أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - منى نوال حلمى - المقارنة الهزلية بين الالحاد والفكر التفكيرى













المزيد.....

المقارنة الهزلية بين الالحاد والفكر التفكيرى


منى نوال حلمى

الحوار المتمدن-العدد: 6926 - 2021 / 6 / 12 - 09:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


  ما زال أغلب الشيوخ ، والفقهاء ، والأوصياء من رجال الدين ، وربما تكون كلمة " أغلب " ، ليست دقيقة ، غير معبرة عن الواقع . أعتقد أن كلهم ممنْ يشتغلون ، ويتلقون أجرا ، على كونهم " الوسطاء " بيننا ، وبين تكوين أرائنا الخاصة الحرة ، عن العقيدة ، والأديان ، كلهم دون استثناء ، يتناقشون حول مشروع تجريم " الالحاد " فى مصر . وان كانوا يستطيعون بأدواتهم المعهودة التاريخية الموروثة ، ولغتهم الجسدية ، واللفظية ، أن يجرموا " الالحاد ، على كوكب الأرض بأسره ، فلن يترددوا .
مازلت أقرأ ، وأسمع ، وأشاهد ، فى وسائل الاعلام المصرية ، مناقشات حول ضرورة اصدار قوانين تعاقب الفكر الملحد ، الذى يعتبر حجر الزاوية فى حرية العقيدة التى نص عليها الدستور المصرى .
هل نتصور أن الأمر وصل بهم الى اعتبار الفكر الالحادى المسالم ، الذى لا يحمل أى أسلحة ، ولا يتبنى أى سياسة عنف ، أو وصايا ، أكثر خطورة من الفكر التكفيرى ، الارهابى ، الذى يقتل ، ويذبح ، ويمثل بجثث الضحايا ،باسم الدين و الاسلام ، والرسل والأنبياء ؟؟.
سمعت بأذناى ، وشاهدت بعينىً ، واحدا من قيادات المؤسسات الدينية الكبرى الرسمية فى مصر ، يصرح أن " العدو هو الالحاد " ، والذى لابد من تضافر كل الجهود والطاقات والأدوات ، لابادته ، واستئصاله ، قبل تخريب البلاد ، وافساد الناس ، وهدم الاسلام ، وتقويض الدين .  
وقد وقع فى تناقض حينما أعلن ، أن " الالحاد " يتضائل فى مصر ، وفى العالم كله . ثم أعقبه بقول : " لابد من استصدار قانون عاجل رادع يجرم الالحاد قبل أن يستفحل الى ظاهرة لا يحمد عقباها ". اذا كان " الالحاد يتضائل " ، اذن لِم الخوف ؟؟. لِم ضرورة الاستعجال فى اصدار قانون يجرمه ، ويحجمه ؟؟.
وأنا هنا لن أناقش ، كون " الالحاد " يتضائل ، أم يكبر . هذه ليست القضية ، رغم أهميتها ، ورغم تواجد الكثير من الأدلة فى مصر ، والبلاد العربية ، والعالم ، على تزايد نسبة الاقبال على ترك الأديان ، والالحاد ، بين الشباب من الجنسين .
وأمعن الشيخ الأزهرى السُنى ، فى اهانة " الالحاد " قائلا : " ان الالحاد هو العدو الأول المشترك للأديان فى مصر والعالم ، هو يحطم  الانسان نفسيا ، ويدمره من الداخل ، ويبقيه حائرا ، متوترا ، ضائعا ، مشوشا ، وهو الخطر الداهم لسقود الأفراد والجماعات والشعوب ، سقوطا أعمى ، الى هاوية معتمة  لا قرار لها ".  
فى هذا السياق ، أود التعليق على هذا الشيخ ، وعلى منْ يحملون فكره ،ويلهثون لاقرار تشريع يجرم الالحاد فى مصر . وحتى دون التفكير فى اصدار مثل هذا التشريع غير الدستورى ، غير الحضارى ، الارهابى من الدرجة الأولى ، فان النظر الى " الالحاد " لآبد من تصحيحه .

أولا ، الالحاد ليس هو العدو المشترك للأديان ، وليس هو الخطر الداهم الذى يجب التكاتف لمحاربته ، وليس سقوطا للانسان وتحطيما لنفسه . انما العدو المشترك للأديان ، والانسانية كلها ،  هو التجارة باسم الأديان ، لتحقيق أهداف سياسية مرتبطة بالسيطرة والهيمنة والحكم ، وتضليل الناس تحت اسم التأسلم أو التدين  الشكلى المظهرى . العدو المشترك للأديان والانسانية ،  هو تقسيم الناس والتفرقة بينهم على أساس الدين ، والعقيدة الموروثة . العدو المشترك للأديان يا حضرات الأوصياء ، والوسطاء  ، هو السلطة المطلقة فى البيت والدولة والجنة الموعودة ، ضد النساء ، وفرض رذيلة الطاعة على الزوجات ، باعتبارها الفضيلة المقدسة الكبرى باسم الرب.
العدو المشترك للجنس البشرى ، هو نشر الأزياء الدينية ، واللغة الدينية ، والاعلام الدينى ، والترويج الممول لاضعاف الدولة المدنية ، لصالح اقامة الدولة الدينية . العدو المشترك لنا جميعا ، هو اضفاء القداسة على رجال الدين ، وفقهاء الدين ، ودعاة الدين ، وتكفير ونبذ منْ ، يرفض أو ترفض ، قداستهم ، وفتاواهم ، وتصوراتهم ، وتسلطهم . عدونا الموروث الذى يجدد أدواته ، هو اعتبار فهم وتفسير " الدين " ، حكرا على منْ يلبسون العمامات ، أو منْ يدرسون فى المعاهد الدينية ، مقررات انتهت صلاحيتها الحضارية . عدونا هو تحويل " الدين " الى تخصص معقد ، يحتاج الى أدمغة جبارة ، تمن علينا بالفتاوى عن كل لحظة فى حياتنا ، منذ أن نستيقظ حتى ننام .  وغير ذلك ، جهل وضلال وتضليل ومحرم ومحظور.
 
العدو المشترك للانسانية وتقدمها ، ليس هو الالحاد ، ولكن الأنظمة السياسية القائمة على افقار الفقراء واثراء الأثرياء . واذا عقدنا مقارنة ، أعتقد أن موقف الالحاد الذى " ينكر " الأديان ، أفضل من الموقف
 الذى " يستخدم " الأديان للقهر والكذب والتضليل والتدلس والتشويه ، وسفك الدماء ، من أجل جنة ، تعد الذكور بحور العين العذراوات ، والجنس الذى لا ينتهى .

  ثانيا ، أغلب الاكتشافات العلمية والطبية ، وأغلب الاختراعات فى جميع المجالات ، التى البشرية كلها ، وساعدت على نهضتها ، وقاومت عوامل قصورها ، وحدودها ، وأمراضها ، وأوبئتها ، جاءت من ثمرات عقول
نساء ، ورجال ، ينكرون الأديان ، والفكر الدينى ، وقدموا الانتقادات المنطقية والاعتراضات على التفسيرا الدينية للوجود والكون والحياة . آلهتهم كانت العلم والحقيقة واعادة قراءة التاريخ ، والعمل المتقن الجاد، والضمير الذى لا ينتظر ثواب جنة الآخرة فى الكتب المقدسة ، وعدم انتهاك حرية الآخرين والأخريات فى الرأى والسلوك . وساهموا فى انتاج الكتب ، والمسرحيات والروايات والأشعار والأفلام والأغنيات ، وكل انواع الفنون والآداب ، التى تقدم المتعة ، وهى ترسخ مفاهيم الحرية ، والعدالة ، والتمرد.

  ثالثا ، أننا عاصرنا كل أنواع الارهاب الدينى ،  والتصفية الجسدية والتعصبات الطائفية ، والتحريض على الفتن والتمييز والتقسيم ، والتفجيرات فى المبانى والسيارات ،  والأماكن السياحية ، ودور العبادة ،
والتجمعات ، كلها قديما ، وحديثا ، لم تحدث الا من قبل تنظيمات " دينية " ارهابية مسلحة ، لها جيوشها ، وميليشياتها ، ودولتهم الصغيرة ، من أجل
نصرة الدين ، وتطهير الأرض من فساد غير المتدينين ، وأسر الرجال ، النساء ، من أجل اعلان الكيانات الدينية السلفية . هل سمعنا عن تنظيم ارهابى " ملحد " ، يخطف ويقتل ويفجر وينكح ويهدد ويرعب ، ويذبح ،
 تحت اسم " جبهة الملاحدة " ، أو " الدولة الملحدة فى الشرق الأوسط " ، أو " التنظيم الدولى للاخوان الكافرين " ، أو " كتائب تطهير الأرض من
رجال " الدين " ؟.  
كل أنصار الالحاد ، اللادينيين ، غير المؤمنيين ، لم يتدخلوا فى العقائد والأديان . اكتفوا بموقف ناقد ، يستخدم الفكر والقلم والخيال الفنى والبحث العلمى . لم يضبط أحد منهم ، وقد تلوثت يداه بدم مؤمن متدين . لم يتورط أحدهم باستخدام العنف اللفظى أو العنف الجسدى ، ضد المتدينيين المؤمنيين ، بشكل فردى ، أو بشكل جماعى . لم يحدث للبشرية أى ضرر ، ممنْ رفعوا راية الالحاد .
 ولكن كما تقول صفحات التاريخ ، والواقع المعاش ، قديما ، وحتى الآن ، فان  كل أنواع الايذاءات السياسية والاجتماعية والثقافية والعقلية ، والنفسية والحضارية ، والدموية ، كانت ممنْ " حشروا " الدين
فى حياتنا العامة والخاصة ، ورفضوا التجديد والتقدم باسم الحفاظ على الثوابت الدينية . ايذاءات فى رأيى ن لا تقل بشاعة عن جرائم الحروب .

  رابعا ، واذا كان الالحاد كما تقول هو تحطيم للنفس وسقوطا أعمى ، لماذا اذن برع أصحابه فى كافة المجالات ، أفرادا ، وشعوبا ؟؟.ولنأخذ الصين ، التى من دواعى زهوها المعلن فى كل وقت " أنهم شعب بلا أديان " . لا أعتقد أن أحدا يمكنه اتهام الصين ، بأنها سقطت فى الالحاد الأعمى ، وأن شعبها محطم نفسيا ، ومتوتر ، وحائر ، وضائع ، ومشوش ، ومدمر داخليا ؟؟.
ليتنا فى بلادنا المنكوبة بالوصايا الدينية ، نصل الى ربع التحطم النفسى والتدمير الداخلى ، والتوتر ، والحيرة ، والضياع ، والتشوش، الذى ابتلى الشعب الصينى ، لنصل الى ربع ما وصلوا اليه ، وجعلهم مصدر ذعر حقيقى ، لآقوى دول العالم .

ان التحطم النفسى ، والتدمير الداخلى ، والتوتر ، والحيرة ، والضياع ، والتشوش ، لهو نتيجة مباشرة طبيعية حتمية ، لانقسامات وتناقضات وخلافات وفتاوى ، المتكلمين باسم الأديان .فوضى الآراء والتفسيرات الدينية ، للكتب المقدسة ، والآيات ، والنصوص ، والأحاديث ، غير المنسجمة مع العقل والمنطق وحركة الحياة المتجددة ، وتغير احتياجات وعواطف البشر ، نساء ورجال ، والحب الفطرى المكبوت للحرية ، والتشبث بالذات ، هو الذى ينتج تحطيم النفس ، وتدمير الانسان والانسانة داخليا ، ويصيبنا بالتوتر ، والحيرة ، والضياع ، والتشوش ، وأيضا تأنيب الضمير، الذى يعتبر الطريق المختصر
للتعاسة وتراكم الغضب الخطر ، ومشروع محتمل لأى تخريب للذات والمجتمع .
نحن نعانى من " الدينوفوبيا " ، و " الاسلاموفوبيا " ، وليس من  " الالحادوفوبيا " .
 



#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الكاتبات والشاعرات
- إحلال الأسرة المدنية بدلًا من الأسرة الدينية.. هكذا التجديد ...
- غناء القلم.. فى يوم البيئة العالمى.. حرق الغابات ليس أخطر من ...
- ذكورية اللغة العربية أخطر أنواع الختان للنساء
- رسالة إلى نوال السعداوي من إبنتها: يا نوال فين عيونك؟


المزيد.....




- ألمانيا: السوري المشتبه بتنفيذه عملية الطعن بمدينة بيليفيلد ...
- المواطنون المسيحيون يؤكدون دعمهم للقيادة وللقوات المسلحة الا ...
- مفتي القاعدة السابق: هذه الرؤى جعلت بن لادن يعتقد أنه المهدي ...
- حزب الله يُصدر بيانًا حول -النصر الإلهي- للجمهورية الإسلامية ...
- بعد تفجير انتحاري داخل كنيسة بدمشق.. هل المسيحيون مهددون في ...
- -رحل صدام والجمهورية الإسلامية لا تزال موجودة-.. دبلوماسي سا ...
- السنة الهجرية: حقائق عن التقويم القمري الذي سبق الإسلام بمئت ...
- -تعازي الرئيس غير كافية-... أكبر رجل دين مسيحي في سوريا ينتق ...
- -سرايا أنصار السنة- تتبنى تفجير الكنيسة بدمشق والبطريرك يازج ...
- المسيحيون في سوريا.. قلق وتخوف بعد هجوم كنيسة مار الياس


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - منى نوال حلمى - المقارنة الهزلية بين الالحاد والفكر التفكيرى