أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - رجاء الجدّاوي … الجميلةُ التي غادرت














المزيد.....

رجاء الجدّاوي … الجميلةُ التي غادرت


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6613 - 2020 / 7 / 8 - 10:46
المحور: الادب والفن
    


في كلّ مكالمة تليفونية أُجريها معها طوالَ فترة العزل الصحيّ بالإسماعيلية، كانت تبادرُني بالسؤال عن صحتي وصحة زوجي وأولادي، وتوصينا بالحذر من الفيروس، وتُكلّفني بأن أُحذِّرَ الناسَ بحسم وقسوة في مقالاتي ولقاءاتي التليفزيونية. كلُّ هذا قبل حتى أن تسمحَ لي بسؤالها عن صحتها وتطوّر المرض، وأمنيات الشفاء. كانت تحمدُ اللهَ كثيرًا على أي تحسّن طفيف يطرأ؛ وتدعو للناس جميعًا بالشفاء والعافية. ولا أنسى مكالمتي الأخيرة معها. كانت في ضيافتي صديقتي الجميلة زوجة الراحل العظيم “صالح سليم”، مايسترو النادي الأهلي. وطلبت مني أن تسمع صوتَ رجاء لتطمئن عليها، فهاتفتُها. تكلّمتِ الصديقتان واسترجعتا ذكرياتهما معًا، ولم تنته المكالمةُ إلا بالدعاء لله ألا يقاسي أحدٌ مما تقاسيه. ما أجملها! كان صوتُها بالكاد يخرجُ بصعوبة شديدة ووهن عظيم، ولكنها كانت قوية الروح والإيمان والرجاء في رحمة الله. كان ذلك قبل دخولها في رحلة الغياب مباشرة. بعدها انقطعت الاتصالات، وغاب عن عالمي ذاك الصوتُ الدافقُ الدافئ الذي يحمل من الحبّ، قدرَ ما تحملُ مجرّةٌ من نجوم.
هي الصَّبيّةُ المليحةُ ذاتُ الخِصرِ الناحلِ والقوام الممشوق والعينين السوداوين والشَّعر القصير آلا-جرسون، كما عرفناها في أفلام الزمن الجميل. ابنةُ مدارس فرنسيسكان العريقة. الحسناءُ التي تعرفُ كيف تجعلُ الفساتينَ تخفِقُ حول جسدها، خفقانَ جناحين ملوّنين حول فراشة. تصحو المليحةُ "رجاء" في أحد نهارات عام 1958، ليدقَّ قلبُها الصغيرُ فرحًا؛ حين يخبرُها الرفاقُ بأنها اختيرت "ملكة جمال القطر المصري". بعدها، تهافتت عليها بيوتاتُ الأزياء الراقية؛ لتغدو أجملَ فاشون-موديل في الوطن العربي بأسره. تعرفُ الموديلُ الجميلةُ كيف تخطُرُ في خَفَر عذراءَ خجولٍ في ثوبِ زفافٍ أبيضَ، يُوشوّشُ اللؤلؤُ على صدره بأسرار خطيرة، وكيف تخطو نهارًا بخُطى رياضية جسورة في ملابس سبور فضفاضة، وإذا ما حلّ المساء، تمشي الهوينا مثل ليدي رصينة بكعبين رفيعين وحذاء ديكولتيه وفستان سواريه. لا أحدَ ينسى فستانَها البروتال الأسود، وهي تراقصُ "عمر الشريف" رقصة "تشاتشاتشا". كان العظيمُ يؤدي دورَ الفتى الخجول غير العصري الذي لا يجيدُ الرقص. فدهس حذاءها، مرّةً ومرّة، ثم حملها ليدور بها على البيست؛ محاكيًا الراقصين المحترفين من حوله. فإذا به يُسقطها على الأرض، فتُوسِعُه تقريعًا: (يا أخي مادام مبتعرفش ترقص، بترقص ليه؟! ) أحد أطرف مشاهد السينما المصرية الخالدة.
حزن كلُّ بيت مصري على رحيل الجميلة، التي أثرَتْ شاشتَنا العربيةَ بغزير الأفلام وعروض الأزياء والبرامج والحوارات والنضال المجتمعي الجادّ. أتذكّرُ الآن شائعةَ رحيلها التي انطلقت قبل عامين على صفحاتُ فيسبوك والمواقع الصفراء. هاتفتُها لأطمئن عليها، فجاءني صوتُها حزينًا مندهشًا، وسألتني: (فعلا عاوزة أفهم! يعني ايه واحد يضيع من عمره خمس دقائق، يخترع فيها كذبة، ثم ينشرها في نصف ساعة أخرى؟! ماذا استفاد وقد خسر من عمره ما لن يعود؛ والعمرُ أغلى ما نملك؟! تصوّري لما آخد عزايا بنفسي! ليه كده؟!) وأجيبُها: (يا أنيقةَ مصرَ، هم لا يخسرون شيئًا. فالعمرُ غالٍ عند مَن لديه ما يشغله. أما الشاغرون فالوقتُ لديهم ليس رخيصًا فحسب، بل هو حِملٌ ثقيلٌ يودّون الخلاصَ منه. إضاعةُ الوقت وهدرُ العُمر لدى الخاملين هدفٌ خطير. هم مثل "الهالوك" الذي يعتاشُ على أغصان النباتات. يتسلّقون على الأسماء الكبيرة ظنًّا منهم أنهم بهذا يكبرون. ولو علموا فلا شيء يجعلُ الإنسانَ كبيرًا إلا ثمارُ عقله ويديه. الشائعةُ ظاهرةٌ في مجتمع الكسالى. لا يُطلقها إلا بُلداءُ خاملون، ولا يُشيعُها إلا حمقى شاغرون، لا يستوثقون مما يشيعون. الشائعةُ قد تهدمُ أسرةً، وقد تقتلُ إنسانًا، وقد تُشعلُ حربًا. وحاملُ وزر كلّ ما سبق شخصٌ تافهٌ ليس إلا صفرًا في قائمة الأحياء. لا أحدَ شعُرَ بمجيئه للعالم، ولا أحد يشعرُ برحيله. لكنه قبل أن يمضي يكون قدّ لوّث العالمَ ببصمةٍ سوداء تشيرُ إلى أن صفرًا قد مرّ بهذا العالم ورحل تاركًا نُدبةً في شجرة الحياة.) وراق لها ما قلتُ، فطلبت مني أن أكتبه في مقال حتى يتعلّم مروجو الشائعات أنهم قتلةٌ وسفاحون. واستجبتُ لطلبها ونشرتُ مقالي: (رجاء الجميلة… سلامتك ) في جريدتي: “المصري اليوم” بتاريخ 30 أغسطس 2018.
رجاءُ الجميلةُ التي أحبّت الجميعَ ولم يكن في قلبها مكانٌ إلا للحبِّ والحنوّ. 
مع السلامة يا أجمل أمّ وأرقى فنانة، وأحنّ قلب عرفته. اللهم اسكنها فردوسَك الأعلى بقدر ما أعطت وآثرت وأحبَّت. مع السلامة يا أستاذة. مع السلامة يا أمي. “الدينُ لله، والوطنُ لمن أحبَّ الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف أشرق نورُ 30 يونيو؟
- مانديلا … محمود أمين العالم … وثقافة السُّموّ
- شريف منير …. وجدائلُ الجميلات
- درس شريف منير ... لكريماته
- عيدُ الأبِ …. الخجولُ
- اللّهُمَّ اشفِ مرضانا … ومرضى -العالمين-!!!
- الكمامة والقمامة ولغةٌ (قايلة) للسقوط
- احترام فيروس كورونا!
- البابا تواضروس … في شهر رمضان
- التكفيريون: بارتْ تجارتُهم
- منسي: اللي زيّنا عمرُه قُصَيّر
- الطبيعةُ تتنفَّس!
- لا تسخروا من السُّخرية… في السخرية حياةٌ
- -فرج فودة- الذي عاش أكثر من قاتليه
- أخيرًا… وصايا السَّلف الصالح في مناهجنا
- مسلسلات رمضان … في زمن الكورونا
- يُفطرون على دماءِ الصائمين… شكرًا للإرهاب!
- ما لون قبّعتُك … في زمن كورونا؟
- رِهانًا على وعي الأسرة المصرية
- مصرُ العظيمةُ … رمضانُ الكريم


المزيد.....




- أول فنانة ذكاء اصطناعي توقع عقدًا بملايين الدولارات.. تعرفوا ...
- د. سناء الشّعلان عضو تحكيم في جائزة التّأليف المسرحيّ الموجّ ...
- السينما الكورية الصاعدة.. من يصنع الحلم ومن يُسمح له بعرضه؟ ...
- -ريغريتنغ يو- يتصدّر شباك التذاكر وسط إيرادات ضعيفة في سينما ...
- 6 كتب لفهم أبرز محطات إنشاء إسرائيل على حساب الفلسطينيين
- كفيفات يقدّمن عروضًا موسيقية مميزة في مصر وخارجها
- عميل فيدرالي يضرب رجلًا مثبتًا على الأرض زعم أنه قام بفعل مخ ...
- انقطاع الطمث المبكر يزيد خطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائ ...
- إشهار كتاب دم على أوراق الذاكرة
- مثنى طليع يستعرض رؤيته الفنية في معرضه الثاني على قاعة أكد ل ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - رجاء الجدّاوي … الجميلةُ التي غادرت