|
بناء مصر الحديثة بين السلفية الساكنة والديناميكية المتغيرة
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 6948 - 2021 / 7 / 4 - 12:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
كان موكب المومياوات الملكية من المتحف المصرى فى التحرير ، الى الفسطاط بالجيزة ، السبت 3 أبريل 2021 ، حدثا تاريخيا ، أسعد المصريات والمصريين ، وأبهر العالم ، الذى سجل الحدث لحظة بلحظة ، صوتا ، وصورة . وبالطبع ، أنا واحدة من المصريات اللائى شاركن مصر ، فرحتها ، واعتزازها بالحضارة المصرية القديمة ، كأولى الحضارات التى أبدعت فى كل المجالات ، وكانت مصدرا لالهام واستنارة وتقدم حضارات أخرى ، شرقا ، وغربا . لكننى أخاف أن يتوقف هذا الحدث التاريخ ، عند نقل المومياوات الى مكان جديد ، دون أن تنتقل مصر ، الحديثة ، الى نقلة نوعية حضارية جديدة . أخاف أن يتوقفالأمر ، على ابهار العالم ، دون أن يعمل أثرا ايجابيا مشهودا على أرض الواقع ، لكى تتغير حياتنا الى المزيد من الحرية ، والعدالة ، والعلم ، والتفتح .فى 3 يوليو 2013 ، عرفنا مصر دولة جديدة ، بعد أن لفظت فى ثورة 30 يونيو 2013 ، حكم الاخوان المسلمين ، وتعاهد المصريات والمصريين ، على بناء مصر الحديثة . ان حال الانسان المصرى ، والانسانة المصرية ، الآن ، يستدعى بشكل عاجل " اعادة تشكيل " ، بل الكلمة الأصح ، هى " اعادة بناء " . لا يوجد شئ ، يدل على أن مؤسسات الدولة المختلفة ، تأخذ قضية " بناء الانسان " ، كقضية محورية ، للتقدم الحضارى الحديث . بل انها أكثر من ذلك . قضية " بناء الانسان المصرى والانسانة المصرية " الحديثة ، هى قضية حياة ، أو موت . قضية وجود ، أو لا وجود . قضية بقاء يكمل ابداعات الحضارة المصرية القديمة ، التى احتفلنا بنقل مومياواتها الملكية ، منذ ثلاثة شهور . من هنا أناقش قضية فى صلب بناء الانسان المصرى . وهى أننا نهتم بالآثار التى صنعها الانسان المصرى القديم ، أكثر من اهتمامنا بالانسان المصرى فى الحاضر . ان اهتمامنا بالآثار كثمرة من ثمار حضارتنا المصرية القديمة ، يفوق اهتمامنابالانسان صانع الحضارة فى الأساس . غالبية الناس ، لا يرون الحضارة ، الا تلك الآثار العابرة حدود الزمان . هم بذلك " يسجنون " الحضارة ، فى قالب من " الحجر " ، أحادى الرؤية ،جامد . أنا أعتقد ، أن الآثار ، بكل تفردها ، وعظمتها ، هى صدى الصوت ، وليس الصوت نفسه . أو هى مجرد الاصبع ، الذى يشير الى القمر . لكنها ليست القمر. أو بمعنى آخر ، الآثار ، هى الجانب " الساكن " ، من الحضارة . أما الجانب " المتحرك " ، فهو عقل ، وقلب ، الانسان الحى ، " هنا والآن " ، القادر على احداث التغيير ، والابداع . ان حضارتنا ، ليست " تركة " ، جامدة ، من التماثيل ، والمومياوات ، والتوابيت ، والمعابد ، والأهرامات . لماذا ننحاز الى حضارة " الحجر " ، لا حضارة " البشر " . أو لنقل أن هناك اتجاها " سلفيا " ، فى الفكر الدينى ، كما هو موجود فى الفكر الدينى . ننشغل ، بحماية ، أنف أبو الهول ، أكثر من حماية الانسان الحى الآن من الفقر والمرض ، والجهل . هل من العدل ، انفاق مبالغ طائلة على البحث عن قطعة أثرية مغمورة ؟ ولا ننفق شيئا يُذكر عن البحث عن المواهب المغمورة ؟ . ننفق على " ترميم " ، الآثار . ولا ننفق على " ترميم " البيوت ، التى تتصدع وتقع على سكانها الآمنين . نهب سريعا لو سُرقت عين " توت عنخ أمون ". بينما لا نفعل شيئا ، حين تُسرق ، كرامة الانسان . يقف الناس ، يتأملون فى انبهار أحد التماثيل ، الموجودة منذ خمسة آلاف سنة ، ولا ينبهرون بكفاح انسان مصرى ، يناطح الأقدار ، ويتحدى أصعب المعوقات لمجرد أن يحافظ على بقائه . أنا أعترض على مقولة " السياحة هى مستقبل مصر " ، يرددها كثيرون ، باعتبار أن مصر تمتلك وحدها ثلث آثار العالم . عفوا أيتها التماثيل والمومياوات ، والتوابيت ، والمحنطات ، أنتِ لست مستقبل الوطن . يا كل آثارنا الجميلة ، والعظيمة ، الرائدة ، فى التاريخ ، فى كل العلوم والمعارف ، أنت ِ الالهام ، ومنبع للتعلم ، والفخر ، وعلينا حمايتك . ان مستقبل مصر ، فى تنمية حقيقية ، وثورة ثقافية ، فى " الانتاج " .. فى الزراعة وفى الصناعة ، وفى تخضير الصحراء ، وفى الطاقة المتجددة ، وفى الفن الراقى ، وفى تثوير الفكر الدينى ، وفى تحرير النساء من المعتقلات الذكورية . اذا كان بناء الأهرامات ، عجيبة من عجائب الدنيا ، ولغزا لم يُفسر حتى الآن ، فان " بناء الانسان المصرى " ، هو العجيبة الجديدة ، التى يمكن أن يفعلها الشعب المصرى ، بينما تحاصره عوامل التعرية القاسية ، وظروف مناخية غير قابلة للتنبؤ . العقل المصرى .... الوجدان المصرى ... الارادة المصرية .. الابداع المصرى .. هذا هو طريق مصر ، الذى ينتظره المصريون ، والمصريات . نحن لا نريد ، ونحن نبنى مصر الحديثة ، نظرة سلفية ساكنة ، تنشغل بالزهو ، السلبى ، أحادى الرؤية ، غير المتفاعل مع تغير الزمن . نريد نظرة ديناميكية ، عملية دائمة الحركة ، والتغير ، والتعلم ، لا نهائى المصادر .
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقد الزواج فى الأساس هو عقد نكاح طاعته واجبة
-
النهضة الثقافية عندما يفخرالرجل العربى أن زوجته أو ابنته راق
...
-
21 يونيو اليوم العالمى للموسيقى .. وطنى وجسدى وبيتى وملاذى
-
- نوال - أمى أين أنتِ ؟؟؟؟؟؟؟
-
قصيدتان
-
الحجاب ليس حرية شخصية - تحجيب المجتمع يبدأ بتحجيب النساء
-
اعترافات كازانوفا زمن الدم والأوصياء
-
أحدث وآخر رواية لنوال السعداوى تجاهل متعمد من الكهنوت النقدى
...
-
المقارنة الهزلية بين الالحاد والفكر التفكيرى
-
أزمة الكاتبات والشاعرات
-
إحلال الأسرة المدنية بدلًا من الأسرة الدينية.. هكذا التجديد
...
-
غناء القلم.. فى يوم البيئة العالمى.. حرق الغابات ليس أخطر من
...
-
ذكورية اللغة العربية أخطر أنواع الختان للنساء
-
رسالة إلى نوال السعداوي من إبنتها: يا نوال فين عيونك؟
المزيد.....
-
البنتاغون: انتصار روسيا في الصراع الأوكراني سيكلف الولايات ا
...
-
الجيش الإسرائيلي ينشر ملخص عملياته في رفح (فيديو)
-
زخارف ذهبية وعرش خشبي.. مقاطع مسربة من -قصر بوتين- تكشف عن
...
-
ممثلة إباحية تدلي بشهادتها عن علاقتها الجنسية بترامب في المح
...
-
غموض يحيط بمقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر، ما الذي نعرفه عن
...
-
محيطات العالم تعاني من -ارتفاع قياسي- في درجات الحرارة هذا ا
...
-
بعد أشهر من المماطلة.. اتهامات تطال فون دير لاين بتجاهل وعرق
...
-
اتفاق أوروبي على استخدام الأموال الروسية المجمدة لتسليح أوكر
...
-
وزير مصري سابق يوضح سبب عدم تحرك جيش بلاده بعد دخول إسرائيل
...
-
كيم جونغ أون يودع -سيد العمليات الدعائية- في كوريا الشمالية
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|