أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - القاهرة في ذكراها














المزيد.....

القاهرة في ذكراها


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1625 - 2006 / 7 / 28 - 10:16
المحور: الادب والفن
    


أبداً، ارتسمت القاهرة في ذهني مكاناً متخيلاً، ومدينة منسوجة من خيوط الأحلام والأساطير. لها، عندي، هالة سحرية. وسبب ذلك، ربما، هو أنني لم أزرها قط، على الرغم من توقي لرؤيتها منذ زمن بعيد.. كان في بلدتي الصغيرة التي نشأت فيها "السعدية" رجل هو العم شفيق البقال، مولع بشخص جمال عبد الناصر ومهووس بإذاعة صوت العرب، حتى قيل أن مؤشر جهاز الراديو، خاصته، قد تيبس بفعل الصدأ عند موجة تلك الإذاعة. وهناك سمعت للمرة الأولى، وأنا طفل، كلمة "القاهرة". وفيما بعد، في مرحلة مراهقتي، أخذتني الأفلام المصرية الرومانسية بأبطالها وبطلاتها الكبار "عمر الشريف وعبد الحليم حافظ ورشدي أباظة ونادية لطفي وسعاد حسني وفاتن حمامة، الخ" على أجنحة تهويمات آسرة إلى أجواء هذه المدينة، غير أن القاهرة المجللة بالإثارة والجمال النادر والغموض، في صورتها التي انطبعت في مخيلتي، ولم تغادرها منذ أكثر من ربع قرن هي تلك التي عرفتها من خلال روايات نجيب محفوظ.. صحيح أنني قرأت، قبل ذلك وبعد ذلك، روايات طه حسين وتوفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس ومحمد عبد الحليم عبد الله ويحيى حقي وجمال الغيطاني وغيرهم، إلا أن قاهرة نجيب محفوظ ظلت هي الأثيرة، وبفضلها تعرفت على الجمالية والعباسية والقاهرة الجديدة وخان الخليلي وزقاق المدق وبين القصرين وقصر الشوق والسكرية، فضلاً عن حارات وأزقة أُخر، وشوارع وأسبلة وجوامع وحمامات وخانات وأسواق لا تحصى، والغريب أنني أحن أحياناً لهذه الأمكنة وكأني عشت فيها خلال عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن العشرين.
وكما قدّم الإبداع السردي المصري القاهرة وتاريخها برؤى وأساليب ثرية وخلاقة، كذلك فعلت الدراما المصرية، ويكفي أن نتذكر مسلسلات تلفازية كالشهد والدموع، وليالي الحلمية، والمال والبنون، وبين القصرين، وقصر الشوق، وبوابة الحلواني لنعرف إلى أي حد استطاعت هذه الدراما تمثيل تاريخ القاهرة بأسرارها وأمجادها وعثراتها وأخطائها وأحلامها.
في مثل هذه الأيام تحتفل القاهرة بذكرى تأسيسها، ففي تموز من العام 969م وضع جوهر الصقلي قائد جيوش المعز لدين الله الفاطمي حجر الأساس لها، وكان الهدف من إنشائها في أول الأمر هو أن تكون قلعة عسكرية لحماية الفسطاط إلا أنها أخذت منحى آخر وشكلاً مختلفاً لأن تفكير المعز كان ابعد من تفكير قائد جنده. وانطلاقاً من الشغف الشرقي بإحاطة كل ما نحبه أو نخشاه بهالة أسطورية وضع الخيال الشعبي أسطورة، ربما كان فيها بعض من العناصر الواقعية، حول فكرة بناء القاهرة.. تقول الأسطورة: ( إن جوهر اختار موقع المدينة، بناء على تنبؤات فلكية، رسم على الموقع مربعاً طول ضلعه ثلاثمائة وستون متراً، ورسمت على طول محيطه أعمدة متصلة بحبال علقت فيها أجراس، واجتمع الفلكيون يتطلعون إلى السماء حتى يحددوا لحظة بدء العمل، بناء على حركة الفلك في السماء، حينما يظهر في السماء كوكب أو فأل حسن، عندها يهز الفلكيون الحبال، وهي إشارة البدء للعمل في كل أنحاء المدينة. وخلال انتظارهم دق الأجراس، إذا بغراب يحط على الحبال المشدودة، وتدق الأجراس، ويتصور الموكل إليهم البناء أنها الإشارة المنتظرة. ويشرعون في العمل، عندما كان كوكب المريخ صاعداً، وهو قاهر الفلك، مما يعني أن المدينة الجديدة ستقهر كل من يعتدي عليها، لذا سماها المعز القاهرة..). خلاصة الأسطورة هذه اقتطعتها من استطلاع واسع كتبه مصطفى نبيل ونشر في العدد الأخير ( تموز/ 2006 ) من مجلة "العربي" الكويتية وكان بعنوان "قاهرة المعز تبعث من جديد" بعدما منحته الصور الملتقطة بفنية عالية بعدسة رضا سالم حيوية لافتة للنظر. وفيه يسوح الكاتب في قاهرة الفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، ويقف أمام الآثار الإسلامية العظيمة، لكنه يتأسى على ما آلت إليه تلك الآثار اليوم، بعد أن زحفت الأكشاك والمحلات لتغطي وتحجب تلكم الآثار حيث يختلط الآن، وكما يقول نبيل، عطر الماضي بروائح بقايا المأكولات، وتتشبث الصناعات التقليدية بآخر معاقلها.
تختزن القاهرة تاريخاً حافلاً بالأحداث والوقائع وإنجازات شخصيات معروفة وغير معروفة. فهي، حتماً، حياة غنية، فوارة، متناقضة ومتناغمة، تلك التي تعيشها مدينة مثل القاهرة، فيها مترشحات الطبيعة الإنسانية وسلوكها كلها؛ خيرها وشرها، قوتها وضعفها، آمالها ومخاوفها، مباهجها ومحبطاتها، وقدرتها على التجدد والاستمرار.
أُنشأت القاهرة الفاطمية لتنافس بغداد العباسية، وكلتاهما بقيت حاضرة زاهية بُنيت بجهد وعرق ودماء وعصارة فكر وفن وعلم أجيال وأجيال، وكلتاهما مرت بعصور زاهرة وأخرى عصيبة.. عرفتا على امتداد تاريخيهما البناة والمصلحين والمبدعين والطغاة والغزاة. وفي كل مرة، بعد كل حريق وتدمير، كانتا تخرجان من رمادهما أكثر جمالاً وفتوة وقوة وإصراراً على الحياة.
نستذكر القاهرة، ونستعيد صورة بغداد في أزمنة ازدهارها فنمتلئ حزناً عليها وهي تكابد، في هذا المنعطف الدقيق من تاريخها، من أجل ولادة جديدة.. هي عسيرة، لكنها مؤكدة.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صور قديمة
- إدوارد سعيد: داخل الزمان.. خارج المكان
- النخب العراقية في حاضنة المقاهي
- حول المونديال
- نخب سياسية.. نخب ثقافية: مدخل
- حبور الكتابة: هيرمان هيسه وباشلار
- قصة قصيرة: في أقصى الفردوس
- حوار مع القاص سعد محمد رحيم
- تحقيق: بعقوبة ابتكارالبساتين
- قصتان قصيرتان
- في رواية اسم الوردة: المنطق والضحك يطيحان بالحقيقة الزائفة
- قصة قصيرة: الغجر إنْ يجيئوا ثانية
- من يخاف الحرية؟. النسق الثقافي والمحنة السياسية
- قصة قصيرة: زهر اللوز
- شهادة: هكذا تكتبني المحطات
- شقاء المثقفين
- فضاء مكتبة.. فضاء الكون*
- سحر ماركيز
- الرواية وسيرة الروائي
- المثقف: إشكالية المفهوم والوظيفة


المزيد.....




- دعوات من فنانين عرب لأمن قطر واستقرار المنطقة
- -الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال ...
- ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل ...
- صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - القاهرة في ذكراها