أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - لا تسخروا من السُّخرية… في السخرية حياةٌ














المزيد.....

لا تسخروا من السُّخرية… في السخرية حياةٌ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6569 - 2020 / 5 / 20 - 15:02
المحور: الادب والفن
    


Facebook: @NaootOfficial
Twitter: @FatimaNaoot
Instagram: @FatimaNaoot
TickTock: @fatimanaoot


لا شكَّ عندي في أن فيروس كورونا، لو كان يُدرك ويعي ويقرأ؛ لبدَّل خُطَّته المجرمة مع الجنس البشري. والإدراك والوعي الذي أقصده، يتجاوز الإدراكَ الفطري والوعي الغريزي الذي يكون عليه الفيروس حين يتحوّر داخل الخلية البشرية إلى كيان تكاثري تطفّلي انقسامي انتشاري مجنون. الإدراك الواعي هو إدراك الذات والوعي بالآخر والوعي بالوجود. ولو كان فيروس كورونا قادرًا على القراءة والفهم والتحليل، ثم قرأ كمَّ النِكات والقفشات والكاريكاتيرات والأغاني الساخرة التي أطلقها المصريون للتعامل معه، لانتحرَ الفيروس الغبيُّ من فوره، إن جاز له الانتحار.
“أنا أفكّر …. إذن أنا موجود.” قالها الفيلسوف الفرنسي ديكارت، ليربط بين التفكير، والوجود. التفكيرُ هو الوعي والإدراك. إدراك الحضور والذات والآخر وحلول الماضي وغيبية المستقبل. والوجودُ هو القيمة الامتيازية التي تميّز الإنسان عن سائر المخلوقات. الوجود الواعي الإدراكي، وليس الوجود الجسماني الفيزيقي الاعتيادي، كسائر الكائنات غير العاقلة. وحين كرّر الفليسوف ضمير "أنا" مرتين في تلك الجملة القصيرة، فإنما ليؤكد أن "التفكير" لابد أن يكون نابعًا من "ذات" الشخص، ومن لدُن إدراكه الذاتي ووعيه الشخصي، وليس نقلا ببغائيًّا عن آخرين. ذاك هو شرط الوجود.
وهنا أودُّ أن أخطو خطوة للأمام أبعد من مقولة ديكارت لأقول: (أنا أسخر إذن أنا موجود. ) فأنا مؤمنة بأن جميع الكائنات الحية تفكِّر على نحو ما، وإن على نحو غريزي مثل فيروس كورونا الذي ينحصر تفكيره في الحياة والتكاثر وتكوين أجيال أقوى. كذلك "النحل"؛ المهندس المعماري العظيم في مملكاته المنظمة، و"النملُ" الدؤوب في أسرابه النمطية المنمّقة، و"الطيور" في عبقرية رحلات الهجرة من بلاد الصقيع إلى حيث الدفء والحياة في مواسم الشتاء، و"الكلابُ" في ذكائها ومقدرتها على تتبع الصديق والعدو، و"التشيمبانزي" الذكي الذي يباري الإنسان في التوافق البصري الحركي، بل وحتى في الابتسامة. فالقرود بوسعها الابتسام حين تفرح. ولي تجربةٌ شخصيةٌ مع قردة أنقذتُها من محنة؛ فضحكت لي وارتمت في حضني تُقبّلني، ولديَّ صورة لها وهي تبتسم. حتى الكائنات البدائية الأولية تفكّر على نحو ما، وإن كان تفكيرها غريزيًّا نمطيًّا لا إبداع فيه ولا قدرة على التحليل والاستنتاج؛ بل تعتمد تجاربها على الارتباط الشرطي بين الأشياء؛ فتعرف أين مصدر الخير فتتبعه، وأين يكمن الخطرُ فتجتنبه. وإذن جميع الكائنات الحية تفكر، وتضحك، فلا يجوز لنا أن نقول: الإنسانُ حيوانٌ مفكر، أو حيوانٌ ضاحك. بل الأدق أن نقول إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على "السخرية".
السخريةُ فنٌّ بشري قديم استخدمه الإنسان لكي يتحرر من مشاكله وأزماته واستعباده على يد الطُّغاة. يطلقُ النكتةَ فتهونُ المحنة. يُقلّد الآخرين فيضحك الرفاقُ وتتيسَّرُ الصعابُ. وتوسَّل الأدباءُ السخريةَ لينتقدوا ملوكَهم الجبابرة دون مهابة الفتك بهم على يد جلاديهم. التورية، والاستعارات، والكناية، والأضداد، والرموز، هي ألوانٌ من السخريات استخدمها الإنسانُ لقول الحقائق بطرق مواربة أو معكوسة؛ ليأمن بطش الباطشين. وأثبتت دراسةٌ جرت في جامعة كولومبيا أن السخرية تُحفّز على التفكير الإبداعيّ لدى الساخر، ولها تأثيرٌ أكبر من الكلام الاعتيادي عند المستمع كذلك.
ويذكر لنا المؤرخون أن أول رواية ساخرة في التاريخ هي "الحمار الذهبي" التي كتبها الفيلسوف الأمازيغي الساخر لوكيوس أبوليوس في القرن الأول الميلادي، حين دهن جسده بدهان ليغدو طائرًا محلّقًا، فإذا به يتحول إلى حمار. ثم تكتمل الرواية بمغامرات الحمار ومعاناته مع بني الإنسان وسخريته من غباء البشر. لكنني أرى أن أول ساخرة في التاريخ كانت الملكة المصرية العظيمة "حتشبسوت"؛ حين كانت تقود جيوشَها العسكرية وهي تضع على ذقنها لحيةً اصطناعية، كأنما تسخر من عالم الرجال الذي احتكر الفروسية وفنون القتال وحرّمها على النساء. وكأنما تقول: (أنا امرأةٌ جميلة أقود جيوشَ بلادي وأنتصر. وهذه اللحية التي تُرهبكم على وجهي "فالصو" وهمية، لا وجود لها.)
الأدبُ الساخر والكاريكاتير من أصعب ألوان الكتابة الإبداعية. لأنك تقولُ في كلمة صغيرة باسمة، أو في كاريكاتير من عدة خطوط، ما لم تستطع قوله في ملحماتٍ مطوّلة وجادة. ذاك أن قطرةَ الماء تُفتت الصخرة الصلدة، على نحو أعمق مما تفعله المعاولُ والمطارق. وفي انتظار البشرية لابتكار مصل يهزم فيروس كورونا، نحاول أن نهزمه معنويًّا ونتقوّى عليه بالسخرية منه. كل ما ينقصُنا فقط هو أن يُطوِّر فيروس كوفيد19 من نفسه لعي ويدرك ويقرأ ما نطلقه عليه من نكاتٍ ساخرة؛ فيموتُ كمدًا. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -فرج فودة- الذي عاش أكثر من قاتليه
- أخيرًا… وصايا السَّلف الصالح في مناهجنا
- مسلسلات رمضان … في زمن الكورونا
- يُفطرون على دماءِ الصائمين… شكرًا للإرهاب!
- ما لون قبّعتُك … في زمن كورونا؟
- رِهانًا على وعي الأسرة المصرية
- مصرُ العظيمةُ … رمضانُ الكريم
- حين منحني -الأبنودي- منديله لأبكي
- صمتُ السَّعف … صمتُ رمضان
- مِنَصَّةُ الأخلاق … في درس كورونا
- السيسي … فارسُ المهامّ الصعبة
- وأكره اللي يقول: آمين.. يا عزيزي الرئيس مبارك
- ركلةٌ في أسنان البشر
- خُطّة العميل كوڤيد 19
- ابتسامةُ چورچ … ليندا صندوقُ اللآلئ
- الزهرةُ البريّة
- كوميديات أمّي … في عيد الأم (1)
- كوميديات أمّي … في عيد الأم (2)
- في الفواجع … شعبُنا على كأس ماء بارد
- عاصفة كورونا السوداء


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - لا تسخروا من السُّخرية… في السخرية حياةٌ