أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - شجرةٌ … وأربعُ عيون














المزيد.....

شجرةٌ … وأربعُ عيون


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6923 - 2021 / 6 / 9 - 13:38
المحور: حقوق الانسان
    





حكايةٌ أعجبتني من الفولكلور الأوروبي، أقصُّها عليكم. عنوانُ القصة "الشجرةُ عبر الفصول"، تحكي عن أب وأولاده الأربعة، الذين ودّ أن يعلِّمَهم درسًا حول "عدم محاكمة الناس والتنمّر عليهم”. أرسل الأبُ أبناءه بالتتابع في رحلة استقصائية إلى شجرة كمثرى تقع على مسافة بعيدة، وطلب منهم تقاريرَ تفصيلية عن شكل الشجرة. رحلةُ الابن الأول في فصل الشتاء، والثاني في الربيع، والثالث في الصيف، والأخير في فصل الخريف.
حين اكتملت الرحلاتُ الأربع، عادوا إلى أبيهم بتقاريرهم. جمعهم الأبُ وراح يسمع ملاحظاتهم. قال الابنُ الأول إن الشجرة قبيحةُ المنظر، محنيةُ الجذع، ملتوية الأغصان. وقال الثاني إن الشجرة مغطّاةٌ بالبراعم الخضراء وتحمل الكثيرَ من الوعد بالإثمار. لم يوافق الابن الثالث على ما قال أخواه وقال إن شجرة الكمثرى فاتنة مشرقةٌ بالزهور شهية الرائحة، وهي أجملُ ما شاهد في حياته على الإطلاق. هنا اعترض الابنُ الرابع على الجميع قائلا إن الشجرة ناضجةٌ وارفةٌ مثقلة بالثمر، تضجُّ بالحياة والاكتمال.
قال الأبُ لأبنائه إنهم جميعًا على حق، رغم تباين أقوالهم حدّ التناقض. ذاك أن كلاً منهم لم يشهدِ الشجرةَ إلا في حال واحد من أحوالها، عبر مواسم حياتها، ولم يشهدها في أحوالها الأخرى. وهنا تجلّى الدرسُ: من الخطأ أن نحكم على شيء، أو شخص في موسم واحد من حياته، أو في حال واحد من أحواله. وأن الجوهر، والسعادة، والبهجة، والفرح، والحب، التي تأتينا بها الحياةُ، لا يجوز أن نقيسها أو نُقيّمها، أو نحكم عليها إلا بعد اكتمال الفصول. فإن أنت يئست ورفعت الراية البيضاء في شتائك، سوف تخسرُ الرجاءَ الذي يعدكَ به ربيعُك، وسوف يفوتك الجمالُ الذي سيأتي به صيفُك، وسوف يضيعُ عليك الاكتمال الذي سوف يحمله خريفُك. فإن استسلمت للألم الذي يضربُك في أحد الفصول، سوف تخسر الفرحُ الذي يأتيك مع الفصول الأخرى. فلا تحكم على الحياة ولا تحاكمها عبر فصل واحد من فصولها. بل ثابرْ واصبرْ على المناطق السوداء والظروف العسرة التي تمرُّ بك، لأن أوقاتًا طيبة سوف تأتي في مقبل الأيام.
***

كلٌّ منّا هو تلك الشجرة في أحوالها وفصولها. أتأمّلُ الآن فصولي التي أتبدّل فيها بين الجدية الصارمة، والمرح الطفولي، والجنون حينًا، والتعقّل حينًا، التعجّل حينًا والرصانة حينًا، الفرح حينا والحزن حينا آخر. أن أكون أمًّا، وأن أكون ابنةً، أن أجلسُ صامتةً كتلميذة تتعلمُ من أستاذها، وأن أتكلّم وأحاضر كمُعلّمة أمام تلاميذ، أن أجادلَ وأحاور وأناور كمشاكسة، وأن أومئ في هدوء كموافقة، وغيرها مما لا يُحصى من أحوال وفصول، جميعُها أنا وأنت، وجُماعها أنت وأنا. واحدُهم قد يراني في فصل ما، فيرسم عني صورة قد يرسم نقيضَها إن صادفني في فصل آخر.
أذكر أنني دخلتُ المسرح الكبير بقاعة الأوبرا يومًا فاستوقفني بعضُ قرائي ووقفنا ندردش برهةً ونتمازح. فقالت لي سيدةٌ جميلة: (مش معقول مش مصدقة أنك بتعرفي تضحكي وتقلشي كمان! لما بأقرأ مقالاتك أيام الإخوان يتهيألي إنك حد مكشّر طول الوقت! ) فضحكتُ وقلت لها: (وقت الإخوان كنا جنود بنحارب عشان ننقذ مصر من الاحتلال. لكن في الأوبرا نحن عصافير مغرّدة).
كثيرون نحن. كل فرد منّا كثير. تمامًا مثل الشجرة، التي لا تتبدل على أربعة أشكال في كل عام وفق الفصول الأربعة وحسب، إنما تتبدّل على مدار كل يوم. فورقة من أوراقها تسقط، تُبدّل من شكل الشجرة، وورقة تورق، تغيّر من هيئة الشجرة، وغصنٌ يستطيل مليمترًا، يجعلها شجرة أخرى. لهذا قال هيراقليطس: (إنك لا تنزلُ النهرَ الواحدَ مرتين. ) لأن النهرَ الذي نزلت إليه منذ دقيقة، جرى ماؤه، وتبدّل شكلُ أمواجه ولم يعد هو هو بعد دقيقة، ولا أنتَ هو أنتَ الذي كنتَه قبل دقيقة، فقد كبرتَ دقيقة في عمرك، وتبدّلت رؤاك وأفكارك وشاهدت خلال تلك الدقيقة ما لم تشاهده قبلها. ليتنا لا نحكم على الناس ولا نُدين أحدًا ولا نتنمّر على أحد. “الدينُ لله والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”


***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرئيسُ السيسي … داعمًا الرحلةَ المقدسة
- -راعي مصر للتنمية- … أحدُ قلوب مصر الخافقة
- بقشيش الإنسانية … نجيب زاهي زركش
- سمير غانم … بهجةُ الحيّ الشرقي
- بناءُ الإنسانِ المصريّ الجديد
- أشرف عبد الباقي … فنُّ إتقانِ الأخطاء!
- في عيد الفطر المبارك … مَن يغنّي للعيد؟
- بنو صهيون … والمسجد الأقصى
- شم النسيم … عيد ثقافة الحياة
- قالها الرئيسُ/ السيسي: تصويبُ الخطاب الديني
- الرقصُ ... بجناح مكسور
- نصومُ رمضانَ … ونجدلُ السعفَ ... لأننا نحبُّ
- أعطني هذا الدواء!
- ثكنة -رابعة- الإرهابية… لكي لا ننسى!
- شريهان ... فراشةُ البهجة ووهجُ الحياة
- المحبةُ المنثورةُ على وجه رمضان
- ماذا يقول المسيحيون عن رمضان؟
- ملكاتُ وملوكُ السَّلف الجميل ... يجوبون العالم!
- كمال الجنزوري …. وداعًا فارسَ البسطاء!
- هل أنتَ متسامحٌ دينيًّا؟ لستُ متسامحة!


المزيد.....




- فيديو.. سمير فرج يُشكك في عدد الأسرى الإسرائيليين: حماس تخفي ...
- برنامج الأغذية العالمي: أجزاء من غزة تعيش -مجاعة شاملة-
- مديرة برنامج الأغذية العالمي: شمال غزة يواجه بالفعل مجاعة كا ...
- -جيروزاليم بوست-: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ...
- فعلها بحادثة مشابهة.. اعتقال مشتبه به دهس طفلة وهرب من مكان ...
- المياه ارتفعت لأسطح المنازل.. قتلى ومفقودون وآلاف النازحين ج ...
- طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة
- خبير عسكري: المواصي لن تستوعب النازحين من رفح والاحتلال فشل ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بصفقة تبادل للأسرى
- الآلاف يتظاهرون في تل أبيب مطالبين بالإفراج عن الأسرى ورحيل ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - شجرةٌ … وأربعُ عيون