أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - هل أنتَ متسامحٌ دينيًّا؟ لستُ متسامحة!














المزيد.....

هل أنتَ متسامحٌ دينيًّا؟ لستُ متسامحة!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6855 - 2021 / 3 / 31 - 12:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



"التسامحُ الديني"، عبارةٌ طيبة نسمعُها دائمًا من القامات الدينية الرصينة في المجتمع المصري. والمقصودُ بها المناداة بالعيش في سلام بعيدًا عن الشقاقات الطائفية التي تهدمُ الوطنَ وتُعرقل رحلة النهوض والتنمية. والعبارةُ دائمًا يقولُها فمٌ وطنيٌّ مسالم، يكره العنفَ ويرجو أن يحيا الناسُ في سلام ومحبة لكي يعملوا ويُعمّروا الوطنَ بعيدًا عن النزاع العَقَدي الذي لا يُفضي إلا للدماء والفواجع والهدم. واليومَ أريدُ أن أتأمل معكم تلك المفردة: "تسامح"، لنقفزَ منها خطوةً للأمام.
دعونا نردُّ الكلمةَ إلى المعجم؛ لنقفَ على معناها اللغويّ الدقيق. في المعجم "الوسيط” نجد: (تسامَحَ الشَّخصُ في الأمر: تساهَل فيه وتهاون). مثال: (لا تتسامحُ الدَّولةُ مع الخونة والمتآمرين). نكتشف هنا أن "التسامُح" يأتي مع الجرائم والدنايا. فليس واردًا أن نقول مثلا: (المعلّمةُ تتسامح مع ذكاء تلميذها)، بل نقول: (تسامحتِ المعلمةُ مع الأخطاء الإملائية، حين أعجبها موضوع التعبير). وفي "لسان العرب": (السماحُ والسماحةُ: الجودُ والعطاء عن سخاء). وفي الحديث يقول اللهُ تعالى: “أسمِحوا لعبدي كإسماحه إلى عبادي"، أي كونوا كرماءَ مع عبدي مثلما هو سخيٌّ مع عبادي. وسمح لي فلانٌ، أي سمح لي بشيء (بوسعه منعه). ويُقال: "سمحتِ الناقةُ" إذا (انقادت). والمسامحة: المُساهلة في الطعان، وهو الطعنُ في العرض والشرف. والخلاصة أن كلمة: "سَمَح"، تُقال عند التكرّم بالعطاء والتفضُّل بالموافقة، أو الاتّباع والانقياد.
فهل ترون الكلمةَ مناسبةً ودقيقةً لغويًّا، حال الكلام عن (احترام) حقّ الآخر العَقَدي، في اعتناق ما يشاء من أديان؟! إن احترمَ مسلمٌ مسيحيًّا، أو احترم مسيحيٌّ مسلمًا، هل يُعدُّ ذلك تَفضُّلا وسخاءً من قوي لضعيف؟ هل هو مذلّةٌ وخنوعٌ من ضعيفٍ لقويّ؟ لا هذا ولا ذاك. كلا المعنيين خطأ ومَعيبٌ ولا يرضاه إنسانٌ حرٌّ في مجتمع حرٍّ.
فحين تحترم المختلفَ عنك دينيًّا وتحبّه فلا تحاربه ولا تقتله ولا تزدري دينَه، فلا أنت ذليلٌ تابع، ولا أنت كريمٌ مُتفضّل. إنك فقط إنسانٌ سويٌّ ناضج نجوتَ من مرض الطائفية الذي اِبتُلي به سفاحون أهرقوا الدماء في الحروب الدينية من الصهاينة والصليبيين والدواعش. وحين "تتعايش" مع المختلف عنك دينيًّا فأنت فقط إنسانٌ طبيعي عاقل. وقد وضعتُ كلمة: (تتعايش) بين مزدوجين؛ لأنني أرفضُها أيضًا، وأستبدلُ بها كلمة أرقى هي: (العيش). فالتعايشُ لا يكون إلا مع "عدو" أو "مرض". فمريضُ السُّكر "يتعايش" مع مرضه. والشخصُ "يتعايش" مع جار السوء. لكنك "تعيشُ" مع أسرتك وأصدقائك وجيرانك الطيبين. (التعايش) فلسفيًّا ولغويًّا يشبه (التسامح)، كلاهما يحملُ معنى "الجبر والاضطرار”. فأنت (تتسامح مع عدوك)، (وتسامِحُ من أساء إليك)، (وتسمح لإنسان بما ليس له). وجميعها معانٍ مغلوطة حال الكلام عن بشر أحرار يعتنقون عقائدَ مختلفة يعيشون معًا على أرض واحدة أو في كون واحد. فالمختلف عنك عقديًّا ليس عدوك، ولستَ تمنحه ما ليس من حقّه، حين تحترم اختلافه عنك.
الأخطرُ من كلِّ ما سبق، هو أنك حين تسمحُ بشيء، فأنت بالضرورة تملك حقَّ "ألا" تسمح به. فمثلا: (أسمحُ لك باستخدام قلمي)، جملةٌ صحيحة. ولكن: (أسمحُ لك باستخدام قلمَك!!!)، جملةٌ غير صحيحة. فمن حقي "ألا" أسمح لك باستخدام قلمي، ولكن هل من حقي ألا أسمح لك باستخدام قلمك؟! الأمر ينطبقُ على حرية العقيدة. فليس من حقي أن (أسمح أو أتسامح مع) ألا يدين إنسانٌ بديني؛ ببساطة لأنني لا أمتلكُ الحقَّ في (ألا" أسمح أو أتسامح) مع ذلك. هو حرٌّ بقدر ما أنا حرّة، ولا تفضّلٌ من أحدنا على الآخر.
وبناءً على ما سبق، فإنني حين أرفضُ النعرات الطائفية وأحاربُها، فلستُ "مسلمة متسامحة"، بل أنا إنسانٌ طبيعي ناضجٌ أعرفُ حدودَ حقوقي فلا أتجاوزها، وأعرفُ واجباتِي فأؤديها. وحين زار الرئيس/ "عبد الفتاح السيسي" الكاتدرائية لتهنئة أشقائنا المسيحيين في عيدهم، كان حاكمًا عادلًا يعرف حقوقَ مواطنيه كرئيس ناضج مستنير مثقف، ويدرك واجباته تجاه أبناء وطنه. وحين حارب المصريون جميعَ حروبهم معًا مسلمين ومسيحيين، لم يكونوا "متسامحين دينيًّا"، بل مصريون وطنيون ناضجون يقفون في وجه عدو واحد. وحين خرجنا في ثورتي 1919، 2013 معًا مسلمين ومسيحيين، "لم نكن متسامحين دينيًّا" بل سلكنا سلوك المواطن الناضج الذي خرج لينصر وطنَه ضد الاحتلال الإنجليزي وضد الاحتلال الإخواني. وحين نختصمُ، نحن جبهة التنوير، المتطرفين الذين يكفّرون الناس على صفحاتهم ومنابرهم، فنحن لسنا متسامحين؛ بل بشرٌ أسوياء عاقلين غير مرضى. لستُ متسامحة دينيًّا حين أحبُّ البشرَ دون النظر إلى عقائدهم، بل إنسانٌ حُرٌّ يشكرُ الله على نعمة العقل. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحترمُ الوطن.”


***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوال السعداوي … عيناها في وهج الشمس
- هدايانا لأمهاتنا في عيد الأم… وهداياهن لنا!
- المصريون في وداع قداسة البابا شنودة
- مقتل سيدة السلام … والتطهُّر الأرسطي
- براءةُ أطفالنا … في رقبة من؟
- بيتٌ لا يعرفُ الحَزَن!
- الانفجارُ السكّاني … والضفدعُ المغلي
- في انتظار … كوكو!
- القليلُ كثيرٌ … في الطعام والعيال والفرح!
- ثروت عكاشة … أسطورةٌ مصريةٌ خالدة
- هل نستحقُّ كورونا وما يليها؟
- البرنيطة … أمّ شريطة صفراء!
- إلهام شاهين … فارسةُ دراما الرسالات
- الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة
- صخرةُ محمود أمين العالم
- ماذا علّمتني سيدةُ: الباقياتُ الصالحات؟
- بيكار … مايسترو صناعة النور
- ضحكات المصريين ... في زمن الكورونا
- قلقاسُ الغطاس … في بيت ميرنا ذكري
- هديةٌ السيدةِ التي لم أرها!


المزيد.....




- جولي دهقاني في بلا قيود: لدينا أفراد في الكنيسة لا يقبلون سل ...
- 40 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى
- الإفراج عن خطيب المسجد الأقصى وقاضي قضاة مدينة القدس بعد أن ...
- رئيس تحرير جيروزالم بوست ليهود نيويورك: هذا دليلكم للإطاحة ب ...
- رئيس تحرير جيروزالم بوست: هكذا يمكن ليهود نيويورك إسقاط ممدا ...
- أوليفييه روا: الغرب لا يرى الإسلام مشكلة ثقافية بل كتهديد وج ...
- البيت الأبيض: واشنطن قد تدعم تصنيف جماعة الإخوان -إرهابية-
- المحامي العام يكشف تفاصيل تتعلق بوفاة شاب في الجامع الأموي
- من سوريا إلى ألمانيا .. العنف الطائفي وصل الشتات السوري
- صحيفة سويسرية: الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط بين التهديد ...


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - هل أنتَ متسامحٌ دينيًّا؟ لستُ متسامحة!