أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - حين منحني -الأبنودي- منديله لأبكي














المزيد.....

حين منحني -الأبنودي- منديله لأبكي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6545 - 2020 / 4 / 24 - 17:46
المحور: الادب والفن
    


===============

هذا شهرُ "أبريل" الذي وصفه الشاعرُ الأمريكي البريطاني بأنه "أقسى الشهور الذي يُنبِتُ الليلكَ من الأرضِ الميّتة"، في قصيدته الشهيرة: “الأرضُ الخراب، أو الأرضُ الجدب، أو الأرض القفر، أو الأرض القاحلة، أو أرضُ اليباب": The Waste Land. وبالنسبة لنا في مصر هو بالفعل شهرٌ جميلٌ، وقاسٍ في آن. في هذا الشهر، منحتنا السماءُ شاعرًا مصريًّا عزَّ نظيرُه. وفي هذا الشهر ذاته، حرمنا منه الموتُ! لكنه بين الميلاد والرحيل ترك لنا الرجلُ الكريمُ زهرتين جميلتين (آية- نور) وزوجةً جميلة (الإعلامية/ نهال كمال)، وجبلاً ضخمًا من موسيقى الشعر وكنوز المشاعر والسموّ والوطنية، خلال 77 عامًا ثريًّا عاشها بيننا، ورحل خالدَ الذِّكر، عصيًّا على النسيان.
وُلد في 11 أبريل 1938، ورحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم تحديدًا: (الثلاثاء 21 أبريل عام 2015). إنه الشاعرُ العظيم "عبد الرحمن الأبنودي،"، أحد أكبر وأجمل وأثرى شعراء هذا الكون. ابحثْ في ذاكرتك عن أكثر ما تحبُّ من أغان لكل من: عبد الحليم حافظ، فايزة أحمد، محمد قنديل، محمد منير، صباح، نجاة الصغيرة، محمد رشدي، ماجدة الرومي، وردة، شادية، وغيرهم، وسوف تُفاجأ بأنها من كلمات هذا الشاعر الاستثنائي الذي يقطرُ الشعرُ من جبينه، ويخرج مع أنفاسه قصائدَ وأغانىَ ونغمًا. ليس أجمل من صوته الجنوبيّ الدافئ وهو يُرنِّم قصائده بالعامية المصرية الصعيدية ليُخبرنا عن والدته: “الحاجة فاطمة قنديل" (فاطنة جنديل)، والعمّة آمنة (يامنة)، وجوابات "حراجي القط" العامل في السد العالي بأسوان، إلى زوجته (فاطنة) التي يعشقها وتعشقه. كانت أمّه تقول له: “يا واد يا عبحمن فين الأغاني اللي انت سارقها مني وتروح تقول للناس في مصر إنك أنت اللي كاتبها؟! ). يعترفُ الشاعرُ الكبير أن أغنية "بيبا" التي غنّتها الجميلة "شيريهان" في فيلم "عرق البلح"، كانت من إبداعات والدته الحاجة فاطمة: (بيبا عمي حمادة بيبا/ بيبا جابلي طبق بيبا/ بيبا مليان نبق بيبا/ بيبا قالي كولي بيبا/ بيبا قلت له ماكولشي/ بيبا وديه لأمك بيبا/ بيبا وأمي بعيد بيبا/ بيبا بحر الصعيد/ بيبا والصعيد مات/ بيبا خلّف بنات….)
تُرى ماذا كان يكتبُ لنا الأبنودي لو عاصر جائحة كورونا؟! كلماتُه تجعلك ترى الجميلَ في القبيح، وترى النعمة في النقمة. ذلك الساحر الذي طوّع الحروفَ والنغمَ كما مايسترو عبقريّ يُطوِّع بعصاه الموسيقى ويجعل منها فراشاتٍ تُحوِّم فوق هامتك تنثرُ العبير والشذى.
قبل سنوات بعيدة، كان الأبنودي ضيفًا على منصّة إحدى الأمسيات الشعرية. وكنتُ أجلس على مقعد مواجه له. وبدأ يُرتِّلُ بصوته الجنوبيّ العميق قصيدة "يامْنَة"! وما أدراك ما تلك القصيدة الموجعة وما تحمل من وخزات شوك جارحة تخزُ القلبَ فلا تتركه إلا وقد خفَّ وشفَّ وصار قطعةً من غيمة عالقة في السماء. عند مقطع معيّن بدأت دموعي تنسابُ حارقةً على وجنتي، حين راح يحكي عن ردّة فعل العمّة العجوز لمّا جلب لها قطعة قماش لتخيطها ثوبًا جديدًا للعيد، ثم حين زارها في العيد التالي ولم يجدها:
قالت له العمّة: (ولسّه يامْنَة هاتعيش وهاتلبس/ لمّا جايب لي قطيفة وكستور؟/ . طب ده أنا ليّا ستّ سنين مزروعة في ظهر الباب/ لم طلّوا عليا أحبّة ولا أغراب/ خليهم/ ينفعوا/ أعملهم أكفان!/ كرمش وشّي؟/ فاكر يامنة وفاكر الوش؟/إوعى تصدقها الدنيا/ غش في غش!/ مش كنت جميلة يا واد؟/ مش كنت وكنت/ وجَدَعَة تخاف مني الرجال؟/ لكن فين شفتوني؟!/ كنتوا عيال!/ هاتيجي العيد الجاي؟/ واذا جيت/ هاتجيني حداي؟/ وهاتشرب مع يامنة الشاي؟/ هاجي يا عمة وجيت/ لا لقيت يامنة ... ولا البيت!)
وجعتني الكلمات. ووجعني إلقاءُ الأبنودي الحارقُ السارقُ الذي لا يشبه إلا نفسَه. ولم أنتبه إلا ووجهي غارقٌ في دمع؛ لم أستطع كبحه. فما كان من الأستاذ إلا أن مدّ يده إلى علبة المناديل الورقية، واستلَّ منديلا. ثم راح يمسح دموعي بيديه الطيبتين قائلا جملته الخالدة في تاريخي: (والله يا عبدُ الرُّحمن وبكّيت فاطنة الحلوة). وهو حريصٌ على نطق "فاطمة"، بالنون لا بالميم، كما ينطقها أهلُ بلدة "أبنود" الجنوبية، ابنة "قنا"، ابنة صعيد مصر العظيم. وحين انتبهتُ لدموعي المنسابة ويده التي تمسح دمعي، ويده الأخرى تربتُ على كتفي لأكفَّ عن البكاء؛ خجلتُ من نفسي، وهمستُ له: (أعملك ايه يا خال؟! مانت بتكتب كلام يكسر صندوق القلب...” وتلك العبارة المدهشة استعرتُها من أحد جوابات "فاطمة أحمد عبد الغفار" لزوجها الأسطى "حراجي القط"، العامل بالسد العالي بأسوان، من إبداع عظيم الأغنية المصرية عبد الرحمن الأبنودي، الذي حلّت في أبريل ذكرى ميلاده العزيز وتحلُّ اليومَ ذكرى رحيله الموجع عن ديارنا إلى حيث عالم الخلود الأبدي، حيث يصدح ويغنّي ولا ينسانا، نحن عشّاقَه ومحبيه. أقول لصديقتي الجميلة "نهال كمال": (طوبى لكِ رفيقة سنواتٍ طوال من عمره وأمًّا لابنتيه الجميلتين.) وأقولُ له: أيها الأجملُ الأبهى في حياتك، والأكثر جمالا وحياةً في رحيلك، يا مخبي في عينيك السحراوي تملي حاجات، ارقدْ في سلام في فردوس الله؛ ولا تنسنا، لأننا لن ننساك!

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صمتُ السَّعف … صمتُ رمضان
- مِنَصَّةُ الأخلاق … في درس كورونا
- السيسي … فارسُ المهامّ الصعبة
- وأكره اللي يقول: آمين.. يا عزيزي الرئيس مبارك
- ركلةٌ في أسنان البشر
- خُطّة العميل كوڤيد 19
- ابتسامةُ چورچ … ليندا صندوقُ اللآلئ
- الزهرةُ البريّة
- كوميديات أمّي … في عيد الأم (1)
- كوميديات أمّي … في عيد الأم (2)
- في الفواجع … شعبُنا على كأس ماء بارد
- عاصفة كورونا السوداء
- كورونا … يذوبُ في الألوان
- الحبُّ في زمن الكورونا… اسألوا أهلَ الذِّكر
- زينب الكفراوي … نَمِرةُ بور سعيد الباسلة
- هالة زايد … وزيرة على خطّ النار
- وأكره اللي يقول: آمين... عزيزي الرئيس مبارك!
- وشاح محمد بن راشد ... لقلب مصر
- صوتُ الرئيس مبارك
- المايسترو مجدي يعقوب … ضابطُ إيقاع القلوب


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - حين منحني -الأبنودي- منديله لأبكي