أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سالم روضان الموسوي - قراران قضائيان في موضوع واحد وثلاثة مبادئ (حوار فقهي)















المزيد.....


قراران قضائيان في موضوع واحد وثلاثة مبادئ (حوار فقهي)


سالم روضان الموسوي

الحوار المتمدن-العدد: 6896 - 2021 / 5 / 12 - 19:27
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


قراران قضائيان في موضوع واحد وثلاثة مبادئ

(حوار فقهي)

يقول أستاذ القانون المدني الدكتور محمد حسن قاسم (ان ما أتى به قانون تعديل القانون المدني الفرنسي، كله يعبر عن ما وصل اليها التطور الفقهي والقضائي والتشريعي في مجال العقود والالتزامات بصفة عامة)[1] والدكتور محمد حسن قاسم عميد سابق لا حدى كليات الحقوق في لبنان وأستاذ القانون المدني في كليات الحقوق المصرية، ومهتم بالقانون المدني الفرنسي، حيث اعتبر الفقه من اهم مصادر القانون ويقصد بالفقه مجموع الآراء التي تصدر عن المختصين في القانون وكان يطلق عليهم الحكماء والفقهاء، ويشير الدكتور مصطفى العوجى بان الفقه (يتكون من البحوث والدراسات والأبحاث القانونية التي يقوم بها علماء القانون من أساتذة القانون وقضاة ومحامين ومستشارين قانونيين حول المواضيع التي تالف منها القانون الوضعي)[2]، لذلك عندما نتصدى لموضوع معين سواء كان دستوري أو قانوني في تفسير مواده فإننا نقوم بعمل فقهي وعندما نتصدى لمبادئ وردت في أحكام قضائية فانه عمل ونشاط فقهي أيضاً، لأننا نبحث عن قدرة القانون في ضبط الاجتهاد القضائي عند التطبيق، فضلاً عن قيمة تلك الأحكام القضائية وهي الملزمة والواجبة الاتباع، وعلى وجه الخصوص عندما تصدر من اعلى الهيئات القضائية في البلاد، وعندما تكون الأحكام صادرة عن المحكمة الاتحادية العليا في العراق فان هذه المحكمة يطلق عليها في عالم القضاء الدستوري بانها هيئة حكماء وان أحكامها تعد من مصادر القانون على وفق ما أشار اليه العديد من الكتاب[3]، وعندما يكون الحكم القضائي صادر من محكمة التمييز أو محكمة النقض كما تسمى في بعض البلدان العربية أو محكمة التعقيب في تونس فإنها محكمة القانون، أي إنها هي التي تضبط الاجتهاد القضائي لعموم المحاكم الأدنى منها في درجات التقاضي وتوحد المبادئ القضائية، فهذه الأهمية تدعونا إلى إعمال النشاط الفقهي تجاه ما يصدر عنهما من أحكام لها جلالتها القضائية وسموها التطبيقي، وحوارنا في هذه الورقة الفقهية سيكون عن قرارين الأول صادر عن المحكمة الاتحادية العليا في العراق بالعدد 12/اتحادية/2021 في 25/4/2021 والأخر قرار صادر عن الهيئة الجزائية الثانية في محكمة التمييز الاتحادية العدد 4557/الهيئة الجزائية/2021 في 8/3/2021 وهذين القرارين يتعلقان بموضوع واحد وهو تنازع الاختصاص القضائي بين محكمة تحقيق ايسر الموصل التي تخضع لولاية مجلس القضاء الأعلى الاتحادي وبين محكمة تحقيق أربيل التي تخضع لولاية مجلس القضاء في إقليم كردستان ووجدت ثلاث مبادئ وردت ضمناً في هذه القرارات وهي على وفق الاتي:

1. المحكمة المختصة في نظر تنازع الاختصاص القضائي

2. القرار المعدوم

3. مقدار السلطة التي تتمتع بها المحكمة الاتحادية العليا تجاه الفصل في هذا النوع من الاختصاص.

وهذا ما جعل من عنوان هذه الورقة الفقهية يتكون من ثلاث فقرات مستقلة عن بعضها نوعاً ما، لأني لم أتمكن من إيجاد عنوان اكثر بلاغة تجاه احتواء المضمون وسيكون العرض على وفق الاتي :

أولاً : موضوع النزاع

ان اصل القضية يتعلق بحدوث جريمة تتعلق بقانون عمليات زرع الأعضاء البشرية ومنع الإتجار بها رقم 11 لسنة 2016 ووجدت محكمة تحقيق ايسر الموصل إنها غير مختصة في النظر فيها مكانياً، لان الجريمة وقعت في محافظة أربيل في إقليم كردستان، وتمت إحالة القضية اليها على وفق أحكام المادة (53/آ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 21 لسنة 1971 المعدل، إلا ان محكمة تحقيق أربيل قررت إعادة أوراق القضية إلى محكمة تحقيق ايسر الموصل ، وهذا ما يسمى بالتنازع السلبي للاختصاص القضائي بين محكمتين من درجة واحدة في درجات التقاضي، لكن عقدة النزاع تتعلق بالجهة التي تفصل في هذا التنازع، لان القضاء في إقليم كردستان مستقل تماماً عن القضاء الاتحادي وكل قضاء له مرجعية للطعن والفصل في التنازع في الاختصاص مستقلة عن الآخر، ففي القضاء الاتحادي الهيئة الموسعة في محكمة التمييز الاتحادية هي المختصة بالنظر فيه اذا ما حصل بين محكمتين يدخلان ضمن ولايتها القضائية على وفق أحكام المادة (13/أولا/ب/2) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل بشكل عام، أما في الاختصاص المكاني بين محاكم الجزاء في مختلف درجاتها وبموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 57 لسنة 1993 الذي حدد الجهات القضائية المختصة في الفصل بالنزاع[4]، بينما في إقليم كردستان فان محكمة تمييز الإقليم هي المختصة في النظر في مثل هذا النزاع لو تم بين محكمتين يدخلان ضمن ولايتها القضائية.

ثانياً: معالجة النزاع

بعد ان قررت محكمة تحقيق أربيل إعادة أوراق القضية إلى محكمة تحقيق ايسر الموصل، فان تلك المحكمة أصرت على إنها غير مختصة فعرضت أوراق القضية على محكمة التمييز الاتحادية لتحديد الجهة المختصة بالنظر في النزاع، وقامت الهيئة الجزائية في محكمة التمييز الاتحادية بنظر الطلب وقررت بان محكمة تحقيق ايسر الموصل هي المختصة على وفق قرارها العدد 4557/الهيئة الجزائية/2021 في 8/3/2021 الذي جاء فيه الاتي (لدى التدقيق وجد ان موضوع الشكوى يتعلق ب {المتاجرة بالأعضاء البشرية للمتهم ...... والمتهم ......} وحيث ان الاختصاص المكاني يتحدد بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة كلها أو جزء منها ا واي فعل متمم لها ا واي نتيجة تترتب عليها قرر تعيين محكمة تحقيق "ايسر الموصل" المختصة بنظر الدعوى وإيداع الأوراق التحقيقية لديها لنظرها وفق القانون والإشعار إلى محكمة تحقيق أربيل بذلك استناداً لأحكام المواد (53/د) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وصدر القرار بالاتفاق في 8/3/2021) ، لكن محكمة تحقيق ايسر الموصل وبعد ورود هذا القرار اليها الذي الزمها باعتبارها المحكمة المختصة مكانياً، قررت مرة أخرى الطلب من المحكمة الاتحادية العليا النظر في تحديد الاختصاص المكاني بموجب كتابها العدد 7630/2021 في 1/4/2012 ، ونظرت المحكمة الاتحادية العليا بالطلب وقررت اعتبار محكمة تحقيق أربيل هي المختصة مكانياً، إلا ان المحكمة الاتحادية العليا لم تقف عند حد النظر في تحديد الاختصاص المكاني وإنما قررت التدخل في اصل الموضوع ونوهت إلى تغيير الوصف القانوني للفعل الجرمي المرتكب حيث اعتبرت ان توصيف فعل المتهم الأكثر انطباقا هو قانون عمليات زرع الأعضاء البشرية ومنع الإتجار بها رقم 11 لسنة 2016.

ثالثاً: الحوار الفقهي

سيكون حوارنا الفقهي في فقرتين الأولى حول قرار محكمة التمييز الاتحادية والثانية حول قرار المحكمة الاتحادية العليا وعلى وفق المبادئ الثلاث التي ذكرتها في بداية هذه الورقة الفقهية (المحكمة المختصة في نظر تنازع الاختصاص القضائي ، والقرار المعدوم ، ومقدار السلطة التي تتمتع بها المحكمة الاتحادية العليا تجاه الفصل في هذا النوع من الاختصاص) .

1- قرار محكمة التمييز الاتحادية : ان محكمة التمييز الاتحادية الموقرة قد قبلت النظر في طلب محكمة تحقيق ايسر الموصل وقضت فيه بان الاختصاص المكاني ينعقد لمحكمة تحقيق ايسر الموصل بموجب قرارها العدد 4557/الهيئة الجزائية/2021 في 8/3/2021، وحيث ان صلاحية الهيئة الجزائية في النظر بطلب تحديد الاختصاص المكاني كانت بموجب المادة (3) من قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 57 لسنة 1993 التي جاء فيها الاتي ( تختص الهيئة الجزائية في محكمة التمييز بالنظر في تنازع الاختصاص المكاني بين محكمتين تقع كل منهما ضمن منطقة استئنافية)، وحيث ان محكمة تحقيق ايسر الموصل تقع ضمن محكمة استئناف نينوى وهي تتبع لولاية مجلس القضاء الأعلى الاتحادي، بينما محكمة تحقيق أربيل تقع ضمن محكمة استئناف أربيل التي تتبع إلى ولاية مجلس القضاء في إقليم كردستان، وليس إلى محكمة التمييز الاتحادية، وبذلك ليس للهيئة الجزائية في محكمة التمييز الاتحادية الولاية على محكمة تحقيق أربيل وان تلك المحكمة لا تخضع لقرارات تلك الهيئة، وإنما لمحكمة تمييز إقليم كردستان، وهذا التنازع قد تمت معالجته بتحديد محكمة تكون اعلى من محكمة التمييز الاتحادية وكذلك محكمة تمييز إقليم كردستان واعلى من مجلس القضاء الأعلى الاتحادي ومجلس قضاء إقليم كردستان، وتكون لهذه الجهة الولاية على كلا الجهتين، فكان الدستور العراقي لسنة 2005 قد حدد الاختصاص للمحكمة الاتحادية العليا للفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي، والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم وعلى وفق ما ورد في المادة (93/ثامناً/آ) التي جاء فيها الاتي (في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي، والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم)، لذلك فان الهيئة الجزائية في محكمة التمييز الاتحادية غير مختصة في الفصل بالتنازع بين تلك المحكمتين وليس لها الصلاحية في نظر الطلب وإنما كان عليها ان ترسل الطلب إلى المحكمة الاتحادية العليا للنظر فيه حسب الاختصاص الوارد في المادة (93/ثامناً/آ) من الدستور، وبذلك فان قرارها العدد 4557/الهيئة الجزائية/2021 في 8/3/2021 قد صدر من محكمة غير مختصة ويكون بمثابة القرار المعدوم لان الفقه قد أوضح ان القرار المعدوم هو القرار الصادر من جهة قضائية غير مختصة ويعد معدوم الوجود في نظر الجهات القضائية الأخرى[5]، وان كان جانب من الفقه يرى ان ذلك الحكم باطل وليس معدوم. ولغرض الوقوف على كيفية تعامل محكمة تحقيق ايسر الموصل مع هذا القرار وسيكون العرض على وفق الاتي:

‌أ. ان محكمة التحقيق في ايسر الموصل اعتبرت ان قرار الحكم الصادر عن الهيئة الجزائية في محكمة التمييز بمثابة القرار المعدوم لأنها لم تلتزم بما ورد فيه من فصل عندما اعتبرها هي المختصة مكانياً في نظر الدعوى، حيث إنها تجاوزت ذلك القرار وطلب من المحكمة الاتحادية العليا الفصل في التنازع بينها وبين محكمة تحقيق أربيل استناداً لأحكام المادة (93/ثامناً/آ) من الدستور، ولمحكمة التحقيق أسباب تؤيد صحة اتجاهها في ذلك لان القرار المعدوم هو والعدم سواء ولا يرتب اثر قانوني ولا يلزم الطعن فيه للتمسك بانعدامه وإنما يكفي إنكاره عند التمسك به بما اشتمل عليه من قضاء[6].

‌ب. أما اذا اعتبر القرار بمثابة القرار الباطل فانه يبقى قائماً مرتباً كل أثاره القانونية ولا سبيل الى الغائه إلا بالطعن فيه بطريق الطعن المناسب[7]، وبطلان الأحكام لا يكون في الأحكام المستوفية الشكلية التي رسمها القانون وإنما يكون بسبب الإجراءات التالية لبدء الخصومة واذا تعلقت هذه الإجراءات بالنظام العام فان البطلان يكون متعلق بالنظام العام أيضا وعلى وفق ما أشار اليه الفقه القانوني[8]، وان قواعد الاختصاص تعد من النظام العام، لكن في حالة القرار الصادر عن الهيئة الجزائية في محكمة التمييز العدد 4557/الهيئة الجزائية/2021 في 8/3/2021، فان محكمة التحقيق التي طلبت تحديد الاختصاص ليس لها ان تطعن بهذا القرار لأنها ليس من اطراف الخصومة الذين لهم الحق في الطعن أمام محكمة التمييز الاتحادية لان القانون حدد على سبيل الحصر من له حق الطعن والوارد في المادة (249/آ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل[9]، كما لا يجوز للادعاء العام طلب التصحيح لان المواد (266 و 267) من قانون الأصول قد أوضحت ان التصحيح يرد على الأحكام التي تصادق عليها محكمة التمييز ومنعت المادة (269) من قانون الأصول ذلك بشكل صريح على وفق النص الاتي (لا يقبل طلب التصحيح في القرارات التالية 1 – القرار الصادر بالنقض وأجراء المحاكمة أو التحقيق القضائي مجدداً. 2 – القرار الصادر بإعادة أوراق الدعوى لإعادة النظر في الحكم) ويشير معظم شراح القانون العراقي إلى عدم جواز ان تنتظر محكمة التمييز باي طلب للتصحيح سوى القرارات الصادرة بتصديق الأحكام فقط وليس القرارات[10] والفرق واضح بين الأحكام والقرارات لان الحكم هو القرار الذي تصدره المحكمة للفصل في المنازعات التي تعرض عليها أما القرارات فان المحكمة تصدرها لغرض إدارة الدعوى والوصول بها إلى مرحلة اصدرا الحكم[11]، لذلك فان التصحيح لاير دالا على الأحكام النهائية التي اكتسبت الدرجة القطعية ويقتصر على أحكام محاكم النقض الصادرة في تصديق الأحكام[12] .

‌ج. وارى ان محكمة تحقيق ايسر الموصل قد أخطأت في إرسال طلب النظر في تحديد الاختصاص الى محكمة التمييز الاتحادية لان الاختصاص ينعقد إلى المحكمة الاتحادية حصراً، فضلاً عن وجود قرارات عديدة أصدرتها المحكمة الاتحادية العليا في تحديد الاختصاص المكاني بعد تنازع سلبي بين محكمتين إحداهما تابعة لمجلس القضاء الأعلى الاتحادي والأخرى الى مجلس القضاء في إقليم كردستان ومنها القرار الفاصل في النزاع بين محكمة تحقيق دهوك ومحكمة تحقيق نينوى الخاصة بقضايا النزاهة وعلى وفق ما ورد في القرار 226/اتحادية/2018 في 20/12/2018 وكذلك القرار الفاصل في النزاع السلبي بين محكمة تحقيق الحمدانية في استئناف نينوى ومحكمة تحقيق أربيل بموجب قرارها العدد 24/اتحادية/2014 في 31/3/2014.

‌د. كما وجدنا ان محكمة التحقيق في ايسر الموصل قد تعاملت مع قرار الهيئة الجزائية في محكمة التمييز الاتحادية العدد 4557/الهيئة الجزائية/2021 في 8/3/2021 على انه قرار معدوم ولم تلتزم بما ورد فيه وإنما تداركت الخطأ الذي وقعت فيه من خلال مفاتحة المحكمة الاتحادية لاحقاً للنظر في الطلب حسب الاختصاص الممنوح لها بموجب المادة 093/ثامناً/آ) من الدستور.



2- قرار المحكمة الاتحادية العليا: أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها العدد 12/اتحادية/2021 في 25/4/2021 وقضت بان محكمة تحقيق ايسر الموصل هي المختصة مكانياً، إضافة إلى قرارات أخرى تبدأ بالعدد (6) وتنتهي بالعدد (13) لسنة 2021 وجميعها تتعلق بتحديد الاختصاص بين محكمة تحقيق أربيل ومحكمة تحقيق ايسر الموصل وعلى وفق ما نشره الموقع الإلكتروني للمحكمة الاتحادية العليا[13]، وبذلك فان المحكمة الاتحادية مارست اختصاصها بتحديد المحكمة المختصة بين محكمتين حصل بينهما تنازع سلبي في الاختصاص المكاني عملاً بأحكام المادة (93/ثامناً/آ) من الدستور العراقي لعام 2005، ومن خلال الاطلاع على القرار ظهر لنا الاتي:

‌أ. ان المحكمة الاتحادية العليا لم تقف عند تحديد المحكمة المختصة مكانيا لنظر في القضية محل النزاع وإنما ذهبت إلى ابعد من ذلك حيث إنها تدخلت في موضوع القضية واعتبرت ان الوصف الأكثر انطباقاً لفعل المتهم هو التجريم الوارد في قانون عمليات زرع الأعضاء البشرية ومنع الإتجار بها رقم 11 لسنة 2016، وهذا امر مستغرب لان ليس من اختصاص المحكمة الاتحادية العليا ان تنظر في موضوع القضية لعدة اسباب منها، ان اختصاصها قد ورد حصرا في تحديد المحكمة المختصة فقط وعلى وفق نص المادة (93/ثامناً/آ) من الدستور التي جاء فيها الاتي (في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي، والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم) وكذلك الدخول في تغيير وصف الفعل المنسوب إلى المتهم هو من اختصاص محاكم الجزاء بكافة درجاتها القضائية، وليس للمحكمة الاتحادية العليا أي ولاية او سلطة في ذلك، كذلك فان محكمة التحقيق او محكمة الموضوع ليس لها الالتزام بهذا التوصيف وإنما لها الولاية المطلقة في ذلك ويعد هذا التوصيف خارج نطاق صلاحية المحكمة الاتحادية ويلحقه عوار البطلان مثلما لحق قرار الهيئة الجزائية المشار اليه سلفاً.

‌ب. ان المحكمة الاتحادية العليا قد قررت في قرارها أعلاه بان محكمة تحقيق أربيل هي المختصة مكانياً في نظر القضية، وحيث ان القضاء في إقليم كردستان لا يطبق جميع القوانين النافذة في العراق الاتحاد لان الإقليم لم يعترف باي تشريع صدر بعد تشكيل المجلس الوطني في إقليم كردستان العراق عام 1992 بموجب القانون رقم 1 لسنة 1992 الصادر في الإقليم الذي يعد دستور إقليم كردستان المعمول به لغاية الآن وحيث ان جميع القوانين التي يصدرها مجلس النواب الاتحادي لا تنفذ في الإقليم الا بعد ان يتم إصدار قانون يسمح بتنفيذها، والقانون الذي أشار اليه قرار المحكمة الاتحادية العليا غير نافذ في إقليم كردستان فكيف تطبقه محكمة تحقيق اربيل لان للاقليم قانون خاص به بالرقم 1 لسنة 2018 ، وارى ان هذا زيادة وتجاوز المحكمة الاتحادية العليا لصلاحياتها التي وردت في المادة (93/ثامناً/آ) من الدستور.

‌ج. سمو المحكمة الاتحادية العليا على كافة الهيئات والمجالس القضائية في العراق لأنها هي الجهة التي تفصل في المنازعات بين سائر الهيئات والمجالس القضائية على وفق ما جاء في المادة (93/ ثامناً) من الدستور فضلاً عن الاعلوية بين السلطات التي تتكون منها الدولة العراقية لا تقوم على أساس التقديم والتأخير عند ذكرها في النص الدستوري وإنما يعتمد لذلك المعيار الموضوعي الذي يتعلق بمهام كل مكون للمحكمة الاتحادية العليا لأنها أوسع من حيث الاختصاص من مجلس القضاء الأعلى الاتحادي ومن مجلس القضاء في الإقليم، حيث يمتد اختصاص المحكمة الاتحادية العليا إلى جميع الأراضي العراقية والى جميع المؤسسات الدستورية في العراق والسلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية) وكذلك إقليم كردستان ، وفي هذا القرار تجسيد لمبدأ اعلوية وسمو المحكمة الاتحادية العليا على سائر الهيئات والمجالس القضائية[14].

سالم روضان الموسوي

قاضٍ متقاعد
الهوامش =====================


[1] الدكتور محمد حسن قاسم ـ القانون المدني الالتزامات دراسة فقهية في ضوء التشريعات الحديثة وقانون العقود الفرنسي الجديد (2016) ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ ج2 ـ طبعة عام 2018 ـ ص10

[2] الدكتور مصطفى العوجي ـ القاعدة القانونية في القانون المدني ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ طبعة بيروت الثانية ـ عام 2010ـ ص 146



[3] للمزيد انظر الدكتور عصام انور سليم ـ موقع القضاء الدستوري من مصادر القانون ـ منشورات دار الجامعة الجديدة في الاسكندرية ـ طبعة عام 2018

[4] نص قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 57 لسنة 1993 النافذ (استنادا إلى احكام الفقرة ( ا ) من المادة الثانية والاربعين من الدستور.
قرر مجلس قيادة الثورة ما يأتي : - 1- تختص محكمة الجنايات بالنظر في تنازع الاختصاص المكاني بين المحاكم ضمن منطقتها. 2- تختص محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية بالنظر في تنازع الاختصاص المكاني بين محكمتي جنايات ضمن منطقتها ، او بين محكمتي جنح او محكمتي تحقيق تتبع كل منهما محكمة جنايات في المنطقة نفسها. 3- تختص الهيئة الجزائية في محكمة التمييز بالنظر في تنازع الاختصاص المكاني بين محكمتين تقع كل منهما ضمن منطقة استئنافية. 4- لا يعمل باي نص يتعارض واحكام هذا القرار. 5- ينفذ هذا القرار منن تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.)

[5] الدكتور احمد ابو الوفا ـ نظرية الاحكام في قانون المرافعات ـ منشورات دار المطبوعات الجامعية في الاسكندرية ـ طبعة عام 2007 ـ ص339

[6] الدكتور احمد أبو الوفا ـ مرجع سابق ـ ص374

[7] الدكتور احمد أبو الوفا ـ مرجع سابق ـ ص 346

[8] المستشار انور طلبة ـ بطلان الاحكام وانعدامها ـ منشورات المكتب الجامعي الحديث في الاسكندرية ـ طبعة عام 2006 ـ ص406

[9] نص المادة (249/آ) من قانون اصول المحاكات الجزائية ( لكل من الادعاء العام والمتهم والمشتكي والمدعي المدني والمسؤول مدنياً ان يطعن لدى محكمة التمييز في الاحكام والقرارات والتدابير الصادرة من محكمة الجزاء او محكمة الجزاء الكبرى في جنحة او جناية اذا كانت قد بنيت على مخالفة للقانون او خطأ في تطبيقه او تأويله او اذا وقع خطأ جوهري في الاجراءات الاصولية او في تقدير الادلة او تقدير العقوبة وكان الخطأ مؤثراً في الحكم.)

[10] للمزيد انظر الدكتور حسين عبدالصاحب عبدالكريم والدكتور تميم طاهر احمد الجادر ـ شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية ـ منشورات المكتبة القانونية في بغداد ـ طبعة عام 2018 ـ ص 326 وكذلك القاضي جمال محمد مصطفى ـ شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية ـ مطبعة الزمان عام 2005 ـ ص 190

[11] الدكتورة بارعة القدسي ـ أصول المحاكمات الجزائية السوري ـ منشورات جامعة دمشق ـ طبعة عام 2016 ـ ج2 ــ ص 254

[12] الدكتور عبده جميل غصوب ـ الوجيز في قانون الاجراءات الجزائية دراسة مقارنة ـ منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر في بيروت ـ طبعة أولى عام 2011 ـ ص 559

[13] للاطلاع على القرارات مطالعة الرابط الاتي https://www.iraqfsc.iq/t.2021/

[14] للمزيد انظر القاضي سالم روضان الموسوي ـ دراسات في القضاء الدستوري العراقي ـ منشورات مكتبة صباح القانونية في بغداد ـ طبعة عام 2019 ـ ص 72



#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا تتعمد الحكومة إعلان فشلها؟ (الحظر الوبائي إنموذجاً)
- بمناسبة يوم العمال العالمي القانون يسلب حقوق العمال
- مفهوم الملائمة الدستورية والعدول عن المبادئ السابقة قراءة في ...
- الجمعية الدولية للقضاة واليات اختيار المجالس القضائية “Inter ...
- عندما يتساوى الرقيب والمراقب في صفة الفساد تنعدم الرقابة ( ش ...
- عندما يرى الحاكم الفاسد في الإصلاحِ فسادا (الشاعر الكبير الج ...
- رائد الأدب القضائي في العراق المحامي غربي الحاج احمد أول محا ...
- بيت الامام علي بن أبي طالب (ع) وبيوت من تقلد الحكم في العراق
- المخالفات الدستورية في مشروع قانون تعديل قانون المحكمة الاتح ...
- الشطارة في العمل السياسي
- حقوق الإنسان في العراق وضعف النشاط الإعلامي
- الطبائع والقانون
- مجلس النواب وغوستاف لوبون
- رد الدكتور امين عاطف صليبا حول قرار المحكمة الاتحادية العليا ...
- رد على تعليق الدكتور امين عاطف صلبيا على قرار المحكمة الاتحا ...
- قانون المحكمة الاتحادية العليا جدلٌ دائم
- قانون السلطة القضائية والحاجة إليه
- الجائحة المنافقة في الدولة المنافقة
- العالم والحاكم ... الدكتور منذر الشاوي إنموذجاً
- هل يجوز إثبات المستند الالكتروني بالبينة الشخصية (الشهادة) ؟


المزيد.....




- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...
- المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع ...
- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سالم روضان الموسوي - قراران قضائيان في موضوع واحد وثلاثة مبادئ (حوار فقهي)