أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - رحلة صيدٍ غير واضحةِ المَعَالِم














المزيد.....

رحلة صيدٍ غير واضحةِ المَعَالِم


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6817 - 2021 / 2 / 18 - 10:56
المحور: الادب والفن
    


بعدَ أن مشيتُ على غيرِ هدىً ساعةً من الزمن أجترُّ الأفكارَ السخيفة وجدتُ نفسي قربَ مرفأ الصيادين.

حينَ استنشقتُ رائحةَ البحرِ ممزوجة بعطرِ زيتِ مُحركاتِ الشخاتيرِ والرطوبةِ ازدادت في عروقي رغبتان.. واحدةٌ تؤدِّي إلى مهبلِ المرأة، والأخرى إلى السجائر.

الحصولُ على امرأةٍ في هذا المكانِ صعبٌ جداً ولا مال عندي كفاية كي أنقدهُ لبائعةِ هوى فنحنُ في العشر الأواخر من الشهر.

علبة التبغِ كانت في متناولِ يدي وهكذا امتشقتُ سيجارة أشعلتها ثمّ رحتُ أعبُّ منها وأنا أراقبُ مجموعة من الهنود يُجهِّزونَ المركبَ استعداداً للإبحارِ في مياهِ الخليج.

فضولي للحديثِ مع أبناء جلدتي ولغتي لا يتجاوزُ الرقم واحد بعد فاصلة الصفر فما بالكَ بمن هم ليسوا من أبناء جلدتي ولغتي وصدقاً لستُ أدري يومها لماذا سألتُ أحد الصيادين بإنكليزيةٍ مُكسَّرة:

ـ إلى أين تبحرون؟

على الفورِ هزّ الشابُ الأسمرُ رأسهُ كما يفعلُ مليارُ هندي من وطنه وأجاب بإنكليزيةٍ مُكسَّرةٍ أيضاً:

ـ إلى الصيد.

سحبتُ نفساً قوياً من سيجارتي وقبلَ أن أبادرَ إلى سؤالي التالي نفثتُ الدخانَ واعتقد أنني حرّكتُ رأسي كما فعلَ الهندي قبل قليل ثمّ قلت:

ـ كم تستغرقُ الرحلة؟

ـ ست ساعات تقريباً.

أجابَ وأردفَ مازحاً:

ـ هل ترغبُ في الإبحار معنا؟

ثمّ واصل تجهيز شباكِ الصيد.

رميتُ عقبَ سيجارتي في الماءِ وبقفزةٍ واحدةٍ أصبحتُ على متنِ القارب.

تفاجأ الهنودُ من وجودي بينهم لكنني طمأنتهم وأخبرتهم أنني أبحرُ معهم للصيدِ من باب التسلية ولا أريدُ شيئاً فالمللُ والوسواسُ القهري ناكَا حياتي بما فيه الكفاية.

هنا سألني أحدهم:

ـ ماذا تعملُ كي تكسبَ لقمةَ عيشك؟

شرحتُ لهم بإيجازٍ طبيعة عملي كموظفٍ في إحدى المؤسساتِ الخاصة وعندما وجدتهم مهتمين أضفت:

ـ قدمتُ إلى هذه البلاد منذ 12 عاماً، أستيقظُ كلَّ يومٍ عند السادسة صباحاً وأعود إلى غرفتي عند الخامسة عصراً، لا أصدقاء عندي لأنني أمقتُ الناس وغباءهم (باستثنائكم طبعاً ايها السادة المحترمون)، أتناولُ الطعام وحدي، أشاهدُ التلفاز وحدي، ونظراً لأن المرتبَ الذي أتقاضاه متواضعٌ أكتفي بمضاجعةِ عاهرة ما مرَّة واحدةً خلال الشهرِ كله.

من ثلاجةٍ صغيرةٍ أخرجَ رجلٌ خمسيني نحيلٌ جداً علبةَ بيرة معدنية من النوع الحقير ورماها صوبي بينما كان المركبُ يمخرُ عباب اليمِّ الأزرق فأمسكتها وأومأتُ برأسي شاكراً فقد كانت عندي أثمن من زجاجة كونياك فاخر.

قبلَ قليلٍ كان سيقتلني السأم وها أنا الآن في عرضِ البحرِ برفقةِ مجموعة من الهنودِ الشجعان الذين لا يتقنون من العربية إلا مفردات قليلة وإنكليزيتهم أسوأ من إنكليزتي بمراحل.

حين أصبحت الأبراجُ السكنية المتاخمة للشاطئ كالخيالاتِ بالنسبة لنا راحَ صيادو المركبِ ينشرونَ شِباكهم في الماءِ على أملِ أن يعلقَ فيها أكبرُ قدرٍ من الأسماك.

الطقسُ جميلٌ في هذا الوقتِ من العام لكن على حين غرّة انقلبَ كلُّ شيءٍ وبعدَ أن كانَ لونُ الحياة (بامبي) أصبحَ رمادياً.

اكتظَّتِ السماءُ بغيومٍ مُدجَّجةٍ وهبّت رياحٌ عاتيةٌ فغدا ارتفاعُ الموجةِ لا يقلُّ عن مترين أو ثلاثة.

عندما بدأ المطرُ ينهمرُ بغزارةٍ أدركنا جميعاً أن الله لا يمزح.

هذا المركبُ الصغيرُ غير مزودٍ بسقفٍ أو خيمةٍ تقي والأمواجُ المُضطربة راحت تتقاذفهُ ذاتَ اليمينِ وذات الشمالِ حتَّى أن شباكَ الصيدِ الموصولة بهِ باتت خطراً وعلى الجميع المساعدة في جمعها.

طلبَ منِّي قبطانُ المركبِ أن أحافظَ على توازن دفّة القيادة وانضمَ إلى أصدقائه في الصراعِ مع الموت كي يجمعوا الشباك.

أمسكتُ الدفَّة بحزمٍ ولساعةٍ أو أكثر بقي المركبُ فوقَ سطحِ الماء يقاوم لكنَّ الرياحَ اشتدت وعلا صراخُ الصيادين فقلتُ لنفسي:

ـ كان يجبُ ألا أصعد، سامحني الله.

قبلَ أن تغرقَ التايتنك وضعَ الأخ (جاك) قضيبهُ في المؤخِّرةِ الشهيّة للآنسة (روز) وغرقَ راضياً مرضياً أما أنا فلا يمكن لأحدٍ أن يتخيَّلَ حجمَ الخيبةِ التي أعاني منها.

الموجة السابعة لا علاقة لها بسمفونيات بيتهوفن فهي موجة شاهقة يسميها البحارة (قبلة الموت) بكلِّ صخبِ الجحيمِ اقتربت من مركبنا ثم قبَّلته وهكذا أصبحنا في العالم الآخر.

بعد أن استجمعت روحي قواها انطلقت بسرعة الضوءِ صوبَ الرفيق الأعلى.

في الأعلى أخبرني مدير مكتبِ الرفيقِ أنه مشغول فقررتُ أن أدخل إلى الجنة دون استئذان لكن مدير المكتب صاح بانفعالٍ:

ـ إلى أين تدخل هكذا يا أفندي؟
هل تعتقدُ أنها جنَّة من غير بوَّاب؟

لم تكن عندي رغبةٌ للنقاشِ التافه حول جدوى الحكاية منذ البدايةِ فأخرجتُ من جيبِ قميصي علبة التبغِ وقلتُ للصيادِ حين سألني بمزاحٍ عن رغبتي في الإبحار معهم:

ـ لا، شكراً.

من كتابي (اختلافٌ عميق في وجهاتِ النظر)



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لن أعضَّ شفتيكِ.. كثيراً
- لهجةٌ ريفيّة غامضة
- أيّامٌ في البدروسية
- برفقةِ السجّان
- عبرَ ذلك القميص الحريريِّ الأحمر
- أرجوك... استيقظ
- هكذا جبتُ السِّنين
- كانت أياماً تُعاش
- قبل قليل كان سيقتلني الملل
- قالت لنفسها
- حينَ ماتَ ذلكَ الجندي
- لأنّكِ تُكمِّلينني
- وكان الضوء أسرع كما في كل مرة
- الحلوة صاحبة الصورة
- حكاية رجلٍ آلي
- وحدهُ صوت الريح كان يهدر في ذلك المساء
- رسالة في صندوق البريد
- في مكانٍ ما شرقَ البلاد
- مواطنٌ من دولة الأشباح
- على مفرقِ الأيام


المزيد.....




- -عرس الجن-.. فنان كويتي شهير يدعو الأهالي لتجنب اصطحاب أطفال ...
- بعد أكثر من 14 عاما من الغياب .. مسرح الغرفة إلى الواجهة مجد ...
- أفلام صيف 2025.. منافسة ساخنة بين توم كروز وبراد بيت وسوبرما ...
- كيف يغير الذكاء الاصطناعي بيئة العمل الصحفي؟
- الوجه المخفي ل -نسور الجمهورية- في فيلم طارق صالح
- -فنان العرب- يتعرض لوعكة صحية ويكشف عن حالته بعد اعتذاره عن ...
- مهرجان كان: الممثل طاهر رحيم يفقد 20 كيلوغراما لأداء دور مدم ...
- شاكيرا تتعرض لموقف محرج على المسرح وتعلق عليه (فيديو + صورة) ...
- دور الرواية الفلسطينية كسلاح في مواجهة الإحتلال
- الشتات الفلسطيني والمقاومة ضد التحيزات الإعلامية في أميركا ا ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - رحلة صيدٍ غير واضحةِ المَعَالِم