أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الرواية وسيرة الروائي















المزيد.....

الرواية وسيرة الروائي


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1453 - 2006 / 2 / 6 - 11:26
المحور: الادب والفن
    


النصيحة الذهبية التي يقدمها الروائيون الكبار لأقرانهم المبتدئين ، في الغالب ، هي أن يكتبوا عن الأشياء التي يعرفون عنها أكثر من غيرها ، وهذا يعني أن يقتربوا من تجاربهم التي تمثلوها ، ومشاهد الحياة التي خبروها ؛ أي أن يكتبوا عن حيواتهم وعصرهم ، والناس الذين عاشوا معهم ، ولهذا نرى أن الأعمال الروائية الخالدة هي تلك التي كانت في جوانب منها سيراً لأصحابها ، أو شذرات من هذه السير . فكان همنغواي / الروائي موجوداً في رواياته ( الشمس تشرق غداً ، وداعاً للسلاح ، لمن تقرع الأجراس ، عيد متنقل .. الخ ) وكان بروست / الروائي موجوداً في روايته ( البحث عن الزمن الضائع ) وكان هيرمان هيسه / الروائي موجوداً في رواياته ( دميان ، سدهارتا ، كنولب .. الخ ) وكان نجيب محفوظ / الروائي موجوداً في ثلاثيته ، وهكذا الأمر بالنسبة لنماذج أخرى كثيرة .
وإذا كانت الرواية والسيرة الذاتية جنسين أدبيين ينتميان إلى عائلة السرديات فإن نقطة الافتراق الأولى بينهما هي أن الرواية عمل فني يستند إلى الخيال وأن السيرة الذاتية عمل فني يستند إلى الوقائع ، ومن هنا باستطاعتنا أن نحاكم السيرة على وفق معايير الحقيقة والصواب والأمانة التاريخية ولا نستطيع أن نفعل الشيء عينه مع الرواية إلا بحدود ضيقة .
إن الرواية تترشح من خلال رؤية كاتبها .. هذه الرؤية التي تنضج في أتون الواقع وعلى محك التاريخ بالتفاعل مع الثقافة المتاحة ، ويكون اعتمادها على قدرة الروائي في اختلاق أحداث وشخصيات هي من بنات عملية التخييل ، في ما تعتمد السيرة على خزين الذاكرة ، والوثيقة .
ما كان لكونستانتان جورجيا أن يكتب رواية ( الساعة الخامسة والعشرون ) لو لم يكن قد عاش النصف الأول من القرن العشرين ، في أوروبا تحديداً حيث اندلعت حربان عالميتان طاحنتان وتسيدت أنظمة شمولية ذوات سطوة قاهرة كالستالينية والفاشية والنازية ، جنباً إلى جنب مع تقدم علمي تقني في إطار نظام رأسمالي استعماري فاعل ، وفي إطار التجربــة التاريخية ذاتها كتب جورج أورويل روايته ( 1984 ) ، غير أن ما يرسم الاختلافات بين الروايتين هو التباين في خلفية وشخصية ورؤية كل من الكاتبين ، فما كان لأورويل / الإنجليزي أن يكتب روايــة ( الساعة الخامســـة والعشــرون ) ، وما كان لجورجيــو / الروماني أن يكتب رواية ( 1984 ) فحضور الخلفية والرؤية وخصائص الشخصية في العمل الروائي أمر مؤكد . وإذا ما كانت روايتا ( 1984 ، والساعة الخامسة والعشرون ) تنهلان من التجربة التاريخية فإن رواية ( القصر ) لكافكا ، على سبيل المثال ، تبدو بعيدة عن الممكن التاريخي ، على الأقل في بنيتها الظاهرة .
ففي هذه الرواية ( القصر ) يحاول الشخصية الرئيسة ( ك ) الوصول إلى القصر لمعرفة وضعه الحقيقي فهو مرسل إلى القرية المحكومة من قبل القصر بصفته موظفاً مسّاحاً فيقال له أن القرية ليست بحاجة إلى هذه الوظيفة ، إلا أنه لا يتسلم إجابة قاطعة عن هذا الموضوع على الرغم من محاولاته المتكررة للوصول إلى القصر .
فهل أن هذا القصر هو تجسيـد لسلطة الأب ، أم لسلطـــة الدولـة ، أم لسلطـــة الله ؟ .
إن محنة ( ك ) الوجودية ، هاهنا ، هي أنه لا يعرف شيئاً عن وضعه الحقيقي في علاقته مع القصر ومع الآخرين ؟ فالقصر يراقبه من خلال مرافقين ينامان معه حتى في غرفة نومه مع زوجته ، ولكنه ـ أي القصر ـ لا يكترث به من جانب آخر ، ولا يقول له أن عليه البقاء أو الرحيل ، ولن يعرف ( ك ) قط ماذا عليه أن يفعل على وجه التحديد ؟ .
لقد عاش كافكا ، في حياته ، أزمة علاقة مع أبيه ، وفهمَ إشكالية العلاقة مع الدولة الرأسمالية ، وكان ابناً لعصر الشكوكية واهتزاز القيم والإيمان . فهل نستطيع القول أن كافكا كتب شيئاً مفارقاً لواقع تجربته أم أنه عكس سيرته الذاتية رمزياً في عمله هذا وفي أعمال أخرى مثل ( المحاكمة ، والمسخ ) .
إن تجربة حياة خصبة ومعطاء جديرة بأن تُسجل . ولاشك أن المبدعين العظام هم نتاج تجارب من هذا القبيل ، والاستقصاء في أعماق وحواشي هذه التجارب تمنحنا مفاتيح أساسية للتعرف على نتاجات هؤلاء وبيان على أية خلفية سياسية واجتماعية وتاريخية أبدعوا وأنتجوا .
استعاد محمد شكري أفق طفولته في كتابه ( الخبز الحافي ) وخبـــر مـرة أخرى( زمن الأخطاء ) / الجزء الثاني من سيرته ، والخاص بفترة شبابه ، وربما كانت محاولته هي الأجرأ في تاريخ الأدب العربي الحديث لأنه تحرش بالمحرّم الجنسي مخترقاً حدوداً اجتماعية وأخلاقية راسخة . ومن هنا كانت شهرته ، فليس القيمة الفنية / الإبداعية هي التي وفرت لشكري الانتشار والقبول في الساحة الأدبية العربية ، وإنما جملة التفاصيل الحياتية الدقيقة التي سبـق أن عايشها وسجلها فيما بعد . فنشأته في ذلك الوسط الفقير والمضطرب ، والمنحل ( على وفق مقاييس معينة ) ومغامراته المفتوحة في الجنس والتهريب والعراك وغيرها كانت المادة الخام الخطرة والممتعة لكتبه التي لاقت الرواج .
لقد كشف محمد شكري من أوراق حياته ما يخشى كل امرئ مهذب تهذيباً تقليدياً من كشفها ، ويعمل جاهداً لإلقائها في محرقة النسيان .
ترسخت السيرة الذاتية جنساً أدبياً على خلفية نشوء أفكار عصر الأنوار الأوروبي ، كما هي حال الرواية .. أي في تلك النقطة الحاسمة ، عندما صار الإنسان ـ ذاتاً وعقلاً وحرية ـ في المركز من اهتمامات الفكر الغربي . ونشأت الأفكار الليبرالية التي تعاملت مع الكائن الإنساني فرداً مستقلاً حراً مميزاً عن المجموع .. في هذا السياق الذي تأخر عربياً حتى بدايات القرن العشرين صار من الممكن للذات الإنسانية أن تعلن عن حضورها في مكاشفة صريحة ، وإضاءة لما هو معتم ومتوار وسري من الحياة ، فلقرون طويلة بقي احتفاظ المرء بأسراره وأسرار جماعته الاجتماعية فضيلة أخلاقية لا يجوز اختراقها . وأمام سلسلة صلبة ومكرسة من محرمات دينية وسياسية واجتماعية لم يجرؤ كثر من الكتّاب على كتابة يومياتهم ومذكراتهم وسيرهم الذاتية ، وإن فعلوا فبمواربة وتردد وحيطة وحذر .
وبدلاً من كتابة سيرهم الذاتية مباشرة ، بأسلوب صريح لجأ الكتّاب العرب إلى الفن الروائي ليتواروا خلفها ويفضحوا ، وإن على استحياء ، جوانب من أسرارهم وأشيائهم الخفية .. هذا ما فعله سهيل إدريس في رواية ( الحي اللاتيني ) ، وتوفيق الحكيم في رواية ( عصفــور من الشـــرق ) ، وجبـــرا إبراهيم جبــرا في روايـــة ( صيادون في شارع ضيّق ) ، وثمة أمثلة كثيرة أخرى بهذا الخصوص .
وكان طه حسين في كتابه ( الأيام ) ، رائداً في مجال كتابة السيرة ، على الرغم من أنه تجنب استخدام ضمير المتكلم ( أنا ) وهو يتحدث عن نفسه مفضلاً عليه ضمير الغائب ( هو ) وكأنه يتحاشى مواجهة الذات أو يلتزم بذلك المبدأ القديم الذي بموجبه يتعوذ المرء من كلمة ( أنا ) ، وهذا الابتعاد عن تعرية التاريخ الشخصي له صلة بعوامل نفسية واجتماعية معروفة ، لذا نجد أن هذا الكتاب ( الأيام ) أقرب إلى الجنس الروائي منه إلى جنس السيرة . أما الروائي العراقي مهدي عيسى الصقر في كتابه ( وجع الكتابة ) ، وبعد أن أنبأنا بأنه بصدد كتابة سيرة وذكريات فقد خيّب ظننا إلى حد ما، لأنه لم يجرؤ على فتح ملفاته السرية ، ولم يمر على المناطق المعتمة داخل ذاكرته إلاّ بشكل سريع ، وبكشاف لم يُنر سوى أقل القليل من تلك المناطق .
إن المرتكز الرئيس في جنس السيرة (biography ) والسيرة الذاتية ( auto biography )هو الشخصية . والعناصر الأخرى المؤسسة ( بكسر السين الأولى ) للبنية السردية ، من لغة وفضاء زماني ومكاني وأسلوب وغيرها إنما تتجه إلى إضاءة الحياة النفسية والاجتماعية والفكرية لهذه الشخصية على الرغم من محاولات لخرق هذا المبدأ قام بها بعض الكتّاب نذكر منهم الروائي عبدالرحمن منيف الذي أرّخ لسيرة مدينة عمّان في كتابه ( سيرة مدينة ) ، ونستطيع القول أن منيف ، في هذا الكتاب ، جعل من عمّان الشخصية التي ارتكزت عليها كتابته للسيرة ، أو أنه عرض جانباً من نمو وتطور شخصيته على خلفية صورة بانورامية واسعة لمدينة عمّان في فترة الأربعينيات من القرن الماضي .
لم تتبلور بعد تقاليد راسخة لكتابة السيرة الذاتية في الأدب العربي ، فهذا الجنس الأدبي عرفناه في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تحديداً ، بعد تأسيس الدولة الجديدة وأنظمتها بمؤسساتها ومشاريعها الحداثية ، وما تبع ذلك من تغيرات على صعيد العلاقات الاجتماعية ونظم الإنتاج ، وما حصل معها من تماس ثقافي وحضاري مع الغرب . غير أننا نلمس ، يوماً بعد آخر ، فتوحات مضافة في هذا المجال تجعلنا أمام آفاق للإبداع لم نخبرها من قبل .



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف: إشكالية المفهوم والوظيفة
- كالفينو: الوصايا والإبداع
- مكر كونديرا
- في رواية -الإرهابي- لديفيد معلوف: هل حدثت الجريمة حقاً؟.
- حياة أوفيد المتخيلة
- المثقف والفاشي وهاجس الأرشيف
- في رواية ( كل الأسماء ) لساراماغو: البحث عن الذات عبر البحث ...
- بين كاداريه وساراماغو: أضاليل التاريخ ومناورات الروائي
- في الذكرى المئوية لولادة سارتر
- المجتمع الاستهلاكي: الأسطورة وصناعة الزائف
- الحوار المتمدن في أفقنا المعرفي
- الإعلام والعولمة: كيف يحولنا الإعلام؟
- حوارمع سعد جاسم أجراه بلاسم الضاحي
- هيرمان الساحر
- أدب الرحلات والشرق المفترض
- السيرة الذاتية: حضور الوثيقة ومناورات الذاكرة
- المثقف وخانق السياسة
- نصف حياة - نيبول - نموذج للرواية ما بعد الكولونيالية
- أدب ما بعد الكولونيالية: إتساع المفهوم وتحديدات السياق
- إخفاق المثقفين


المزيد.....




- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الرواية وسيرة الروائي