احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1596 - 2006 / 6 / 29 - 10:20
المحور:
القضية الفلسطينية
شاءت الظروف القاهرة التي اوجدتها قوى العدوان والاحتلال والجرائم الاسرائيلية والامريكية ان نرصد ونلاحق ونقارن بين مختلف اشكال وظواهر الحراك السياسي الجاري على ساحة التطور والصراع في كل من المناطق الفلسطينية المحتلة منذ السبعة والستين وعراق بلاد الرافدين المحتل. ففي الآونة الاخيرة تبرز على الساحتين، الفلسطينية والعراقية ظاهرتان متشابهتان من حيث المظهر الخارجي ولكنهما تختلفان جذريا، وبشكل صارخ، من حيث المضمون والمدلول السياسي والهدف المنشود.
فعلى الساحة الفلسطينية يجري الحوار الفلسطيني – الفلسطيني بين مختلف التيارات والفصائل الفلسطينية بهدف التوصل الى وفاق وطني يعزز لحمة الوحدة الفلسطينية. وبالمقابل تجري المساعي في العراق المحتل لبناء نمط من الوحدة الوطنية، وقبل يومين اعلن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، انه سيطرح على البرلمان مشروعه للوحدة الوطنية!! وبرأينا، شتان ما بين الوحدة الوطنية التي ينشد الفلسطينيون التوصل اليها وبين الوحدة الوطنية التي تنشد حكومة الدمى الامريكية في العراق المحتل انجازها!
برأينا الوحدة الوطنية الحقيقية وغير المزيفة ليست شعارا مجردا بل هي حاجة موضوعية ضرورية كآلية كفاحية لا مفر منها يحتّمها طابع وطبيعة التناقض الاساسي على ساحة الصراع والتطور في ظرف زماني محدد ومكاني محدد كما يجري بناء الوحدة الوطنية وفقا لمقاييس ومعايير محددة وافق استراتيجي محدد يلبي مطلب تجسيد المصلحة الوطنية العليا، وفي حالتي فلسطين والعراق، المصلحة، المصلحة الوطنية العليا هي التحرر وانجاز الاستقلال الوطني بعد التخلص من وجود ودنس المحتل الاجنبي. ففي ظل الاحتلال الاجنبي فان التناقض الاساسي، الاولي والجوهري، يكمن في التناقض بين الوجود الاحتلالي الاجنبي المهيمن ظلما وعدوانا وبين ضحاياه، الشعب المغلوب على امره، وبمختلف الوان طيفه الطبقي الاجتماعي والقومي والاثني والفكري – السياسي، الذي يرزح تحت وطأة كابوس المحتلين.
فالمصلحة الوطنية العليا لهذا الشعب بمختلف الوان هويته الوطنية والسياسية هو التخلص من رجس هذا التناقض الاساسي، وحقه الشرعي والانساني في مقاومة المحتلين بالطريقة التي يرتئيها مناسبة لضمان طرد المحتل وانجاز حقه الوطني الشرعي بالحرية والاستقلال الوطني. ولهذا فان المصلحة الوطنية العليا تحتم رص صفوف الوحدة الوطنية الكفاحية. واي وحدة وطنية لا ترسم وتطرح على اجندتها افقا استراتيجيا للتخلص من نير الاحتلال وانجاز الاستقلال الوطني، وحدة كهذه هي وحدة مزورة ومشبوهة وقد تكون صنيعة وخادمة للمحتلين. ولهذا، فالوحدة الوطنية الكفاحية تبنى على قاعدتين مركزيتين مترابطتين عضويا، القاعدة الاولى، بذل الجهد لمشاركة جميع القوى والتيارات الوطنية في اطار هذه الوحدة، وبالطبع باستثناء الفئات والعناصر المفسودة من عملاء الاحتلال وخونة شعبهم.
والقاعدة الثانية، ان تكون الوحدة الوطنية مبنية على قاعدة برنامج سياسي كفاحي متفق عليه وفي مركزه التمسك بثوابت الحقوق الوطنية الشرعية، الحق الشرعي بالتحرر من نير الاحتلال وانجاز الاستقلال الوطني، برنامج يجري بموجبه تجنيد الرأي العام العالمي لدعم الحقوق الوطنية ومقاومة ومفاوضة المحتل لانهاء عهد احتلاله الاسود المخضب بدماء شعب الضحية.
ان المقاييس الصحيحة لانجاز الوحدة الوطنية الكفاحية الفلسطينية تنطبق على الحوار الجاري بين مختلف الفصائل والتيارات الفلسطينية الذي يقارب على الانتهاء ببث رسالة البشرى الى الشعب الفلسطيني وانصار حقوقه الوطنية بنجاح الحوار في التوصل الى وفاق فلسطيني يعزز وحدته الكفاحية في معركته العادلة من اجل التحرر والدولة والقدس والعودة. ففي الحوار الفلسطيني – الفلسطيني شاركت وتشارك الفصائل الثلاثة عشر المكونة لمختلف الوان الطيف الفلسطيني التي يجمع جميعها المصلحة العليا المشتركة بالتحرر والدولة المستقلة والتخلص من العدو المشترك – الاحتلال الاسرائيلي ودنسه الاستيطاني الكولونيالي. والاهم من ذلك ان حوار الوحدة الوطنية الفلسطينية تركز حول البرنامج السياسي للكفاح الفلسطيني العادل، وما تم الاتفاق عليه يعتبر مكسبا هاما في معركة التحرر القومي للشعب الفلسطيني. فقد اجمع المتحاورون على تبني البنود الجوهرية التي تضمنتها وثيقة الحركة الاسيرة الفلسطينية والتي اهمها تحديد الافق الاستراتيجي للحق الوطني الفلسطيني المشروع بالنضال لاقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود الرابع من حزيران السبعة والستين، عاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقا لقرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 194 الذي اقرته الامم المتحدة، التمسك بهذه الثوابت الوطنية وعدم التفريط باي منها في أي تفاوض مع المحتل. كما يتضمن الاتفاق وقف الفلتان الامني الفلسطيني ووقف أي مظهر من مظاهر الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني وتفويت الفرصة على مراهنات ومؤامرات المحتل لاشعال نيران الفتنة والحرب الاهلية الفلسطينية. كما جرى التأكيد على اهمية منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل دورها كممثل وحيد وشرعي وانضمام حماس وغيرها تحت لوائها.
رغم النجاح المشوب بالحذر في عقد راية الوحدة الوطنية الفلسطينية ورفعها على ساحة النضال الا ان الطريق لانجاز الهدف الاستراتيجي المركزي بالتحرر والاستقلال الوطني لا يزال طويلا، خاصة وان المحتل الاسرائيلي لم يتخل بعد عن طاقم انيابه الوحشية العدوانية المفترسة وعن مواصلته لارتكاب المجازر والجرائم بحق الانسانية والشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة، وما نود تأكيده في سياق هذه المعالجة ان النجاح في صياغة وبلورة الوحدة الوطنية الكفاحية الفلسطينية يكون بمثابة رافعة جديدة في المعركة من اجل التحرر، رافعة تصادر وتنسف الادعاء الاسرائيلي انه لا يوجد شريك فلسطيني للتفاوض معه، كما انها رافعة تعزز التضامن الدولي مع الحق الفلسطيني المشروع.
الامر يختلف تماما في العراق المحتل. فالداعي للوحدة الوطنية المزعومة في العراق ليس سلطة وطنية، كما هو الحال في فلسطين المحتلة، بل سلطة دمى الاحتلال الانجلوامريكي، من رئيس الحكومة المالكي وغيره. وكما اكدنا ونؤكد دائما فان خدمة المصلحة الوطنية العليا المحك الاساس للوحدة الوطنية. وفي العراق فان المصلحة الوطنية العليا للشعب العراقي الماجد تكمن في تحرره من نير الاحتلال الهمجي الانجلوامريكي واستعادته لحريته وسيادته الوطنية في اطار عراق موحد ومستقل.
فعن اية وحدة وطنية يتحدث المالكي في وقت يغيّب فيه الافق الاستراتيجي لمصلحة الشعب العراقي العليا بالتحرر والاستقلال الوطني. عن اية وحدة وطنية يتحدث المالكي واسياده من الغزاة المحتلين الانجلوامريكيين الذين يرفضون حتى وضع جدول زمني لانسحابهم من العراق، حتى ان الكونغرس الامريكي رفض باغلبيته اقتراحا قدمه بعض النواب الدمقراطيين يطالبون الادارة الامريكية بوضع جدول زمني لانسحابهم من العراق!
أي وحدة وطنية هذه عندما يكون توجهكم يا مالكي واسيادك المحتلين انتقائيا لاقامتها.
فالمالكي يتحدث عن "وحدة وطنية" بين القوى العراقية المتعاونة والمتواطئة مع المحتلين وبين بعض القوى المسلحة المقاومة للاحتلال واعوانه!! هذا اضافة الى استثناء حزب البعث والاعلان عن حرب ضده والعمل "لاجتثاثه"! فهل الدمقراطية تتجزأ ويمكن التوجه لممارستها بشكل انتقائي؟ فهل يمكن حرمان أي حزب سياسي من ممارسة شرعيته وحقه الدمقراطي اذا التزم التقيد في اطار القوانين المرعية!!
ان الوحدة التي يدعو اليها عملاء الاحتلال الامريكي في العراق ليست ابدا وحدة وطنية بل هي محاولة لتجميع اعداء المصالح الحقيقية للشعب العراقي في اطار وحدة مزورة تخدم مصالح الاحتلال الاجنبي وتطيل امد وجوده الغاشم على صدر الشعب العراقي وارضه المحتلة. وحدة مزورة كهذه مصيرها الفشل ومزبلة التاريخ. اما حاجة الشعب العراقي الحقيقية فانها تتطلب فعلا النضال لبلورة وحدة وطنية حقيقية من جميع القوى المناضلة ضد الوجود الاحتلالي الانجلوامريكي ومن اجل كنسه وتنظيف ارض العراق من دنسه وضمان حق العراق وشعبه بالحرية والاستقلال الوطني.
حاجة الشعب العراقي الملحة بلورة وحدة وطنية من مختلف الوان طيف الهوية العراقية لمواجهة مؤامرات المستعمرين الجدد وخدامهم من العراقيين لزرع وتأجيج الفتنة الطائفية والاثنية والقومية والصراع الدموي الطائفي بهدف طمس ودفن الهوية الوطنية العراقية كمقدمة لخلق الظروف المؤاتية لتمزيق اوصال الوحدة الاقليمية لارض العراق وتقسيمه الى دويلات طائفية وقومية هشة تحت وصاية وحماية اللصوص المستعمرين الجدد اقزام خدامهم. ونحن على ثقة تامة بان شعب العراق بتاريخه النضالي المجيد ضد المستعمرين واعوانهم لن تخدعه الدعوة التضليلية عن الوحدة التي تطلقها حكومة اعوان الاحتلال في العراق. فالوحدة الوطنية الوحيدة التي يباركها ويسندها شعب العراق هي الوحدة الوطنية بين القوى المناضلة للتخلص من براثن الاحتلال والمحتلين وخدمة المصلحة الوطنية العليا لشعب العراق بالتحرر والاستقلال الوطني.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟