه التجارة ، والبعض منهم قد أفلس بالفعل ، لكنه لا يعترف بالهزيمة ، ولا يجهر بالافلاس المخزى ، الذى خرب بيته ، مشروعه ، بعد أن خرب ما لا يعد ، ولا يحصى ، من البيوت ، والنفوس .
لكن المكابرة ، والعنجهية ، والغرور ، وعقد النقص المتراكمة ، والاستعلاء المفرغ ، من أى قيمة يحترمها العقل والعلم والكرامة ، تنفع البشرية ، وتقدم لها الحلول ، لمشاكل بسيطة ، حتى لو كانت كيف نزيل أكوام القمامة ، والهزيمة اليومية أمام متغيرات العصر ، أصبحت كالمرض العضال ، ومزيج مقزز من الأمراض المحفورة .
يستميتون لاقناعنا بالترهيب ، والتخويف ، وباسم الأوهام المقدسة ، المستوردة من ثقافة الدم والتكشير ، وفوبيا مما تفعله المرأة بجسمها ، ممولة من دول تدعى ، وتزعم الديمقراطية والتحضر والتقدم ، أن " سمومهم " ، هى الصحة بعينها ، وأنها النجاة ، باذن الله من كل شر خبيث ، والشفاء ان شاء المولى ، من كل داء .
----------------------------------------
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟