أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - اليوم العالمي للإبصار… هذا الرجل أحبّه!














المزيد.....

اليوم العالمي للإبصار… هذا الرجل أحبّه!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6706 - 2020 / 10 / 17 - 12:48
المحور: سيرة ذاتية
    


8 أكتوبر "اليوم العالمي للإبصار"، الذي يوافق الخميسَ الثاني من شهر أكتوبر في كلّ عام. ويوم 10 اكتوبر، احتفلَ العالمُ بـ"اليوم العالمي للصحّة النفسية"، ويوم 28 أكتوبر من كلّ عام، نتذكّرُ بأسى يومَ رحيل رجل استثنائيّ، "كامل الإبصار"، "تامّ الصحة النفسية”.
هذا الرجلُ الجميل، حين ألتقيه المرةَ القادمة، سأطلبُ إليه أن أرافقَه مشوارَ حياته، لا أتركه لحظةً. أقرأ له، أرتِّبُ مكتبَه وكتبَه ومكتبتَه. أجلو الغبارَ عن المقعد الذي يجلس عليه. وبرُقعةٍ من جلد غزال، سوف أصقِلُ عدساتِ نظارتِه السوداء، التي تُخبئ وراءها عينين نجلاوين، أبصرتا أكثرَ مما أبصرتْ عيونُ البشر مجتمعين، وأعمق.
سوف أطرحُ عليه كلَّ ما يدور في رأسي من أسئلةٍ لا إجابةَ لها. وأُنصِتُ إذا ما هَمَّ بالإجابة. سأطرحُ كلَّ يومٍ سؤالًا واحدًا، لكيلا تنفدَ أسئلتي قبلما أشبعُ من حضوره الآسر. لكنْ، هل تنفدُ الأسئلةُ في حضورٍ غَنٍّي كحضوره؟! كلاّ! سوف تطرحُ الإجاباتُ أسئلةً؛ وتتوالدُ الأسئلةُ حتى ينفدَ عمري قبل أن تنفدَ ألغازٌ تسكنُني، ولا أشبعُ من حضورٍ يحتاجُ إلى ألف عين لتُحيطَ به.
حين يُطرِقُ برأسِه ليغرقَ في تأملاته، أصمِتُ. فالصمتُ في حَرَم الجمالِ جمالٌ. وهذا الرجلُ قطعةٌ بشرية من الجمال، خلقَه اللهُ ليكونَ قبسَ نورٍ للشعراء والأدباء والحائرين. أتأملُ لوحةَ الجلال المهيب. أتلصَّصُ على لحظةٍ هاربة من الزمن، وأخترقُ هذا الرأس العظيم، عساي أعرفُ كيف تعتملُ الفكرةُ في ذاك المخّ الاستثنائي. وحين يشْخَصُ ببصره للأعلى وينظرُ نحو اللا شيء، أعرفُ أن الفكرةَ قد اكتملت، وأن مقالاً جديدًا أو دراسةً توشكُ أن ترى النور. وأن القرّاءَ الظمآنين للعلم، على موعد مع رؤية جديدة، لم تُدوّنها ذاكرةُ الإنسانية، سوف تفتحُ دروبًا تُفضي إلى عالمٍ لم يرَوه من قبل.
سوف يحكى لي عن الكروان الذي حوِّم حول قبر "هنادي"، الصبية التعسة التي غدرَها الحبُّ والأهلُ والجهالة. يصدحُ الكروانُ بصوت حزين: "المُلكُ لكْ لكْ لكْ، يا صاحب المُلك"، لكي يُنبئ الدنيا كيف تُعذِّبُ البناتِ قساوةُ الرجال: العاشق منهم، والعائلُ.
ويخبرني عن "نفيسة". وكيف تُطيحُ صورتُنا بجوهرنا. ينظرُ الناسُ إلى وجوهِنا؛ فإن كانت مليحةً؛ أحبّونا وطرحوا تحت أقدامنا الفردوسَ، وإن كانت دميمةً؛ لقّبونا بـ"شجرة البؤس". وينسون في غُمرة هذا أن يتأملوا قلوبَنا التي تحملُ الجنّةَ، بقدر ما تحملُ من جحيم.
أسألُه: "ما العبادةُ يا أستاذي؟" فيقولُ: "كلُّ عملٍ صالحٍ عبادة." "وما العلمُ؟" فيُخبرني: "العلمُ يُكلِّف طُلابَه أهوالاً ثِقالا." "وما الإيمان يا حبيبي؟" فيُعلّمني: "محبةُ المعرفة لا تفترقُ عن الايمان." "وما السعادةُ يا مُعلّمي؟" فيقول الأستاذُ: "السعادةُ هي ذلك الإحساسُ الذي يراودُنا حين تشغلُنا ظروفُ الحياة عن أن نكون أشقياء."
أسألُه وأنا مُطرقةً في حياء: "وما الحبُّ؟" فيشخَصُ إلى الأعلى قائلا: "الحبُّ لا يسأم ولا يمَلُّ ولا يعرفُ الفُتور، عليكَ أن تُلحَّ في حبِّك حتى تظفرَ بمَن تحبُّ، أو تفنَى دونه." "ومتى يحينُ الرحيلُ يا سيدي؟" فيقولُ: "تتنازلُ عن مُتعَك الواحدةَ تلوَ الأخرى؛ حتى لا يبقى منها شيء. عندئذ تعلمُ أن وقتَ الرحيل قد حان." وأسألُه: "وهل ترحلُ وأنت راضٍ عن نفسك يا حبيبي؟" فيهمسُ مُحذِّرًا: "إياك والرضى عن نفسِك؛ فإنه يدفعُك إلى الخمول، وإياك والعجب، فإنه يورّطك في الحمق، وإياك والغرور فإنه يظهرُ للناس نقائصَك ولا يخفيها إلا عليك."
أُحبُّ هذا الرجلَ الذي منحته فرنسا وسامًا رفيعًا في الآداب. وحين وقع العدوانُ الثلاثيّ على مصر، ردَّ الوسامَ بكبرياء؛ رافضًا تكريمَ دولةٍ تعتدي على وطنه. ما أعظمَ هذا الرجل!
رحلَ هذا العظيمُ في أكتوبر 1973، وهو لا يعلمُ أن طفلةً صغيرة أحبّته، وتركت الحقلَ الهندسي بعدما درسته، لتدخلَ حقلَ الأدبِ والكتابة، لكي تقتربَ من مقامه الرفيع. "طه حسين"، سلامٌ عليك. وأُهديكَ هذه الكلمات من ديواني "فوق كفّ امرأة" 2005
(العمياءُ/ التي أبصرتْ فجأةً/ بعد جراحةٍ مرتبكةٍ/ تمَّتْ على عَجلٍ/ يناسبُ ارتكابَ الشِّعرِ/ في صورتِهِ المحرَّمةْ./ عهدٌ طويلٌ مع الشخوصِ إلى الأعلى/ بأحداقٍ فارغةٍ/ وماضٍ مؤجّل/ سمعتْ خلالها عشراتِ الكُتبِ. لكنَّها حين راقصتْ الأعمى عندَ سَفْحِ الهضبةِ/ علَّمها أن صعودَ الرُّوحِ/ مرهونٌ بانفصالِها الشَّبكيِّ. لا سبيلَ للرجوعِ الآن/ المعرفةُ في اتِّجاهِها/ والجهلُ فردوسٌ غائب./ وتظلُّ الفكرةُ تُطِلُّ برأسِها/ كلما راودَها البصرُ/ تسكبُ ظِلَّينِ واقفيْن/ في عتمةِ ردهةٍ مبهورةِ الأنفاسِ/ صامتةٍ./ ظلاَّنِ/ أحدُهما يمارسُ مهنةَ التنويرِ/ والآخرُ يجتهدُ أن يقرأَ. القراءةُ لا تحتاجُ إلى عينين/ هذا ما تأكَّد لها/ حين أبصرتْ فجأةً/ ولم تجدْ كتابًا.)
"الدينُ لله، والوطنُ لمن يُبصرُ طريقَ الوطن”.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عظماءُ حرب أكتوبر المجيدة
- قبل أصالة … حاكموا سعاد محمد!
- أعداءُ مصرَ الخبثاء
- القيم واحترام الآخر… شكرًا يا ريّس!
- لمن نسيَ ما يفعله الرئيس السيسي!
- إن شالله ينجّيك يا ولدي… تقولُ مصرُ للرئيس
- (سيد درويش)… المسرحُ في تمامِه
- خيري شلبي …. شيخُ الحكّائين!
- ماذا قال تحوت عن -الشرّ- …. رأس السنة المصرية 6262
- ماذا قال تحوت عن الشرّ …. رأس السنة المصرية 6262
- أمّي … التي تموتُ كلَّ يوم!
- آية … إبراهيم … عظماءُ على مُنحنَى المعادلة الرباعية
- علاء الدين… المسرح في أوجِ الإبهار
- سمير اللإسكندراني … خالدٌ كما تعاويذ الفراعنة
- القلمُ الباركر …. الذي علّمني نُصرةَ المظلوم
- روشتة النجاح: -الصَّمَم الجميل- !!!
- وفاءُ النيل … عند السلف الصالح
- بابٌ من صفيح
- إطلاقُ اسم سمير الإسكندراني … على أحد شوارع القاهرة
- أبي …. وعنصريةُ يدي اليسرى!


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - اليوم العالمي للإبصار… هذا الرجل أحبّه!