المفهوم الدستوري والقانوني لمصطلح -الرأي-

سالم روضان الموسوي

الحوار المتمدن-العدد: 6906 - 2021 / 5 / 22 - 16:13
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    

قبل أيام نشرت ورقة بحثية حول حرية التعبير عن الرأي العلمي وكانت حالة الطبيب حامد اللامي إنموذجاً تطبيقياً لتلك الورقة ونشرته في موقع الحوار المتمدن وفي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وحظيت بردود أفعال متعاطفة معها بحكم تعلقها بطبيب وكذلك بتعليقات من شخصيات قانونية محترمة لها ثقلها المعرفي في ساحة الثقافة القانونية، ومن بين هؤلاء كان الأستاذ المحامي طارق حرب حيث اعترض على مضمون تلك الورقة بتعليق على صفحتي في الفيسبوك وانقل تعليقه كما كتبه رسماً ووسماً بلا تنقيح او تصحيح وعلى وفق الاتي (بالمناسبه كل ما كتبتوه قلتم هو الرأي فما هو تعريف الرأي لكي نعرف ان ما قاله الطبيب رأي وليس غير الرأي فلا يجوز اعتبار قول ما رأي دون ان تعريف الرأي وكان من اللازم قبل كل قول في الموضوع بيان ماهية الرأي لكي نقول ان قول الطبيب رأي!!!؟ ؟؟ والعوغل مفتوح وليتفضل علي من ايد ان كل هذا رأي ان يعرف الرأي ويتفضل برأيه في الرأي كما اقول وانا في الساعه التاسعه صباحاً ان الوقت ليل وظلام وليس نهار وشمس فهو رأي على ضوء ما قلتوه طالما لم تعرفوا الرأي تحياتي لمن لا يخول فضيلة التعبير الى رذيلة التشهير) ومن خلال هذا التعليق فان الزميل المحترم يستنكر على الورقة البحثية إنها لم تعرف عبارة ومفهوم "الرأي" حتى يتسنى للقارئ معرفة ما قال به الطبيب حامد اللامي "هو رأي أو ليس غير رأي" وفي الحقيقة ان الورقة أعدت للنشر العام من اجل الإسهام في نشر الثقافة القانونية ليطلع عليها المختص وغير المختص في الجانب الحقوقي ولم أسعى للإطالة والتطرق إلى شرح المصطلحات والمفاهيم، لان من يريد الاستزادة عن ذلك فان الأمر اصبح ميسر بوجود محركات البحث والأنترنيت يفيض بالمعلومات، أما اذا كان من المختصين فانه ادرى من غيره بالمصطلحات، لكن كعادته المحبوبة والمحببة الينا كان للزميل الأستاذ طارق حرب وهو المحامي اللامع والموسوعي ان يمنحنا فرصة التوضيح والبحث ومن ثم ادراك مالم ندركه في تلك الورقة لأني على يقين ان الزميل الكريم كان على علم وبينة بمصطلح (الرأي) وحملاً على حسن النية المفترض في الجميع فاغتنم الفرصة لأوضح مفهوم (الرأي) في ضوء الدستور والقوانين العراقية النافذة وسيكون العرض مقتضباً وعلى وفق الاتي :
1. التعريف اللغوي والاصطلاحي لعبارة "الرأي": ان جميع معاجم اللغة العربية وقواميسها قد أشارت إلى عبارة الرأي وعرفتها بانها (الاعتقاد، والعقل، والتدبير، والنظر والتأمل) أما في الاصطلاح فان الفقه الإسلامي عرف الرأي بانه (استنباط الأحكام الشرعية في ضوء قواعد مقررة، وعرف بأنه: اعتقاد النفس أحد النقيضين عن غلبة ظن) وكذلك تعريف اخر بان "الرأي" هو (ما يترجح للإنسان بعد فكر وتأمل) ويلاحظ في هذه التعريفات مجتمعة أنه يقصد بالرأي (ما كان للعقل فيه نظر وبحث للتوصل إلى شيء مجهول)، كما وجد في الفقه الإسلامي جماعة من الفقهاء تسمى بأهل الرأي لانهم كانوا يفزعون إلى تلمس الأحكام الشرعية للوقائع التي تمر عليهم دون أن يجدوا لها دليلاً من كتاب أو سنة، فإنهم كانوا يفزعون إلى ما يسمى بالرأي، ولم يكونوا في صنيعهم يهتمون بأصل معين يشبهون بمحله الحادثة التي يفتون فيها وفق ما ورد في كتاب (موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة الذي نشره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مصر ومن تأليف مجموعة من المختصين في الجزء الأول ـ ص302) ومتاح على شبكة الإنترنيت، كما أشار إلى مفهوم الرأي اصطلاحاً بعض الكتاب المختصين في قضايا الرأي العام، حيث يعرفون الرأي بانه (عبارة عن حكم وضمير حساس ومحكمة مرهوبة الجانب) وعلى وفق ما ذكره الدكتور حسن الحسن في كتابه الموسوم (ـ الرأي العام ، الإعلام ، العلاقات العامة ـ دار صادر لمنشورات الحقوقية ـ مطبعة صادر ـ ص6)
2. موقف الدستور والقانون من عبارة "الرأي": الدستور العراقي لعام 2005 النافذ وردت فيه عبارة "ارأي" مرتين الاولى في المادة (14) التي جاء فيها الاتي (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.) وكذلك في المادة (38/أولاً) التي جاء فيها الاتي (تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.) كما وردت في عدة قوانين ومنها قانون شبكة الإعلام العراقي رقم 26 لسنة 2015 حيث وردت عبارة "الرأي" في المادة (5/خامساً) التي جاء فيها الاتي (تهدف الشبكة إلى ما يأتي : خامسا: تعزيز ودعم المبادئ والممارسات الديموقراطية , وتشجيع تقبل الراي الأخر وثقافة التسامح , وعدم الترويج للأفكار والممارسات العنصرية والطائفية والدكتاتورية والعنف والارهاب, وبخاصة الفكر البعثي الصدامي في العراق ورموزه وتحت أي مسمى, وكل مايثير الاحقاد والكراهية بين ابناء الشعب العراقي.)
3. كنت قد اشرت إلى عبارة "الرأي" المتمثل بالنقد في الميدان العلمي مثلما هو في الميدان السياسي والتاريخي والأدبي وغيره وعلى وفق ما ورد في كتابي الموسوم (جرائم القذف والسب عبر القنوات الفضائية ـ دراسة مقارنة معززة بتطبيقات قضائيةـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ طبعة بيروت الأولى عام 2012 ـ ص41)
4. يشير الكاتب الإنكليزي ج.ب. برونوي إلى ان أساس التطور في كل مجالات الحياة هو الرأي والرأي المضاد، الذي من خلاله تظهر الفكرة فيقول (التطور هو فكرة علمية محايدة تقبل التفاؤل والتشائم وتتكيف تبعاً لاختلاف التقدير فتبدوا أما حكما قاسياً وأما تعزيزا لحدوث تحسن مطرد) وعلى وفق ما ورد في كتابه الموسوم (فكرة التقدم) منشورات المجلس الأعلى للثقافة في مصر طبعة عام 1982 ـ ص 284
ومن خلال العرض الموجز نرى ان الرأي هو معتقد وفكرة يحملها شخص ويتمسك بها ويعبر عنها عبر أقوال أو أفعال من خلال وسائل الإعلام، وبما ان الطبيب حامد اللامي قد اعلن عن معتقده تجاه جائحة كورونا بإطارها الصحي والعلمي، حتى لو كانت الفكرة التي اعلن عنها تخالف أمراً ثابتاً، فما بالك وان الجائحة داهمت البشرية على نحو مفاجئ ولا يوجد استقرار علمي عن اصلها ومنشئها وعلاجها بل حتى في أعراضها، فإننا نجد ان الجهات العلمية والصحية في العالم المتقدم قد تضاربت أراءه وتصريحات علمائه وما زالت بعض البلدان وبشكل رسمي تعارض فكرة اللقاح إما بشكل كلي أو بشكل جزئي من خلال منع بعض أنواع اللقاح، فضلاً عن ذلك ان بعض اللقاحات المستعملة في العراق ما زالت لم تحظى بمصادقة منظمة الصحة العالمية، لذلك فان الميدان الذي اطلق الطبيب حامد اللامي أفكاره وآراءه هو ميدان علمي من رجل يملك مقومات العمل في البيئة العلمية والصحية، لأنه طبيب حاصل على تحصيل دراسي في الطب ونال الاختصاص في الجراحة على وفق ما ورد في الإعلام، وهذا التخصص لا يثلب من قدرته على إبداء رايه العلمي نحو الجائحة ووسائل حماياتها لأنه قبل نيله الاختصاص قد تدرج حتماً فانه في أول حياته المهنية حث تعين بصفة طبيب مقيم دوري وقضى فترة زمنية في كل تخصصات الطب وعلى وفق ما ورد قانون تدرج ذوي المهن الطبية والصحية رقم 6 لسنة 2000 المعدل، وبذلك فانه قد تدرب لمدة زمنية على جميع الأمراض ثم تخصص بعد ذلك في نوع منها، كما ان الطبيب عندما يعالج المرضى الآن في المراكز الصحية هو في العادة طبيب عام أو مقيم دوري بمعنى انه في المراحل الأولى من حياته العملية، وبعض مدراء المراكز الصحية التي تعطي اللقاح هم من أطباء الأسنان، فكيف اذا ما كان الطبيب قد وصل إلى لقب اختصاص فانه سيكون اكثر قدرة على إبداء الرأي في اختصاصه الطبي، والجراحة لها صلة بأمراض الجهاز التنفسي في العمليات الجراحية للرئة والقصبات الهوائية وغيرها، وهذه لا يقوم بها سوى الطبيب الجراح، ومن ذلك نخلص إلى القول بان ما أبداه الطبيب حامد اللامي هو رأي علمي كفله الدستور والقانون وعسى ان تكون هذه الورقة قد أوضحت معنى عبارة ومفهوم "الرأي" التي هي ذيل للورقة الأولى الموسومة (حرية التعبير عن الرأي العلمي ، حالة الطبيب حامد اللامي انموذجاً)
قاضٍ متقاعد

#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل