أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - هديةٌ السيدةِ التي لم أرها!














المزيد.....

هديةٌ السيدةِ التي لم أرها!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6793 - 2021 / 1 / 20 - 12:15
المحور: حقوق الانسان
    


لم أرَها مطلقًا. لكنني أعرفُها من ثمارها. "من ثمارهم تعرفونهم”. رأيتُ وجهَها في وجوه بناتها وأبنائها. وتعرفتُ على حنانها وطيبتها من خلالهم. كانت لأبنائِها السبعة أمًّا وأبًا، بعدما رحل الأبُ في طفولتهم. فأخرجت من بين يديها أطباء ومهندسين زيّنوا وجهَ مصر البهيّ. وحين صار ابنُها الأصغرُ في الصفّ الثالث بكلية الهندسة، رحلت عن هذا العالم في هدوء وصمت، فانهدم العالمُ أمام عينيه. كانت بالنسبة له العالمَ بأسره: الأمّ والسند والصديقة والحبيبة. وكان لها الابنَ المدلّل بوصفه "آخر العنقود". صعدت روحُها للسماء صباحَ يوم شتويّ قاسٍ، بينما كان الابنُ يستعدُ لأداء امتحان نصف العام في مادة الإنشاءات. الحزنُ صعبٌ والامتحانُ صعبٌ. وضعه القدرُ بين نَصليْن حادّين. إما الاستسلامُ للحزن على أمّه وسنده الأوحد في الحياة، والتخلّف عن الامتحان، أو الربط على القلب الموجوع لإسكات نحيبه، واستعارة قلبٍ جامد ليس يملكه، والذهاب إلى الامتحان الصعب. واختار الصبيُّ البديلَ الأخير، لكي يحافظَ على تفوقه فلا يُخيّبُ رجاءَ والدته الراحلة. دخل قاعة الامتحان ورمق ورقة معلقة على الباب مكتوبًا عليها خبر رحيل والدته فأشاح وجهَه وكأن الأمرَ لا يعنيه. تجاهل كلماتِ العزاء من زملائه وأساتذته واتجه مباشرة الى طاولته ليؤدي الامتحانَ صامتًا ثم خرج من الكلية، وركض إلى بيته وقد خانته الدموعُ المتحجرة في عينيه منذ الصباح، ليستسلمَ للوجع والبكاء. وكالعادة جاء تقديرُه "امتياز" في تلك المادة، مثلما في بقية المواد، على مدى سنوات الجامعة، التي تخرّج فيها بتفوق، وأصبح معيدًا مرموقًا.
كنا نسمعُ عن نبوغه في العمارة وموهبته في الشرح وتوصيل المعلومة بيسر واحترام للطلاب خلال سنوات دراستنا الأولى في كلية الهندسة جامعة عين شمس. وكنّا نتعجّلُ مرورَ السنوات حتى نصل إليه في البكالوريوس ليُدرّس لنا. وكان اسمًا على مسمّى. وكأن والدته التي أطلقت عليه اسمَ الطبيب الذي استولدها: “نبيل"، كانت تتنبأ بالاسم والصفة.
19 يناير ذكرى رحيل تلك السيدة الجميلة التي أهدتني ثروةً هائلة: ابنَها الأصغر، زوجي "نبيل"، الذي أهداني عصفورين رائعين يملآن حياتي شدوًا وفرحًا. التقت عيونُنا في سكشن قسم العمارة، بالصف الرابع بهندسة عين شمس، أنا الطالبةُ وهو المعيد، واحتفل معي يوم تخرّجي، وساندني حين امتهنتُ العمل الهندسي في أحد أكبر المكاتب الاستشارية بالقاهرة، وشجعني حين قررتُ أن "أرتكب" الانعطافة الجذرية في حياتي وأسلك طريق الكتابة الوعر، فشدّ أزري وكان الصخرة التي أرتكن إليها كلما داهمني الخصومُ بسهامهم.
لغتنا العربية تُسميها: “الحماة". والاشتقاقُ غالبًا من الجذر اللغوي: “حما". فهي التي تحمي زوجة ابنها. ويؤكد هذا المعنى المصطلحُ الانجليزي: Mother-in-Law، فهي الأمُّ بالقانون. وتُدهشني الفلكلوراتُ والأفلام التي تجعلُ من الحماة خصمًا للعروس، ومصدر ضنك وإزعاج لها! لأنني أرى أن أم الزوج منحةٌ سماوية للعروس ليغدو لها أمّان بعدما كان لها أمٌّ واحدة. فقد أحببتُ السيدةَ الجميلة التي أهدتني رجلًا نبيلا، ومازلتُ أحفظُ ذكراها بعد رحيلها بسنواتٍ طوال، تمامًا كما أفعل مع أمي بالجسد. وكذلك صرتُ اليوم بعدما صرتُ "حماةً" مع زوجة ابني. أعتبرُها أنا وزوجي منحةً سماوية أهداها اللهُ لنا، لتغدو ابنةٌ طالما حلمنا بإنجابها حتى وصلتنا عروسًا جميلة في ثوب الزفاف إلى ابننا.
تلك الجميلة التي لم أرها، أشكرها على زوجي الذي علّمني في الجامعة، وساندني في الحياة، ومازال يحتويني بكامل الحنوّ والحب والاحترام بعد ثلاثين عامًا من لقائنا الأول الذي كان على كتاب. التقينا على كتاب. Stories from the Opera. كان أحدَ نهارات عامي الأخير بالجامعة، خرجت من سكشن العمارة في وقت البريك، وتركت الكتابَ الذي يحكي حكايات الأوبرا في غلافه الأحمر الجلدي فوق طاولة الرسم الخاصة بي. وحين عدتُ لم أجد كتابي! أخبرني الزملاءُ أن مهندس نبيل، المعيد، قد أخذه! أسرعتُ إلى غرفة المعيدين لأستردَّ كنزي. فتحتُ الباب فقابلتني ابتسامتُه الجميلةُ قائلا: (آسف، سمحتُ لنفسي باستعارته، بعد إذنك!) أسرني أدبُه، فأخرجتُ قلمي وكتبتُ على الكتاب إهداءً له. وكان أولَ إهداء أخطُّه بقلمي على كتاب، ليس من تأليفي. وكان اللقاءُ؛ ليس وحسب على محاضرات العمارة وتصميمات السكاشن ومواعيد الكويزات والامتحانات، بل كان اللقاءُ على كتاب. وأيّ كتاب! كتاب عن الموسيقى! وأيّ موسيقى؟! الأوبرا الآسرة حيث فيردي وبيزيه وبوتشيني وتشايكوفسكي وفاجنر وشتراوس.
رحمةُ الله على حماتي التي كانت ستفرح بأحفادها مازن وعمر، وابنتنا الجميلة فاطمة الزهراء، زوجة ابني، التي صارت ابنتنا بالحب والاختيار والقانون. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يقدّس أمهاتِ الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوابـةُ العَدَم
- -الكريسماس- على الطريقة الإنسانية
- وحيد حامد … رجلٌ لهذا الزمان
- الوعي بالحياة … الوعي بالموت
- لا يرون … لكن اللهَ يرى!
- ميري كريسماس … يا مصر
- الجميلةُ … كلّ عامٍ وأنت جميلة!
- عصفٌ ذهنيٌّ عن أمراض الكبد في الجلالة
- باقي صدقة … الذي مصرُ تعيشُ فيه
- عمّ نجيب … لقاءٌ أولُ .. لقاءٌ أخير
- صندوق تحيا مصر … هاتريك!
- أوركسترا وطني بقيادة المايسترو عبد الفتاح السيسي
- واحد من المصريين
- الوصية … اعرفْ جيشَك
- الذبائحُ
- أضواء -سوهو- … نبوءةُ مصرَ للنور
- أولُ لصٍّ … أولُ مفتاحٍ ... في التاريخ
- فاروق الجوهري …. مايسترو الخطوط والألوان
- شمعةٌ مصرية ضد البغضاء
- في الهالوين … يكبر الأطفال ويحبّون العالم


المزيد.....




- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - هديةٌ السيدةِ التي لم أرها!