أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - عزدة إلى الحياة من جديد!














المزيد.....

عزدة إلى الحياة من جديد!


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 6903 - 2021 / 5 / 19 - 11:42
المحور: الادب والفن
    


أبدأُ بطقسِ الطهارة، أغتسلُ الاغتسالَ الأخير بماء مُدَّخر، أُزيل بعناية آخرَ أدرانِ الحياة، ثم أختار أجملَ ملابسي الداخلية، أختار أنسب الألوان، ثم أضع في كل جيبٍ عبوةَ عطرٍ، حتى تتكسر بضغطٍ حجارةِ بيتي، أريد أن أُبعد رائحةَ عفونةِ إشلائي، ورائحة البارود حتى لا تؤذي أنوفَ من ينتشلونها، ولا أنسي أن أضع في جيب سروالي الخلفي كيسَ قمامةٍ كبيرا، يتسع لأشلائي.
شغلني كفني طويلا، أين أحتفظ به؟ هل ألُفُّهُ على وسطي، أم أطويه في جيبي؟! وما لون الكفن الذي يضم رفاتي، فأنا لا أحب الألوان الفاقعة بكل درجاتها، لماذا لا يكون لونُ كفني بلون زرقة السماء، مطعما بزهور بنفسجية زاهية لأشعرَ بالانتعاش؟!
حين أُتِمُّ طقسَ جمعِ أشلائي في كفني يطاردني سؤالٌ: كيف تشيع نفسَك، ولم تبح بكل أسرارك إلى وارثيك؟ أين أوراقُك، ملفاتُك، صورُك، جوازاتُ سفرِك، بقايا ادخارك؟
أعود مسرعا إلى حقيبتي، أستخرج ملفاتي، أشرع في ترتيبها وفق أهميتها، أُمزِّقُ الشهادات، وبقايا الإيصالات، وبطاقات المناسبات، لم أعد أحتاجها.
ما نفعُ جوازُ سفري، وأنا أشيع نفسي، وما فائدةُ وثائقِ ممتلكاتي الصغيرة، وما حاجة الأشلاء إلى الشهادات والكتابات؟
تركتُ صوري في حقيبة صغيرة لتدلَّ على مكاني، تركتُ معها بقايا عملات البلاد التي سافرتُ إليها، أحسستُ بالسعادةِ وأنا أرى المنقبين عن جسدي يبتسمون، حين يجدون قطع النقود، يدسونها في جيوبهم، لعلها تكون أجرا مجزيا عن جمع أشلائي!
شعرتُ بفرح وأنا أرى نعشي المحمولَ إلى مثواه خفيفا، يضم كيسا صغيرا من بقاياي، راقبتُ نعشي الخشبي محمولا على الأكتاف، شاهدتُ أحدَ الذين لا أعرفهم ينازع قريبا لي على حمل نعشي، لم أعد أذكر أنني رأيته قبل يوم تشيعي، عندما أنزلوني في القبر، غطوا جسدي بلوح من الإسمنت بلون الرماد، هالوا عليَّ التراب، لا أعرفُ لماذا صرتُ أرى منظر المحيطين بقبري أكثر وضوحا، رأيتُ المؤبِّن يُبالغ في مدحي، كنتُ لا أعرفه، شاهدتُ المُؤبِّنَ نفسَه يبتسم عقب انتهاء التأبين، قال: "انتهى التأبين لا، لطقوس العزاء، ولا، لمآدب الطعام، هذه وصيةُ الفقيدِ"
شاهدتُ المعزين يبتسمون عقب انتهاء طقوس تأبيني، كانوا سعداءَ، باسمين، لأنهم أثبتوا حضورهم في مراسم تشييعي، بعد أن ربحوا ثوابَ العزاء، وإطراء أقاربي!
أما أقاربي فقد كانوا أكثر سعادة، تمكنوا أخيرا من أن يصبحوا متلقين للعزاء، بعد أن ظلوا طويلا يقدمون العزاء للآخرين! أصرَّ أقاربي أن يُطيلوا فترة استقبال المعزين، كنت أرى ابتساماتِ أقاربي في عزائي، وكيف جلب عزائي لهم الفرحَ والسرورَ، حتى أنهم فوجئوا بأن وفودَ المُعزين أسرفوا في مدحِ مناقبي، لذلك جاملوهم فأكدوا بأنني كنتُ عزيزا، أمينا، وفيَّا، وشرعوا ينحتون قصصا عن مناقبي الحميدة، نسجوا الأقاصيص والحكايات عن كفاءتي، وإنجازاتي، وشهامتي، ظللتُ أستغرب اتصافي بهذه الخصال الحميدة، التي لا أذكر أنني أتَّصفْتُ بها.
أعادتْ صورةُ الطفلِ الرضيع الناجي الوحيد من عائلة، أبو حطب في معسكر الشاطئ، وبعضُ الأطفال الأحياء ممن أُنقذوا من تحت الركام، أعادت هذه الصورُ أشلائي إلى الحياةِ من جديد!
الساعات الأولى من صباح يوم، 15-5-2021م.



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاضطهاد والعنصرية في الدولة الديوقراطية!
- ألتراس نتنياهو الإرهابي!
- حروب الويكبيديا
- عصر الفنون الرديئة!
- نجاح حفيد كاهانا في الانتخابات
- طبيب الفقرار في بغداد
- قصص نسائنا في عيد النساء
- حلب الأزمات
- أيهما توفيق الحكيم؟!
- حكومة الطوارئ الإسرائيلية !
- من أدب عشق الأوطان.
- كلاب تَشمُّ الُّلعاب!
- الكورونا وبعير طرفة!
- الجلجامش الأمريكي!
- قذائف الكورونا !
- الداعون بهلاك الصين !
- هل ألكورونا فايروس رقمي؟
- المصارع، ترامب!
- قصة البطل البدوي
- صفقة القرن!


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - عزدة إلى الحياة من جديد!