|
علاء الدين… المسرح في أوجِ الإبهار
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 6665 - 2020 / 9 / 2 - 12:52
المحور:
الادب والفن
أعادت مسرحية "علاء الدين" للمسرح تعريفاتِه الأولى التي خَفُتَ بريقُها مع الزمن، وضخّت في نسيح المسرح المصري وهجًا افتقدناه عقودًا. حيث الإبهار المسرحي في أرقى مستوياته واستغلال التكنولوجيا والمؤثرات الفنية لإثراء التيمة البصرية وخلق حالٍ من الوهج الحيّ. أجاد المخرج المميز "مجدي الهواري" استخدام أدواتِه الفنية والإنتاجية لجعل الجمهور "متورّطًا" في العرض منذ اللحظة الأولى. حيث فتحَ خشبةَ المسرح على اتساعها فكانت صالةُ الجمهور جزءًا من خشبة العرض، وحلّق الممثلون فوق هاماتنا، فلم نعد ننظر وحسب صوبَ الحائط الرابع المحذوف، كما في المسرح التقليدي، بل إلى الأعلى كذلك، لأن سماءَ القاعة أصبحت جزءًا من خشبة العرض. “علاء الدين" التي تُعرضُ الآن على مسرح "كايرو شو" بمدينة 6 أكتوبر، من إنتاج "شروق العطار"، وبطولة النجم "أحمد عز"، ومجموعة رفيعة من النجوم، كانوا جميعًا أبطالا في هذا العمل الفني المتوهّج، الذي وقف على معاييرَ فنيةٍ شديدة الصعوبة، تُعيد للمسرح بهاءه من ناحية، ومن ناحية أخرى تُصعِّبُ الأمرَ على الضالعين بأي عمل مسرحي قادم. كسرت "علاء الدين" قاعدةَ "الأحادية" وفلسفة البطل الأوحد. فجميعُ الممثلين أبطالٌ. وتفوّق "عز” في التفاعل بهارمونية مع بقية النجوم لخلق سيمفونية مسرحية فائقة، تقوم على تناغُم الأوركسترا بكامل عازفيه. فليس البطلُ فردًا، إنما البطلُ هو: "العرض المسرحي"؛ وعلى جميع النجوم التناغمُ على إيقاعه، لإنجاحِه. أحببنا "أحمد عز" نجمًا سينمائيًّا مضيئًا، فكان الرهانُ على وقوفه خشبة المسرح لأول مرة، لونًا من التحدّي الشيّق. وكسب الرهان، وقدّم لنا عملا قيّمًا يُضاف إلى تاريخه الغنيّ. من الصعب أن تصدّق أن "علاء الدين" تجربتُه المسرحية الأولى إذ تمكّن من أدائه المسرحي: يكسر الحائطَ الرابع ليُورّط الجمهور، ويصنع الكوميديا، ويُفسِح المجال لزملائه ليقدموا جميعًا "البطلَ الأصلي" في "علاء الدين"، وهو ذلك العرض المسرحي الفاتن. “علاء الدين" قصة معروفة درسناها في المدارس وشاهدناها مسرحًا وسينما عشرات المرات. اللصُّ الشريف الذي يسرقُ من الأغنياء ليعطي الفقراء، ويستخدم مصباحه ليحقق أحلامَه، وتقع في هواه ابنةُ السلطان لنبله وشهامته. ولأن "طزاجة النص" يُعدُّ 50٪ من نجاح أي عمل مسرحي، فكأنما دخل "مجدي الهواري" هذه التجربة مُغامرًا مُضحّيًّا بنصف النجاح، إذْ غامر بتقديم نصٍّ معروف. ولم يتبق أمامه إلا مساحة 50٪ فقط، عليه إكمالُها إلى المائة لينجح العرض. مغامرةٌ كبرى خاضها وكسبها المخرج الموهوب؛ إذْ عوَّضَ غيابَ طزاجة النصّ بتيمات الإبهار المسرحي وتوسُّل أحدث التقنيات التكنولوجية من سينوغرافيا وهولوجرام قُدّما على نحو فائق وتزامُن synchronizing بلغ حدَّ الكمال في خروج الجنّي من فوهة المصباح وتحدّثه ورقصه وتعبيرات ملامحه، وكذلك المغارة العظيمة التي تحوّلت إلى وجه سيدة صخرية تتحدث وتُحاجج داخليها من البشر على نحو فلسفي رفيع لتُقدِّم مورال العمل. الإضاءة التي قدّمها "د. رامي بنيامين"، كانت بطلا رئيسيًّا في العرض، وكرّست حال الإبهار المسرحي وإضفاء الِمسحة التاريخية وغموض الأساطير. كذلك الملابس فائقة الثراء صممتها المبدعة "نيڤين رأفت" وصُنعت خصيصًّا في الهند، عبّرت بدقة عن بغداد وأجواء "ألف ليلة وليلة" العجائبية بكامل ألقِها ونفاستِها. معالجة النصّ والسيناريو أبدعها " حسن المهدي" فقدّم لنا كوميديا عصرية فارْس، أغرقتنا في الضحك، وفي ذات الوقت سرّبت في أعماقنا مورال المسرحية: حيث لا يفوز بالرغد والفرح والحبّ، إلا النبيلُ الطيبُ، الذي يحبُّ الناسَ ويساعدهم. “علاء الدين" عمل مسرحي استعراضي من الطراز الرفيع، يقوم على أعمدة فنية شاهقة من الإخراج والإنتاج والتمثيل والديكور. "سامي مغاوري"/ السلطان الطيب الذي أضحكنا بامتزاج السلطة والثراء مع السذاجة، "هشام إسماعيل"/ الوزير جعفر الذي أبهجنا بامتزاج الشرّ مع خفّة الظل، "محمد جمعة"/ فرعون الذي أضحكنا بجديته المخترقة بالفوضى، "محمد ثروت"/ الجِنّي الذي أضحكنا كعفريت يتنصّلُ من "عرفتته" ويصادقُ النبلاءَ من البشر، الجميلة "تارا عماد"/ التي جسّدت الصورة الذهنية المحفورة في ذاكرتنا عن الأميرة ياسمينا الرشيقة الباحثة عن الحبّ والنبالة، وبالطبع النجم الساطع “ أحمد عز” الذي أتقن أداء دور “علاء الدين” بكامل وسامته ورشاقته ومكره وخفّة ظلّه. المسرحُ أعظم الفنون التعبيرية لأنه يضمُّ في باحته جميعَ ألوان الفنون الستة الأخرى من عمارة، تشكيل، نحت (ديكور)، موسيقى، شعر، بالإضافة إلى "المسرح" ذاته؛ بوصفه الفنَّ السادس الشامل؛ ولهذا سُمّي "أبو الفنون"، لأنه ينشر مِظلّتَه الواسعة فوق رؤوس الفنون الأخرى، ولأنه بدأ عند الإغريق في القرن الخامس قبل الميلاد؛ فيُعدُّ بهذا أولَ ما عرف الإنسانُ من فنون إلى جوار العمارة/ أم الفنون. تحية احترام لهذا العمل الرصين. "الدينُ لله، والوطنُ لمن يسمو بفنون الوطن”. ***
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سمير اللإسكندراني … خالدٌ كما تعاويذ الفراعنة
-
القلمُ الباركر …. الذي علّمني نُصرةَ المظلوم
-
روشتة النجاح: -الصَّمَم الجميل- !!!
-
وفاءُ النيل … عند السلف الصالح
-
بابٌ من صفيح
-
إطلاقُ اسم سمير الإسكندراني … على أحد شوارع القاهرة
-
أبي …. وعنصريةُ يدي اليسرى!
-
لماذا تأخّر التنويرُ في بلادنا؟
-
صاحبُ المقام… التجارةُ الحسنةُ مع الله
-
بيروت الجميلة … سلاما
-
محمد مشالي … شجرةٌ بمئة مليون ثمرة
-
نورا … وأشهر إصفاقة باب في التاريخ
-
إنه … الأستاذُ: عبد الرحمن أبو زهرة
-
نورا التي رفضت أن تكون عروس حلاوة
-
حوار مجلة أمارجي العراقية مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت
-
انتحالُ صفة: (رجل)!!!
-
التحرُّش… وصعوبةُ أن تسكنَ جسدَ امرأة!
-
حينما تصيرُ المرأةُ: سيارةً ب قِفل!!!
-
رجاء الجدّاوي … الجميلةُ التي غادرت
-
كيف أشرق نورُ 30 يونيو؟
المزيد.....
-
شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا
...
-
تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O
...
-
مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم
...
-
تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
-
فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى
...
-
بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين
...
-
ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
-
فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
-
أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب
...
-
-يونيسكو-ضيفة شرف المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|