أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آزاد أحمد علي - غرق مدينة أم تدمير حضارة














المزيد.....

غرق مدينة أم تدمير حضارة


آزاد أحمد علي

الحوار المتمدن-العدد: 6657 - 2020 / 8 / 25 - 00:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


غرق مدينة أم تدمير حضارة
حسنكيف المدينة – الأسطورة، المدينةُ الحية التي كانت تشبهُ المتحفَ، المدينة التي تختزلُ تاريخَ المشرق، بأفراحِهِ وآلامِهِ، بانجازاتِهِ ومآسيه، المدينة المتعددة الصفاتِ والمزايا، وآخرُها، المدينة التي ستختفي.
نعم هكذا بكلِّ بساطةٍ، ستختفي واحدةٌ من أقدم مدن العالم، ستغطسُ تحت الماء، أو ستُغرَقُ بحججٍ كثيرةٍ. ستُغرَقُ حسنكيف ليس بإرادتها ولا برغبة أهلها، فقد حُكِمَ عليها بالغرق، وتمَّ تثبيتُ الحكم بدون اعتراضٍ أو نقضٍ. لقد تمَّ التخطيطُ لغمرها بالمياه، بل حُكِمتْ عليها بالزوالِ من قبل همج العصر، يتمُّ اغتيالُها من قبل أعداءِ التراث وقَتَلة التاريخ. لقد حُكِمَ عليها بالاختفاء، لكي تختفي معها ثقافةٌ متكاملةٌ وسجلٌّ موثقٌ بالحجر والنقش من تاريخ المشرق. تزولُ حسنكيف، ومعها ستزولُ حقبةٌ طويلة من تاريخ المشرق، حقبة تجسّدَتْ تماما في تلك المدينة الخالدة وفي محيطها. المشكلة ليست في التاريخ والتراث والثقافة الجامعة لشعوب المنطقة فحسب، بل مرتبطُ بأحلامِ ومشاعرِ وذكريات مئات الألوفِ من سكانها وجوارها القريب المفجوعين بهذا القرار القاسي، القرار الجائر، كجورِ سائرِ سياساتِ الحكام الغزاة الأتراك منذ مئات السنين.
حسنكيف تُغرَقُ بمساجدها ودُورِها السكنيةِ، بكهوفها وكنائسها القديمة، تُغرَقُ وتُجرَفُ معها الكثيرُ من الروح الإنسانية، تُغرَقُ معها كلُّ الأحلام في البقاء والتنزُّهِ والعيشِ على ضفاف دجلة الخالد. سيذرفُ محبوا التراث والتاريخ عليها الدموعَ. ولكن، كجلِّ السياسات التركية، تلك السياساتِ القاتلة للأحلام والجمال، ستمرُّ كلُّ القرارات التركية كما مرَّتْ كلُّ المجازر المادية والمعنوية الموجهة ضد إنسان المشرق، سيمرُّ اغتيالُ هذه المدينةِ كما مرَّ من قبل كلُّ اغتيالاتِ التاريخ، تدميرُ المجتمعات وتجريفُ آثار الحضارة...
فكما نحلمُ نحنُ بالتعايش والحبِّ والجمالِ، هم مولَعون بالقتل والإعدام وتغيير تاريخ المنطقة، استبدال البشر وإغراق الحجر والآثار.
لقد أُعدِمَتْ مدينةُ حسنكيف الكردية العربية السريانية، وحُكِمَ عليها بالموت غرقاً، لكنَّ العبرةَ ليس بالإغراق الفيزيائي لجسد هذه المدينة، لأنَّ مشروعَ تركيا قائمٌ على إغراقِ الآخرين، وستمرُّ دون حساب بفضل الإغراق الروحيِّ لمساحاتٍ واسعةٍ من المشرق وأوربا. إنه مشروعٌ أُسِّسَ على دعاماتِ تدميرِ روحِ التنوُّعِ والتعايش.
لقد كانت حسنكيف، مدينةَ المعابد والكنائس الأولى، كانت مدينةَ المساجدِ والتكايا، مدينةَ الحدائقِ والأسماكِ الذهبيةِ، مدينةَ المغاورِ، مدينةَ انسانِ الشرقِ الأولِ، مركزَ آخرِ مملكة أيوبيةٍ، وحلقةَ الوصلِ تاريخياً بين فارقين ودولتها المروانية، ومدينة جزيرا بوتان وإمارتها البوتانية. لقد كانت مدينة العلماء والمتصوفة، كانت ... وكانت حتى تنتهي كلُّ المفردات.
الاغراقُ والإعدام لمْ يكنْ قراراً ارتجالياً، ولا وليدَ اليومِ والأمسِ، أنها خطةٌ ممنهجة منذُ عقودٍ، بل منذُ مئاتِ السنين، خطةٌ للتخلُّصِ من تاريخ المنطقة، قبلَ التخلصِ من البشر والشجر والحجر، لتظلَّ الأرضُ، كلُّ هذه الأرضِ جرداءً، جرداءً من ذاكرتها وتاريخها وثقافتها، لتبقى الأرضُ عاريةً هزيلةً تستقبلُ أحفادَ الغُزاة الهمجِ. الهمجُ الذين غَزَوا هذه الأرض وكانوا مجرّدين إلا من اسلحتهم وولعهم بسفكِ الدماءِ واغتيالِ الجمالِ ...
ليست أقدمُ مدينةٍ في التاريخ معرضةٌ للغرق فحسب، بل ثمةَ ما هو أكثرُ قيمةً وأهميةَ أيضاً في انتظار دوره في الغرق. فالهدفُ كما قلنا ونكرِّرُهُ هو اغراقُ قِيَمِ التعايُشِ والتعاونِ في مجتمعاتنا، الهدفُ هو إلغاءُ كلِّ ما هو راسخ وناصعٌ في ماضينا المشترك.
فنحنُ ندخلُ عصرَ الغرقِ والإغراق، الطوفانُ يجتاحُ مجتمعاتِنا، طوفاناً بعد آخر، الطوفانُ الذي يقودُه العسكرُ والرأسمالُ المدجَّجُ بالأسلحة والثقافاتِ المتوحشةِ، طوفانٌ يقودُه ساسةٌ شعبويون، دمىً بشريةٌ، صغارٌ وجبناءٌ تافهون إلى أقصى حدودِ التفاهة!. فهلْ مِنْ قوةٍ تستطيعُ التكاتفَ في وجهِ هذا الطوفان؟ فهلْ مِنْ عملٍ وجُهدٍ جماعيِّ قادرٍ على التخفيفِ من آثارِ هذا الطوفان، قادرٍ تجنيبِ مجتمعاتنا من الغرقِ في الظُلُماتِ، ظُلُماتِ العصبيةِ والجشعِ والفسادِ، فهلْ مِنْ حُلمٍ قادرٍ أن يتحققَ ويُقوِّضَ أركانَ التفاهةِ، التفاهةَ التي تُغرِقُ البشريةَ بسيولِها عاماً بعدَ آخر؟!..



#آزاد_أحمد_علي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشركات تضع يدها على عمارة الفقراء
- متى تستغني الجبال عن السلاح؟
- نحو رسم ملامح المدرسة المعمارية السورية
- دولة المجاز والجماجم ...من ماردين الى عفرين
- مقاربة جديدة لمسألة الهوية والخصوصية في العمارة السورية
- هل ولد الكتاب المقدس في بابل؟
- لماذا تنعطف أمريكا نحو اليسار؟
- الحرب الأمريكية الإيرانية المؤجلة
- بعد سبعين سنة من تأسيس الناتو: الثوابت والمتغيرات
- المطلوب نقد ومراجعة لدور الحركة الكوردية في سوريا
- لماذا حلف أردوغان يشكل العدو الأول لشعوب المنطقة؟
- منطقة آمنة في إقليم مشتعل، كيف؟!
- إئتلافيّون أم أنفاليّون جدد في عفرين؟
- غصن الزيتون أم شجرة الاستيطان؟
- قصة أول بيان تضامني مع حلبجة قبل 28 سنة
- سنجار من منظور ثقافي وكتراث انساني
- لماذا تعادي بريطانيا-العظمى- كوردستان الناشئة؟
- الإنتخابات التونسية رسخت الإصلاحات أم ودعت الثورات؟
- كوباني: قصة نجاح على حافة التجميد
- ملامح محنة العرب السنة


المزيد.....




- ترامب: إيران لا تربح الحرب مع إسرائيل وعليها إبرام اتفاق قبل ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر فيديو لتدميره مقاتلات إيرانية في مطار ...
- -إيرباص- تفتتح معرض باريس بصفقة ضخمة مع السعودية
- معدلات تخصيب اليورانيوم في إيران: من نسبة 3.67 في المئة إلى ...
- ترسانة إيران الصاروخية: أي منها لم يدخل بعد في المواجهة مع إ ...
- بينهم رضيع.. مقتل 48 فلسطينيًا في قصف إسرائيلي جديد شمال غزة ...
- ترامب في تهديد مُبطّن: على إيران التفاوض قبل فوات الأوان
- العمل لساعات طويلة -يغير من بنية الدماغ-.. فما آثار ذلك؟
- بمسدسات مائية..إسبان يحتجون على -غزو- السياح!
- ألمانياـ فريق الأزمات الحكومي يناقش إجلاء الألمان من إسرائيل ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آزاد أحمد علي - غرق مدينة أم تدمير حضارة