احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1636 - 2006 / 8 / 8 - 12:38
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
بدأ العد التنازلي لايقاف الحرب التدميرية على لبنان، فحسب تقدير حتى مُشعل هذه الحرب الاجرامية عن طريق وكيله العدواني اسرائيل، حسب تقدير الادارة الامريكية ان اسرائيل استنفدت الوسيلة العسكرية ولم تستطع، بل فشلت في حسم المعركة مع المقاومة اللبنانية وحزب الله عسكريا وبشكل يحقق الاهداف المركزية التي خطط لها التحالف الاستراتيجي العدواني الاسرائيلي – الامريكي، والتي في مركزها القضاء على المقاومة وحزب الله عسكريا وتنظيف الجنوب اللبناني من وجوده، عزل حزب الله على الساحة اللبنانية لخلق موازنة جديدة في لبنان لاقامة نظام لبناني جديد مدجن امريكيا – اسرائيليا، واطلاق سراح الجنديين المأسورين لدى حزب الله. فادارة عولمة ارهاب الدولة المنظم الامريكية ادركت جيدا ان آلة العدوان الاسرائيلي المسلحة بأحدث طائرات وقنابل ودبابات التدمير والقتل الامريكية الصنع "نجحت" في تدمير البنية التحتية المدنية اللبنانية، في تدمير مئة وخمسة واربعين جسرا بالاضافة الى الشوارع المركزية التي مزقت اوصال التواصل الجغرافي بين مختلف المناطق اللبنانية، بين المدن والقرى اللبنانية، نجحت في فرض حصار بري وبحري وجوي على لبنان، "نجحت" في قتل اكثر من الف مدني لبناني وجرح اكثر من ثلاثة آلاف انسان بريء غالبيتهم من الاطفال والنساء والعجز والمعاقين والشبان والصبايا. "نجحت" في تدمير اكثر من سبعمئة منزل وتشريد حوالي مليون لبناني الذين نزحوا وهجروا قسرا من قراهم ومدنهم من جراء القصف الهمجي الارهابي والمجازر الدموية التي يرتكبها الغزاة الاسرائيليون من وحوش الغاب، "نجحت" في تدمير كلي للضاحية الجنوبية في بيروت. "نجحوا" اكثر من هولاكو تتار المغول في القتل والتدمير ضد المدنيين، ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا وخلال ستة وعشرين يوما من الحرب المجنونة في القضاء على المقاومة وحزب الله، او في شل قدرته وطاقته العسكرية على ساحة المواجهة مع المعتدين المجرمين. فشلوا فشلا ذريعا في عزل حزب الله جماهيريا او على الساحة السياسية اللبنانية، فشلوا في زرع بذور الفتنة الطائفية، وتعززت اكثر الوحدة الوطنية اللبنانية المساندة للمقاومة والمعادية للعدوان الوحشي الاسرائيلي – الامريكي. كما فشلوا في تحرير الجنديين الاسيرين لدى حزب الله. اضف الى كل ذلك ان المظلة الدولية التي دعمت الحرب العدوانية الاسرائيلية في ايامها الاولى قد بدأت تتفكك وتنخر عظامها التناقضات في الموقف، خاصة على ضوء انفضاح الاهداف الحقيقية للعدوان ومدى الدمار والمجازر وجرائم الحرب التي خلفتها الاقدام الهمجية للغزاة على ارض لبنان. هذه الجرائم والمجازر التي استفزت واستنفرت الضمير العالمي واخرجت الى شوارع الكفاح والتظاهر الالوف المؤلفة في مختلف البلدان التي اطلقت صرخة التنديد بجرائم المجرمين والمطالبة بوقف هذه الحرب الكارثية.
امام هذا الوضع، امام فشل العدوان في حسم المعركة عسكريا لقطف ثمارها السياسية بتحقيق الاهداف المخططة، وامام الضغط العالمي لوقف الحرب ، يلجأ التحالف الاستراتيجي الامريكي – الاسرائيلي الى محاولة تحقيق الاهداف السياسية للحرب من خلال الوسيلة الدبلوماسية – السياسية، شن حرب دبلوماسية – سياسية لتمرير وفرض الشروط الاملائية الاسرائيلية – الامريكية التي فشلت آلة التدمير العسكرية في تحقيقها. ويندرج في هذا السياق المشروع الامريكي – الفرنسي الذي سيجري طرحه خلال الايام القليلة المقبلة على مجلس الامن الدولي. والسؤال هو، هل يتضمن هذا المشروع حلا عادلا للازمة قائما على تصفية آثار العدوان الهمجي الاسرائيلي – الامريكي على لبنان؟
برأينا ان المشروع الامريكي – الفرنسي لا يتضمن حلا عادلا، بل تعكس بنوده الاساسية تناقضه مع المصلحة الوطنية اللبنانية وانحيازه التام لصالح المعتدي الاسرائيلي واعطائه جائزة على جرائمه التي ارتكبها في لبنان ضد الشعب اللبناني. ونبني تقييمنا هذا على ما تتضمنه بنود هذا المشروع من مدلولات سياسية غاية في الخطورة. وهذا ما تعكسه مدلولات البنود الاساسية التالية:
* اولا: البند الاول في المشروع الامريكي – الفرنسي، يتحدث عن "وقف الاعمال العدوانية الحربية". وهذا يختلف عن المطلب بوقف النار، او وقف الحرب التي كانت ترفعه وتتمسك به فرنسا وكذلك الحكومة اللبنانية ومختلف التيارات السياسية والجماهيرية اللبنانية. وتراجع الموقف الفرنسي وتماهيه وانسجامه مع الموقف الامريكي يعكس توافق المصالح الامبريالية في تحديد الموقف الذي يتناقض مع المصلحة الوطنية اللبنانية. فوقف الاعمال العدوانية يعني اولا ان هذا المشروع مرحلي، حيث انه في المرحلة الاولى يعني بقاء القوات الاسرائيلية متمترسة في المواقع التي احتلتها في الجنوب اللبناني. فالادارة الامريكية ناورت لاطالة امد الحرب واعطت اسرائيل الضوء الاخضر لدخول قواتها البرية الى الجنوب اللبناني لتصعيد العدوان واحتلال اجزاء منه لجعله منطقة عازلة ووسيلة للغضط على الحكومة اللبنانية لابتزاز تنازلات سياسية. واسرائيل احتلت مواقع ولم تحتل قرى الجنوب التي تحتضن جيوب مقاومة لبنانية. ووقف الاعمال العدوانية، كما جاء في مشروع القرار، يعني شرعنة، ولو مؤقتة، للاحتلال الاسرائيلي لهذه المواقع، كما يعني مصادرة حق المقاومة اللبنانية الشرعي في مقاومة المحتلين الذين يدنسون الارض اللبنانية ويدوسون على حرمة السيادة الاقليمية اللبنانية على جزء من اراضيهم المحتلة. فهذا البند يتناقض مع المصلحة الوطنية ومع مطلب الاجماع اللبناني الرسمي والشعبي بوقف اطلاق النار بدون قيد او شرط، والذي يعني خروج قوات الاحتلال الاسرائيلي من جميع المواقع التي احتلوها وتوفير الظروف لعودة الالوف المؤلفة من النازحين اللبنانيين الى قراهم واماكن سكناهم.
* ثانيا: بند آخر في المشروع الامريكي – الفرنسي يتحدث عن ترتيبات امنية في مركزها اقامة منطقة عازلة تمتد من خط الحدود الازرق (الحدود الاسرائيلية – اللبنانية) وحتى نهر الليطاني تتمركز فيها قوة دولية عسكرية كبيرة. والمدلول السياسي لهذا البند انه يعكس المطلب الاملائي الاسرائيلي – الامريكي بتجسيد القرار 1559، اذ انه يعني اولا تنظيف الجنوب من المقاومة وحزب الله وابعاد حزب الله الى ما بعد الليطاني كخطوة في طريق تجريد حزب الله من السلاح. كما يعني ثانيا فرض سلام "باكس امريكانا" على لبنان مع اسرائيل. كما يعني ثالثا احتلال الجنوب من قبل قوات اجنبية فاعلة، اي لها الحق بالتدخل في الشأن الداخلي اللبناني ولا تأتمر بأوامر الامم المتحدة. وهذا البند ايضا يتناقض مع المصلحة الوطنية اللبنانية وقد يؤدي الى تفجير الوضع الداخلي اللبناني، الى تأجيج الفتن الطائفية والصراع الداخلي اللبناني – اللبناني الذي يراهن عليه اعداء الشعب اللبناني، خاصة وان بعض القوى اللبنانية من الدواجن الامريكية قد ترى من مصلحتها الفئوية الانتهازية التماثل مع هذا المشروع الامبريالي لتعديل موازنة القوى في الداخل اللبناني وبشكل يضمن لها بعض فتات مائدة المتآمرين الامبرياليين والرجعيين على مستقبل لبنان. وما يثلج الصدر ان موقف لبنان الرسمي، حكومة وبرلمانا واحزابا اساسية حتى كتابة هذه السطور ترفض هذا البند وتتمسك بموقف تعزيز قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، نأمل ان تخنع بعض هذه القوى لمكابس الضغط الفرنسية وغيرها.
* ثالثا: البحث في قضية مزارع شبعا، اي المراوغة والتشكيك بالسيادة اللبنانية لهذه المزارع التي تحتلها اسرائيل.
* رابعا: اطلاق سراح الجنديين الاسرائيليين المأسورين لدى حزب الله دون قيد او شرط، وبحث قضية الاسرى اللبنانيين في وقت لاحق!! وهذا موقف انحياز سافر الى جانب الموقف الاسرائيلي الذي يرفض التبادلية واتخذ من اسر الجنديين ذريعة لشن الحرب الاستراتيجية العدوانية الاسرائيلية- الامريكية، كما ان المقصود من وراء هذا البند ضرب مكانة حزب الله "واخراجه من المحفل دون حمص" كما يقول المثل.
ستجري بدون شك حرب دبلوماسية – سياسية حول المشروع الامريكي – الفرنسي الذي رحبت به الاوساط الحاكمة الاسرائيلية، والذي سيطرح للمناقشة والاقرار خلال الايام القريبة المقبلة. ولتمريره قد تجري على بعض بنوده تعديلات شكلية يرافقها تفعيل مكابس ضغط شرسة امريكية وفرنسية، ومن بعض الانظمة العربية على الحكومة اللبنانية لقبول هذا المشروع السيء. وبرأينا انه بالامكان افشال هذا المشروع وصياغة مشروع بديل يخدم المصلحة الوطنية اللبنانية وقضية الامن والاستقرار في المنطقة. والضمانة الاولى لافشاله هي اولا وقبل كل شيء صيانة وتعزيز الوحدة الوطنية اللبنانية المتمسكة ببنود فؤاد السنيورة السبعة التي قدمها في مؤتمر روما، موقف الحكومة اللبنانية المسنود باجماع لبناني رسمي وحزبي وشعبي – فهذه البنود تتضمن: وقف الحرب دون قيد او شرط، خروج القوات الغازية الاسرائيلية من الجنوب اللبناني الى حدود الخط الازرق، عودة النازحين الى قراهم واماكن سكناهم، انسحاب المحتل من مزارع شبعا، التفاوض لتبادل الاسرى بين اسرائيل ولبنان وتعزيز قوات الطوارئ الدولية في الجنوب اللبناني. فهذه البنود السبعة تحظى بتأييد الجامعة العربية، التي نأمل ان يواصل وزراء الخارجية العرب المجتمعون اليوم في بيروت تمسكهم بها، كما تحظى بتأييد مجموعة المؤتمر الاسلامي ودوله.
ولبنان الذي لم يهزم عسكريا اذ جند هذه القوى وغيرها، بمقدوره هزم المتآمرين على سيادته ووحدته الوطنية دبلوماسيا وسياسيا ايضا.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟