أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - مصرُ العظيمةُ … رمضانُ الكريم














المزيد.....

مصرُ العظيمةُ … رمضانُ الكريم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6547 - 2020 / 4 / 26 - 11:27
المحور: المجتمع المدني
    


دولُ العالم الكبرى تأنُّ تحت مطرقة كورونا الجائحة الجامحة، ومصرُ الطيبة تحاربُ الفيروس، وتحمي أبناءها، وتنهض تنمويًّا وعمرانيًّا بيدٍ، وتساعدُ دولَ العالم الأكثر تضررًا من الجائحة باليد أخرى. تلك معجزةُ مصرَ الخاصة.
وهذا رمضان. شهرُ الفرادة والاستثناء والمحبة والبركة والكرم. لهذا ستكون أولى دعواتي لله عزَّ وجل في هذا الشهر: “اللهم ردّ أبناءَ مصرَ العالقين في كل أرجاء الأرض، ردًّا كريمًا إلى وطنهم العظيم، ليحتموا في حضن أمِّهم مصرَ من غول كورونا الأعمى. اللهم استجبْ، اللهم آمين.”
كنتُ دائمًا أتباهى أمام أصدقائي من الأدباء والأديبات العربيات بأن شهرَ رمضانَ في مصر، لا شبيه له في سائر بلدان العالم. وأن مَن لم يحضر شِطرًا من شهر رمضان في مصر، فقد فاته الشيءُ الكثير. شهرٌ لا يشبه أيَّ شهر آخر يمرُّ على مصر، ولا يشبهه أيُّ رمضانَ آخرَ يجوبُ العالم. فهذا الشهرُ الكريم يخرج عن كونه شهرًا دينيًّا، ليتحوَّل إلى سيمفونية احتفال بالحياة. يتبارى فيه الأطفالُ والشيوخُ، وما بينهما من أعمار، ليجعلوا منه كونشرتو شعبيًّا يعزف الأوركسترا فيه سونتات فرح وولائم وزينات وأنوار وألوان وتزاور وصلات رحم وسهراتٍ لا يعرفها إلا رمضان. لا تكادُ تعرف فيه المسلمَ عن غير المسلم. لأن المصريين على كافة عقائدهم وألوانهم وطبقاتهم المادية والاجتماعية والتعليمية يتسابقون في رسم الفرح على الوجوه وعلى جدران الأبنية وسماوات الشوارع والأزقة والميادين. يتفق المسلمون، وغيرُ المسلمين، على أن لرمضانَ في مصرَ طعمًا مميزًا، ونكهةً لا مثيلَ لها. ما السبب؟ إنه سرًّ المصريين الخاص، منذ آلاف السنين، قبل نزول الرسالات. تعويذةٌ تصبغُ الأشياءَ بلون مصرَ، وتسبغُ على الأيام طعمَ النيل. إنها فرادةُ المصريين في صناعة الفرح، وامتلاكهم مَلَكةَ "الاحتفال". هذا العام يزورونا الشهرُ الكريم ونحن في بيوتنا. وهذا حمايةٌ لنا وللوطن العزيز. لكننا سنهزم المحنةَ من بيوتنا، ونصنعُ الفرح في بيوتنا. ونستعدُّ للحياة بعد زوال الغمَّة بإذن الله.
المناسباتُ الدينية لدينا هي مناسبةٌ للحياة. فتلتقي السماءُ والأرضُ في قطعة موسيقية بديعة، ليست تشبه المقطوعاتِ السماويةَ الخالصة، ولا المعزوفات الأرضية الخالصة. مزيجٌ فريد. فقط في مصرَ، يأتيك من السماء، صوتُ سيد النقشبندي عند الفجر يشدو: "قُلْ اِدعُ اللهَ، أو اِدعُ الرحمنَ، أيًّا ما تدعوه فله الأسماءُ الحُسنى"، ثم يأتيك عند المغرب شجوُ محمد رفعت مؤذّنًا؛ فلا تُخطئُ صوتَه بين ألف صوت عداه. وهذا العام أُضيف للأذان عبارةٌ توعوية مهمة: (ألا صلّوا في بيوتكم).
في السنوات الخوالي، كنّا تخرج رمضان فتجد الشوارعَ غارقةً في اللون والضوء والصَّخب. فكأنك في عيد قوامُه ثلاثون ليلةً متّصلات، ليغدو أطولَ عيد في التاريخ. الناسُ ساهرون لا يعرفون النومَ في ليالي رمضان. يتجاوزون الفجرَ، وينتظرون حتى ينسلَّ الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسود. هو الشهرُ الذي لن تميّز فيه المسلمَ من المسيحيّ. فالكلُّ يحتفل؛ كأنه شهرٌ مصريٌّ، وليس دينيًّا وحسب. المسيحيُّ يصوم مع المسلم؛ لأنه يؤمن أنه لا يليق أن يشبعَ وأخوه جائع. وإن باغته أذانُ المغرب وهو في الطريق، سيجد الصِّبيةَ والصبايا يستوقفونه على رؤوس الشوارع وتقاطعات الميادين مبتسمين يلوّحون له بالخير. يفتح نافذة سيارته ويتناول كأسَ العصير وحبّاتِ التمر لكي "يكسر صيامه". فإن قال لهم العابرُ: "شكرًا، بس أنا مسيحيّ!"، قد يُفاجأ بأجمل ردٍّ: "واحنا كمان مسيحيين، كل سنة وأنت طيب!" يحدث فقط في مصر؛ أن يقفَ شبابٌ مسيحيّون ليسقوا ظِماء الصائمين المسلمين، زارهم المغربُ وهم خارج بيوتهم.
ونحن صغار، كنا نجمع قروشنا ونركض إلى المكتبة لنشتري الورقَ الملوّن والصمغ ومقصّات الورق البلاستيكية، بعدما نكون قد جمعنا عصوات الخشب طوال العام وخبأناها تحت أسرّتنا، ثم نسهر مع أطفال الحيّ لنصنع زينة رمضان والفانوس الكبير الذي سيُعلّق في منتصف شارعنا. يتبارى أطفالُ كل شارع ليكون فانوسُهم أكبرَ، وزينتُهم أكثرَ أناقة وأكثفَ لونًا. لم ننتبه، إلا حين كبرنا، أن نصفَ أطفال شارعنا من صانعي زينة رمضان، كانوا مسيحيين. رمضانُ شهرُ الجميع، وبهجةُ الجميع، وصلاةُ الجميع لإله واحد، ربّ الكون الشاسع؛ نعبده جميعًا، كلٌّ عبر رؤيته. ونحبُّه اللهَ جميعًا، كما أحبَّنا اللهُ وخلقنا وجعلنا شعوبًا وقبائلَ لنتعارفَ ونتحابّ ونتآخى.
يأتي رمضانُ كلَّ عامٍ ليؤكد أن دمَ المصريين واحدٌ، وعِرقنا العريقَ واحد، ونسيجَنا الصافيَ واحد، لا يعبثُ به العابثون. كل سنة وأنتم طيبون. كلُّ سنة ومصرُ العظيمةُ، عظيمةٌ. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين منحني -الأبنودي- منديله لأبكي
- صمتُ السَّعف … صمتُ رمضان
- مِنَصَّةُ الأخلاق … في درس كورونا
- السيسي … فارسُ المهامّ الصعبة
- وأكره اللي يقول: آمين.. يا عزيزي الرئيس مبارك
- ركلةٌ في أسنان البشر
- خُطّة العميل كوڤيد 19
- ابتسامةُ چورچ … ليندا صندوقُ اللآلئ
- الزهرةُ البريّة
- كوميديات أمّي … في عيد الأم (1)
- كوميديات أمّي … في عيد الأم (2)
- في الفواجع … شعبُنا على كأس ماء بارد
- عاصفة كورونا السوداء
- كورونا … يذوبُ في الألوان
- الحبُّ في زمن الكورونا… اسألوا أهلَ الذِّكر
- زينب الكفراوي … نَمِرةُ بور سعيد الباسلة
- هالة زايد … وزيرة على خطّ النار
- وأكره اللي يقول: آمين... عزيزي الرئيس مبارك!
- وشاح محمد بن راشد ... لقلب مصر
- صوتُ الرئيس مبارك


المزيد.....




- العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغ ...
- جامعات أميركية تواصل التظاهرات دعماً لفلسطين: اعتقالات وتحري ...
- العفو الدولية تدين قمع احتجاجات داعمة لفلسطين في جامعات أمري ...
- اعتقالات بالجامعات الأميركية ونعمت شفيق تعترف بتأجيجها المشك ...
- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - مصرُ العظيمةُ … رمضانُ الكريم