أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - تجلي المعنى في (للآن ألتمسُ بريقاً) للشاعر وليد حسين















المزيد.....

تجلي المعنى في (للآن ألتمسُ بريقاً) للشاعر وليد حسين


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 6919 - 2021 / 6 / 5 - 23:47
المحور: الادب والفن
    


لا اتفق مع افلاطون حيث انقلب على الشعر واقصى الشعراء من جمهوريته الخيالية، والتي لم ولن تتحقق على ارض الواقع، اذ كانت ليست مثالية فحسب، بل فوق المثالية، ولعل الاغرب من افلاطون هو المعلم الثاني الفارابي (الذي سميّ بالمعلم الثاني على اعتبار المعلم الاول ارسطو الذي كان استاذ الفارابي، رغم الفارق الزمني) غرابة الفارابي، إنه نهج النهج نفسه في اختراع جمهورية خيالية اقتبسها من افلاطون، فلم تتحقق هي الاخرى واقعيا.
لا علينا، الغرابة ايضا أن افلاطون هو في بداية امره كان شاعرا، قبل أن يصبح تلميذا نجيبا لسقراط (يعد سقراط شهيد الفلسفة الاول) ثم هجر الشعر وركز جهده الفكري في القضايا الفلسفية فحسب، معتبرا الشعر محض خيال لا يصيب الواقع بمقتل، ونحن لا نتفق مع افلاطون في هذه النظرة الضيقة للشعر، فالشعر طالما كان تاريخ شعوب، وثقافة امم، وهو الى الآن منارة للثقافة وعلامة من علامات النضج الحضاري.
ولعل المفكر والسياسي الفرنسي جوستاف لوبون، قد اصاب كبد الحقيقة بمقتل حينما قال: "لو إن العرب استولوا على فرنسا لصارت باريس مركزا للحضارة والعلم منذ ذلك الحين حيث كان رجل الشارع في اسبانيا يكتب ويقرأ بل ويقرض الشعر احيانا في الوقت الذى كان فيه ملوك اوروبا لا يعرفون كتابة اسمائهم".
الشاعر المبدع وليد حسين، قد يشاطرنا الرأي فيما طرحناه في هذه المقدمة البسيطة، على اعتباره شاعرا له غور بعيد المدى في طرح هموم الشعر، ذلك من خلال مجاميعه الشعرية، التي تجاوزت العشر مجاميع او تزيد قليلا.
ففي قصيدته التي نشرها في صحيفة "الصباح" ليوم الاربعاء 2/6/2021. وكانت بعنوان " للآن .. ألتمسُ بريقاً" يقول في مطلعها:
"في عزوفِ اللحظةِ
كيفَ عَلِقنا ..!
و أيّامنا مزدحمةٌ بانعكاسات المرايا
المصقولةِ
نتسربلُ
بمواربات شتّى
نعلّقَ صورَ الشهداء .. صباحاً
و ننساهم آخر الليل"
الصدمات النفسية التي شغلت حيز الحياة بمعان جلى، جعلت من الحياة نفسها، بحبوحة انعزالية تعلن عن ضنك هذه الحياة وعدم جدواها، نتيجة لهذه الانعكاسات التي نوه اليها الشاعر من خلال رسمه او قل نقل ترجمته للمعنى العام، الذي يسود طابع الواقع المرير، والمرؤ بدوره يعيش هذا الواقع، شاء أو ابى، والاثنين امرّان، فالحياة كما وصفها سلطان التشاؤم شوبنهاور، بانها لا تطاق، وعبر عنها الفيلسوف المعري بأنها "جحيم".
ويمضي الشاعر قدما في وصف تلك المرارة:
"المدينةُ ماضيةٌ بهراءِ الوقتِ
و الذكرياتُ هي الأخرى
تضجُّ بملامحِ طوفانٍ
نمرُّ على جثثٍ
فنؤلّفُ مجلداتٍ بالأخلاق
اثناء حواراتٍ سمجةٍ
أينما أقمنا" ..
إذن، لا جدوى، فكل شيء هو "هراء" تافه كما عبّر الشاعر، لكن لا طائل من هذا الهراء، المصحوب بالنكبات والاشجان، ومن المحن التي تزورنا كضيف ثقيل الظل. ونحن نتعكز على بقايا فرح لا ندرك ملامحه، فنغط في مياه الامل في نوم عميق، وعند الصحو نجد كل آمالنا وقد تبخرت في الهواء. وعليه يقول شوبنهور:" أحياناً أتحدث إلى الرجال والنساء كما تتحدث الفتاة الصغيرة إلى دميتها، هي تعرف طبعاً أن الدمية لن تفهمها، ولكنها تخلق لنفسها متعة التواصل عبر خداعٍ ذاتيّ واعٍ ومبهج". كذلك نحن بنو البشر.
ويستمر الشاعر وليد حسين برسم ما يريد قوله:
"نبدعُ في سجالاتٍ رصينة
ثمَّ
يغزونا التغرّب مع أوّلِ شرودٍ للذهنِ
وتظهر آثارُ أقدامِنا
العالقةِ
لسنا بعيدين..
عن تلك المنافي"
التغرب يكون على نوعين، والانسان احيانا يعيش التغرب داخل وطنه وارض اجداده، وثانيا يعيش التغرب خارج وطنه بنفي اجباري. والحالتين موجودتان كعائق زماني مكان، يحتف به القدر ذلك الانسان، فيكون هذا العائق ربما يكون دمار لحياة الانسان، ينسيه حتى نفسه فيعيش التشظي النفسي من الداخل، فيتمنى الموت على تلك الحياة.
وهناك تغرب ثالث اطلقت عليه أنا التغرب النفسي، ولا اجد غيري من استعمل هذا المصطلح لهذا الغرض. والتغرب النفسي لعله هو الامر والاشد على الانسان، حيث يصبح كالمجنون يهجر ويهذي ويدمدم، فيعيش اللاشعور بتعبير عالم الاجتماع العراقي علي الوردي.
والشاعر لم يطرح ذلك فيسكت، بل يعطينا السبب، السبب الحقيقي الكامن وراء كل ذلك الهم من الاغتراب، الذي عصف بكياننا، خصوصا نحن البشر المنزوين وسط بحبوحة من ارض معينة كُتب عليها الجحيم.
"لأنّ رؤوسنا مكتظةٌ بمسوخ
الأرض ..
وكأنهم اسرابُ جرادٍ
تلتفُّ حولنا
لكي توقدَ الحرائق
داخل أنفسِنا المتوثبةِ لبلوغ الجادةِ"
فالإنسان، هو عبارة عن حرائق متأججة: من مشاعر، ومن احاسيس، ومن لهيب ساخن ينبعث من داخل نفسه؛ خصوصا وهو يرى تجليات المحن التي تعصف به، من هنا وهناك، وعلى طول المساحة التي تربطه بمعاول الزمن حيث تحفر بكيانه وتنخر جسده كديدان الارض، لكن، مع ذلك كان له قوة ارادة كما يعبر نيتشة، هذه القوة قد تمثلت بمعاني كثيرة، يوصفها شوبنهور قوة التناسل وغيرها.
"أيَّة لعنةٍ
تحيلنا الى دخانٍ
و نحن ملبدين بالصمت
و الفتنةَ تقتاد الوجوه الحالمةَ
نحو مصائرَ مجهولةٍ
وإذا علقنا في مصائرِ غربةٍ
كادت تحيد بنا عن العقباتِ
كنّا نمنّي النفسَ دونَ هوادةٍ
بالبِشرِ و التمجيد و النفحاتِ"
وفي هذا المقطع من القصيدة، كأن ثمة ربط او احالات، او قل هناك نوع من التناغم، يحيلنا الى حوارية في رواية "البهلوان" للروائي العراقي الكبير احمد خلف، فاحد ابطال الرواية يشرح قصة تشرده من الواقع المرير، الذي عاشه هذا الانسان، الموصوف كنموذج في قصيدة وليد حسين.
يقول أحمد خلف في "البهلوان" على لسان بطل القصة حيث يشرح معاناته لامرأة آوته وثقت به: "نمت في الفنادق الرخيصة، التي يكفي إنك وفي منتصف الليل تسمعين من يتقيأ بالقرب من غرفة نومك، أو على سلالم الفندق المتهرئة، ولا يمر وقت طويل حتى يتوارد اليك صوت صاحب الفندق، يصرخ بالسكران مع سيل من الشتائم المقذعة، لعل اولها نهي النزيل عن شرب الخمر الرخيصة مع سخرية لاذعة منه ومن حظه العاثر، ولا تنتهي حفلة الصخب على سلالم الفندق الا بجر النزيل وسحبه بالقوة الى غرفته.." (البهلوان ص 56) وهذا نموذج صارخ للإنسان المتشرد.
و وسط هذا الكم الهائل من الضنك والفوضى، والاحساس بالضياع، وعدم الجدوى والتيه والاغتراب، ثمة بريقا يلوح في افق الامل، وشعاع يطلق صواريخه نحو الظلام، لدك حصونه حتى ينفك الحصار عن الانسان الحالم.
"للآن ..
ألتمسُ بريقاً
أبحث في ندوبِ الأشياء
عن منافذِ رؤيةٍ
والعبور طريقٌ شائكٌ
يتأثرُ بمطبّاتِ اصطناعيةٍ"
العائق - المانع ما بين الخير والشر، دائما هو يكون هو الفاصل الملازم لهما، وهو اشبه بالفاصل الذي يوضع ما بين جملة واخرى، بأخرى تعبيرية، الغاية منها كي لا يلتبس على القارئ المعنى الذي يريده كاتب الجملة تلك.
وبعد الانفراج (كأن الشاعر وليد حسين يرسم لنا سيناريو داخل هذا النص) يبزغ قمر الامل في قلوب الحالمين، بحياة غير حياة، وبواقع غير هذا الواقع المرير، لنكتشف بواطن جديدة لم نعرفها من ذي قبل، حتى ننسى معاناتنا تلك.
"ربّما ..
نحلّقُ عالياً
في اعتناقِ أحاديثِ الشرقِ
بإيِمانٍ باذخٍ
نكتشف جاذبية الأفلاك
لمحيطاتٍ عائمةٍ
في المدّ و الجزر"
السمو والتطلّع الى افق شاسع، يعكس مدلولاته الايجابية، بحراك امل مشرق بعيدا عن المدلهمات الامور، وسفاسف المحن التي ضاقت بخناقها على ليالينا البيضاء.
ويختم الشاعر نصه، بعد استعراض شامل لمأساة الانسان، بين محنة الحياة من جهة، مأساته مع طغاة عصره، من متسلطين، ومن خونة ومن نفعيين ومن سواهم. وفي هذا النص نجد الشاعر يحاكم الواقع الذي نعيشه اليوم، فيصوره بصور شعرية جميلة، معّبرة، لا يشوبها شيء من الغموض، بعكس الكثير من الشعراء الذين يكتبون بلغة الغموص والايهام، يوهمون القارئ بأنهم يكتبون نصوص جديدة، بمواضيع حديثة بمفردات ليست مستهلكة.
"هناك سرُّ الحكايا مع الكواكبِ
و التواريخِ المعلقةِ
اِنثروا مواجعَكم
فوق سفوحِ الغيمِ
لا تبحثوا ..
عن جيوبِ الخونةِ
وحفّاري القبورِ
لكي توصدوا بابَ الخصومةِ.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحس الواقعي والتطلع للحرية في ديوان (بحثا عن رغيف المعنى)
- مبدأ الشك بين المعرّي ونيتشة2 /2
- مبدأ الشك بين المعرّي ونيتشة1 /2
- طاعون البير كامو وفايروس كورونا1 /2
- طاعون البير كامو وفايروس كورونا2 /2
- نهاية تولستوي بعد الاعتراف كأديب2 /2
- نهاية تولستوي بعد الاعتراف كأديب1 /2
- الغزالي يفضّل الشرع على العقل!
- قصة الجنس..دراسة علمية تاريخية
- الغزالي إمام التكفير
- العقل عند المعري1/ 2
- العقل عند المعري2/ 2
- علي شريعتي المفكر الثائر2/ 2
- علي شريعتي المفكر الثائر1/ 2
- شقشقة
- نعم
- هل الاسلام يحرّم الفنون الجميلة!؟
- شذرات
- سعدي الحلي صوت نشاز لخراب آخر
- عبد الجبار الرفاعي وخزعل الماجدي


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - تجلي المعنى في (للآن ألتمسُ بريقاً) للشاعر وليد حسين