أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - جمالية التقديم في رواية -حجر الفسيفساء، سيرة روائية- مي الغصين















المزيد.....


جمالية التقديم في رواية -حجر الفسيفساء، سيرة روائية- مي الغصين


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6974 - 2021 / 7 / 30 - 02:28
المحور: الادب والفن
    


جمالية التقديم في رواية
"حجر الفسيفساء، سيرة روائية"
مي الغصين
اعتقد أن أول مهمة للأدب هي تحقيق المتعة للمتلقي، بصرف النظر على مضمون وفحوى هذا الأدب، وبصرف النظر عن شكله أو نوعه، وبصرف النظر عن كاتبه، إن كانت شخصية معروفة أدبيا أم شخصية جديدة تُعرف لأول مرة، فالنص الجيد هو الذي يضع لنفسه مكانا في الساحة الأدبية.
في رواية "حجر الفسيفساء" توكد فلسطين على تألقها الأدبي، فيما يتعلق بأدب السجون، فرغم واقعية الرواية، إلا أن الساردة استطاعت أن تقدم حدث مؤلم وقاسي ـ الأسر والسجن ـ بلغة أدبية ناعمة، كما أوجدت (التخيل) كوسيلة تقدم نحو الحياة والأمل، مبتعدة عن أجواء السجن وما فيه من قسوة وألم، مع المحافظة على أحداث الرواية وواقعيتها، وهذا ما جعل الرواية استثنائية، فهي تتحدث عن وقائع حقيقية حدث "لمي الغصين" ورفيقاتها في الأسر، لكنها خففت من قتامة الأحداث وأحيانا محتها من خلال التخيل واللغة الأدبية الجميلة.
وإذا أخذنا أن السارد الروائي متعلق بامرأة، فهذا يضيف ميزة أخرى للرواية، فنكون أمام أدب نسوي وأدب سجون في الوقت ذاته، قدم بأسلوب ممتع وبلغة جميلة.

السجن
بما أن الرواية من أدب االسجون فلا بد من تناول المكان وما يشكله من حالة ضغط على الساردة: "غرفة صغيرة فيها أربعة أبراش اسمنتية مدعومة بقوائم حديدية، وسلم حديدي، يصل كل برشين ببعضهما، وفرش بأغطية بلاستيكية رمادية، وبين السريرين نافذة صغيرة مكممة بقضبان حديدية، بها فتحات صغيرة تتصدى لأي نسمة تحاول التسلل" ص35، فكرة قاتمة المكان واضحة في المعنى، لكن الأهم ليس الفكرة، بقدر الأدوات/الألفاظ التي حملتها، فهناك تكرار ثلاث مرات لكلمة "حديد/ية" وهذا الرقم يأخذنا إلى ما يحمله من معنى: الاستمرار والديمومة والبقاء، كما نجد لفظ "بلاستيكية، اسمنتية" وهذا أيضا يعطي معنى القسوة والجمود والصلادة، فالمكان لا توجد فيه حياة، كما أن لونه مزعج "رمادي"، اما عناصر/أشياء الحياة فهي بالكاد تفي متطلبات البقاء/ من هنا نجد "غرفة صغيرة، النافذة صغيرة" وكلهما جاءت بصيغة المفرد، وصيغة المؤنث، بمعنى تحمل الضعف وعدم القدرة على مواجهة المذكر "أربعة أبراش".
وهذا يأخذنا إلى ان المتحدثة هي أنثى، تنحاز لجنسها، وتتطعاف معه، لهذا عندما تحدثت عن جمع المؤنث/"الفتحات تتصدى لأي نسمة تحاول التسلل" قدمتها ضم واقع المجتمع الذكوري، فهي تمارس دورها كأحد أفراد المجتمع، بمعنى أن مجموع الأناث في المجتمع هن جزء منه ويقمن بما يقوم به المجتمع الذكوري، لذا نجد الجمع غير المفرد، فالجمع ينساق مع المجتمع، والفرد/الأنثى المفردة تنحاز لجنسها وتعمل على تحقيق هويتها وأثبات وجودها معزل عن الكل/المجموع.
هذا حال السجن من الداخل، أما من الخارج فنجده بهذا الشكل: "في الساحة الخارجية للسجن أبراج المراقبة خالية أيضا، والكلاب المنتشرة هنا وهناك، التي تزعجنا كل ليلة بنباحها الطويل أصبحت ودودة، جدار اسمنتي طويل يحيط بالمكان، بطرفه سلم طويل" ص137، نلاحط الطوق والحصار من "ابراج"، والازعاج من "الكلاب" وهما جاءا بصيغة الجمع كأشارة إلى الكثرة، ونجد البعد والعزلة والحصار في تكرار "الطويل/طويل" ونجد الكثرة في "هنا وهناك" ونجد صلادة المكان في "اسمنتي"، كل هذا يجعل المكان/السجن موحش وغير مناسب للحياة، فالالفاظ المجردة توصل الفكرة للمتلقي أضافة إلى المعنى الذي يحمله المقطع، وبهذا تكون الساردة قد أوصلت الفكرة من خلال المعنى العام ومن خلال الألفاظ المجردة.
وتحدثنا عن اثر السجن عليها بقولها: "السجن كحبل مشنقة يحاول الالتفاف حول أعناقنا، وأحيانا يكون كساعة متوحشة، عقاربها تلدغ من يستسلم لها، لكننا بيد واحدة وقلب واحد نقف في وجه العقارب" ص127.
الوقت
دائما يأتي الوقت ثقيل الوقع في أدب السجون، ورواية "حجر الفسيفساء" تؤكد على هذا الأمر، تحدثنا السارد عنه بقولها: "الزمن بطيء جدا كسلحفاة هرمة، يمر دون أن ينتهي، وكأن عقارب الساعة أصبحت لزجة تغرق في أرض طينية لتبتلعها" ص23، نلاحظ أنها تستخدم الفكرة المتداولة عن بطئ السلحفاة، وأيضا نجد رتابة الوقفتن في الالفاظ "يمر دون ان ينتهي، عقارب لزجة، تغرق، طينية" كل هذا يجعل الوقت بليد ثقيل الوقع عليها.
وتضيف قائلة: "الوقت في هذا المكان كالثغلب مراوغ، يتحالف مع السجان علينا، يجيد التمويه باحتراف، فالساعة قد تكون مجرد ثانية عابرة، والدقيقة قد تمتد لساعات وساعات لا تنتهي، كقطعة مطاطية في يوم حار" ص31، طبعا سيكون هناك توضيح لهذا الأمر، فعلى سبيل المثل في وقت زيارة الأهل تمر الساعة بدقيقة، بينما في وقت التحقيق والتعذيب يكون العكس، حتث تتحول الثواني إلى ساعات وحتى أياموهذا ما أكده حينما قالت: "أعلنت السجانة انتهاء موعد الزيارة، كيف مر الوقت سريعا، لم نكمل حديثنل بعد، ما زال هناك الكثير من الكلمات الواقفة على عتبات القلب تنتظر الخروج والتي ستؤجل للزيارة القادمة" ص46.
ومقارنة بيت الإحساس بالوقت وكيف تحسبه الأسيرات، بعد أن يقرر الافراج عنهن، يأتي السجان ليخبرهن بأن هناك استثناء لماجدة وعلا حتى تبت المحكمة في ححكمهما، وهنا تقرر "أم محمود" أن تنتظر ساعتين مع بقية الأسيرات حتى يتم أطلاق سراحهن جميعا، وهنا تقارن الساردة الساعتين بالسنوات الطويلة التي قضينها في الأسر: " أنتظرنا كل هذه السنوات سنتظر ساعتين إضافيتين ، أجابت أم محمود" ....كيف استطعنا البقاء هنا كل هذه المدة؟ كيف مرت كل تلك الأيام والليالي؟. أصبحت السنوات الخمسة والنصف في كفة، والساعتين في كفة أخرى" ص215و216، من هنا يمكننا القول الوقت/الزمن لا يقاس بمقياس واحد ولا في ظرف واحد، فهو كائن حي ينمو أحيانا وينكمش أحيانا، ويموت ويحيى حسب الحالة التي يمر بها الإنسان.

الواقعية
بما أن الرواية تتناول تجربة الأسر التي مرت بها ورفيقاتها فلا بد للساردة من الحديث عنها: "سقطت من دفتر قديم قصاصة جريدة بالية لونها مصفر، التقطتها لأقرأ فيها خبر اعتقالي نا ومريم ابنة عمي، وذلك في الخامس عشر من حزيران عام 1991" ص15، بعد الاشارة إلى الوقت، وهو من عناصر الضغط على الأسيرة، تقدمنا من طريقة ومكان اعتقالها: "...وما أن أطلقت ساقي للريح عبر درجات باب العامود حتى كان الجندي لي بالمرصاد، لكن مريم، ما أن لمحت الجندي يلقي القبض علي، حتى عادت، لماذا عدت أهربي؟، اقتربت من الجيب العسكري، نهرها الجندي الذي يمسك بي لتباعد، أجابته قائلة: أنا معها، أمسك بها الجندي الآخر، صرخت قائلة: لا..لا أنا لا اعرفك" ص26، بعد التحقيق والتعذيب تحاكم ويصدر بحقها حكم: "بامؤبد واثتنتي عشرة سنة" 70.
في السجن تخبرنا عن (طرائف) الأسيرات من خلال تناولها لقصة "أم إبراهيم" التي اعتقلت مع زوجة ابنها إبراهيم، الذي يقوم بدفع غرامة عن زوجته ويترك أمه في الأسر: "...هكذا يا أم إبراهيم، ابنك دفع عن زوجته وتركك هنا في السجن.
وضحكنا من جديد، مسحة حزن لفت عينيها الحانيتين، أجابت: الله أعلم يا بنات من وين هالمسكين دبر المال" ص64و65، نلاحظ دقة نقل الحدث من خلال استخدام الساردة لما قالته "أم إبراهيم" مستخدمة عين اللهجة المحكية، وهذا ما أضاف لمسة جمالية على الحدث رغم قسوته والألم الكامن فيه، كما أن التمهيد له من خلال (مناكفة الأسيرات) لأم إبراهيم جعل المشهد يمر بسهولة وبأقل الأضرار على المتلقي.
ومن المشاهد المؤثر في الأسر، ولادة "أميمة" لحنين، التي شكلت حالة فرح للأسيرات، تحدثنا الساردة عنها وكيف عاشت طفولتها مع أمها الأسيرة: "أصبح لحنين هنا الكثير من الأصدقاء، مرة صادقت ظلها، فما أن اكتشفته حتى بدأت تطارده ويطاردها، كطفلين صغيرين يقضيان أمتع الأوقات، يختفي ليعود من جديد، يضحك معها ويأكل معها ويكبر معها، تشرب حنين الماء مثلها عن الأرض، يتخاصمان، لتعودان من جديد كأجمل صديقين" ص143، رغم واقعية المشهد ما فيه من ألم، إلا أن طريقة تقديمه والصورة التي جمعت بين الواقع والبساطة جعلته سهل التناول، وهذا ما أزال القسوة منه ومحاها، بحيث لم يشعر القارئ بالألم، رغم أن الفكرة وصلته ورسخت فيه.
تخرج السجانة حنين من السجن: "حتى لا يتأثر من رائحة المبيدات... لتعود عصرا.. ركضت نحونا تمد كفيها المغلقتين بإحكام وتقول: شوفوا جبتلكم حاجات، أيتها الحنين الرائعة، ما اروع الهدية! حفنة من تراب أرض البرتقال الحزين، كيف عرفت حنيننا لتلك الذرات، أم أنها تدرك أن ما يسعدها يسعدنا؟!" ص144، إذا ما توقفنا عند هذا المشهد سنجده جاء بلفاظ مركب يعطي ثنائية مزدوجة للمعنى، فلفظ "حنيننا" يعطي مدلول حنين الأسيرات لتراب فلسطين، وأيضا لحنين الطفلة، فهي حنينهن/"حينينا"، ونلاحظ تماهي الساردة مع المشهد بحيث كانت الألفاظ المستخدمة متناسقة فيما بينها وتخدم فكرة الحب والحنين: "الحنين/الحزين/حنيننا، يسعدها/يسعدنا، تراب/أرض/ذرات/" وهذا ما يؤكد على توحد الساردة مع حالة الكتابة وتماهيها مع الحدث/المشهد.
وتحدثنا عن خطبة "آمنة" لأبن "أم يوسف، فاطمة عواد":
"يما يا آمنة، إسمعي أنا حبيتك ما راح ألقى ليوسف عروس أفضل منك!
ومن خلال الشبك، تهمس لابنها يوسف، يما يا سوسف شفت لك عروس، بتقول للقمر انزل لأقعد مكانك.
... آمنة ويوسف، يفصلهما شبك الزيارة، ارتبك قلب آمنة، فوضى وإيقاعات جديدة تعزف فوق أوتار القلب، وأحاديث متبادلة، لم يقطعها سوى صوت السجانة معلنا موعد انتهاء الزيارة.
...خلف شبك الزيارة تعالت الزغاريد، من بين فتحات الشبك تبادل يوسف وآمنة المحابس" ص166و167، المشاعر الإنسانية في المشهد تجعله مؤلم ومفرح، فهو مؤلم بفكرة الأم السجينة التي تخطب لابنها سجينة مثلها، ومفرح بمضمونه المقاوم للاحتلال، من خلال اصرار الفلسطينية على الحياة وممارستها بطريقة (عادية/سوية) رغم أنف السجان.

السجانة
السجانات جزء اساسي في السجن، وهن من يقمن بعملية السجن ومعاقبت الأسيرات، من هنا كانت صورة السجانة سلبية: "... وسجانة تقف خلف صفحة الدفتر بكومة من المفاتيح" ص15، قهذه الصورة ناتجة عن السلوك القمعي الذي يمارسنه بحق الأسيرات، فعندما تقوم الساردة بصناعة مسبحة لوالدتها، يقوم السجان: "مد يده وانتزع المسبحة من يدي وقال: هذه ممنوعة" ص50، حتى الملابس الملونة منعت أيضا: " وصادرت أيضا قميصي الملون الذي اعتقلت وأنا أرتديه، الملابس الملونة ممنوعة هنا" ص74، وأيضا نجده يقحم نفسه في خصوصيات الأسيرات، عندما يقوم بقراءة الرسائل الخاصة بهن: "والرسالة بمثابة زيارة خاصة، لا أحد ينتهك خصوصيتها سوى ضابط الأمن الذي يقتحم بكل قسوة يبعثر الحروف، ويفتش بين الأشواق، عن شيء يهدد أمنه" ص103، من هنا كانت العدائية بين الأسيرات والسجانات ومدير الأمن.
الأم
غالبية أدب السجون يتناول الأم، وهي دائما تأتي بصورة المخلص للألم، إن كان نفسيا أم جسديا، وهي من تمنح الطاقة والقوة، وبتذكرها يتقوى الأسرى ويصمدوا، الساردة تحدثنا عن أمها: "تأخذني خرابيشي لحضن أمي الدافيء عندما كانت تسرح لي شعري المنساب بكفيها، تقول لا تتحركي حتى أعمل لك تسريحة" ص56 فهنا جاء تذكرها كحال تخلص الساردة من أول وقسوة السجن، فوجدت في تذكر أمها الخلاص.
الساردة تصف مشاعرها وقت زيارة أمها بقولها: "أخذت ارتب أفكاري وكلماتي التي سأحدث بها أمي في الزيارة، وأرى ضحكتها كنجمة تتلألأ في سقف الغرفة، سأقول لها كم اشتقت لها، وكم أحبها، سأحكي لها عن حرب السجال بين ألواني القزحية، وذلك الغول الرمادي الذي يغزو المكان، لا لا وقت لثرثرتي، سأترك لها دفة الكلام، لتأخذني هي نحو الحياة، بدلا من أن أسحبها معي، وانتشي بشدو صوتها، سأبتسم لها، كما لم أبتسم من قبل" ص108، الجميل في هذا المقطع الارتباك الظاهر فيه، فهناك حالة من الاندفاع نحو لقاء الأم، ففي البداية أرادت الساردة ان تكون هي المبادرة، ثم تراجعت لتجعل الأم هي التي تأخذها إلى عالمها، واللافت في المقطع سرعة الأفعال وتواصلها،" سأحدث، سأقول، سأحكي، سأترك، سأبتسم" هذه الانسيابة في الكلام تشير إلى العلاقة الحميمية التي تجمعهما، من هنا وجدنا هذا الإندفاع والسرعة واللهفة للقاء الأم.
الخيال
من الطبيعي ان يلجأ الإنسان إلى وسائل وأدوات تخرجه من واقع القسوة والألم، من هذه الوسائل "الخيال، فعندما تكون الجدران والسجان هما المتحكمان في أدق تفاصيل الحياة، تخلق الأسيرة عالمها الخاص: "توقفت الذكريات عند صوت جارتنا تنادي قائلة: مي، تعالي بسرعة، والدك يود الحديث معك عبر الهاتف.
ركضت سريعا لبيت الجيران، صوت أبي يأتي من عبر الاسلاك من قارة أخرى، أيام وأكون عندكم قال أبي، تسارعت دقات قلبي، وهرب الكلام مني، عدت للمنزل كريشة خفيفة تحملها النسائم، ... أتجول معه في الشارع بين الناس، أحتمي وأتباهى به" ص31، إذا ما توقفنا عند الأفعال التي جاءت في المشهد، سنجدها متعلق بحالة السارد الحقيقية/اتصال والدها، وما أحدثه فيها خبر عودته من فرح وسعادة ورغبتها في التحرر من السجن الآن، فالثنائية حاضرة في المشهد رغم أنه جاء حاملا لما في الذارة/الماضي، فهناك مجموعة الفاظ تخدم الحالتين، حالة الفرح في الماضي، وحالة الفرح في المستقبل: " تنادي، تعالي، بسرعة، ركضت، سريعا، أكون، عندكم، تسارعت، دقاق، قلبي، عدت، للمنزل، كريشة، خفيفة، تحملها، النسائم" وهذا ما يؤكد على أن الواقع/السجن له أثره على الساردة، وأيضا أنها لم تفقد الأمل رغم أنها محكومة بالسجن المؤبد وبأثنتي عشرة سنة أخرى، فهي تزاوج بين الذكريات الجميلة وفرح المستقبل الآتى، وبهذا تكون قد محت وتحررت من السجن وما فيه من قيود وأدوات وأشخاص مؤذين.
توضح لنا الحالة التي تمر بها بقولها: " المكان ضيق هنا، لا يكاد يتسع لكل تلك الأجساد، والنافذة بعيدة جدا، لا استطيع الوصول إليها، فكان لا بد من فتح نوافذ الروح للتحليق في فضاء البعيد، لأسكن شجرة وأتوسد غيمة، وأشاكس نجمة، وأستعير جناح حمامة لأطير وأطير بلا كلل أو تعب، وأستريح من ضيق المكان حتى ولو بالخيال" ص36، فكرة الاستعانة بالخيال واضحة في المقطع، ولكن الأهم وهو وجود ألفاظ تخدم الفكرة، فهي تعاني من: "ضيق، لا يتسع، النافذة بعيد" وفي المقابل نجد: "فتح نوافذ، للتحلق، فضاء بعيد، لأسكن شجرة، أتوسد غيمة، وأشاكس نجمة، وأستعير جناح، أستريح"، وإذا ما توقفنا عند الألفاظ القاسية سنجدها أقل كثيرا من الألفاظ الفرح، وهذا يشير إلى ما تحمله من رغبة في وحياة وما فيها من أمل.
من هنا جاءت الألفاظ المتعلقة بالفضاء كثير ومتنوعة: "للتحلق، فضاء، غيمة، نجمة، جناح، حمامة، لأطير، وأطير" وهذا يؤكد على انتصار الساردة على السجن والسجان، فهي تتحرر من المكان الضيق لتحلق في فضاء مفتوح وشاسع، وما استخدامها "لأطير، وأطير" إلا تأكيدا على التحرر والانطلاق، فلم يعد هناك جدران ولا سجان.
ولم تقتصر الانطلاقة نحو السماء/الفضاء فحسب، بل طالت الأرض/منزلها أيضا: "قالت لي إحدى الأسيرات وهي تنظر لي: اليوم دورك سنذهب لزيارة منزلكم، تسللنا لبيت جدتي حيث كنت أسكن، تجولنا خلف المنزل، حول أشجار التين واللوز والبرقوق والزيتون، لكن مقصدنا تلك الكرزة الحمراء بحباتها الصغيرة وطعمها السحري الذي يسيل له اللعاب، التقط تلك الحبات اللذيذة" ص37، كما فعلت الساردة في السماء،الفضاء، فعل على الأرض، فقد ركزت على الأشجار أكثر من تركيزها على المنزل وما في داخله، وهذا يشير إلى أن العقل الباطن للساردة ينفر من الجدران، حتى لو كانت جدران منزلها، لهذا التجأت إلى الطبيعة، إلى ما هو خارج المنزل، فجاء تعدد الأشجار وتنوعها ليؤكد على رغبتها/حاجتها إلى الطبيعة وما فيها من تعدد وتنوع في الأشكال والأنواع.
وأثناء ذهابها إلى المحكمة في "البوسطة" تحرر نفسها من ألم وقسوة السيارة متجولة في المدينة المقدسة: " تحركت السيارة في شوارع القدس، تلك المدينة الساحرة، كل شيء فيها مختلف وله طعم خاص، زقزقة العصافير الصباحية، حركة الباعة المتجولين وأصواتهم، نسائمها المحملة بعبق التاريخ، صوت الآذان وهو يعانق أجراس الكنائس، حتى دقات القلب يصبح لها وقع مختلف هناك" ص40، بهذا المضمون وبهذه الألفاظ تحرر الساردة نفسها من تعلب البوسطة ورهبة المحكمة، فنجدها تتحدث عن المكان بكل تفاصيله، الطبيعية والبشرية، والحاضرة والماضية، فهذه الشمولية تشير إلى أثر المكان/القدس عليها، فهو من أمدها بالقدرة على التحرر من البوسطة والذهاب إلى تفصيل المدينة.
تستغل الساردة أي بصيص لتبني عليه وفيه أمانيها ورغبتها في الحياة، لهذا ما أن تخرج من القسم وما فيه من الجدارن حتى تنطلق نحو الحياة والطبيعة: "خرجنا للزيارة صباحا أنا ومريم وفايزة وعطاف، هذه المرة أخذونا لغرفة زيارة خارج القسم، تعمدنا إبطاء سيرنا، خطونا فوق الأعشاب المتناثرة على جانبي الطريق، تحتفل أقدامنا بتلك اللحظة النادرة، نحتضن الشمس دون عازل، حنونة تلك الارض تحت أقدامنا، تعمدت تغيير مساري لأمر من تحت الشجرة، ياه، كم عاما مر علي دون أن أحتضن جذع شجرة أو أسمع همس حفيف أوراقها" ص151.

الساردة كأنثى
لم يقتصر التخيل على ما هو عام، متعلق بالوطن/بالمكان، بالفضاء، بل بما يخص الساردة كأنثى لها رغبات وحاجات خاصة بها، تحدثنا عن المطر وأثره عليها تأثرها به: "أخرجت يدي من بين تلك القضبان لتبللها قطرات المطر، ولتتفتح البراعم من بين أناملي، مخترقة تلك الحواجز والأسلاك، علني أصل لحبات البرتقال المنسية هناك فوق الأشجار.
غدوت عصفورا صغيرا، أحلق بين المروج، عالم من الصمت الجميل، سكينة تملأ الروح، أنغام بلا عزف، هو وقع تلك القطرات، حنين يجيش في الصدر، تهيجه رائحة التراب المبلل بالمطر، أحقا سينتهي أثر المطر في يوم مشمس، بعد ليال رعدية!" ص79، في هذا المشهد نجد رغبة الأنثى في الحياة كأنثى، فهي تحدثنا كامرأة وبألفاظ أنثوية، لهذا نجدها تركز على قطرات المطر وأثره عليها، كما أنها تعطي نفسها صفة الخصب "ولتتفتح البراعم" وهنا اشارة غير مباشرة إلى رغبتها بالحمل وبوجود الأطفال لها، وعندما تحدثت عن أشجار البرتقال المنسية، كانت تريد أن تكون مثلها بعد أن تمسى جدة، بهذا تكتمل حياتها وتحقق رغباتها في الحياة (السوية/العادية).
وتحدثنا عن ليل السجن وما يحمله من مشاعر: "الليل في السجن قد يكون وسادة أحلام تكون أو لا تكون، نتسلق فه جديلة من نور، لنصل إلى النجوم، ونجلس هناك، نرسم أمنياتنا على صفحة السماء، وقد يكون الليل أيضا صديقا حميما، نتكئ برؤوسنا على كتفيه، لنبثه أشجاننا، نرفع دعواتنا لمن يجيب المضطر إذا دعاه" ص99، نلاحظ رغباتها في الراحة والسكينة من خلال "وسادة، نجلس، نرسم، نتكئ" فهذه الأمنيات موجودة في كل إنسان، لكنا نجد الأنثى في الساردة من خلال تناولها للمذكر "الليل في السجن" الذي نجد فيه قسوة المذكر"الليل، السجن"، وهي قسوة متماثلة/موجوة في عالم الذكور، ومع هذا نجد فيه: "وسادة، نتكئ برؤوسنا".
لغة الأنثى
في الشعر يلجأ الشعراء/الشاعرات إلى عناصر الفرح/التخفيف والمتمثلة في المرأة/الرجل، الكتابة/الفن، الطبيعة، التمرد/الثورة، وهذا الأمر نجده في رواية "حجر الفسيقساء" فهناك لغة أدبية تعمل على تخفيف الألم وتحجب قسوة المكان، ليس على الساردة فحسب، بل ايضا على المتلقي، وهذا ما يجعل ساردة الرواية متماهية مع ما تكتبه، فهي تتحدث كأنثى، تصف حالتها داخل السجن قائلة: "شتائية المزاج أنا، تتجدد أحلامي مع بداية كل شتاء، أنمو مع قطرات المطر، مطر منهمر بالخارج، وأنا هنا بين القضبان، قطرات خجولة، القطرة الأولى، كشجرة يابسة، انغلق على نفسي، كيرقة تبحث عن شرنقتها، تهرب من خوف يحاصرها، أو كورقة مهملة، تتقاذفها الريح في يوم عاصف.
القطرة الثانية، قطرة صغيرة، كقبلة أم ملمسها، تودع غيمتها، على أمل بلقاء قريب، همس الرذاذ لاوراق الشجر، هناك في البعيد، وهنا ينبض قلبي بنبض الشجر، شجرة ترفع وجهها نحو السماء، وتمد أغصانها لتلامس تلك القطرات قلب قلبها.
القطرة الثالثة، قليل من الحرية، كطير حر أحلق، بجناحين من رذاذ، لأمحو خوفا كان فيما مضى، وتلاشى، تلك الغيمة تغدق من رحمها كل عناونين الفرح، وتبدد عتمة ألقت بظلالها على المكان" ص147، نجد الانثى من خلال "أنمو مع قطرات المطر" فهذا التعبير يخص الأنثى/المؤنث فقط، فهي تنمو مع الماء/القطرات، وتصف بداية تلقيها للماء: "خجولة، يابسة، أنغلق، تهرب" وهذا يتماثل مع حالة الأنثى البكر.
لكن بعدها نجدها أكثر (نضجا) فقد أصبحت: "كقبلة أم" من هنا نجدها تتحدث بلغة الأم الناعمة، المترعة بالعاطفة والحنان: "ملسمها، أمل، بلقاء، همس، الرذاذ، ينبض، لتلامس، قلب قلبها" ونجد الأمومة في تكرارألفاظ: "الشجر (مكررة ثلاث مرات)، قلبي/قلب،قلبها، قطرة/قطرات" فمن خلال هذه الألفاظ يمكننا أن نجد الأم الانثى التي تحن لأولادها وتريدهم أن يكونوا/يبقوا بجانبها، لهذا جاءت التكرار.
كما أن تكامل وتواصل الالفاظ وترابطها مع المعنى: "الحرية/كطير/يحلق/بجناحين/الغيمة" يشير إلى عاطفة الأم ورغبتها بقرب أولادها منها وتجميعهم حولها، وأيضا نجدها تستخدم لفظ متعلقة بالأنثى الأم: "رحمها" وهذه اشارة أخرى إلى أن اللغة لغة أنثى.
ونجد لغة الأنثى الصافية حينما تحدثنا عن رحيل الطفلة "حنين": "غادرتنا حنين في اليوم السادس عشر للإضراب خيم الصمت، حنين يا حنين، خذي احلام عمري معك، وانثريها على الطرقات، علها تبرعم من جديد، أصبحت الحروف كطبل أجوف، بلا أي صوت، دموع تنسكب داخل الروح، أظلم المكان من جديد حين غادرتنا عصافير الفرح، هنا ضحكت حنين، هنا بكت حنين، هنا شاهدت ظلها الأول مرة، من بين القضبان حشرت نفسها حنين، للتمرد على باب مغلق، وتنتصر عليه لتصعد نحو الطابق الثاني في السجن" ص176، يبدو وكأننا أمام حالة ندب كتلك التي مارسها أسلفنا حين غاب/ت "عشتار/البعل" فتكرر اسم حنين" ست مرات يؤكد على ألم الفراق الذي تعانيه الساردة، فبدت وكأنه أم تندب الراحل/الغائب، ونجد هذا الندب في أستخدامها لأفاظ حزينة ومؤلمة: "غادرتنا (مكررة)، خيم، الصمت، أنثريها، اجوف، بلا، دموع، تنسكب، أظلم" كل هذا يؤكد على أن المتكلمة هي أنثى وأنثى مطلقة.
إنسانية الساردة
ما يحسب لأدب الأسرى في فلسطين أنه يقدم الأسرى كبشر وليسوا خارقين، من هنا نجدهم يحزنوا ويفرحوا كحال بقية الناس، تحدثنا عن إحدى رفيقاتها الباكية بهذا المشهد: " ولوحة أخرى لذات القلب الباكي في منتصف الليل، صحوت على صوت بكاء خافت بالاد يسمع، تبكي كوردة رقيقة، بعد أن كانت في الصباح كسد منيع تقف في وجه السجن والسجانة، ... تنسد الآن رأسها لنافذة السجن وتبكي" ص119، بهذا الإنسانية كن الأسيرات، مقاومات في النهار وعاكفات في الليل، يكتمن ما بهن من حنين وعاطفة، ويناجين أنفسهن بالألم الذي يعذبهن.
وتحدثنا الساردة عن مشاعرها كأنثى من خلال هذا المشهد: "تلك الجلسات بدأت تأخذني إلى عوالم أخرى، شعرت كم كنت غريبة عن نفسي وعن جسدي، ...خفقات قلبي تعلن عن وجودها هناك، تطالبني بحقها في الانصات لها، في تلك اللحظة لم اشعر بقلبي بأنه عضو في الجسم، بل كائن مستقل ومن حقي عليه أن احترمه وانصت له، شعور جميل أن أصادق قلبي، بعد كل ذلك الاغتراب الذي عشته بعيدا عنه" ص 204و205، رغم أن الساردة لا تظهر بوضوح ما يريد ظرحه، إلا أنه يمكن أن نلمس شيء من مشاعرها كأنثى لها رغبات خااصة بها، من هنا جاء الحديث عن القلب والجسد.
وتأكيد على أنسانية الساردة نجدها تقدم السجان بموضوعية وحياد، فرغم أن هناك العديد من المواقف السلبية التي تناول السجانة إلا أنها لم تنسى أن تتناول المواقف الإيجابية أيضا، حدثنا عن موقف ضابط الأمن عندما قمن بالاضراب وأعلاق القسم ومنعن السجنات والأدارة من اقتحامه : "ويتعرف ضابط الأمن لأم محمود قائلا: أنتو الواحدة فيكم بتسوي أعلى كولونيل بالعالم" ص202.

الرواية من منشورات مركز بيت المقدس للأدب، الطبعة الأولى 2021.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -أسرى وحكايات- في فضاء عمان تقرير: حسن عبّادي/ حيفا
- فنية إيصال الفكرة في قصة -عزاء خلف القضبان- أيمن الشرباتي
- العناب المر على مائدة النقاش في مكتبة بلدية نابلس
- الهم الشخصي والجمعي في -آن وقت الرحيل- وجيه مسعود
- كامل ياسين القصيدة الكاملة -رؤيا-
- المجتمع الذكوي في رواية -اليتيمة- جميل السلحوت
- التجديد في نوع الأدب غواية الزنزلخت عبد الله رضوان
- شكل وطريقة تقديم السواد والألم في -الجدار- سليمان أحمد العوج ...
- التاريخ والواقع في رواية -الصوفي والقصر-* سيرة ممكنة للسيد ا ...
- رواية سبعينيات القرن الماضي -الخيوط- وليد أبو بكر
- -بريق كاذب- عبد المجيد السامرائي
- استعادة وجوه غسان كنفاني بعد نصف قرن من استشهاده
- اكتمال جمال الشهيد في قصيدة حضور الشهداء
- عبث الزمن والسواد جروان المعاني
- عندما يكون الكاتب مضحّياً من أجل كتابه
- ترتيب القصدة في -دون السماء الثامنة- كميل أبو حنيش
- المكان في ديوان -أستل عطرا- فهيم أبو ركن
- ديوان -استيقظ كي تحلم- مريد البرغوثي
- .الأدب الكامل في قصيدة -عناة- كميل ابو حنيش
- الحدث ولغة الشخوص في رواية -صهيل مدينة- مصطفى النبيه


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - جمالية التقديم في رواية -حجر الفسيفساء، سيرة روائية- مي الغصين