أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - آزاد أحمد علي - أصل نظام التفاهة















المزيد.....

أصل نظام التفاهة


آزاد أحمد علي

الحوار المتمدن-العدد: 6853 - 2021 / 3 / 29 - 12:09
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


تفاقمت الشكوى من الأوضاع العامة، بصيغة أو أخرى، بل سادت مشاعر الاستياء من السياسات العامة التي طبقت في السنوات الأخيرة، وجاءت جائحة كوفيد 19 لتزيد من تعقيدات المشهد العالمي العام، وربما ليس من باب ترجيح فرضيات التآمر والتصارع، لكن كمحصلة واقعية تم أيضا حرف الأنظار عن حقيقة فشل النظام الرأسمالي السائد عالميا، وخاصة فشله في مرحلة النيوليبرالية من الإجابة عن أسئلة العصر، وحل معضلات الانسان الرئيسية: كالبطالة والتلوث والصراعات الدينية والقومية، فضلا عن العدالة الاجتماعية وحسن توزيع الثروة. أفترض أنه تمت محاولة جديدة، وهي أحد أنعم محاولات التحريف والتشويش على الصعيد الفكري، التي جاءت في سياق الترويج لمصطلح، وربما لفكرة تتلخص في أن صيغة ما من نظام فكري يسود العالم ويدفعه نحو مزيد من المعضلات المركبة، وكان المصطلح أشبه بعملية ناجحة لتفريغ الشحنات. لقد فرغ مصطلح "نظام التفاهة" العديد من طاقات الغضب المتجهة نحو النظام الدولتي – السلطوي الرأسمالي السائد، فما هو جوهر هذا النظام المفترض؟
يعد الأكاديمي الكندي الدكتور آلان دونو مبتكر مصطلح "نظام التفاهة"، أو على الأقل دفع به نحو العالمية، وهو عنوان لكتاب صدر مؤخرا في بيروت عام 2020، حيث وفقت في ترجمة الكتاب ونقله الى العربية الدكتورة مشاعل عبد العزيز الهاجري. يقع الكتاب في 366 صفحة من القطع المتوسط. هذا وقد أحدث ترجمة الكتاب ونشره صدى واسعا، حتى باتت من الكتب الرائجة بل المحظوظة.
لماذا يعد كتاب "نظام التفاهة": كتابا محظوظا وكيف؟
أفترض أن هذا الكتاب من الكتب المحظوظة، لأن مجموعة من العوامل تفاعلت لرفع أسهمه، وبالتالي حددت مستوى حضوره ورواجه، ليرجح ويثقل حظه في النجاح والريادة، ان جاز التعبير.
أول هذه العوامل هو عنوانه الموفق والمعبر بدقة عن الموضوع، وخاصة باللغة العربية، إنه عنوان لامس مشاعر الاستياء وحرك أمواج الغضب من جديد، كما نفخ في جمرة المظلومية الناتجة في هذه الحقبة والتي طبعت المرحلة بسمتها، فمصطلح "التافه" قوي وفعال وكاسح في اللغة العربية، ولا أدرى ما إذا كان له نفس الدلالة والمفعول في الأصل، أي باللغة الفرنسية (La mediocratie) التي كتب بها دونو، أو في اللغة الانكليزية (Mediocracy) التي تعني الوسطية بشكل رئيس، وليست التفاهة حرفيا: (Insignificance) أو (Pettiness). مهما يكن فعلى الأرجح صدمة وقوة مفعول المصطلح باللغة الانكليزية أو اللغات العالمية الأخرى قد ساهمت أيضا في هذا الانتشار الواسع للكتاب.
أما من حيث المضمون، فشحنة الكتاب الرئيسية تتلخص في كونه قراءة نقدية خاصة وشاملة لأبرز أسس ومرتكزات هذه المرحلة الأخيرة والمعاصرة من تاريخ المجتمعات البشرية، لدرجة يعد النص نقدا شاملا لكل مناحي الحياة: العلمية والفنية والاقتصادية، والسياسية كحاصل الجمع بينها. انه كتاب مغرق بالإسناد والاقتباس، بمعنى انه غير ابداعي تماما ولا مبتكر كليا، وانما هو بمثابة تطوير وتوليف وتفعيل لما كتبه الآخرون في نفس الموضوع جزئيا على مر الزمن، على الرغم من ذلك يظل بحثا علميا – أكاديميا نمطيا. ولكن يبدو أن سر نجاحه أيضا يكمن في قدرة الباحث ألان دونو من أن يلتقط أبرز عنوان جامع ومثير للمرحلة، كما يجيب باختزال ومن زاوية مختلفة عبر هذا العنوان المثير نفسه عن أسئلة ملحة، يستجيب الكتاب ويروي التعطش لمعرفة سر هذا الانحطاط الشامل واللعنة التي لحقت بالبشرية في الآونة الأخيرة.
لقد لخص جهده البحثي في افتراض وجود "نظام التفاهة" كنظام متماسك ومسيطر عالميا، وهو بذلك يوصف بدقة ويعرف من جديد أن نظام التفاهة يمثل آخر مراحل النظام الرأسمالي المعاصر. وعلى الرغم من هذا المضمون صريح، لو فرضنا أنه ترجم المضمون بصيغ أخرى كأن عنون الكتاب ب: "أسوأ مراحل النظام الرأسمالي أو انحطاط الرأسمالية" على سبيل المثال، ربما لم يكن قد نال جهده الكبير هذا ربع هذا الاهتمام.
سأتطرق لعلاقة نظام التفاهة عند دونو بدور المال والنظام الرأسمالي فقط، نظرا لتشعب كتابه النقدي، وتطرقه لجملة من الحقول الأخرى.
يحيل ألان دونو جذر نظام التفاهة لدور المال – العملة في الجوهر، ويعده الناقل الأول لمرض التفاهة، إذ أن المال هو ناقل لعدوى التفاهة، بل حب المال هو مرض عضال: "يصنع المال ساترا يخفي كل شيء. لقد فرض المال نفسه على الثقافة الحديثة كطريقة لحساب متوسط القيمة (average value)، بعدما أصبح العلامة المفضلة للتوسط بين السلع. فهذه الوحدة للقياس المتوسط للقيم فرضت نفسها خلال التاريخ كناقل للتفاهة." ص201
وتفاقم الدور السلبي للمال في سياق سيرورة تاريخية طويلة: "تبدأ المشكلات عندما نتوقف عن النظر الى النقود كوسيط للقيمة، فنبدأ نتصرف كأنها تتضمن قيمة، أو كأنها في حد ذاتها قيمة." ص202
إلى أن تحول هذا الدور ضمن علاقات النظام الرأسمالي الغربي الأوروأمريكي: "تبدو النقود وكأنها مقدر لها أن تختلس، وأن تستخدم كرشوة. وهكذا، لأن النظام الثقافي الغربي فرض لعبته الخاصة بالنقود على العالم، مفسدا اياه بذلك، فإن الأمور تعرض نفسها بذات الطريقة، في كل مكان." ص 211
وهكذا فالنظام الرأسمالي وطاقة النقود هي التي دفعت وتدفع أغلب مناحي الحياة نحو التسليع، بمعنى القدرة على السيطرة والاستحواذ كليا على المنتج البشري سواء كان ماديا أم ثقافيا عن طريق الرأسمال، فمقتضيات الربح وتراكم النقود من قبل الممول دفعت حتى المنتج العلمي والثقافي وخاصة الفني نحو التسطيح بل نحو التسفيه، وهذه الظاهرة أو الميكانيزم، أي التسليع والتسطيح ومن ثم خدعة التسويق تظل أبرز سمات نظام التفاهة، وبالتالي يمكن الاستنتاج أن نظام التفاهة هو استطالة معاصرة للنظام الرأسمالي، وهو بذات الوقت على علاقة جدلية مع النظام الضامن والمسيطر على المجتمعات البشرية تاريخيا، بمعنى أن النظام الرأسمالي في مراحله الأخيرة هو المنتج لنظام التفاهة. فنظام التفاهة هو الاسم الجديد، بل العنوان المثير للنظام الرأسمالي نفسه.
لكن دونو لا يجد الحل والخروج من نظام التفاهة تقليديا، وانما ركز على الرفض لما هو قائم والنقد لكل ما هو سائد، نقد لكل ما يقودنا إلى الانحطاط الأخلاقي والنفسي والاجتماعي، مع ضرورة الاستفادة من التجارب الثورية والاتجاهات الفكرية السابقة، كاليسار مثلاً، لكنه لم يقترح طريق اليسار ومناهجه كمخرج من دوامة نظام التفاهة، بل نقد اليسار نفسه وأيديولوجياتها، واقترح مخرجا راديكاليا معوما وغير واضح المعالم: "أنا، النكرة، المسكين، Poor Littel Nothing، ما الذي يمكنني عمله بهذا الصدد؟ توقف عن السخط وانتقل الى السؤال التالي: اعمل بلا هوادة لخلق توليف من القضايا الوجيهة، إلتق بآخرين في تجمعات بخلاف تلك الطائفية والشللية، اسخر من الآيديولوجيات، اختزل المصطلحات التي تريد البروباغاندا كتابتنا في جوهر ذواتنا، وحولها الى موضوعات مجردة للتفكير، تجاوز أساليب السيطرة التي تمارسها المنظمات، وحاول خلق بنى تشبهنا. كن راديكاليا!" ص365
ولكن أي راديكالية يرديها دونو لكي تكون قادرة على ازاحة نظام التفاهة المهيمن عالميا؟!



#آزاد_أحمد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معركة كوباني: أسست لأممية ناعمة في مواجهة إرهاب متوحش
- استثمار التطرف التركي – الايراني؟
- العلاقات المتشابكة بين الدول النفطية والفساد (2)
- العلاقات المتشابكة بين الدول النفطية والفساد (1)
- ابداعات وعقد ليوناردو دافنشي
- الحاجة للخديعة والحنين للحماقات
- عبثية الحروب في رواية كهرمان
- غرق مدينة أم تدمير حضارة
- الشركات تضع يدها على عمارة الفقراء
- متى تستغني الجبال عن السلاح؟
- نحو رسم ملامح المدرسة المعمارية السورية
- دولة المجاز والجماجم ...من ماردين الى عفرين
- مقاربة جديدة لمسألة الهوية والخصوصية في العمارة السورية
- هل ولد الكتاب المقدس في بابل؟
- لماذا تنعطف أمريكا نحو اليسار؟
- الحرب الأمريكية الإيرانية المؤجلة
- بعد سبعين سنة من تأسيس الناتو: الثوابت والمتغيرات
- المطلوب نقد ومراجعة لدور الحركة الكوردية في سوريا
- لماذا حلف أردوغان يشكل العدو الأول لشعوب المنطقة؟
- منطقة آمنة في إقليم مشتعل، كيف؟!


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - آزاد أحمد علي - أصل نظام التفاهة