أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - لا يرون … لكن اللهَ يرى!














المزيد.....

لا يرون … لكن اللهَ يرى!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6777 - 2021 / 1 / 3 - 10:07
المحور: حقوق الانسان
    


دخلت السيدةُ إلى الغرفة وقالت للجالسين شيئًا. لكن أحدًا من أفراد الأسرة لم ينتبه لوجودها ولا سمع أحدٌ ما قالت. كررت قولها بصوت أعلى: (أخفضوا صوتَ التليفزيون، لو سمحتم!). ولم يتحرك أحدٌ. وفي أحد المساءات كانت وزوجها مدعويْن إلى حفل. وبعد ثلاث ساعات حان وقت العودة للبيت. بحثت عن زوجها الذي تركها ليتحدث مع أصدقائه. وقفت أمامه وأشارت له مرّةً ومرّات. لكنه لم ينتبه، وظل يتحدث إلى رفاقه! هنا أدركت أن زوجها لا يراها وهي أمامه! (أنا غير مرئية!)، هكذا قالت لنفسها بحزنٍ. وتأكد لها الأمرُ حينما أوصلت طفلها إلى مدرسته في الصباح، وسألته المعلّمةُ: (مَن السيدة التي أتت بكَ يا جاك؟) فأجاب الطفلُ بتلقائية: (لا أحد!). "يا إلهي! لقد أصبحتُ لا أحد؟!” هكذا بدأت "نيكول جونسون" تُدرك أنها لم تعد مرئية. صارت من المُسلّمات البديهية في عيون أفراد أسرتها. ومن فرط حضورها لم يعد أحدٌ يراها! كانت تؤدي مهامها اليومية كأمٍّ وزوجة، لكنّ احدًا لا يشعر بوجودها! بدأ الحزنُ يسكنُها وأوشكت على السقوط في الاكتئاب.
في أحد الأيام أهدتها صديقتُها كتابًا مُصوّرًا عن أجمل كنائس أوروبا. في صدر الكتاب إهداءٌ يقول: (بكل الإعجاب أ أُهدي كتابي إلى الفخامة والأناقة التي شيّدتموها، حين لم يركم أحد. للأسف لن نعرف أبدًا أسماء البشر الذين شيّدوا تلك الكاتدرائيات الرائعة!)
راحت تُقلِّب الصفحات تلوَ الصفحات؛ تتأمل صور الكنائس العملاقة الملوّنة، ثم تنزل بعينيها إلى أسفل الصفحات لتعرف أسماء المعماريين والبُناة، فتجد مكتوبًا أسفل كل صورة: (المعماريُّ والبنّاؤون: غير معروف). ثمّة بشرٌ يتممون أعمالهم الخالدة، وهم مدركون أن أحدًا لن ينتبه إليهم.
حكى الكتابُ عن نحّاتٍ ظلَّ ينحتُ في رأس عمود حجري شكل طائر ضئيل. هذا الزخرف سوف يختفي بعدما يُشيّدُ سقفُ الكنيسة. صعد إليه رجلٌ وسأل النحّاتَ ساخرًا: (لماذا تُنفق كلَّ هذا الوقت في نحت تمثالٍ لن يراه أحد؟!) أجاب النحّاتُ: (لأن اللهَ يرى.) أولئك يؤمنون أن اَلله يرى كلَّ شيء. أولئك الكادحون ظلّوا يذهبون يومًا بعد يوم على مدى الأعوام ليشيدوا بناءً لن يشهدوا اكتماله في حياتهم. فبعض الكاتدرائيات استغرق بناؤها أكثر من مائة عام. أكثر من عُمر أولئك المعماريين والنحاتين والبنّائين. قدّموا أعمارهم دون أي ضمانات مستقبلية. يشيّدون بناية لن يروها ولن تحمل أسماءهم. وتساءل الكتابُ: (ربما لن نرى بنايات بتلك الروعة والفخامة بعد ذلك، لأن بشرًا قليلين الآن، مستعدون لتقديم تضحيات بهذا المستوى.)
أغلقت السيدةُ الكتابَ الضخم وكأنها سمعت نجوى الله: (أنا أراكِ. أنتِ لست "غير مرئية" بالنسبة لي. ليس هناك تضحيةٌ لا أراها مهما صغُرت. أرى كلَّ رغيفٍ يُخبَز. كلَّ خرزة تُخاط؛ وأبتسمُ مع كل غرزة تُحاك. أرى كلَّ دمعة إحباط تُذرفينها حين لا تسير الأمورُ كما تشتهين. ولكن تذكّري دائمًا أنكِ تشيّدين بنايةً عُظمى، لن تكتملَ في حياتك، وربما لن يكون بوسعك أن تعيشي فيها. ولكنْ إن أتممتِ عملَك على النحو الأكمل؛ سوف تكون مشيئتي.)
من المؤلم ألا يرانا الناسُ. لكن تجاهلَنا ليس مرضًا يمحو حياتنا ويُهدر جهدنا. بل ربما هو العلاجُ من مرض "التمركز حول الذات"، والترياقُ الذي يشفي غرورنا. لا بأس إن كانوا لا يرون. لا بأس إن كانوا لا يعرفون.
في كتابها (المرأةُ غير المرئية- The Invisible Woman ) تقولُ نيكول: (لا أريدُ أن يقول ابني لأصدقائه في الجامعة: "لن تصدقوا ماذا تفعل أمي من أجلي! إنها تصحو في الرابعة فجرًا لتخبز الفطائر وتخفق الزبد وتكوي الملابس.” بل أريده أن يُحبّ العودة إلى المنزل، ويقول لأصدقائه: “سوف تحبّون بيتي.” لا بأس أنهم لا يرون؛ فالله يرى. دعونا ندعو الله أن تقف أعمالُنا كآثار فخمة في أوطاننا.)
عام 2016 سألتني الإعلامية السعودية الجميلة: “نادين البدير" على الهواء: (تكتبين منذ ستة عشر عامًا عن العدالة والمواطنة والجمال والتحضّر، ألم يُصبكِ الضجرُ وأنت ترين أن أحلامك لا تتحقق، بل تقفين على أبواب السجن؟! لماذا تقبلين أن تكوني الضحيةَ وتتعرضين للملاحقة القضائية والسجن والسُّباب والتكفير والإقصاء؟ هل يستحقُ الأمرُ كلَّ هذا؟!) وأجبتُها على الهواء بعفوية: (مصرُ تستحقُّ! جميعُنا مدين لمصر! ربما لن نشهدَ في حياتنا ما نرجوه لمصرَ من تنوير وتحضُّر، لكننا نبني حجرًا في جدارٍ، سوف يُكمله مَن يأتي بعدنا.
“الدينُ لله، والوطنُ لمن يبني حجرًا في صرح الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميري كريسماس … يا مصر
- الجميلةُ … كلّ عامٍ وأنت جميلة!
- عصفٌ ذهنيٌّ عن أمراض الكبد في الجلالة
- باقي صدقة … الذي مصرُ تعيشُ فيه
- عمّ نجيب … لقاءٌ أولُ .. لقاءٌ أخير
- صندوق تحيا مصر … هاتريك!
- أوركسترا وطني بقيادة المايسترو عبد الفتاح السيسي
- واحد من المصريين
- الوصية … اعرفْ جيشَك
- الذبائحُ
- أضواء -سوهو- … نبوءةُ مصرَ للنور
- أولُ لصٍّ … أولُ مفتاحٍ ... في التاريخ
- فاروق الجوهري …. مايسترو الخطوط والألوان
- شمعةٌ مصرية ضد البغضاء
- في الهالوين … يكبر الأطفال ويحبّون العالم
- معجزةُ الأسمرات …. مدينةُ الأميرات
- جانا نهار وقدر يدفع مهرها … ثلاثةُ متاحفَ مصرية
- عيد ميلاد -دولة الأوبرا- المصرية
- مهرجانُ الجونة … رسالةُ مصرَ للعالم
- دموع جمال الغيطاني … في باريس


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - لا يرون … لكن اللهَ يرى!