أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - قصة قصيرة: في أقصى الفردوس














المزيد.....

قصة قصيرة: في أقصى الفردوس


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1543 - 2006 / 5 / 7 - 12:00
المحور: الادب والفن
    


احتمال غير مؤكد(1)
بمحاذاة السياج الشجري نقّل خطواته.. بدا حذراً كما لو أنه كان يتوقع أمراً ما، لا عهد له به، سيحصل.
الرحاب النادر لأزهار الجهنمية، والرذاذ الشذي للرازقي، والآس بأناقته المشذبة الراسخة.. هذه الأشياء كلها غمرته بحزن نائح، وجعلته يرمي سيجارته أرضاً ويدوسها، ويركل حصاة صغيرة كانت على طريقه. وفي ثنية ما، جد غائرة، من ثنيات روحه، تألق ضوء مؤسٍ باهر لجزء من الثانية لمّا أنَّ الباب – باب الحديقة الخشبي – وهو يدفعه ليدلف.. ثم انطفأ الضوء، وسبحت ثنيات الروح في قتامة موحشة، فألفى نفسه على فراش كثيف من العشب، تحاصره سكينة ساعة العصر فحدسَ؛ أنْ لا أحد دخل هذه الحديقة منذ زمن طويل.
مشى نحو المقعد الأثير – مقعدهما – الذي يكاد يكون ذاكرة أنبل أسرارهما، يوم كانا يحتميان، من أذى العالم، بسور من أغصان الليمون، ويباركان الحياة بالقصائد والقبل والضحكات.
أحنى رأسه ليتحاشى فرعاً نافراً كان يعيقه حتماً، فتنمَلت، على حين فجأة، أطرافه ، وأمسك به ما يشبه الرعب حين أبصر امرأة، بيدها ضلع مكسور من أضلاع المقعد – مقعدهما – وقد جلست عليه.
أفكار مضطربة تسارعت في رأسه الذي بقي على انحناء ته ( من تكون هذه المرأة؟ ولماذا جاءت إلى هنا؟ ولماذا كسرت ضلع المقعد؟ ).. ووجد نفسه أمام خيارين؛ إما أن يتراجع ويترك المرأة لشأنها أو أن يقترب ليواجهها، ولا يدري ما الذي أرغمه على خيار الاقتراب.
حدّقت فيه وقالت؛
ـ هكذا إذن ، بعد أن تأخرت طويلاً، وجعلتني أحطم هذا المقعد.. ولو لم تأت..
ـ ماذا؟!.
ـ اجلس.
أغمض عينيه وفتحهما.. تفرس في وجهها، وتأكد من أنه لم ير هذا الوجه من قبل.. تلفت حواليه، وشاهد استبداد نور النهار، والفوضى الودودة للألوان، وفكر في ما إذا كان يحلم الآن، أو أنه يحيا لحظات صحو حقيقية؟. غير أنه ظل يتساءل في دخيلته؛ ( من تكون هذه المرأة؟ وهل تعرفه حقاً؟ أم إنها مجنونة؟ ).
قالت له: تبدو مثل مجنون.
قالت له: لِمَ لمْ تحلق شعر رأسك ولحيتك؟.
قالت له: وما هذه الأسمال التي ترتديها؟.
قالت له: وأين هي حقيبة أوراقك التي لم تكن تفارقك؟.
قالت له: والقصيدة.. قصيدتك الأخيرة.. هل أتممتها؟.
وبقي هو ساكتاً، لا ينبس بكلمة.
أحس بصدع يشطره في الأعماق، ويسلَّمه لحالة من فقدان الوعي.. ومر وقت غير قصير قبل أن يهز رأسه ويتمتم:
ـ من أنت ؟. من تكونين؟
وقفت، وفغرت فاها، وارتسم على محيَاها جمود مفزع، فتهيأ له أنها ستصفعه، أو ستضربه بضلع المقعد المكسور على رأسه.
ـ أنا لا أعرفك سيدتي.
وثبتْ عليه مثل لبوه فأمسك بها.
هنا حدث شيء محير. فبعد أن استيقظ يحيط به الظلام ويمضَه البرد والألم والجوع، رأى أن من المستحيل أن يتيقن من حقيقة ما جرى.
كان يشعر بالخوف، وبالرغبة في الابتعاد.


احتمال غير مؤكد (2 )

كسرت المرأة غصن شجرة ليمون لما سمعت وقع أقدام محترسة تقترب، وتساءلت في سرِّها؛ ( مَنْ من حقه دخول هذا المكان بعد رحيله؟. من بإمكانه أن يجرؤ على اقتحام هذا المحراب الذي صنعاه معا طوال سنوات؟ ).
حدقت فيه.. كان وجهه ملتبساً، تمنحه أقراص الضوء المتلاعبة بهاءً ووحشية.
قالت : ارجع.
قال: ينبغي أن تفهمي.
قالت: من تكون أيها الأبله؟.
قال: تبدين مثل مجنونة.
صاحت: أنت المجنون.
قال: انظري إلى أسمالك هذه، وشعرك الذي لم تمشطيه.. أنا أفهم…..
قالت: أخرج، قبل أن أجعل دمك يسيل.
قال: لقد جئت من أجلك.. أنا نادم.
قالت: من أنت؟
وانقضت عليه، وتشابكا.
لا شك أن شيئاً ما تزحزح عن موضعه، وتغيرت الخارطة.. خارطة وجودهما الخفية، فغابت عن العالم لحين من الدهر، لكنها حين استفاقت على أنين الأرض الباردة، وخشخشات النجوم وهي تغمزها من بين أوراق الليمون، كانت مفعمة بالغبطة، والرغبة في البكاء، تشعر في أقصى روحها بحضور الفردوس.. الفردوس الساحر والعصي.. الفردوس المحال.
تستحضر، الآونة، كسراً من أنفاس عفنة، وهيجان بهيج.. شيئاً آثماً وقدسياً.. عنيفاً وعميقاً وناعماً ومباركاً، ومنفتحاً على فسحة مظللة، معتمة، وهو بعيد بُعداً لا سبيل للوصول إليه، وقريب، غاية في القرب، حتى لا يمكن رؤيته البتة.
تتمددُ على العشب ، وتقرر البقاء.
احتمال من الجائز تأكيده:

نادته: نور.
ركض نور محاذاة السياج الشجري.. رأته جزءاً من رونق أزهار الجهنمية، وشذى الرازقي، وأناقة الآس، وكررت النداء:
- نور.
عثر نور بحصاة صغيرة، وسقط ليجد نفسه فجأة، بين ذراعي رجل، غمرته أنفاسه الحارة فبدا قلقاً، غير أنه لم يعترض. أما هي فوقفت بارتباك ظاهر تحدج الرجل، ولا تستطيع الكلام، حتى إذا نطقت أخيراً، متلعثمةً.
ـ كنت أعرف أنك ستجيء.
ضحك بصخب ، ثم طاف في عينيه حزن صافٍ وقال:
ـ أرجو أن يكون حدسك في محلهِ.
قالت: إنك الآن أمامي.. وبيننا نور.
وكان نور ما يزال على ذراعيه، مستكيناً، حائراً، فقال بنبرة مشروخة، وهو يضع الطفل أرضاً.
ـ هذا، إذا كنت أنا.. هذا الواقف أمامك.
2000



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع القاص سعد محمد رحيم
- تحقيق: بعقوبة ابتكارالبساتين
- قصتان قصيرتان
- في رواية اسم الوردة: المنطق والضحك يطيحان بالحقيقة الزائفة
- قصة قصيرة: الغجر إنْ يجيئوا ثانية
- من يخاف الحرية؟. النسق الثقافي والمحنة السياسية
- قصة قصيرة: زهر اللوز
- شهادة: هكذا تكتبني المحطات
- شقاء المثقفين
- فضاء مكتبة.. فضاء الكون*
- سحر ماركيز
- الرواية وسيرة الروائي
- المثقف: إشكالية المفهوم والوظيفة
- كالفينو: الوصايا والإبداع
- مكر كونديرا
- في رواية -الإرهابي- لديفيد معلوف: هل حدثت الجريمة حقاً؟.
- حياة أوفيد المتخيلة
- المثقف والفاشي وهاجس الأرشيف
- في رواية ( كل الأسماء ) لساراماغو: البحث عن الذات عبر البحث ...
- بين كاداريه وساراماغو: أضاليل التاريخ ومناورات الروائي


المزيد.....




- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - قصة قصيرة: في أقصى الفردوس