|
الشعور النفسي اللامجدي في (ليل وشباك) للشاعر كاظم الميزري
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 6940 - 2021 / 6 / 26 - 13:52
المحور:
الادب والفن
الشاعر دائمًا ما يتعامل بالخيال، فالذي يمتلك خيالاً واسعًا، وحسا مرهفا، وغير ذلك مما هو معروف عن الشاعر، قديما وحديثا، لذلك تجده اكثر ابداعًا من سواه، اعني ممن يتعامل بالتأمل والخيال وبالعاطفة، ونستطيع أن نقول: هو عكس العالم والفيلسوف وعكس الانسان المنتج، كالعامل والصانع، وبمعنى غير هذا المعنى، إنّ الشّاعر ادواته الخيال، ودائمًا ما تجده محدقا بالنجوم، ويعشق الليل، لأن الليل يصفّي ذهن الشاعر، مما تتكدس في مخيلته الهموم والاشجان وكذلل الحنين، ومن هتين الحالتين يبدأ ببث ولواعجه وشكواه، وعتبه على الزمن الذي فرقه عن الاحباب والاهل والاصدقاء، كإن، مثلا، يعيش في غربة، في مدن نائية، تجد هذا الشاعر ديدنه وسلوته الشعر- غالبا، فالشعر هنا يكون هو الصديق الاقرب للشاعر، يجلس معه ويحاوره، واحيانا يتناول معه كأس الطلا، فهو بمعنى نديمه الذي لا يمله ولا يسأم من جلسته واحاديثه. و" إنه مهما اشتد إعجابنا بشخصية الشاعر فلسنا نرتاب في أنه وهو يصف العواطف أو يحاكيها فهو إنما يُؤدِّي عملًا آليًّا إلى حدٍّ ما بالقياس إلى الحرية والقوة اللتَين تكونان في الفعل أو الألم في الحقيقة والواقع. حتى إن الشاعر ليرجو أن يدنو بشعوره من شعور الأفراد الذين يصف شعورهم. لا، بل إنه لَيوَدُّ أحيانًا أن يفلت بنفسه ولو إلى فترةٍ وجيزةٍ من الزمن، فيغوص في وهمِ نفسه لكي يمزُج بل يُطابِق بين شعوره وشعورهم، وهو في أثناء ذلك لا يزيد على أن يصُوغ اللفظ الذي يُوحَى إليه به؛ بقصدِ أنه إنما يصفُ لغرضٍ معين، وذلك أن يتيح للقارئ لذة". (راجع: زكي نجيب محمود- قشور ولباب- ص 22-23، منشورات مؤسسة هنداوي سنة الطبع 2020) والشعراء هنا، هم صيادون، كما إن هواة صيد السمك او صيادون الطيور، وسواهم، كذلك الشعراء صيادون، لكن ثمة بون شاسع بين اولئك الصيادون وهؤلاء، فالشعراء يصطادون الفرصة السانحة للملمة خيالاتهم وقوافيهم ليصطادوا الشعر والمحصل هو قصائد تعج بالمعنى وتفيض بالجمال. من هذا المنطلق يبدأ الشاعر كاظم الميزري نصه هذا الذي بين ايدينا وهو بعنوان (ليل وشباك) بقوله: "الصيادون ينصبون الشباك وانت مغرم تعلن رغبتك للشيح وقواقع المحار تداعبني يا ليل وتمرر انجمك فوق عيني" وفي هذا تتكون عوامل نفسية واخرى ذوقية، وثالثة سيكولوجية، وفق هذه الرؤية، التي يرسم ملامحها الشاعر، وهذه العوامل الثلاث هي بمثابة المفتاح الذي يفتح به الشاعر جميع المغاليق. ولم يفت علماء النفس هذا المعنى، بل حللوه ومحصوه، وخرجوا منه بنتيجة واضحة المعالم. " إن الأداء النفسي لا يكمل معناه، إلا وهو قائم على دعامتين، هما: الصدق الشعوري والصدق الفني؛ متحدين في مجال صورة تعبيرية. أما الصدق الشعوري فهو ذلك التجاوب بين التجربة الحية وبين مصدر الإثارة، أو هو تلك الشرارة المشعة التي تندلع في الوجود الداخلي من التقاء تيارين: أحدهما نفسي متدفق من أعماق الشعور، والآخر حسي منطلق من آفاق الحياة؛ هذا هو الصدق الشعوري وميدانه الإحساس، أما الصدق الفني فميدانه التعبير، التعبير عن دوافع هذا الإحساس بحيث يستطيع الفنان أن يلبس تجاربه ذلك الثوب الملائم من فنية التعبير، أو يسكن مضامينه ذلك البناء المناسب من إيحائية الصور". (انور المعداوي: كلمات في الادب- ص 21 منشورات مؤسسة هنداوي لسنة 2021) وبعد ما وصف حالة الشعراء، وعشقهم الليل، وحالتهم النفسية وهم بصدد لواعجهم وشجونهم لفراق الاحبة، وانقطاعهم عن الاتصال بهم، يبدأ يوضح صورة لتكتمل للقارئ حالة المأساة التي يمر بها الغريب المفارق بقوله: "تسري في رأسي أحلاما تغتالني بالقلم المرصوف كأعواد البخور في معابد الآلهة لعينيك سأكشف أوراقي غير آبه ولابي حماقة سألتك مرة وسفحت لك دمع السنين" والشاعر يكون دائمًا مضحي لأجل من يحب، ويتنازل عن كثير من اشيائه وقضاياه المصيرية، في سبيل أن يرضى عنه الحبيب، إن عذلوه ولاموه. فكل ذلك هيّن، واذا جمعه معه مكان وزمان، سيسعد بوجوده وينسى كل ايام الجفاء والفراق (وسفحت لك دمع السنين) خطاب للمحبوب. "وما زلت لا تدرك ما اريد وتعرف اني بريء من طعن الخناجر وثرثرات الرذيلة اركض بكفك في حقولي وغازل كل نباتاتي الملتحفة بالنشوة. وبالتالي، يظل الشاعر – الانسان يعاني صراعًا بينه وبين نفسه من جهة، وبين الفراق والعتب، وعاديات الزمن من جهة أخرى. وتظل كل هذه المحن تتقاذفه ككرة القدم التي تقع بين خصمين، تتلقى الركلات من الجميع بدون جناية جنتها فقط إنها كرة صُنعت لهذا الغرض. وبصورة عامة هذه هي الحياة، حيث لا ندرك مغزاها والهدف من ورائها، لكننا نظل متعلقين بها نتخبط وسط متاهاتها؛ وثمة دافع خفي يجعلنا نفعل ذلك طواعية كآلة تعمل بشكل ميكانيكي. "وهكذا تكون الحياة منذ المهد سلسلة من التجارب يتعلَّم الإنسان خلالها كيف يستجيب للدوافع الداخلية والبواعث الخارجية وشتى التأثيرات الصادرة عما يحيط به من أشياء وأشخاص، حتى يرضي نفسه أحيانًا أو يرضي غيره أحيانًا أخرى، وهو في جميع هذه الحالات يحاول أن يلائم بين مطالبه ومطالب بيئته، غير أن هذا التعلم لا يكون دائمًا يسيرًا، بل بالعكس قد يتغلَّب عسره على يُسْره، ويقتضي بذل مجهود شاقٍّ متواصل، وكثيرًا ما تبوء محاولات الإنسان بالخيبة وتُسْفِر التجارب عن مواطن الضعف والنقص، وبقدر استفادة المرء بتجاربه السابقة وفهم عِبَرها تكون قدرته على تحقيق التوافق والتكيُّف أكبر، وأهم ما يمكن أن يستفيده المرء مما يختبره من تجارب ومحن معرفة نفسه ومعرفة غيره، وأن يدرك تمام الإدراك أنه لا يمكنه السيطرة على المواقف الخارجية التي تجابهه إلا بقدر ما أمكنه أن يسيطر على نفسه وأن يدبِّر شئون نفسه بنفسه". (يوسف مراد – شفاء النفس: ص 59- 60 سنة الطبع 2017 القاهرة مصر) كاظم الميزري في هذا النص القصير، كأنه يوغل في شرح حياة كلها صراعات (داخلية وخارجية): مع النفس ومع الواقع، وحتى مع العاطفة، اليس الانسان مخلوق عاطفي، وخصوصًا الشاعر، فهو انسان مبني على العواطف وعلى السجالات النفسية مع الشخص الذي يحبه ويميل اليه بميوله العاطفية. والشاعر (الميزري) هنا أخذ دور المحلل النفسي الفرويدي، وطفق يبث شكواه على شكل نص شعري خال من الجمل السقيمة، والمفردات العقيمة، التي تجعل القارئ يضيع في متاهات لا طائل لها، وبالتالي يخرج خالي الوفاض، صفر اليدين.
#داود_السلمان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القلق الوجودي في (أيُّها الترابيُّ) للشاعر جبار الكواز
-
في (أصنام أم نعوش) قاسم وداي الربيعي يتمرّد على الواقع المري
...
-
مأساة شعب في (للمفتاح وجوه عدّة) للروائي مهدي علي ازبيّن
-
(البهلوان) لأحمد خلف سردية تغتال السأم
-
(أنين الضفدعة) ل عبد الامير المجر نهاية بطعم الرحيل
-
تجلي المعنى في (للآن ألتمسُ بريقاً) للشاعر وليد حسين
-
الحس الواقعي والتطلع للحرية في ديوان (بحثا عن رغيف المعنى)
-
مبدأ الشك بين المعرّي ونيتشة2 /2
-
مبدأ الشك بين المعرّي ونيتشة1 /2
-
طاعون البير كامو وفايروس كورونا1 /2
-
طاعون البير كامو وفايروس كورونا2 /2
-
نهاية تولستوي بعد الاعتراف كأديب2 /2
-
نهاية تولستوي بعد الاعتراف كأديب1 /2
-
الغزالي يفضّل الشرع على العقل!
-
قصة الجنس..دراسة علمية تاريخية
-
الغزالي إمام التكفير
-
العقل عند المعري1/ 2
-
العقل عند المعري2/ 2
-
علي شريعتي المفكر الثائر2/ 2
-
علي شريعتي المفكر الثائر1/ 2
المزيد.....
-
حماس تنفي نيتها إلقاء السلاح وتصف زيارة المبعوث الأميركي بأن
...
-
العثور على جثمان عم الفنانة أنغام داخل شقته بعد أيام من وفات
...
-
بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع
...
-
حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور
...
-
الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا
...
-
-كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد
...
-
صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب
...
-
صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا
...
-
بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ
...
-
صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
المزيد.....
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
المزيد.....
|