أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أولُ لصٍّ … أولُ مفتاحٍ ... في التاريخ














المزيد.....

أولُ لصٍّ … أولُ مفتاحٍ ... في التاريخ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6743 - 2020 / 11 / 25 - 11:18
المحور: حقوق الانسان
    


في البَدء؛ كان إنسانٌ. ثم جاء إنسانٌ وتلصَّصَ على الإنسان، فاخترع الإنسانُ الباب. جاء إنسانٌ وفتح البابَ وسرق شيئًا. فاخترعَ الإنسانُ القِفلَ والمفتاحَ. ثم اخترع الأسوارَ والسياجَ والأصفادَ والخزائن والأرقام السرية وكاميرات المراقبة وغيرها من أدواتٍ ابتكرها الإنسانُ ليحمي نفسَه من لصٍّ زرع زهرة الشرّ الأولى التي لوثت الأرض وجعلتنا نبتكرُ القانونَ والمحاكم والسجون والمشانق.
أصلُ الحياة أن تكون خالية من مِهٍِن لا محلّ لها في عالم (كان) يحكمه قانون البراءة. القاضي والسجّان والجلاد ووو وظائفُ ابتدعها الإنسانُ لكي يقتصَّ من إنسانٍ تلصَّص أو سرق أو قتل. مهنٌ ما كنّا سنعرفها لو حافظنا على فطرتنا النقية البريئة.
في البدء؛ كان عالُمنا بسيطًا بلا أوراق. إن احتاج إنسانٌ بعض المال، دقّ بابَ جاره وسأله، فأعطاه سؤلَه. لكن إنسانًا ما، أنكر أنه أخذ، فابتدع أجدادُنا أشياءَ بغيضةً مثل وصل الأمانة وغيرها من أوراق سخيفة تقول بصوت أجشّ: "احترسْ، ثمة لصٌّ يسرق!”
في البدء كان السفرُ بالطائرة سهلا مثل القطار. يصعدُ إنسانٌ إلى طائرة، وتلوّح له حبيبتُه من شرفة المطار. يراها وتراه. وتظلُّ عيناها معلقتين بعينيه ويدُها تلوّح مع إيقاع قلبها، حتى تختفي الطائرةُ بين السحاب. هذا كان حتى الأمس القريب. تشهدُ على ذلك أفلامُنا القديمة بالأبيض والأسود في زمن البراءة قبل اختراع الشرور. شاهدنا "نادية لطفي" و"فاتن حمامة" و"زبيدة ثروت" يُلوّحن لأحبائهن من شرفات مطار القاهرة في أفلام الستينيات الماضية. كأنه بالأمس فقط! يا خسارة! ذلك المشهدُ الرومانتيكي الرائع أصبح من الفولكلور المهجور. جيلُنا لم يره، ومستحيلٌ أن يراه جيلٌ بعدنا. لماذا؟ لأن إرهابيًّا مُنحطًّا قرّر في يوم أغبرَ أن يخطفَ طائرةً ويروِّع مسافرين. فكان لابد أن ترتفعَ أسوارٌ وتتعقّد حواجزُ، وتخترقَ أشعةٌ سينية أجسادَنا وحقائبنا وضمائرَنا، وتمرَّ يدان مُدربتان داخل جيوبنا وبين مفاصلنا بحثًا عن سائل حارق أو نصلٍ أو قنبلة موقوتة. كُتب على المسافر، وإلى الأبد، أن يُعامل كإرهابيّ مُحتمَل: يخلعُ نعليه وساعتَه ومعطفَه ويخضعُ للتفتيش، ويُحرمُ مما استمتع به جدُّه: أن تكون عينا حبيبته، آخرَ ما يرى في أرض الوطن.
في البَدء كان الصبايا يخرجن بفساتيَن قصيرةٍ وكعوبٍ عالية، تتراقصُ جدائلُهنّ مع النسيم، يمشين في شوارع الوطن واثقاتِ الخُطى كأميراتٍ خرجن من كُتب الحكايا. يذهبن إلى المدارس والجامعات والنوادي ويدخلن السينمات والمسارح وحفلات الطرب الجميل. يتناولن القهوة في جروبي والكرواسون في الأمريكين، ويشاهدن فاترينات المحال. ثم يعُدن إلى بيوتهن في سلام كما يليقُ بطبائع الأمور. لكن سافلاً ذئبًا تحرّش بفتاة، وخدش حياءها بكلمة أو بسلوك، فانسحبت البناتُ إلى بيوتهن في وجل، وسكن الرعبُ في كل بيتٍ يضمُّ بنتًا أو سيدة.
في البَدء كانت شوارعُنا نظيفةً، والشجرُ مغسولًا، والبناياتُ أنيقةً والبشر. وكان العازفون يعزفون الموسيقى في شوارع القاهرة. حتى جاء إنسانٌ وألقى ورقةً في الطريق. الورقةُ جرحت عيونَ الناس. اندهشوا وتساءلوا مَن الجاني؟! في اليوم التالي شاهدوا الورقةَ وشاهدوا الجاني. لكنهم اكتفوا بالاستنكار الصامت. وأصبحتِ الورقةُ ورقتين، ثم أكوامًا من القمامة، لم تعد تجرحُ عيونَ أحد. وانتقلتِ الدهشةُ من خانة الورقة، إلى الدهشة إذا رأينا شارعًا نظيفًا!
إنه اللصُّ الأول والقاتلُ الأول والنصّابُ الأول والإرهابيُّ الأول والمغتصبُ الأول والقذرُ الأول. إنه الشريرُ الأول. أولئك الذين أفسدوا براءتنا وعقّدوا حياتنا وسرقوا أعمارنا ولوثوا عيوننا وأسماعنا واختطفوا حريتَنا.
كلُّ سجنٍ، كان يمكن أن يكون حديقة. كلُّ سورٍ يُعطّلُ الشمس، كان ينبغي أن يكون أيكةَ زهور تغازلُ شعاعَ نور وترسمُ معه دانتيلا الظلال. كلُّ ثقبِ مفتاحٍ في كلِّ بابٍ، كان بوسعه أن يكون عُشًّا يسكنه عصفور، أو شرنقةَ حرير تخرج منها فراشة. كلُّ قِفْل كان يجبُ أن يكون مفتاح حياة. كلُّ سجّان، كان يمكن أن يكون شاعرًا أو رسّامًا أو موسيقارَ أو نحّاتًا أو عاشقًا يسهرُ الليلَ ليصنعَ هديةً لحبيبته. كلُّ ساعة تُسرق من أعمارنا في نقطة تفتيش، كان لابد أن نغرسَ فيها شجرةً أو نقرأ كتابًا أو نكتبَ قصيدة أو نداعبَ طفلا أو نداوي مريضًا. زهورُ الشرّ حرمتنا من عازف بيانو يغسلُ قلوبنا بالفرح، واستبدلت به عشماوي يقصُّ أعناقَ الأشقياء.
أيها اللصُّ الأول في التاريخ، أختصمُك أمام الله لأنك أفسدتَ حياتي وأدخلتَ في معجمي مفرداتٍ لا أحبّها ولن أقبلَها، ولو عشتُ ألفَ عام. "الدينُ لله، والوطنُ لمن يحترمُ الوطن”.
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاروق الجوهري …. مايسترو الخطوط والألوان
- شمعةٌ مصرية ضد البغضاء
- في الهالوين … يكبر الأطفال ويحبّون العالم
- معجزةُ الأسمرات …. مدينةُ الأميرات
- جانا نهار وقدر يدفع مهرها … ثلاثةُ متاحفَ مصرية
- عيد ميلاد -دولة الأوبرا- المصرية
- مهرجانُ الجونة … رسالةُ مصرَ للعالم
- دموع جمال الغيطاني … في باريس
- بانوراما السِّحر في سيرة حبّ بليغ
- هل أنت فقيرٌ حقًّا؟
- العتبة الجميلة … مازالت مخطوفة!
- اليوم العالمي للإبصار… هذا الرجل أحبّه!
- عظماءُ حرب أكتوبر المجيدة
- قبل أصالة … حاكموا سعاد محمد!
- أعداءُ مصرَ الخبثاء
- القيم واحترام الآخر… شكرًا يا ريّس!
- لمن نسيَ ما يفعله الرئيس السيسي!
- إن شالله ينجّيك يا ولدي… تقولُ مصرُ للرئيس
- (سيد درويش)… المسرحُ في تمامِه
- خيري شلبي …. شيخُ الحكّائين!


المزيد.....




- المغرب يهاجم منظمة العفو الدولية
- هل تستطيع الجنائية الدولية اعتقال نتانياهو؟
- السلطات الإيطالية تحظر رحلات تنفذها منظمات غير حكومية لإنقاذ ...
- الأونروا تصف احتجاجا إسرائيليا أمام مقرها في القدس بـ-ترهيب ...
- الإعلان عن تأسيس الائتلاف ضد التعذيب في تونس
- الأونروا: نحو 200 فلسطيني يغادرون مدينة رفح الفلسطينية كل سا ...
- تونس.. استنكار وتساؤلات ترافق اعتقال مدافعين عن المهاجرين
- الأردن يدين اعتداء المستوطنين على مقر الأونروا في القدس: تحد ...
- محدث::الاحتلال يغلق معبر كرم أبو سالم بعد إدخال شاحنة وقود ل ...
- الأمم المتحدة تدعو جوبا لسحب قواتها من -أبيي- المتنازع عليه ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أولُ لصٍّ … أولُ مفتاحٍ ... في التاريخ