أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أمّي … التي تموتُ كلَّ يوم!














المزيد.....

أمّي … التي تموتُ كلَّ يوم!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6672 - 2020 / 9 / 9 - 14:50
المحور: حقوق الانسان
    


Facebook: @NaootOfficial
ستموتُ أمّي مساءَ اليوم، في تمام الساعة الثامنة ونصف مساءً. ويقعُ الخبرُ على قلبي كصاعقة مروّعة، وتميدُ الأرضُ بي، كما يتزلزلُ جبلٌ إثر بركانٍ جائح. أنخرطُ في نوبة بكاء هيستيريّ نصفَ يوم؛ رافضةً تصديقَ أن هذا العالم صارَ من غير أمي. ثمّ أستسلمُ للدموع الصامتة أيامًا، وأسابيعَ. وفي الأخير، أغرقُ في بحر الخوف والقلق من الغد الموحش دون أمٍّ، سنواتٍ طوالا، ربما لا تنقضي.
وكعادتي الدائمة في محاولة تجميل الفواجع؛ بالبحث في لُبِّها عن أي ملمح فرح، والتفتيش عن بصيص نور في قلب الحلكة، سأقول لنفسي: (ماما ماتت خلاص! يعني مش هاتموت تاني بُكرة أو بعده! ممتاز! يعني مش هاعيش تاني لحظات الرعب من موتها وفقدانها. لأنها بالفعل ماتت خلاص، وقُضي الأمر.) وأظلُّ كلَّ يومٍ أهنئُ نفسي على "معجزة" أن أمي لن تموت غدًا أو بعد غد. (وأُغفلُ أن أُكمل بقية الجملة: لأنها ماتت بالفعل!).
ولكي أؤكد الفكرةَ، كتبتُ في "عيد الأم" التالي لوفاتها بجريدة "المصري اليوم" مقالاً عنوانه: (صوتُ أمي لا يطيرُ مرتين)، استهللتُه بقولي: أرحمُ ما في موت الأمهات؛ أنهنّ لن يَمُتن مرةً أخرى. جميلٌ أن ينتهي رعبُ المرءِ من فكرة "فقد أمّه”. أذكرُ، وأنا طفلة، أني ظللتُ أعيشُ ذاك الرعب الغاشم، منذ أدرك عقلي معنى الموت والحرمان إلى الأبد ممن نحبُّ. إذا ما سعلتْ أمي؛ أخافُ أن تموتَ، ويفرُغ العالمُ من حولي. إذا تأخرتْ في العمل، أقفُ بالشرفة، مثل عصفورٍ مرتعد. تتلفّتُ رأسي يُمنةً ويُسرةً لأمسحَ الشارعَ من طرفيه، والوجلُ يفترسُ طفولتي: "ألن أراها أبدًا تدخلُ من مدخل العمارة؟!” وحينما كانت تمنعني من اللعب أو الحلوى أو قراءة "ميكي" أو "أرسين لوبين" أو "المغامرون الخمسة"، لكي أستذكر دروسي؛ كان "الشريرُ" داخلي يرسم لي عالمًا رغدًا بلا أمّهات يُجبرن أطفالَهن على شرب اللبن والمذاكرة والحرمان من الأصحاب واللعب. لكنْ سرعان ما ينتفضُ "الطفلُ" داخلي، فأتوقُ للدفء وأفرح لأن أمي هاهنا. ولما مرضتْ أمي، مرضَها الأخير، كنتُ بمجرد أن أتركها بالمستشفى، أُناصبُ التليفونَ العداء. كلّما رنَّ، أخفقَ قلبي هلعًا من سماع ما أكره. حتى عدتُ إلى بيتي مساء يوم 5 سبتمبر ، قبل عيد ميلادها بستة أيام، لأجد الأنسر ماشين يحملُ صوتَ خالو أسامة يقول: (حبيبتي فافي، البقاء الله، أبلا سهير تعيشي انتي! اجمدي واحتسبي! ) انهدم العالمُ من حولي وتبدّد. لكن رعبي من موتها تبدّد كذلك. لن أفقدَها يومًا! لأن أمي لن تموت مرتين.
محاولةٌ بائسة للتنقيب عن فرحٍ أو راحة في موت أمي "مرّةً واحدة"، بدل انتظار موتها كلَّ يومٍ! لكنني أدركُ الآن كم كنتُ أخدعُ نفسي! فالحقيقة أن أمي تموتُ كلَّ يومٍ منذ طيرانها إلى السماء مع كلِّ يوم جديد يصافحُني دونها. مع كل محنةٍ تدهمُني وحيدةً دون سند. مع كل أزمة عابرة تواجهُني خلال نهاري؛ ولا أجد من يساعدني عليها. مع كل صفعة من الحياة تصفعُني ولا أجدُ من يربتُ على ظهري ويُمسِّد شعري قائلا: (ولا يهمك، أنا معكِ، وسوف يكون الغدُ أجملَ). مع كل عيد أمٍّ بلا أمٍّ. مع كل لحظة يقع فيها بصري على رقمها على شاشة هاتفي. مع كل رنين مهاتفة أتلهَّفُ أن تكون من ماما؛ لأسمع صوتَها الذي تبخّر في الأثير ولن يعود. مع كل نظرة إلى مذياعها الأثير وساعة الحائط في بيتي؛ تلك التي كانت يومًا في بيتها. مع كل لمحة لصورة زفافها بعدسة المصوّر الأرمني "ڤان ليو". مع كل نظرة في عيني "نبيل" لأتذكّرها تقولُ لي: (مطمئنة عليكي بعد موتي؛ عشان نبيل راجل عظيم). مع كلّ نظرة في عيني ابني "مازن" لأسمعها تقول: (مازن طفل مُشرِّف). في عين ابني "عمر" لأتذكر كم داخت به في عيادات الأطباء لتنقذه من مرض "التوحد"؛ حتى أنها قبّلت يومًا يد طبيبة قائلة: (عُمَر لازم يخفّ يا دكتورة!)؛ فانهرتُ وأنا أرى ذاك الجبل الشاهق، الذي هو أمي التي لم تخضع يومًا لأحد؛ وهي تنحني لتقبّل يدَ إنسان من أجلي!
ماتت أمي قبل سنوات ولكن موتها لم ينته. بل يصفعُني كلَّ نهار حين أصحو من نومي لأتذكر أن يومًا آخر عليّ أن أعيشَه دون أمي التي تركتني وطارت، ويدي معلّقةً لم تزل في طرفِ ثوبها. "الدينُ لله، والوطنُ لمن يحترم أمهاتِ الوطن”.



***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آية … إبراهيم … عظماءُ على مُنحنَى المعادلة الرباعية
- علاء الدين… المسرح في أوجِ الإبهار
- سمير اللإسكندراني … خالدٌ كما تعاويذ الفراعنة
- القلمُ الباركر …. الذي علّمني نُصرةَ المظلوم
- روشتة النجاح: -الصَّمَم الجميل- !!!
- وفاءُ النيل … عند السلف الصالح
- بابٌ من صفيح
- إطلاقُ اسم سمير الإسكندراني … على أحد شوارع القاهرة
- أبي …. وعنصريةُ يدي اليسرى!
- لماذا تأخّر التنويرُ في بلادنا؟
- صاحبُ المقام… التجارةُ الحسنةُ مع الله
- بيروت الجميلة … سلاما
- محمد مشالي … شجرةٌ بمئة مليون ثمرة
- نورا … وأشهر إصفاقة باب في التاريخ
- إنه … الأستاذُ: عبد الرحمن أبو زهرة
- نورا التي رفضت أن تكون عروس حلاوة
- حوار مجلة أمارجي العراقية مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت
- انتحالُ صفة: (رجل)!!!
- التحرُّش… وصعوبةُ أن تسكنَ جسدَ امرأة!
- حينما تصيرُ المرأةُ: سيارةً ب قِفل!!!


المزيد.....




- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أمّي … التي تموتُ كلَّ يوم!