أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - جورج حداد - النظام الرأسمالي اللبناني وتبعيته للغرب الامبريالي















المزيد.....

النظام الرأسمالي اللبناني وتبعيته للغرب الامبريالي


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 6883 - 2021 / 4 / 29 - 10:38
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


يتضح اكثر فأكثر ان الازمة التي يعاني منها لبنان في العقود الماضية، وخاصة في السنوات الاخيرة، ليست ازمة سياسية عابرة او مرحلية، تتعلق بالاستقطابات والتوازنات السياسية والطائفية الداخلية، وبانتخابات رئاسية، او اسقاط حكومة وتشكيل اخرى، او حل مجلس نيابي واجراء انتخابات برلمانية جديدة؛ بل هي ازمة وجودية للنظام السياسي ــ الاقتصادي ــ الاجتماعي للدولة اللبنانية الراهنة، التي اسسها الاستعمار الفرنسي منذ مائة سنة، بدعم من قبل الدول الاستعمارية جميعا وبتفويض (سمي انتدابا) من قبل "عصبة الامم"، اي الهيئة الدولية التي أنشئت في اعقاب الحرب العالمية الاولى، مثلما أنشئت هيئة الامم المتحدة الحالية في اعقاب الحرب العالمية الثانية.
ولفهم طبيعة الازمة اللبنانية الراهنة ينبغي فهم طبيعة النظام السياسي ــ الاقتصادي ــ الاجتماعي القائم في لبنان، ونمط نشوئه وتكوينه وتطوره.
طبيعة النظام اللبناني
ولا نكاد نظن انه يوجد لبنانيان، من اي طائفة او انتماء سياسي، يمكن ان يختلفا على ان النظام اللبناني القائم هو:
-1- نظام رأسمالي (يسميه البعض "اقتصادا حرا" او "دمقراطيا" او "ليبيراليا").
-2- نظام طائفي 100% في كل تكوينه "من الطربوش الى البابوج" كما يقال.
-3- نظام يقوم على الفساد في كل مناحي الحياة، بصرف النظر عن الصفات الشخصية والسياسية لاي رئيس او مسؤول او وزير او نائب او مدير او حتى اصغر عامل او موظف مدني او عسكري.
-4- نظام تابع للغرب الامبريالي ماليا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا الخ. (وانصار "السيادة" و"القومية اللبنانية" المزعومة يعتبرون ان كل خروج عن هذه التبعية للغرب يعتبر خروجا عن النظام، وخروجا عن "الشرعية اللبنانية" و"السيادة اللبنانية". فلكي تكون "لبنانيا حقيقيا!"، في نظر "الكيانيينن اللبنانيين"، ينبغي ان تكون ليس فقط تابعا لمرجعية طائفية بعينها او حزب طائفي بعينه او تيار سياسي طائفي بعينه او زعيم طائفي بعينه، بل وان تكون اولا وبالاساس تابعا للغرب الامبريالي، وللانظمة العربية التابعة للامبريالية.. الى درجة ان التبعية لاسرائيل بالذات، والقتال الى جانبها، اصبحت في نظر هؤلاء معيارا رئيسيا من معايير الانتماء الى "سيادتهم اللبنانية" و"وطنيتهم الكيانية اللبنانية").
كيفية نشوء وتطور هذا النظام
ولكي نستطيع ان نفهم طبيعة الازمة الوجودية الراهنة للبنان، ونتلمس طريقة الخروج منها، علينا ان ننظر في كيفية نشوء هذا التعهّر "السيادي" اللبناني، والخيانية اليوضاسية لـ"الكيانية الخزعبلاتية اللبنانية".
ولهذه الغاية ينبغي اولا النظر في تاريخ مدينة بيروت، والتطورات التي طرأت عليها والتي دفعت بالمستعمرين الفرنسيين لجعلها العاصمة التي اعلنوا منها انشاء "دولة لبنان الكبير".
وتشير الدراسات التاريخية انه حتى الثلث الاول من القرن التاسع عشر كانت بيروت مدينة صغيرة (اصغر من كل من طرابلس وصيدا وصور) لا يزيد عدد سكانها عن 8000 نسمة، وكان والي عكا البوشناقي احمد باشا الجزار قد سوّرها وحدّ من نموها بمنع البناء خارج اسوارها، وحوّل شؤونها الادارية والمالية الى عكا. وفي سنة 1832 دخلت الحملة المصرية (بقيادة ابرهيم باشا) الى بيروت. ودام الحكم المصري فيها حتى سنة 1841. وفي هذه الفترة كان حاكم بيروت قائد عسكري مصري هو سليمان باشا، الذي كان احد الجنرالات الفرنسيين المرتزقة الذين انضموا الى الجيش المصري لمحمد علي، المناوئ للسلطنة العثمانية. ولم يكن تعيين ذلك "الباشا" الفرنساوي حاكما لبيروت محض صدفة. وخلال فترة الحكم المصري والجنرال "سليمان باشا" الفرنساوي تم هدم اسوار بيروت والسماح بالبناء حولها. ومنذ ذلك الحين بدأ تنشيط مرفأ بيروت، التي اصبحت مقصدا للتجار الفرنسيين والاوروبيين، ومركزا للتجارة بين اوروبا وجبل لبنان والداخل السوري والعراق وفلسطين والاردن، وافتتحت فيها القنصلية الفرنسية والبنوك والوكالات التجارية الاجنبية والمعاهد والارساليات المسيحية، الفرنسية والاوروبية والاميركية. وانطلاقا من تلك الفترة تضاعف عدد سكان بيروت مرات ومرات، بفضل هذه الحركة العمرانية والتجارية والتعليمية، وخصوصا بعد المذبحة المدبرة ضد المسيحيين في جبل لبنان ودمشق في 1860، حيث نزح عشرات الوف المسيحيين الى بيروت. وقد استفاد الفرنسيون من قرب مرفأ بيروت من جبل لبنان والبقاع ودمشق فقامت شركة فرنسية في سنة 1857 بشق طريق للعربات بين بيروت ودمشق. وفي سنة 1888 تأسست شركة فرنسية لادارة مرفأ بيروت وارصفته ومخازنه، وقامت تلك الشركة بتوسيع وتحديث المرفأ وتقسيمه الىى قطاعات مخصوصة للحنطة والمواشي والسلع الاخرى والركاب، بحيث اصبح ممرفأ بيروت بوابة رئيسية بين اوروبا والمشرق العربي حتى ايران. وفي السنة ذاتها صدر فرمان سلطاني بتحويل بيروت الى "ولاية" باسمها امتدت على طول الساحل السوري حتى اللاذقية والساحل الفلسطيني حتى شمال يافا.
وخلال المرحلة الممتدة من ايام الحكم المصري حتى عشية الحرب العالمية الاولى اتيح للبرجوازية التجارية والمالية السنية ان تختلط مصلحيا وتتشارك وتتوحد مع البرجوازية التجارية والمالية المسيحية وخصوصا المارونية، وان تقيم واياها علاقات وثيقة مع الاوساط السياسية والتجارية والمالية الفرنسية والاوروبية، بالاضافة الى علاقاتها التقليدية العثمانية والاسلامية. وهذا ما اتاح لاحقا للبرجوازية التجارية السنية ان تحتل مكانة مميزة في تركيبة "دولة لبنان الكبير" العتيدة الى جانب البرجوازية التجارية والمالية المسيحية والمارونية.
وبناء عليه اذا كان يمكن القول ان إنشاء نظام القائمقاميتين ثم متصرفية جبل لبنان في منتصف القرن التاسع عشر هو (محليا، ومن زاوية نظر طائفية ــ سياسية) نتيجة صفقة طائفية مارونية ــ درزية؛ فيمكن القول ان انشاء "دولة لبنان الكبير" (="الجمهورية اللبنانية") في مطالع القرن العشرين هو (محليا، ومن زاوية نظر طائفية ــ سياسية ــ تجارية ومالية) نتيجة صفقة طائفية مارونية ــ سنية. واذا كان الرأي السائد ان انشاء "دولة لبنان الكبير" هو كناية عن إلحاق الاقضية الاربعة (بيروت والجنوب والبقاع والشمال) بمتصرفية جبل لبنان السابقة، فإنه يمكن القول، من وجهة نظر سياسية ــ تجارية ــ مالية واقتصادية، ان انشاء "دولة لبنان الكبير" هو كناية عن إلحاق متصرفية جبل لبنان السابقة، والبقاع، بولاية بيروت السابقة، بعد فصل الساحلين الفلسطيني والسوري عنها. واذا كان دولة الرئيس المكلف سعد الحريري "يتدلل" الان في تشكيل حكومة "الانقاذ الوطني" المزعوم، فإنه ــ وبكل "حسن نية" طبعا! ــ لا يقصد شيئا آخر سوى تلقين "درس في تاريخ الكيان اللبناني" للمارونية السياسية.
ونأتي الى تأسيس "دولة لبنان الكبير":
معلوم تاريخيا انه مع اندلاع الحرب العالمية الاولى دخلت السلطنة العثمانية الحرب الى جانب المعسكر المعادي لعدوها التاريخي: روسيا. ومع بداية الحرب اقدم العنصريون الاتراك (عصابة "تركيا الفتاة" التي كان ينتمي اليها الحاكم العسكري جمال باشا السفاح) على اعلان الاحكام العرفية في منطقة سوريا ولبنان وفلسطين، ونصبوا المشانق للوطنيين والاحرار العرب، والغوا امتيازات "الحكم الذاتي" لمتصرفية جبل لبنان، وفرضوا التجنيد الاجباري على المواطنين، بمن في ذلك على المسيحيين اللبنانيين لاول مرة في تاريخهم، وتوجوا كل ذلك بفرض الحصار على جبل لبنان ذي الاغلبية المسيحية، ومنعوا وصول الحنطة والحبوب اليه من الداخل السوري. وهذا ما تسبب بمجاعة كبيرة وانتشار الاوبئة في الجبل. وكان العنصريون الاتراك يتهمون المسيحيين الارمن بموالاة روسيا، والمسيحيين اللبنانيين بموالاة فرنسا. وفي 1916 صرح وزير الحربية التركي الجزار انور باشا: "إن الحكومة لا يمكنها استعادة حريتها وشرفها إلا عندما يتم تنظيف الإمبراطورية التركية من الأرمن واللبنانيين. الأوائل دمرناهم بالسيف، أما الآخرون فسنميتهم جوعا". وقد ساهم في افقار وتجويع اللبنانيين جشع التجار المحليين، المسيحيين والمسلمين ــ وكان اغلبهم مرتبطين رأسماليا بفرنسا ــ الذين استغلوا الحصار المضروب على البلاد لاحتكار المواد الغذائية ورفع اسعارها بشكل جنوني. وحسب احصاءات عديدة، مات من اللبنانيين، اكثر من 200 الف نسمة بالجوع والتيفوئيد والجدري والكوليرا، اي ربع او ثلث سكان الجبل حينذاك. وقد شبه جبران خليل جبران القتل الجماعي للبنانيين بقتل السيد المسيح، ومن وراء المحيطات صرخ ألما وحزنا "مات اهلي... مات اهلي على الصليب".
وفي 1918 دخل المستعمرون الفرنسيون الى الاراضي اللبنانية، اي دخلوا الى بلاد خارجة من مجاعة، ومن حكم تركي اسود، بلاد مدمرة اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وامنيا واداريا، بشعب مظلوم، جثث ابنائه مرمية في المزابل، جائع وخائف من كل شيء، ونخبة من التجار والمتمولين الخونة، المذعورين، الذين يرتعدون خوفا من انتقام الشعب الذي جمعوا ثرواتهم وضاعفوها عبر المتاجرة بويلاته ومآسيه. وكان المواطن العادي يريد اي "احسان" من اي طرف كان، وأي عمل يوفر له رغيف خبز، والمتمول يريد الحماية من اي سلطة كانت، بعد ان سقطت السلطة التركية التي كان يخدمها وكانت تحميه في السابق.
هذه الحالة بالذات هي التي قررت طبيعة النظام الرأسمالي اللبناني، كنظام فساد وتبعية للاستعمار، في اساس تكوينه بالذات.
ان النظام الرأسمالي (بمعناه العام)، القائم على الملكية الخاصة وحرية التبادل واستغلال العمل المأجور، قام في اوروبا بنتيجة تطور وسائل الانتاج ونشوء علاقات انتاج جديدة لم يعد النظام الاقطاعي ــ الملكي القديم يستوعبها، فقامت الهبات والثورات الشعبية الاوروبية التي حطمت قيود الانظمة السياسية ــ الاجتماعية ــ الملكية ــ الاقطاعية القديمة، واقامت انظمة جمهورية برلمانية جديدة، يسود فيها الرأسمال والطبقة البرجوازية، ولكن الجماهير الكادحة كانت تستطيع، في الانظمة الدمقراطية البرجوازية الجديدة، اسماع صوتها والنضال لاجل تحسين شروط و"سعر العمل المأجور"، من ضمن قواعد العرض والطلب في "سوق قوة العمل" الذي هو جزء لا يتجزأ من السوق العامة للنظام الرأسمالي. اي ان النظام الرأسمالي في اوروبا نشأ بشكل "طبيعي"، كمرحلة تطور "خاص" و"داخلي" للمجتمع في كل بلد اوروبي على حدة، وبارادة جماهير شعبه بالذات.
اما في "دولة لبنان الكبير" فإن الاستعمار الفرنسي (ومن خلفه النظام الامبريالي العالمي برمته) هو الذي زرع النظام الرأسمالي اللبناني زرعا مصطنعا من الخارج، وعلى ما تقتضيه مصلحة الاستعمار الفرنسي والامبريالية العالمية اولا واخيرا، والطبقة البرجوازية "الوطنية" اللبنانية لم تكن، وليست حتى الان، اكثر من اجير حقير لدى الامبريالية العالمية. اي ان الاستعمار الفرنسي صنع الوعاء الدولوي للبنان، اي "دولة لبنان الكبير" (= الجمهورية اللبنانية)، بقرار استعماري خارجي، ثم زرع في هذه الدولة، المصنوعة بارادة استعمارية خارجية، نظاما سياسيا ــ اجتماعيا ــ طائفيا ــ فساديا ــ خيانيا، تابعا للغرب الامبريالي، هو النظام الرأسمالي اللبناني، بقرار استعماري خارجي ايضا. وخلال 20 – 30 سنة نجح الرأسمال الامبريالي الفرنسي والغربي في تكوين الطبقة البورجوازية اللبنانية الكبيرة، المرتبطة بالاستعمار والامبريالية، وهي طبقة "وطنية" (اي متعددة الطوائف)، تتبع لها كل اجهزة الدولة اللبنانية والمؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية والاعلامية والتعليمية اللبنانية، العامة والخاصة، الحكومية والتشريعية والعسكرية والقضائية، وتتبع لها اقتصاديا وطائفيا وزعاماتيا الخ الطبقتان البرجوازيتان المتوسطة والصغيرة. وكانت الادوات الرئيسية التي استخدمتها السلطات الاستعمارية الفرنسية وحلفاؤها الغربيون لتكوين هذه التركيبة للنظام الرأسمالي اللبناني: العلاقات الرأسمالية الاساسية، الطائفية، الفساد، التفليس والتأديب والقمع لكل من يخرج عن الطاعة. وقد اصدر المستعمرون الفرنسيون الليرة اللبنانية الورقية المرتبطة بالفرنك وفرضوها على لبنان (اي جعلوا الاقتصاد اللبناني ولقمة عيش المواطن اللبناني تحت رحمة الطغمة المالية الاستعمارية الفرنسية. وحينما احتل الالمان النازيون فرنسا، وتشكلت حكومة "فرنسا الحرة" بقيادة ديغول في لندن، انتقل لبنان ــ مع الفرنك ــ لتحت الوصاية المالية الاسترلينية الانجليزية؛ وبعد فرض مشروع مارشال واليورودولار على اوروبا في 1949 انتقل لبنان من جديد ــ مع اوروبا ــ لتحت الوصاية المالية الدولارية الاميركية ولا يزال الى اليوم). ولنقل لبنان من تحت النفوذ الفرنسي لتحت النفوذ البريطاني طبقت مسرحية "استقلال لبنان" في 22 تشرين الثاني 1943، (وكان واضع السيناريو ومخرج المسرحية "عرّاب الاستقلال اللبناني" الجنرال سبيرز ــ السفير البريطاني في حينه). وبعد ان استلم بطلا المسرحية ــ "أبوا الاستقلال" بشارة الخوري ورياض الصلح القيادة، تحول لبنان في غضون بضع سنوات الى "مزرعة" كما سميت حينذاك، وأطلق على سليم الخوري شقيق بشارة الخوري لقب "السلطان سليم".
وقد جرى خنق كل معارضة شعبية، واطلقت النار حتى على مظاهرة للعاملات، حيث استشهدت العاملة الشيوعية وردة بطرس سنة 1946، وتم التزوير الشهير للانتخابات االنيابية في ايار 1947، وزج "شاعر الشعب" عمر الزعني في السجن حينما نظم قصيدة "جدّدلو" التي انتقد فيها التجديد لبشارة الخوري في 1949.
وفيما بعد، ولمنع تحقيق مطالب القوى الوطنية والتقدمية اللبنانية بإجراء اصلاح وطني دمقراطي في لبنان، نفذت البرجوازية اللبنانية العميلة اوامر اسيادها الامبرياليين بافتعال الحرب الاهلية اللبنانية، وتم استدعاء قوات الردع العربية، واغتيال المعلم كمال جنبلاط وتغييب الامام موسى الصدر، والتمهيد للاحتلال الاسرائيلي للبنان، وتنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا، بمؤامرة دولية "لبنانية" ــ عربية ــ اسرائيلية ــ اميركية، كما تم استدعاء "القوات متعددة الجنسية" والنيوجرسي االاميركية التي قصفت مواقع القوى الوطنية اللبنانية في الجبل بالقذائف الضخمة من عيار 16 إنشا، واخيرا هبط السوليديريون بالباراشوت السعودي وجثموا كالقدر المحتوم فوق صدر لبنان، وخلال 30 سنة قاموا مع شركائهم في ما سمي "14 اذار"، وبتوجيه وبالشراكة مع اسيادهم الامبرياليين والسعوديين، بنهب الاقتصاد اللبناني، فأكلوا الاخضر واليابس، وحمّلوا هذا البلد الصغير المعذب دينا عاما يتجاوز 100 مليار دولار، وهم يعملون الان لـ"صوملة" لبنان ودفعه الى المجاعة، تماما كما يفعلون في اليمن، بهدف اذلال وتركيع الشعب اللبناني المظلوم، وإجباره على الاستسلام والتخلي عن المقاومة ضد الامبريالية واسرائيل والرجعية العربية والاسلاموية.
واذا قام اي باحث علمي وموضوعي بأي دراسة للواقع السياسي ــ الاجتماعي ــ الاقتصادي للبنان، سيجد ان كل شيء في لبنان (كل رخصة دكان، او رخصة بيع سكاير، او سمسرة، او خدمة تسهيل ابسط معاملة في اي دائرة، او تنسيب اي جندي او رجل امن، او توظيف اي عامل او موظف او اجير في اي ادارة او بلدية او معمل، في القطاعين العام والخاص، او الانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية "من راسها لمداسها"، او الصفقات والمناقصات المشبوهة وغير المشبوهة، او زراعة البطاطا او الحشيشة، او تسجيل طفل في مدرسة، او حتى اضاءة شمعة لقديس او ولي في اي مزار ديني، الخ) ــ حرفيا كل شيء في لبنان (ما عدا الهواء والحمد لله ــ حتى الان على الاقل) هو حلقة صغيرة او متوسطة او كبيرة، مرتبطة بالفساد والطائفية والتبعية للاستعمار والامبريالية الغربية والسعودية واذنابها.
واليوم، وقد فرض الحصار الامبريالي الاميركي والغربي على لبنان، وأدخل الشعب اللبناني المظلوم في المراحل الاولى من المجاعة، نرى بأم العين كيف ان الزعيم السياسي الذي سمته اكثرية نيابية لتشكيل الوزارة، يتنزه في مختلف العواصم بافتخار، منتظرا السماح له من الخارج بتشكيل الحكومة العتيدة.
ونرى بأم العين كيف جرى نهب اموال المودعين في البنوك، بالتواطؤ الكامل مع البنوك الاجنبية، ونرى كيف يتم منع اجراء التحقيق الجنائي في الجرائم المالية الكبرى ضد الشعب اللبناني. ونرى في الوقت نفسه مسرحية تراجيكوميك تتم فيها محاولة كف يد وشرشحة قاضية لبنانية تجرأت على متابعة ملف فساد وتهريب اموال، وإحالتها هي نفسها الى التحقيق بتهمة "مخالفة القانون". ومن المؤسف جدا ان تنضم مراجع دينية كبيرة الى جوقة التشنيع على هذه المواطنة الشريفة والشجاعة، مما يدل على مدى تبعية وانحطاط واخطبوطية هذا النظام الرأسمالي اللبناني.
ان الدولة اللبنانية قادرة، نظريا، دستوريا وقانونيا، ان تتخذ قرار الخروج من التبعية للغرب الامبريالي. ولكنها اعجز من ان تستطيع ان تفعل ذلك، لان "الحكومة العميقة" في لبنان، اي البرجوازية اللبنانية الكبيرة (ومذنبها البرجوازيتين المتوسطة والصغيرة، وممثليها وزعانفها السياسيين والدينيين والاعلاميين) هي التي تحكم لبنان فعليا، ولكن ليس بالاصالة عن نفسها، بل بوصفها تابعا ووكيلا وعميلا للامبريالية الغربية واسرائيل والسعودية.
وان اي اصلاح حقيقي في لبنان، والعمل لانقاذ الشعب اللبناني من المأساة التاريخية التي اوقعوه فيها، لا يمكن ان يتم من داخل هذا النظام ذاته، بل بالخروج منه وعليه، والشروع في تأسيس نظام سياسي ــ اجتماعي شعبي ووطني حقيقي، على انقاض النظام الرأسمالي اللبناني القائم، الطائفي والفسادي، صنيعة وعميل الغرب الامبريالي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المكونات الثلاثة المميتة للكيانية اللبنانية السائرة الى الان ...
- الكيانية الطائفية اللبنانية الموالية للامبريالية
- لبنان المقاوم بمواجهة -القاتل الاقتصادي-: صندوق النقد الدولي
- المارونية السياسية المتصهينة والكيانية اللبنانية الموالية لل ...
- الاسس الطبقية الطائفية للكيانية اللبنانية الموالية للامبريا ...
- كيان الدولة اللبنانية صنيعة استعمارية
- صراع الكتلتين الماليتين اليهودية والكاثوليكية لقيادة اميركا ...
- الامبريالية العالمية والجذور التاريخية للكتلة المالية الكاثو ...
- الكتلة المالية اليهودية الاميركية تعمل لفرض سيادتها على العا ...
- الخطيئة الاصلية لوجود الدولة الامبريالية الاميركية
- اميركا: الوحش الامبريالي العالمي المهزوم
- الصراع التاريخي بين -روما- الاستعمارية الغربية والشرق
- نتائج عكسية لحرب العقوبات ضد روسيا
- اختلال التوازن الوجودي للعالم والدور التاريخي الجذري لروسيا ...
- ارمينيا الصغيرة تقطع الطريق على مشروع -تركيا الكبرى الاسلامو ...
- اميركا الامبريالية اليهودية تنحدر نحو هاوية الانسحاب من الع ...
- الامبراطورية الامبريالية العالمية لاميركا ...الى الانهيار
- اميركا المهندس الاكبر للدور الجيوستراتيجي التوسعي لتركيا
- لبنان في طور الخروج من طوق الهيمنة الاميركية
- ناغورني قره باغ: مغامرة جديدة للتوسع التركي وتجديد ابادة الش ...


المزيد.....




- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - جورج حداد - النظام الرأسمالي اللبناني وتبعيته للغرب الامبريالي