أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - قصَّةُ المرأة ذاتِ القَميصِ الخَمري














المزيد.....

قصَّةُ المرأة ذاتِ القَميصِ الخَمري


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6827 - 2021 / 2 / 28 - 14:09
المحور: الادب والفن
    


جارتي في الطَّابِقِ الخامسِ مِنَ العمارةِ المُقابِلة امرأةٌ غريبَةُ الطّباع.

كُلَّ مساءٍ تمامَ العاشرَة، وَمنذُ قدُومي قبلَ شهرِينِ إلى هذا الحي، تخرجُ إلى الشُّرفة مُرتدية قمِيصَ نَومٍ خَمرِيّ يَسمحُ للنسِيم بِمُداعبة جسدِها كعاشقٍ جيِّد، ثمَّ تضعُ فوقَ الطَّاولةِ ركوةَ القهوةِ وتَجلسُ لساعةٍ ترشفُ من فنجانهَا وتدخِّنُ السَّجائِر.

بعدَ أن تفرغَ منَ السفرِ بعينيها في المجهُول، تعُودُ إلى صالونِ شقَّتهَا ذي النَّافذةِ المُباركة. تضعُ فِي آلةِ التسجيلِ اسطوانَةَ مُوسِيقَى وتبدَأ الرَّقص.

لم يهبني الرَّبُّ موهبةً أو هوايَةً عظيمة، فَأنَا رَجلٌ بَسِيطٌ أعمَلُ عبدَاً فِي هيئةِ مُوظَّفٍ وأعِيشُ وحدِي مُنذُ الأزَل.

شاءَ اللهُ أن أكُونَ ساذجَاً جِدّاً فكَانت مُراقبةُ جارتِي كُلَّ مساءٍ هوايتي وموهبتي الوحيدَة.

حرصَاً منّي ألَّا ألفتَ انتباهها، أطفئُ مصباحَ غُرفتي واتخذُ مجلسي بِالقُربِ من النَّافذة بعد أن أكُون قَد هيأتُ لنفسِي كأساً منَ المتة ثمّ أُشعلُ سجَائِرِي الواحدةَ تلوَ الأُخرَى سَائلاً المولى أن تقُومَ السيِّدة بجميعِ الحرَكاتِ التي تجعَلُ من اهتزاز نهدِيهَا أكثر وأشهى خلالَ الرَّقص.

ـ إنَّ اهتزاز نهدي المرأةِ أجمَلُ بألفِ مرّةٍ مِن شلالاتِ نِياغارَا وغاباتِ الأمَازُونِ وجمِيعِ أنوَاعِ الطّيور ومُعظَم أصنَافِ الكَائِنَاتِ.

قلتُ لِنَفسِي وَأنَا أُرَاقِبُ وَلَا أشبَع.

كانَ خَصرُهَا يمِيلُ على وقعِ المُوسِيقَى كمَا يميلُ النَّخِيلُ في ليلة خرِيفٍ هادِئة أمَّا روحي فكانت كلَّما هزَّت مُؤخِّرتها تخرجُ مِن جسدي هنيهاتٍ تَرَى فِيها الكواكِبَ كيفَ تَدورُ حولَ النَّجمِ المُقدَّسِ ثمَّ تعودُ إلي.

ذاتَ مَساءٍ، اتَّخَذتُ القَرَار. هِيَ وَحيدةٌ وَأنَا كائنٌ شِبهُ مُنقَرِض، سَأطرِقُ بَابَهَا وَمَن يَدرِي، رُبَّمَا تَقبل.

ارتَدِيتُ أجمَلَ قَمِيصٍ عِندِي بَعدَ أن حَلقتُ ذَقنِي وَوَضعتُ القَلِيلَ مِنَ العِطرِ ثمَّ قَصَدتُهَا.

طَرقتُ البَابَ مَرَّةً وَاثنَتِين وَثَلاث، دُونَ جَدوى.

وَقفتُ حَزِينَاً خَائِبَاً، وَحِينَ أوشكتُ عَلَى الانصِرَافِ رأيتُ عَجُوزَاً يصعدُ الدَّرج.

نَظَرَ إليَّ بِدَهشَةٍ وَرِيبةٍ ثُمَّ استَفسَرَ عَن سَبَبِ وُقُوفِي بِبَابَ الشَّقَّةِ الصَّامِتَة.
قلتُ:
ـ قَصدتُ السَّيَّدَةَ صَاحِبَةَ الشَّقَّةِ بِأَمرٍ هَام وَلَم أكُن أعلَمُ أنَّهَا تَخرُجُ فِي مِثلِ هَذا الوَقت.
أوقَعَ الكَهلُ مِن يَدِهِ كِيسَ التُّفَّاحِ وفنجرَ عينيهِ كأنَّهُ رَأى شَبَحَاً.

لَا أذكُرُ كيفَ وصلتُ الغُرفة.
فِي قَلبِ خَوفِي اتَّخَذتُ مَجلِسِي قُربَ النَّافِذةِ أدَخِّنُ مُستَعيدَاً ما قالهُ لي العَجُوز.

ـ هَذا مَنزِلٌ مَهجُورٌ مُنذُ عشرينَ عَامَاً، كانت صَاحِبتُهُ امرأةً رَائِعةَ الجَمَالِ لَكِنَّهَا ألقَت بنفسها مِن على الشرُّفةِ دونَ أن يعرفَ أحدٌ السبب.

أغلبُ الظنِّ أنها كانت عاشقةً لرجلٍ خذلها.
كثرت الأقاويلُ بعد انتحارها وهنالك من قال إنها مجرد عاهرة.

كثيرون في هذا الحي يروون الأقاصيص عنها.

أشعلت سيجارة جديدة ورحت أراقب من بعيد شبحاً لامرأة ترقص بقميص نوم خمري على وقع موسيقى خريفية هادئة.

من كتابي ( المبغى)



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصة الكاملة للفتاةِ المُتعَبة هلا
- فوقَ أرضِ الذاكرة
- سفينةٌ شراعية صغيرة
- آخرُ صورةٍ للأصدقاءِ في دمشق
- رحلة صيدٍ غير واضحةِ المَعَالِم
- لن أعضَّ شفتيكِ.. كثيراً
- لهجةٌ ريفيّة غامضة
- أيّامٌ في البدروسية
- برفقةِ السجّان
- عبرَ ذلك القميص الحريريِّ الأحمر
- أرجوك... استيقظ
- هكذا جبتُ السِّنين
- كانت أياماً تُعاش
- قبل قليل كان سيقتلني الملل
- قالت لنفسها
- حينَ ماتَ ذلكَ الجندي
- لأنّكِ تُكمِّلينني
- وكان الضوء أسرع كما في كل مرة
- الحلوة صاحبة الصورة
- حكاية رجلٍ آلي


المزيد.....




- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما
- سعد الدين شاهين شاعرا للأطفال
- -جوايا اكتشاف-.. إطلاق أغنية فيلم -ضي- بصوت -الكينج- محمد من ...
- رشيد بنزين والوجه الإنساني للضحايا: القراءة فعل مقاومة والمُ ...
- فيلم -ساحر الكرملين-...الممثل البريطاني جود لو لم يخشَ -عواق ...
- معبر رفح بين الرواية المصرية الرسمية والاتهامات الحقوقية: قر ...
- رواية -رجل تتعقّبه الغربان- ليوسف المحيميد: جدليّة الفرد وال ...
- وحش الطفولة الذي تحوّل إلى فيلم العمر.. ديل تورو يُطلق -فران ...
- جود لو يجسّد شخصية بوتين.. عرض فيلم -ساحر الكرملين- في فينيس ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - قصَّةُ المرأة ذاتِ القَميصِ الخَمري