|
لا أحد يستطيع خنق الحرية
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 6962 - 2021 / 7 / 18 - 18:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الى كل مجتمع ، يظن ، أو حتى يخطر فى حلم من أحلامه ، أنه يستطيع بأدواته ، وخبرته التاريخية ، وموروثاته ، والنخبة التى ترقص من حوله ، واعلامه ، وثقافته ، وتشريعاته ، ومقررات تعليمه ، وأكاذيبه المغلفة بأسماء براقة ، أن يخنق الحرية ، أقول ، لن تستطيع . الى كل مجتمع ، يعتقد أن نجاحه فى خنق الحرية ، قد أتى ثماره ، لبعض الوقت ، نتيجة جهل الغالبية نساء ورجال ، أو خوفهم ، أو عجزهم ، أو لامبالاتهم ، أقول ، لا تبتهج ، فالمسألة مسألة وقت ، حتى تنفضح أدوات قهرك ، ويفيق الناس من خداعك ، وخيانتك . الى كل مجتمع ، يمارس العقوبات الجنائية ، والمعنوية ، والنبذ الاجتماعى ، والثقافى ، والاعلامى ، والأدبى ، ضد النساء والرجال ، الذين يعبرون عن رأيهم المسالم المختلف عن القطيع ، أقول ، أنك مجتمع تشعر بالخوف ، والعجز ، وفقدان الحجة المنطقية العادلة ، وتدرك مدى ضعف الأفكار والممارسات والقوانين والمنظومات والموروثات ، التى تدافع عنها ، وتجعلها سوطا على رقاب البشر ، وتعرف أن البساط بدأ يُشد من تحت قدميك . الى كل مجتمع ، ينغص على النساء ، والرجال ، والأطفال ، حياتهم ، يجند الأوصياء فى كل مجال ، يتسلط باسم الأديان على أكلنا ، وشربنا ، ونومنا ، وعواطفنا ، وزواجنا ، ولبسنا ، وحبنا للفن والجمال والبحر والشِعر ، والموسيقى ، والرقص ، والصداقة ، والفرح ، أقول ، أنت كاذب ، وكذبك أصبح مكشوفا ، فأنت تزعم أنك بممارساتك التزمتية القاهرة ، تحمى الأديان ، وتتجنب الفتن ، والفوضى . بينما الحقيقة ، أنت تحمى خزائن الثروة ، وأراضى النفوذ ، وأطيان الاستغلال . هذا بكل بساطة ، ويسر ، قصة الأمس ، وقصة اليوم . لكنها لن تكون قصة الغد .الى كل مجتمع ، يداعبه كابوس أن بقدرته ، مهما كان جبارا ، أن يغلقأبواب الحرية ، وأن يكتم على أنفاسها ، التى بدأت تشق طريقها ، أقول ،عاجلا ، أو آجلا ، مثلما حدث لمجتمعات أخرى ، سوف تذهب مع الريح ، وتصبح فى خبر كان ، بثرواتك ، وجرائمك ، وأوهامك . لو استطعت المشى فوق الماء ، أو الحرث فى البحر ، تستطيع اذن أن تخنق الحرية . هذه كلمتى لأى مجتمع ، مازال يعيش فى الوهم . ما هذه المجتمعات التى تريد جوارى ، وعبيدا ، وليس مواطنات ، ومواطنين أحرارا ، رغم أنها تصدع أدمغتنا كل يوم ، ليل نهار ، بالمواطنة ؟. مجتمعات مريضة بالجشع والعُقد والاضطرابات ، لابد أن تعالج قبل أن تأخذ زمام الحكم . رغم أننى لا أميل كثيرا الى " المطلقات " ، الراسخة ، وأتردد كثيرا قبل الحديث والدفاع عنها ، الا أن " الحرية " ، استثناء وحيد أتشبث به ، وليس يقلقنى جلوسها وحيدة على عرش المطلق الثابت فى حياتى . فأنا أؤمن ب " الحرية " ، ايمانا مطلقا ، راسخا ، لا يشوبه شك ، أو تردد ، كما أؤمن بنفسى . بل أن ايمانى بالحرية ، ربما يكون الايمان الوحيد ، الذى يزداد يقينا ، وزهوا ، مع مرور الزمن . ويصبح مع ذبول كل الأشياء ، وردة فيحاء العبير ، أعلقها على صدرى ، وعلى خصلات شعرى . أؤمن ب " الحرية " ، ايمانى بأن " الانسان " ، أهم من الفلوس ، وأن " العدل " ، هو الذى يجعل النظام السياسى ،" جميلا " ، وأن " الثورة " ، هى التى تجعل الشعوب ، " نبيلة " ، وأن " شجاعة " القول ، والسلوك ، هى ما تجعل المرأة " شريفة " ، وما يجعل الرجل " شريفا " . أؤمن ب " الحرية " ، مثلما أؤمن ، بأن الموسيقى ، سر من أسرارالكون . ومثلما أؤمن بأن " الألم " ، هو أهم كتاب نقرأه ، لنتعلم كل ما هو ضرورى لمواجهة الحياة . ايمانى بالحرية ، مثل ايمانى ، كما قال " غاندى " ، بأن " الفقر " ، موجود ، لأننا نأخذ أكثر من احتياجنا . أؤمن ب " الحرية " ، مثل ايمانى أن " رق الحبيب " ، من ألحان " القصبجى " ، طفرة جينية فى تاريخ الألحان ، وأن الحضارة التى تقطع من أجساد ، وعقول النساء ، تحمل داخلها بذور الفناء ، ومثل ايمانى ، بأن " العمر" الحقيقى الذى نعيشه ، لا يرتبط بتاريخ الميلاد ، أو زحف التجاعيد . أؤمن ب " الحرية " ، كما أؤمن ، بأننا لا نستمتع بالحياة ، الا اذا تصالحنا مع " الموت " .. أؤمن بالحرية ، مثلما أؤمن باستحالة انتمائى لهذا العالم ، بكل أفكاره ، وأهدافه ، ومخاوفه ، وعقائده ، ودمويته ، وعنصريته ، وذكوريته ، وغروره ، وغطرسته ، وعنحهيته ، وحماقاته ، وعبثيته . ايمانى بالحرية ، كايمانى بأننى جئت الى الحياة ، من رحم " أم " ،لا تتكرر ، قالت لى منذ طفولتى : " تكونين حرة أو تموتين " . أرى " الحرية " ، مصيرا محتما ، علي البشرية ، مسيرة من الضياء ،لابد من السفر اليها . وهى لنا ، ب " المرصاد " ، تراقب ، وتسجل ، وتقرر ، وتخطط . قد نتأخر .. قد نتعثر .. قد نتوه . لكن المسيرة محسومة مسبقا ، لصالح " الحرية " . ف " كل منْ عليها حر " .. و" كل نفس ذائقة الحرية " .. اذن التخلى عن الحرية ، ليس ضعفا ، أو يأسا ، أو انهزامية ، أو لامبالاة ، انما " خيانة " للحياة نفسها التى أوجدتنا ، وجعلتنا حراسا عليها. ولابد من محاكمة وعقاب منْ ارتكب أى شئ ، يعوق الحرية ، فى حق نفسه ، وفى حق الآخرين ، وفى حق الحياة . والخيانة كما نعرف ، جريمة كبرى ، ان استشرت ، تصبح أخطر من الأوبئة . والسؤال ، من أين يأتى ، الشعب ، بحريته ؟ . بكل بساطة ، الشعب الحر ، يساوى مجموع ، نساء أحرار + رجال أحرار + أطفال أحرار . حينما ننطق فى مجتمعاتنا ، بكلمة " الحرية " ، تنتفض ، وتتحفز ، وتتشنج ، و الاتهامات ، والادانات الأخلاقية . نسأل أول ما نسأل : " يعنى ايه حرية "... " مافيش حرية مطلقة " .. " وايه حدود وسقف الحرية دى " .. " وعايزين الحرية دى ان شاء الله عشان تعملوا بيها ايه " .. " عايزين حرية انحلال زى الغرب الكافر " .. وغيرها من الادانات الحمقاء التى ترادف بين " الحرية " وقلة الأدب ، وقلة الحياء ، وقلة رجاحة العقل ونظافة القلب . مع أن كل الادانات ، والتخوفات ، الأخلاقية ، لابد أن تنصب على " القهر " ، وليس على " الحرية " . وليس من المفروض ، وليس من الطبيعى ، أن نسأل عن حدود الحرية ، ولكن عن حدود القهر . والذى يخيفنا المفروض أن يكون القيود ، وليس التحرر . ومن تجاربى ، ومن تأمل صفحات التاريخ قديما ، وحديثا ، يتضح لنا أن أكثر الناس اتهاما للحرية ، وادانة للأحرار نساء ، ورجال ، هم أكثر الناس فسادا أخلاقيا . هى من نتاج " أخلاق الحرية " . كل فضيلة يمكن أن نتصورها ، وكل رذيلة ، يمكن أن نتوقعها ، هى ارث مباشر أو موروث من أخلاق القهر " . الحرية تصحح نفسها بالتجربة ، والمعرفة المتراكمة ، والشجاعة ، والتقدم ، والنور والجمال ، والحساسية للحقوق الأخلاقية للآخرين . وبالتالى تنتج " المناعة الأخلاقية " . بينما القهر ، يعيد انتاج المزيد من الجهل ، والخوف ، والتأخر ، والظلام ، والقبح . وبالتالى يقود الى الهشاشة الأخلاقية " . نقول " الموت علينا حق " ، وكذلك هى " الحرية علينا حق " . الحرية ، هى أول السطر ، وخاتمته . البشر يمرضون بالروح والجسد ، من " قلة الحرية " ، وليس من " قلة الفلوس " ، أو من " قلة الحب " ، أو من " قلة الصداقة " ، أو من " قلة الأهل ". وأنبل الثورات ، التى تتغلغل داخل النفوس ، هى الثورات من أجل " الحرية " ، وليس من أجل رغيف عيش ، وزجاجة زيت ، وكيس سكر . وأجمل ما غنى " عبد الوهاب " من تأليف " أحمد رامى " ، أغنية " أحب عيشة الحرية زى الطيور بين الأغصان " . ولو كان صحيحا ، ولا أعتقد ذلك ، أننا كلنا نحب الحرية ، يظل السؤال الأكبر الأهم المحير ، لكن " الحرية بتحب مين ؟ ". الحرية ، تحب منْ يحبها ، ويشتهيها ، ويسافر لها ليلا ، فى عز البرد ، والظلام ، والمجهول ، ودون حقائب ، دون ماء ، أو زاد ، أو صحبة . الحرية فى منتهى الكرم ، والتواضع ، لا تطلب شيئا ، الا أن نحبها ، حتى تمنحنا كل كنوزها ، وأسرارها . أغلب الناس ، لا يحبون الحرية ، اما أنه شئ فى الجينات الطبيعية ، أو أنهم استدمجوا القهر ، وتأقلموا معه ، ووجدوا فيه الأمان ، والراحة ، الى درجة أنهم أصبحوا يكرهون الأحرار من النساء والرجال . ومعهم حق ، فالحرية ، خطر ، ومتعبة . قال فريدريك نيتشة ، 15 أكتوبر 1844 – 25 أغسطس 1900 ، أحد الفلاسفة الذين أحبهم ، " عِش فى خطر " . وأعتقد أنه كان يقصد ضمن ما قصده ، " عِش فى حرية ".
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- أسمهان - ... أصل الغِناء وُلدت وماتت فى الماء - أصل الحياة
...
-
نحب الوطن لكن على الوطن أيضا أن يحبنا
-
شاعرة رهن الاعتقال
-
انتصار 30 يونيو 2013 لن يميت الحلم الاخوانى
-
بناء مصر الحديثة بين السلفية الساكنة والديناميكية المتغيرة
-
عقد الزواج فى الأساس هو عقد نكاح طاعته واجبة
-
النهضة الثقافية عندما يفخرالرجل العربى أن زوجته أو ابنته راق
...
-
21 يونيو اليوم العالمى للموسيقى .. وطنى وجسدى وبيتى وملاذى
-
- نوال - أمى أين أنتِ ؟؟؟؟؟؟؟
-
قصيدتان
-
الحجاب ليس حرية شخصية - تحجيب المجتمع يبدأ بتحجيب النساء
-
اعترافات كازانوفا زمن الدم والأوصياء
-
أحدث وآخر رواية لنوال السعداوى تجاهل متعمد من الكهنوت النقدى
...
-
المقارنة الهزلية بين الالحاد والفكر التفكيرى
-
أزمة الكاتبات والشاعرات
-
إحلال الأسرة المدنية بدلًا من الأسرة الدينية.. هكذا التجديد
...
-
غناء القلم.. فى يوم البيئة العالمى.. حرق الغابات ليس أخطر من
...
-
ذكورية اللغة العربية أخطر أنواع الختان للنساء
-
رسالة إلى نوال السعداوي من إبنتها: يا نوال فين عيونك؟
المزيد.....
-
اصطدمت بسيارة أخرى وواجهته بلكمات.. شاهد ما فعلته سيدة للص س
...
-
بوتين يوعز بإجراء تدريبات للقوات النووية
-
لأول مرة.. دراجات وطنية من طراز Aurus ترافق موكب بوتين خلال
...
-
شخصيات سياسية وإعلامية لبنانية: العرب عموما ينتظرون من الرئي
...
-
بطريرك موسكو وعموم روسيا يقيم صلاة شكر بمناسبة تنصيب بوتين
-
الحكومة الروسية تقدم استقالتها للرئيس بوتين
-
تايلاند.. اكتشاف ثعبان لم يسبق له مثيل
-
روسيا.. عقدان من التحولات والنمو
-
-حماس-: اقتحام معبر رفح جريمة تؤكد نية إسرائيل تعطيل جهود ال
...
-
مراسلنا: مقتل 14 فلسطينيا باستهداف إسرائيلي لمنزلين بمنطقة ت
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|